الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْحُكَّامِ دَرْءُ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ، فَإِنَّهَا تُغْلِقُ مِنْ الشَّرِّ أَبْوَابًا وَتُجْزِلُ لِلْقَائِمِ فِيهَا ثَوَابًا، وَمِمَّا تَصِلُ الْقُدْرَةُ إلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَى الْقُضَاةِ أَنْ يَحْمِلُوا الْعَامَّةَ عَلَيْهِ، كَتْبِ الصَّدَقَاتِ وَالْإِشْهَادِ فِيهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مَهْجُورٌ فِي الْمَدِينَةِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا تَبْرَأُ لِلْحُكَّامِ مَعَهُ ذِمَّةٌ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَثِيرًا مَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّةِ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْضَبِطُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَكَتْبِ ذَلِكَ عَلَى ظَهْرِ كِتَابِ الصَّدَاقِ، وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى شَهَادَةِ شُهُودِهِمْ فِي ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا يَقَعُ مِنْهُمْ مِنْ التَّسَاهُلِ فِي الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ، لِأَنَّ مَذْهَبَهُمْ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إذَا وَقَعَ فِي حَالِ الْغَضَبِ الشَّدِيدِ، وَيَشْتَرِطُونَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ عُدُولٍ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ وَلَوْ طَلَّقَ مِرَارًا فِي خَلْوَةٍ أَوْ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ لَمْ يَلْزَمْ، وَأَيْضًا فَالطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عِنْدَهُمْ فِي كَلِمَةٍ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَثِيرًا مَا شُهِدَ عَلَى الرَّجُلِ أَنَّهُ طَلَّقَ ثَلَاثًا، فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ أَنْ لَا يُرَاجِعَهَا إلَّا بَعْدَ زَوَاجٍ فَيُرَاجِعُهَا خُفْيَةً، وَلَا يَطَّلِعُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَنْكِحَةُ مَضْبُوطَةً بِالصَّدَقَاتِ وَالطَّلَاقِ، وَالْمَرْأَةُ مَكْتُوبَةٌ عَلَى ظَهْرِ الصَّدَقَاتِ انْحَسَمَ بَابُ الْفَسَادِ، وَمِنْ فَوَائِدِ كِتَابَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَصَدَّى لِذَلِكَ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَشْهَدَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ إلَّا أَهْلُ السُّنَّةِ، فَتَنْحَسِمُ مَادَّةُ شَهَادَتِهِمْ فِي الْأَنْكِحَةِ وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يُبْتَلَى بِهَا الْحَاكِمُ، وَمِمَّا أَهْمَلَهُ بَعْضُ الْحُكَّامِ أَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ فِي الْغَالِبِ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ الْبَلَدِ، وَلَا يَسَعُهُمْ إهْمَالُ ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ الْحَاكِمُ الشَّافِعِيُّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ زُكِّيَ فِي الْغَالِبِ، انْدَفَعَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْحُكُومَاتِ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ سَلَكُوا هَذَا الْمَسْلَكَ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ شَرْعًا لَا يَسَعُهُمْ غَيْرُهُ وَالْتَزَمُوا الْأَخْذَ بِهِ، لَكَانَ النَّاسُ يَضْطَرُّونَ إلَى إشْهَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي سَائِرِ أُمُورِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ وَبِيَاعَاتِهِمْ وَسَائِرِ عُقُودِهِمْ، وَلَمْ تُرْفَعْ إلَى الْحَاكِمِ شُهُودُ الْإِمَامِيَّةِ إلَّا فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِمَّا لَا يَحْضُرُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ، مِثْلُ قَذْفٍ أَوْ جَرْحٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، فَيَخِفُّ الْأَمْرُ وَتَكُونُ شَهَادَتُهُمْ مَقْصُورَةً عَلَى مَحَلِّ الضَّرُورَةِ.
[فَصْلٌ وِلَايَة حُكَّامِ طَائِفَة الشِّيعَةِ الْإِمَامِيَّة]
وَاعْلَمْ أَنَّ وِلَايَةَ حُكَّامِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ إذَا كَانُوا حُكَّامًا غَيْرُ صَحِيحَةٍ مِنْ وَجْهَيْنِ: