الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ يُقَالَ هُنَا مَا قَالَهُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ: أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الشَّاهِدَ مِنْ أَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً وَكَانَ فَاسِقًا بِغَيْرِ الْكَذِبِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَأَنَّ مَدَارَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَرَدِّهَا عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّ الصِّدْقِ وَعَدَمِهِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ.
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَقْضِيَةِ حُكَّامِ الشِّيعَةِ الْإِمَامِيَّةِ]
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَقْضِيَةِ حُكَّامِهِمْ وَالشَّهَادَةِ عَلَى خُطُوطِهِمْ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَالْقَاضِي الَّذِي لَا تُرْضَى أَحْوَالُهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَيُقَلِّدُ أَحْكَامَ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ بِالْجَوْرِ فِي أَحْكَامِهِ، فَإِنَّ أَحْكَامَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِثْلُ أَحْكَامِ الْقَاضِي الْجَائِرِ فِي أَنَّهَا تُفْسَخُ كُلُّهَا وَلَا يَمْضِي مِنْهَا إلَّا مَا عَلِمَ صِحَّةَ بَاطِنِهِ.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ أَصْبَغُ وَأَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ أَقْضِيَةِ الْخُلَفَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَقُضَاةِ السُّوءِ مَا عَدَلُوا فِيهِ، وَيُنْقَضُ مِنْهَا مَا تَبَيَّنَ فِيهِ الْجَوْرُ وَاسْتُرِيبَ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وَيُعْمَلُ فِيهِ بِالْكَشْفِ كَمَا يُصْنَعُ بِأَقْضِيَةِ الْجَاهِلِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ الْقَاضِي بِالْجَوْرِ وَالْحَيْفِ فِي أَحْكَامِهِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، فَتُرَدُّ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا مَا عُرِفَ بِالْجَوْرِ فِيهَا وَالْجَهْلِ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ تَنْفَسِخَ كُلُّهَا وَلَا يَمْضِي مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالرِّضَا وَهُوَ لَوْ شَهِدَ فِي دِرْهَمٍ وَاحِدٍ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ، فَكَيْفَ يَمْضِي قَوْلُهُ حَكَمْت لِهَذَا عَلَى هَذَا بِأَلْفِ دِينَارٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ قَالَ، وَأَمَّا أَحْكَامُ الْخَوَارِجِ الْإِبَاضِيَّةِ وَمَنْ يُشْبِهُهُمْ، فَلَا أَرَى لِمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُجِيزَهَا وَلَا يُنَفِّذَهَا، إلَّا إنْ ثَبَتَ أَصْلُ ذَلِكَ الْحَقِّ الَّذِي فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَيَحْكُمُ بِهِ وَيُنَفِّذُهُ، فَأَمَّا إنْ كَانَ مَجْهُولًا قَدْ سَجَّلُوا بِهِ كُتُبًا وَذَكَرُوا فِيهَا شَهَادَةَ أَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدَهُمْ، فَسَمَّوْا الشُّهُودَ أَوْ لَمْ يُسَمُّوهُمْ فَلَا أَرَاهَا جَائِزَةً وَأَرَاهَا مَفْسُوخَةً، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ كَذَلِكَ قَالَ لِي مُطَرِّفٌ.
وَقَالَ لِي أَصْبَغُ هَكَذَا كَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: إلَّا أَنِّي أَرَى سَبِيلَ أَقْضِيَتِهِمْ كَسَبِيلِ أَقْضِيَةِ قُضَاةِ السُّوءِ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَهُوَ الَّذِي وَجَدْت عَلَيْهِ جَمَاعَةَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَهُ، ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَيْضًا فِيمَا حَكَمُوا بَيْنَهُمْ، وَفِيمَا خَلَفُوهُ مِنْ الْبَلَدِ مِنْ
أَثَرِ أَحْكَامِهِمْ فِي الْبَلَدِ الَّذِي ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَمَا قَضَوْا بِهِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ وَمَا خَلَفُوا مِنْ الْفَرَائِضِ عَنْ فَرَائِضِ الْجَمَاعَةِ، لَا أَرَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَعْصِمُ الْمَحْكُومَ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَدَبَّرَ وَيَنْظُرَ فِي حَقِّهِ وَبَاطِلِهِ، سَوَاءٌ مَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِجَوْرٍ فِي بِدْعَتِهِ أَوْ اجْتِهَادٍ فِيهَا، فَيَكُونُ النَّاظِرُ فِيهَا كَالْمُبْتَدِئِ لِمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ، فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَقِيمًا مَضَى، وَمَا كَانَ مِنْهُ جَوْرًا فَلَا يَمْضِي لَهُمْ، مَاتَ الشُّهُودُ أَوْ افْتَرَقُوا أَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ أَوْ كَانُوا عُدُولًا أَوْ مَجْرُوحِينَ.
تَنْبِيهٌ: اُنْظُرْ قَوْلَهُ إذَا وَرَدَتْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ: فِيمَا خَلَفُوهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَكُونُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ أُمَرَاؤُهُمْ مَقْهُورِينَ بِحُكَّامِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكَانُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ نَقْضِ أَحْكَامِهِمْ، وَإِبْطَالِ مُكَاتَبَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ وَلَا مُحَاذَرَةِ فِتْنَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ جَرَى الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الشَّهَادَةِ، وَلَمْ تَجْرِ عَادَةُ حُكَّامِهِمْ بِالتَّسْجِيلِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ الْقَاضِي فِي أَعْلَى الْمَكْتُوبِ ثَبَتَ مَضْمُونُهُ عِنْدِي بِشَهَادَةِ مَنْ أَعْلَمْت تَحْتَ رَسْمِ شَهَادَتِهِمْ وَكَتَبَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى خُطُوطِهِمْ وَإِحْيَاءِ الْمَكَاتِيبِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ لَا تَمْضِي وَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي إثْبَاتِ الْأَوْقَافِ، إذَا اُقْتُرِنَ بِذَلِكَ سَمَاعٌ فِي أَصْلِ الْحَبْسِ لِيَكُونَ تَقْوِيَةً لِلشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا تَنْفُذُ الشَّهَادَةُ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَلَى الْخَطِّ مِنْ أَهْلِ التَّبْرِيزِ فِي الْعَدَالَةِ وَالْفَطِنَةِ وَالنَّبَاهَةِ وَصِحَّةِ التَّمْيِيزِ، وَأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَى خَطِّهِ كَانَ عَدْلًا إلَى أَنْ مَاتَ أَوْ غَابَ، وَأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَى خَطِّهِ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ أَشْهَدَهُ، فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي دَفْعِ ذَلِكَ عَنْهُ مَا اسْتَطَاعَ، إلَّا أَنْ يَخْشَى فِتْنَةً لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى خُطُوطِهِمْ أَحْرَى وَأَوْلَى بِالْمَنْعِ، إلَّا أَنْ يَرَى الْقَاضِي لِذَلِكَ وَجْهًا مِنْ إحْيَاءِ وَقْفٍ وَشَبَهِهِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.