الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِيمَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ الْمَلَائِكَةَ أَوْ الْأَنْبِيَاءَ أَوْ سَبَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ]
ِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ اسْتَوْعَبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله الْكَلَامَ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ لِغَيْرِهِ مَقَالًا، وَقَالَ رحمه الله لَا خِلَافَ إنْ سَابَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِتَابَتِهِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ.
وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَابْنُ حَازِمٍ: لَا يُقْتَلُ بِالسَّبِّ حَتَّى يُسْتَتَابَ.
مَسْأَلَةٌ: وَأَفْتَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ فِي رَجُلٍ لَعَنَ رَجُلًا وَلَعَنَ اللَّهَ، وَقَالَ: إنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَلْعَنَ الشَّيْطَانَ فَزَلَّ لِسَانِي، فَقَالَ: يُقْتَلُ بِظَاهِرِ كُفْرِهِ وَلَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ، وَهُوَ مَعْذُورٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
مَسْأَلَةٌ: وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ قُرْطُبَةَ فِي قَتْلِ رَجُلٍ قَالَ عِنْدَ اسْتِثْقَالِهِ مِنْ مَرَضِهِ: لَقِيت مِنْ مَرَضِي هَذَا لَوْ قَتَلْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ أَسْتَوْجِبْ هَذَا كُلَّهُ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ رَأَى بِطَرْحِ الْقَتْلِ عَنْهُ: إنَّهُ يُثْقَلُ عَلَيْهِ فِي الْحَبْسِ وَالشَّدِّ فِي الْأَدَبِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَوْ تَكَلَّمَ بِمَا فِيهِ اسْتِخْفَافُ مَنْ لَا يَضْبِطُ كَلَامَهُ كَمَا جَرَى مِنْ ابْنِ أَخِي عَجَبٌ، وَكَانَ مُسْتَخِفًّا فَخَرَجَ يَوْمًا فَأَخَذَهُ الْمَطَرُ فَقَالَ: بَدَأَ الْحَزَّازُ يُرْشِي جُلُودَهُ، فَأَفْتَى أَبُو زَيْدٍ صَاحِبُ الثَّمَانِيَةِ بِأَدَبِهِ وَتَوَقَّفُوا عَنْ قَتْلِهِ وَرَأَوْهُ عَبَثًا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: دَمُهُ فِي عُنُقِي فَقُتِلَ وَصُلِبَ.
فَرْعٌ: وَأَمَّا مَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ الْهَفْوَةُ الشَّاذَّةُ وَلَمْ يَكُنْ نَقْصًا، فَقَالَ الْقَاضِي: يُعَاقَبُ بِقَدْرِ مُقْتَضَاهَا وَشُنْعَةِ مَعْنَاهَا وَصُورَةِ حَالِ قَائِلِهَا.
وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ نَادَى رَجُلًا بِاسْمِهِ فَأَجَابَهُ لَبَّيْكَ فَقَالَ إنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ سَفَهٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَشَرَحَ قَوْلَهُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَالْجَاهِلُ يُزْجَرُ وَيُعْلَمُ، وَالسَّفِيهُ يُؤَدَّبُ وَلَوْ قَالَهَا عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ رَبِّهِ كَفَرَ.
فَصْلٌ: وَمَنْ سَبَّ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ قُتِلَ، قَالَهُ سَحْنُونٌ وَسَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَاضِي قُرْطُبَةَ.
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ بِالْوَحْيِ وَإِنَّمَا النَّبِيُّ عَلِيٌّ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ الْقَابِسِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ غَضْبَانَ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَلَكٍ، إنْ عُرِفَ أَنَّهُ قَصَدَ ذَمَّ الْمَلَكَ قُتِلَ.
فَصْلٌ: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي سَبِّ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ، أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ وَالِازْدِرَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ النَّقْصِ لِشَأْنِهِ أَوْ الْغَضِّ مِنْهُ وَالْعَيْبِ لَهُ فَهُوَ سَابٌّ تَلْوِيحًا كَانَ أَوْ تَصْرِيحًا، وَكَذَلِكَ مَنْ لَعَنْهُ أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَوْ تَمَنَّى مَضَرَّةً لَهُ، أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ، أَوْ عَبِثَ فِي جِهَتِهِ الْعَزِيزَةِ بِسُخْفٍ مِنْ الْكَلَامِ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَرَى مِنْ الْبَلَاءِ وَالْمِحْنَةِ عَلَيْهِ، أَوْ غَمَّضَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ الْجَائِزَةِ وَالْمَعْهُودَةِ لَدَيْهِ قُتِلَ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إجْمَاعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - إلَى هَلُمَّ جَرَّا.
مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَحَدُهُمَا عَدْلٌ أَنَّ رَجُلًا سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَدَبُ الْوَجِيعُ وَالتَّنْكِيلُ وَيُطَالُ سَجْنُهُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ.
فَرْعٌ: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْوَاحِدِ وَاللَّفِيفِ مِنْ النَّاسِ فَتَدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلَ وَيُجْتَهَدُ فِي أَدَبِهِ بِقَدْرِ شُهْرَةِ حَالِهِ وَقُوَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَضَعْفِهَا وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ عَنْهُ، وَاسْتِيفَاءُ أَحْكَامِ هَذَا الْبَابِ مَحَلُّهَا كِتَابُ الشِّفَاءِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ.