الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الصَّائِغِ يُشْبِهُ أُجْرَةَ ذَلِكَ الْعَمَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ أَوْ لَمْ يُشْبِهْ أُجْرَةَ مِثْلِهِ، حَلَفَ صَاحِبُ الْحُلِيِّ إنْ كَانَ قَوْلُهُ يُشْبِهُ الْأُجْرَةَ، فَإِنْ أَتَيَا بِمَا يَسْتَنْكِرُ أَعْطَى الصَّائِغَ مَا يَقُولُ أَهْلُ النَّظَرِ، أَنَّهُ أُجْرَةُ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ كِتَابِ رِسَالَةِ الْقَضَاءِ لِمَالِكٍ، وَكَذَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ.
[الْبَابُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْقَضَاءِ بِمُوجَبِ الْجُحُودِ]
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَإِذَا شُهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِطَلَاقِ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَهُوَ يَجْحَدُ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِطَلَاقِهِمَا جَمِيعًا.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَعْتَقَ غُلَامَهُ يَزِيدَ، وَلَهُ غُلَامَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمُهُ يَزِيدُ، وَقَالَتْ الْبَيِّنَةُ لَا نَعْلَمُ أَيَّ يَزِيدَ أَرَادَ فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ: اخْتَرْ أَيَّهمَا شِئْت فَأَعْتِقْهُ فَإِنْ أَقَرَّ وَإِلَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِمَا جَمِيعًا.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي امْرَأَتَيْهِ، فَقَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ وَكِلْتَاهُمَا تُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ ثُمَّ جَحَدَ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ جَحَدَ، فَإِنَّهُمَا يُطَلَّقَانِ عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يُطَلَّقَانِ عَلَيْهِ جَمِيعًا.
مَسْأَلَةٌ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ يَدَّعِي الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ قِبَلَ الرَّجُلِ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ ذَلِكَ فَيُنْكِرُ أَنْ يَعْرِفَ شَيْئًا مِمَّا طَلَبَ، فَيُخَاصِمُهُ فَيَمُوتُ الْعَبْدُ أَوْ الدَّابَّةُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّهَا صَاحِبُهَا، ثُمَّ يَسْتَحِقُّهَا، أَنَّ الْجَاحِدَ غَارِمٌ لِقِيمَتِهَا، لِأَنَّهُ يَوْمَ جَحَدَ صَارَ غَاصِبًا فَصَارَ لِذَلِكَ ضَامِنًا حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ الدَّارُ يَجْحَدُهَا، ثُمَّ يَسْتَحِقُّهَا صَاحِبُهَا وَقَدْ انْهَدَمَتْ بَعْدَ الْجُحُودِ، فَالْجَاحِدُ غَارِمٌ لِقِيمَتِهَا يَوْمَ جَحْدِهَا، وَلَيْسَ يَوْمَ يُقْضَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَوْمَ جَحَدَهَا صَارَ غَاصِبًا لَهَا، وَلَوْ غَصَبَهَا ابْتِدَاءً كَانَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ غَصَبَ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ شَرْطٌ عَلَى زَوْجِهَا فِي الضَّرَرِ، فَضَرَبَهَا وَادَّعَتْ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا، فَأَنْكَرَ الضَّرْبَ جُمْلَةً فَقَامَتْ لَهَا بِهِ بَيِّنَةٌ كَانَ لَهَا بِهِ الْخِيَارُ، فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لِذَنْبٍ أَتَتْهُ وَاسْتَوْجَبْت ذَلِكَ بِهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ أَوَّلًا.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَهَا فَأَرَادَتْ الْأَخْذَ بِشَرْطِهَا، فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَلَهُ مُنَاكَرَتُهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ إنْ كَانَ أَطَاعَ لَهَا بِالشَّرْطِ، إلَّا أَنْ يُنْكِرَ الشَّرْطَ وَيَحُوجَهَا إلَى إثْبَاتِهِ فَتُثْبِتَهُ عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ لَا مُنَاكَرَةَ لَهُ فِيمَا قَضَتْ بِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ.
فَرْعٌ: وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ دَيْنًا مِنْ سَلَفٍ أَوْ قِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ عَارِيَّةٍ، أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَاقٍ أَوْ حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا خَافَ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ أَقَرَّ بِهِ، وَادَّعَى فِيهِ وَجْهًا مِنْ الْوُجُوهِ يُرِيدُ إسْقَاطَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قَامَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا زَعَمَ أَخِيرًا، لِأَنَّ جُحُودَهُ أَوَّلًا إكْذَابٌ لِبَيِّنَتِهِ فَلَا تُسْمَعُ وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا.
تَنْبِيهٌ: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يُقِرَّ، وَلَكِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةُ عُدُولٍ فَأَقَامَ هُوَ أَيْضًا بَيِّنَةً عُدُولًا عَلَى رَدِّ السَّلَفِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْقِرَاضِ أَوْ الْبِضَاعَةِ أَوْ الرِّسَالَةِ أَوْ عَلَى هَلَاكِ ذَلِكَ، فَهُوَ بِإِنْكَارِهِ مُكَذِّبٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ، هَذَا قَوْلُ الرُّوَاةِ أَجْمَعِينَ: ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ.
فَرْعٌ: وَأَمَّا إنْ قَالَ مَا لَك عَلَيَّ سَلَفٌ وَلَا ثَمَنُ سِلْعَةٍ وَلَا لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ وَلَا قِرَاضٌ وَلَا بِضَاعَةٌ، فَلَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ قِبَلَهُ أَقَرَّ بِالْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ، فَزَعَمَ أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ وَالسِّلْعَةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَدَّعِي عَلَيْهِ، أَوْ ادَّعَى هَلَاكَهُ وَأَقَامَ عَلَى مَا ذَكَرَ بَيِّنَةً فَهَاهُنَا تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لِأَنَّ قَوْلَهُ
مَا لَك عَلَيَّ شَيْءٌ يُرِيدُ فِي وَقْتِي هَذَا، وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إذَا قَالَ: مَا أَسْلَفْتنِي وَلَا أَوْدَعْتنِي، فَلَيْسَ مِثْلُ قَوْلِهِ هَذَا مَا لَك عَلَيَّ سَلَفٌ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَ الرُّوَاةِ، إلَّا أَنِّي رَأَيْت فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ السَّمَاعِ شَيْئًا يُخَالِفُ هَذَا، وَأَظُنُّ أَنَّ لَهُ وَجْهًا يَصِحُّ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ بَعَثَ مَعَهُ رَجُلٌ بِعِشْرِينَ دِينَارًا يُبَلِّغُهَا إلَى الْجَارِ، وَلِلْجَارِ مَوْضِعٌ وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ عِنْدَ دَفْعِهِ إلَيْهِ فَحَمَلَ الْكِتَابَ وَبَلَّغَهُ إلَى مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ سَأَلَهُ عَنْ الذَّهَبِ فَجَحَدَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ إنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَهُ الَّذِي أَرْسَلَ مَعَهُ الذَّهَبَ وَقَالَ لَهُ: إنِّي قَدْ أَشْهَدْت عَلَيْك، فَقَالَ: إنْ كُنْت دَفَعْت إلَيَّ شَيْئًا فَقَدْ ضَاعَ، فَقَالَ مَالِكٌ: مَا أَرَى عَلَيْهِ إلَّا يَمِينَهُ، وَأَرَى هَذَا مِنْ مَالِكٍ رحمه الله إنَّمَا هُوَ فِي الْجَاهِلِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ أَنَّ الْإِنْكَارَ يَضُرُّهُ، وَأَمَّا الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ ثُمَّ يُقْدِمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا عُذْرَ لَهُ، مِنْ كِتَابِ الرُّعَيْنِيِّ.
فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي رَجُلٍ بِيَدِهِ دَارٌ وَهُوَ سَاكِنٌ فِيهَا، فَقَامَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِدَعْوَى فَأَنْكَرَ الَّذِي بِيَدِهِ الدَّارُ أَنْ يَكُونَ عَامَلَ الْمُدَّعِيَ فِي الدَّارِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَادَّعَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَفِي مِلْكِهِ، فَأَثْبَتَ الْمُدَّعِي مِلْكَ الدَّارِ، فَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِكِتَابِ ابْتِيَاعِ الدَّارِ مِنْ الْمُدَّعِي، فَأَجَابَ فِي ذَلِكَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَلِيدٍ، بِأَنَّ إنْكَارَهُ لِمُعَامَلَتِهِ تُسْقِطُ مَا قَامَ بِهِ مِنْ كِتَابِ الِابْتِيَاعِ مِنْ الْمُدَّعِي لِلدَّارِ، وَيَجِبُ أَنْ يَخْرُجَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الدَّارِ وَتُقْفَلُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ النَّظَرُ فِيهَا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْأَصْبَغِ بْنُ سَهْلٍ: قَاسُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدَّيْنِ إذَا أَنْكَرَ مُعَامَلَةَ طَالِبِهِ بِهِ، ثُمَّ أَثْبَتَ دَفْعَهُ إلَيْهِ وَقَضَاءَهُ إيَّاهُ، أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ إنْكَارِهِ الْمُعَامَلَةَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَلَفٍ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَأَمَّا إنْ قَالَ: لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ، فَلَمَّا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِسَلَفٍ أَوْ بِبَيْعٍ جَاءَ بِبَرَاءَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَشُهُودٍ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْهُ، وَقَدْ فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى بَيْنَ الْأُصُولِ وَالدَّيْنِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ سُئِلَ ابْنُ كِنَانَةَ عَمَّنْ ادَّعَى أَرْضًا فِي يَدِ رَجُلٍ، فَقَالَ: مَا لَك عِنْدِي أَرْضٌ وَمَا عَلِمْت لَك أَرْضًا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا أَرْضُهُ وَأَثْبَتَهَا، ثُمَّ أَقَرَّ الَّذِي هِيَ بِيَدِهِ أَنَّهَا أَرْضُ الطَّالِبِ، وَقَالَ: لَكِنِّي اشْتَرَيْتهَا وَأَثْبَتَ شِرَاءَهَا، فَقَالَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَكُونُ لَهُ الْأَرْضُ وَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ أَوَّلًا، لِأَنَّهُ يَقُولُ كَانَ حَوْذِي يَنْفَعُنِي، وَأَضَعُ فِي الْأَرْضِ مَا شِئْت وَلَمْ أُقِرَّ فَيَكُونُ عَلَى الْعَمَلِ وَأَعْنِي نَفْسِي فَذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ كَالدَّيْنِ