الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْحُكْمُ الثَّالِثُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ]
مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَا تَنْفَعُهُ النِّيَّةُ أَنَّهُ أَرَادَ أَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ اُشْتُهِرَ فِي إزَالَةِ الْعِصْمَةِ، وَاشْتُهِرَ فِي الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ، وَأَنَّهُ اُشْتُهِرَ فِي الْإِنْشَاءِ لِلْمَعْنَيَيْنِ، وَانْتَقَلَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْ أَنَّهَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً لَكَانَ كَذِبًا بِالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهَا حَلَالٌ لَهُ إجْمَاعًا، فَالْإِخْبَارُ عَنْهَا بِأَنَّهَا حَرَامٌ كَذِبٌ بِالضَّرُورَةِ، وَلَيْسَ مَدْلُولُ هَذَا اللَّفْظِ لُغَةً إلَّا اعْتِبَارَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ دَخَلَ فِي الْوُجُودِ قَبْلَ نُطْقِهِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَهَذَا كَذِبٌ قَطْعًا، فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهَا انْتَقَلَتْ فِي الْعُرْفِ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إزَالَةُ الْعِصْمَةِ، وَالْعَدَدِ الثَّلَاثِ، وَالْإِنْشَاءِ، فَإِنَّ أَلْفَاظَ الطَّلَاقِ مَهْمَا لَمْ تَكُنْ إنْشَاءً أَوْ يُرَادُ بِهَا الْإِنْشَاءَ لَا تُزِيلُ عِصْمَةً أَلْبَتَّةَ، وَمُلَاحَظَةُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ هِيَ سَبَبُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّك لَا تَجِدُ النَّاسَ يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ الصِّيَغَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي ذَلِكَ، بَلْ تَمْضِي الْأَعْمَارُ وَلَا يُسْمَعُ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي حَلِّ الْعِصْمَةِ وَلَا فِي عَدَدِ طَلْقَاتٍ، فَالْعُرْفُ حِينَئِذٍ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَنْفِيٌّ قَطْعًا، وَإِذَا انْتَفَى الْعُرْفُ لَمْ يَبْقَ إلَّا اللُّغَةُ، وَفِي اللُّغَةِ لَمْ تُوضَعْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لِهَذِهِ الْمَعَانِي، وَلَا يَدَّعِي أَنَّهَا مَدْلُولُ اللَّفْظِ لُغَةً إلَّا مَنْ لَا يَدْرِي اللُّغَةَ، وَإِذَا لَمْ تَفْدِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَلَا نِيَّةً وَلَا بِسَاطًا، فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ حِينَئِذٍ بِلَا مُسْتَنَدٍ، وَالْفُتْيَا بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ بَاطِلَةٌ إجْمَاعًا وَحَرَامٌ عَلَى قَائِلِهَا وَمُعْتَقِدِهَا نَعَمْ لَفْظُ الْحَرَامِ فِي عُرْفِنَا الْيَوْمَ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً دُونَ عَدَدٍ وَهِيَ مُشْتَهِرَةٌ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مَعَهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يُفْتِيَ بِطَلْقَةٍ رَجْعِيَّةٍ لَيْسَ إلَّا، وَيَنْوِيَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذُكِرَتْ مَعَهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّهُمَا مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ عَلَى التَّقْدِيرِ، لَكِنْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَأَهْلُ الْعَصْرِ لَا يُسَاعِدُونَ عَلَى هَذَا وَيُنْكِرُونَهُ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ خِلَافُ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا الْكَلَامُ وَاضِحٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ بِعَقْلٍ سَلِيمٍ، وَحُسْنِ نَظَرٍ سَالِمٍ عَنْ تَعَصُّبَاتِ الْمَذَاهِبِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِأَخْلَاقِ الْمُتَّقِينَ لِلَّهِ تَعَالَى.
قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ إذَا قِيلَ لَهُمْ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، يَقُولُونَ: لَا، لِأَنَّهُ صَرِيحُ لُغَةٍ فِي إزَالَةِ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّ الطَّاءَ
وَاللَّامَ وَالْقَافَ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَحَلَالٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طُلِقَ فُلَانٌ مِنْ الْحَبْسِ، وَانْطَلَقَتْ بَطْنُهُ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعَقْدِ، فَإِذَا زَالَ مُطْلَقُ الْقَيْدِ أَوْ قَيْدُ النِّكَاحِ زَالَ قَيْدُ النِّكَاحِ بِالضَّرُورَةِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ فِي جَمِيعِ هَذَا، فَلَا يَجِدُونَ جَوَابًا إلَّا أَنَّهُ مَهْجُورٌ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ، فَلَا يُفِيدُ الطَّلَاقَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ مُنْطَلِقَةٌ مُشْتَهِرًا فِي عَصْرٍ أَوْ فِي مِصْرٍ فِي إزَالَةِ الْعِصْمَةِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَشْتَهِرْ فِي إزَالَةِ الْعِصْمَةِ عِنْدَهُمْ، مَا الْحُكْمُ؟ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولُوا: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِمُنْطَلِقَةٍ دُونَ طَالِقٍ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِطَالِقٍ إزَالَةَ الْعِصْمَةِ عَكْسُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْحَرَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَدُورَ لَفْظُ الْفُتْيَا فِيهَا وَفِي أَخَوَاتِهَا، مَعَ اشْتِهَارِهَا فِي الْعُرْفِ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَفِي أَيِّ شَيْءٍ اُشْتُهِرَتْ حُمِلَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَمَا لَمْ يَشْتَهِرْ فِيهِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا يَكْفِي فِي الِاشْتِهَارِ كَوْنُ الْمُفْتِي يَعْتَقِدُ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَشَأَ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَذْهَبِ وَدِرَاسَتِهِ وَالْمُنَاظَرَةِ فِيهِ، بَلْ الِاشْتِهَارُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ ذَلِكَ الْمِصْرِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ الْإِطْلَاقِ إلَّا ذَلِكَ الْمَعْنَى، لَا مِنْ لَفْظِ الْفُقَهَاءِ بَلْ اسْتِعْمَالُهُمْ هُمْ لِذَلِكَ اللَّفْظِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَهَذَا هُوَ الِاشْتِهَارُ الْمُفِيدُ لِنَقْلِ اللَّفْظِ مِنْ اللُّغَةِ لِلْعُرْفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ: وَيَنْبَغِي لِلْمُفْتِي إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ مُسْتَفْتٍ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُفْتِي أَنْ لَا يُفْتِيَهُ بِمَا عَادَتُهُ يُفْتِي بِهِ، حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ بَلَدِهِ، وَهَلْ حَدَثَ لَهُمْ عُرْفٌ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ أَمْ لَا؟ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ عُرْفِيًّا فَهَلْ عُرْفُ ذَلِكَ الْبَلَدِ مُوَافِقٌ لِهَذَا الْبَلَدِ فِي عُرْفِهِ أَمْ لَا؟ وَهَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ وَاجِبٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، وَأَنَّ الْعَادَتَيْنِ مَتَى كَانَتَا فِي بَلَدَيْنِ لَيْسَا سَوَاءً، إنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعُرْفِ وَاللُّغَةِ، هَلْ يُقَدَّمُ الْعُرْفُ عَلَى اللُّغَةِ أَمْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ، وَالنَّاسِخُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْسُوخِ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ هُنَا.
تَنْبِيهٌ: وَنُقِلَتْ مِنْ الرِّحْلَةِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَشِيدٍ رحمه الله، فِيمَنْ حَلَفَ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ وَحَنِثَ، هَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَوْ وَاحِدَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ عُرْفُ الْحَالِفِ لَا عُرْفُ الْمُفْتِي، فَلَوْ دَخَلَ الْمُفْتِي بَلَدًا لَا يَكُونُ عُرْفُهُمْ فِيهِ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيهِ بِذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعُرْفِ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْعُرْفِ، وَلَوْ