الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَاتِ الَّتِي يَسْقُطُ بَعْضُهَا]
وَيَمْضِي بَعْضُهَا وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِذَا رُدَّتْ شَهَادَةُ الشُّهُودِ فِي بَعْضِ مَا شَهِدُوا بِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا، مِثْلَ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى السَّرِقَةِ، فَإِنَّ الْقَطْعَ يُدْرَأُ عَنْ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ فِيهِ، وَلَوْ ضَمِنَ السَّرِقَةَ مَلِيًّا كَانَ أَوْ مُعْدِمًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ تَجُوزُ فِيهِ، وَلَوْ أُسْقِطَتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْقَطْعِ لِتُهْمَةِ الْأَلْسِنَةِ لَأُسْقِطَتْ فِي تَضْمِينِ السَّرِقَةِ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ شَهِدَ النِّسَاءُ فِي طَلَاقٍ وَدَيْنٍ فِي شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَتْ فِي الدَّيْنِ دُونَ الطَّلَاقِ.
فَرْعٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ، وَأَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى بَطْنِهَا أَوْ فِي خَلْوَةٍ مَعَهَا، وَلَمْ يَقُولَا رَأَيْنَاهُ يَطَؤُهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْفِرَاقِ وَالْعُقُوبَةِ، لِأَنَّهُمَا جَمَعَا فِي شَهَادَتِهِمَا مَا لَوْ فَرَّقَاهُ مَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ، وَأَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَطَؤُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا شَهَادَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا حَدٌّ مِنْ قَبِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ، لَزِمَهَا الْحَدُّ بِالْوَطْءِ، وَالِاثْنَانِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا فِي الزِّنَا فَيَصِيرَانِ قَاذِفَيْنِ، فَجَرَحَ الْحَدُّ شَهَادَتَهُمَا، فَلَمَّا شَهِدَا بِذَلِكَ مَعًا كَانَ فِي شَهَادَتِهِمَا مَا يَجْرَحُهَا فَسَقَطَتْ كُلُّهَا، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَةً لَهُ، وَالْأَمَةُ رَقِيقًا لِسَيِّدِهَا، وَلَمْ تَمْضِ الشَّهَادَةُ لَهُمَا بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ وَلَا لِلسَّيِّدِ مَقَالٌ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِأَنْ يَقُولَا قَدْ كَتَمَانَا لِأَنَّهُمَا أَثِمَا، قَالَا رَأَيْنَاهُ يَطَأُ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ.
فَرْعٌ: وَإِذَا شَهِدَ أَخَوَا رَجُلٍ قَدْ مَاتَ وَكَانَا هُمَا وَارِثَيْهِ، بِأَنَّ هَذَا وَلَدُ أَخِينَا الْهَالِكِ وَكَانَا عَدْلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مِمَّنْ نَالَ سُلْطَانًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَهُمَا بِهِ الْعِزُّ وَالْمَكَانَةُ، لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لَهُ وَلَمْ
يَلْحَقْ نَسَبُهُ وَيَكُونَانِ مُقِرِّينَ لَهُ بِكُلِّ مَا وَرِثَاهُ إنْ أَحَبَّ أَخْذَهُ أَخَذَهُ.
فَرْعٌ: وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْقَوْمِ يَقْطَعُ عَلَيْهِمْ اللُّصُوصُ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ، فَإِنَّ مُطَرِّفًا قَالَ: شَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ فِي ذَلِكَ جَائِزَةٌ فِي الْقَطْعِ، وَفِيمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ لَهُمَا وَلِأَصْحَابِهِمَا مِنْ الْمَالِ، قَالَ: وَلَوْ لَمْ أُجِزْ شَهَادَتَهُمَا لَهُمَا فِي الْمَالِ مَا أَجْزَتْهُمَا فِي اللُّصُوصِ فِي الْقَطْعِ، وَلَا أَجَزْت بَعْضًا مِنْ شَهَادَةٍ وَرَدَدْت بَعْضًا، وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَقُولُهُ، وَأَمَّا ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَقَالَ لِي: سَمِعْت الْمُغِيرَةَ وَابْنَ دِينَارٍ يَقُولَانِ: وَأَنَا أَقُولُ بِهِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِي الْقَطْعِ وَأَمْوَالِ الرُّفْقَةِ، وَلَا تَجُوزُ فِي أَمْوَالِ الشُّهَدَاءِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ لِنَفْسِهِ، قَالَ لِي أَصْبَغُ: كَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: يَجُوزُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ عَدْلَانِ فِي الْقَطْعِ وَفِي أَمْوَالِ الرُّفْقَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي أَمْوَالِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الشُّهَدَاءِ عَلَى الْوَصِيَّةِ يَشْهَدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْهَا بِشَيْءٍ إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً جَازَتْ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عَلَى اللِّصِّ، فِي كُلِّ مَا شَهِدَا بِهِ لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَالِ مَعَ أَنْفُسِهِمَا، إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا، قَالَ لِي أَصْبَغُ: وَلَسْت أَقُولُهُ بَلْ تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ كُلُّهَا فِي الْقَطْعِ وَفِي الْمَالِ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ إذَا كَانَ مَا شَهِدُوا بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ كَثِيرًا، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا اُتُّهِمُوا فِي بَعْضِهَا سَقَطَتْ كُلُّهَا، وَأَرَى شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ جَائِزَةً، وَإِنْ شَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُ لِشَاهِدِهِ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ عِنْدِي أَوْسَطُ ذَلِكَ وَبِهِ أَقُولُ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ.
فَرْعٌ: وَأَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوصَى لَهُ يَشْهَدُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَفِيهَا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ وَالْعِتْقِ لِلْمَمْلُوكِ وَالْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ وَهُوَ مِنْهُمْ، إنْ كَانَ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِهِ تَافِهًا يَسِيرًا لَا يُتَّهَمُ مِثْلُهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصِيَّةِ وَأُعْطِيَ مَا أُوصِيَ لَهُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِهِ كَثِيرًا يُتَّهَمُ فِي مِثْلِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ جَمِيعُهَا.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا كَانَ الَّذِي أُوصِيَ بِهِ فِيهَا تَافِهًا جَازَتْ شَهَادَتُهُ فِيمَا لَمْ يُوصَ لَهُ بِهِ، وَسَقَطَتْ فِيمَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ لِنَفْسِهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ دَقَّ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُتَّهَمْ فِي شَهَادَتِهِ صَارَ الَّذِي لَهُ فِيهَا
تَبَعًا، لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا جَمِيعًا وَلَا تُرَدُّ إلَّا جَمِيعًا، وَبِهَذَا رَأَيْت الْمِصْرِيِّينَ قَالُوا: لِأَنَّ مُطَرِّفًا وَابْنَ الْمَاجِشُونِ قَالَا: إذَا كَانَ الْمُوصِي كَتَبَ ذَلِكَ، أُجْمِعَ فِي كِتَابٍ ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَيْهِ الشُّهُودَ فَأَوْقَعُوا فِيهِ شَهَادَتِهِمْ، ثُمَّ جِيءَ بِالْكِتَابِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَشْهَدُ الشُّهُودُ أَنَّ مَا فِيهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ أَشْهَدْنَا عَلَيْهِ مَكْتُوبًا مَفْرُوغًا مِنْهُ فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ فِيهِ، أَجْمَعُ لِمَا لَهُمْ فِيهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ إنْ كَانَ لَهَا بَالٌ وَلَهَا قَدْرٌ، وَلَا يُطْرَحُ مِنْ شَهَادَتِهِمْ مَا شَهِدُوا بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَيَمْضِي مِنْهَا مَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَالْعِتْقِ لِلْمَمْلُوكِ وَالْوَصِيَّةِ لِغَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ كِتَابٌ وَاحِدٌ وَكَلَامٌ وَاحِدٌ يَلْزَمُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَلَا يَجُوزُ إلَّا جَمِيعًا، قَالَا: وَإِذَا كَانَ الْمُوصِي إنَّمَا أَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَفْظًا فَقَالَ: عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ كَذَا وَكَذَا، لَمْ يَضَعْ كِتَابًا يَلْزَمُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلٍ مُتَفَرِّقٍ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ أَوْ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَقَامَ بِهَا الشُّهُودُ هَكَذَا لَفْظًا عِنْدَ السُّلْطَانِ، أَوْ وَضَعُوا بِهَا كِتَابًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ قَبْلَهُ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ وَلَا يَعْلَمُهُ، إلَّا لِمَا أَحَبَّ الشُّهُودُ مِنْ حِفْظِهِمْ مَا أَشْهَدَهُمْ، ثُمَّ قَامُوا بِذَلِكَ الْكِتَابِ إلَى السُّلْطَانِ وَأَخْبَرُوهُ بِسَبَبِ طَرْحٍ مِنْ ذَلِكَ مَا شَهِدُوا بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَأَمْضَى مِنْ ذَلِكَ مَا شَهِدُوا بِهِ لِغَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَتَوْا إلَى الْحَاكِمِ فَقَصُّوا عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكْتُبُوا ذَلِكَ كَمَا تُكْتَبُ الشَّهَادَاتُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، فَلَا تَفْسُدُ شَهَادَاتُهُمْ مَا ذَكَرُوا فِيهَا مِنْ الْوَصِيَّةِ لِأَنْفُسِهِمْ وَهَكَذَا، كُنَّا نَرَى مَعْنَى مَا كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِي هَذَا، وَسَأَلْت عَنْهُ أَصْبَغَ وَأَعْلَمْته بِهَذَا التَّفْسِيرِ فَقَالَ بِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ.
فَرْعٌ: وَقَالَ لِي مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا فِي ذِكْرِ حَقٍّ عَلَى رَجُلَيْنِ هُمَا لِأَحَدِهِمَا عَدُوَّانِ، فَالشَّهَادَةُ سَاقِطَةٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّجُلِ مِنْ رَجُلَيْنِ هُمَا لِأَحَدِهِمَا عَدُوَّانِ، سَقَطَتْ الشَّهَادَةُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، لِأَنَّ الْكِتَابَ فِي الذِّكْرِ وَفِي الْبَرَاءَةِ حَقٌّ وَاحِدٌ، لَا يَحْسُنُ إلَّا جَمِيعًا وَيَبْطُلُ جَمِيعًا، وَلَوْ شَهِدَا بِذَلِكَ لَفْظًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ سَقَطَتْ عَنْ الْعَدُوِّ وَجَازَتْ لِغَيْرِهِ.
فَرْعٌ: وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الشُّهُودِ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ تَجُزْ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ جَمِيعًا عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزًا وَإِنْ تَقَارَبَ مَا بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلَيْنِ