الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي عُقُوبَةِ الْعَائِنِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوُضُوءِ]
ِ وَفِي الْمُوَطَّأِ: «أَنَّ سَهْلَ بْنَ حَنِيفٍ اغْتَسَلَ بِالْخَزَّارِ، فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْظُرُ إلَيْهِ، وَكَانَ سَهْلُ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِلْدِ، قَالَ فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ عَذْرَاءَ، فَوُعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ وَاشْتَدَّ وَعْكُهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُخْبِرَ أَنَّ سَهْلًا وُعِكَ وَأَنَّهُ غَيْرُ رَائِحٍ مَعَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ بِاَلَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِ عَامِرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ أَلَّا بَرَّكْت إنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ تَوَضَّأَ لَهُ فَتَوَضَّأَ لَهُ عَامِرٌ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَعَا عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ أَلَّا بَرَّكْت اغْسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ فِي قَدَحٍ فَصَبَّ عَلَيْهِ» .
وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْغُسْلُ الَّذِي أَدْرَكْنَا عُلَمَاءَنَا يَصِفُونَهُ أَنَّهُ يُؤْتَى الْعَائِنُ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَيُمْسِكُ مُرْتَفِعًا عَنْ الْأَرْضِ فَيُدْخِلُ فِيهِ كَفَّيْهِ فَيُمَضْمِضُ ثُمَّ يَمُجُّهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ فِي الْقَدَحِ صَبَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ كَفَّهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى مِرْفَقِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى مِرْفَقِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى قَدَمِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، كُلُّ ذَلِكَ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ دَاخِلَةَ إزَارِهِ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُوضَعُ الْقَدَحُ فِي الْأَرْضِ وَيُصَبُّ عَلَى رَأْسِ الْمَعِينِ مِنْ خَلْفِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً.
وَقِيلَ: يُسْتَغْفَلُ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ ثُمَّ يُكَفَّا الْقَدَحُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَرَاءَهُ، وَأَمَّا دَاخِلَةُ إزَارِهِ فَهُوَ أَطْرَافُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يُفْضَى مِنْ مِئْزَرِهِ إلَى جِلْدِهِ، قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ: إنَّمَا يَغْسِلُ يَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَلَا يَغْسِلُ مَا بَيْنَ الْيَدِ وَالْمِرْفَقِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي شَرْحِ الْجَلَّابِ لِلْقَرَافِيِّ: فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْوُضُوءِ قُضِيَ عَلَيْهِ إنْ خُشِيَ عَلَى الْمَعْيُونِ الْهَلَاكُ، وَكَانَ وُضُوءُ الْعَائِنِ يُبْرِئُ عَادَةً وَلَمْ يَزُلْ الْهَلَاكُ عَنْهُ إلَّا بِهَذَا الْوُضُوءِ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إحْيَاءِ النَّفْسِ كَبَذْلِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْمَجَاعَةِ، وَقَالَ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْوُضُوءِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ وَأَبَى أَنْ يَفْعَلَهُ بِالْأَدَبِ الْوَجِيعِ حَتَّى يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا يَفْعَلَهُ غَيْرُهُ بِهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ، فَإِنَّ الشِّفَاءَ مَنُوطٌ بِفِعْلِهِ كَمَا أَنَّ الْمَرَضَ النَّازِلَ كَانَ بِسَبَبِهِ، وَلَا يَنْدَفِعُ مَا نَزَلَ بِسَبَبِهِ إلَّا بِفِعْلِهِ.
فَصْلٌ: قَالَ الْبَاجِيُّ: وَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ فِي أَمْرِ الْعَيْنِ وُجُوهًا، أَصَحُّهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ عِنْدَ تَعَجُّبِ النَّاظِرِ مِنْ أَمْرٍ وَنُطْقِهِ، دُونَ أَنْ يُبَرِّكَ أَنْ يَمْرَضَ الْمُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَوْ يَتْلَفُ أَوْ يَتَغَيَّرُ، إلَّا أَنَّ الْعَائِنَ إذَا بَرَّكَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ، بَطَلَ الْمَعْنَى الَّذِي يَخَافُ مِنْ الْعَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ، فَإِنْ لَمْ يُبَرِّكْ وَقَعَ مَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ يُنَافِي ذَلِكَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْبَارِئُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْخَالِقُ لِمَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَلَيْسَ فِيهِمَا حَرَكَةٌ وَلَا سُكْنَةٌ وَلَا كَلِمَةٌ وَلَا لَفْظَةٌ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقَهَا فِي الْعَبْدِ وَهُوَ مُقَدِّرُهَا، وَهُوَ تَعَالَى يُرَتِّبُ أَفْعَالَهُ وَيُرَتِّبُ أَسْبَابَهَا وَيُرَتِّبُ الْعَوَائِدَ عَلَى أَسْبَابٍ.
مِثَالُ ذَلِكَ: الْعَيْنُ فَإِنَّ النَّفْسَ إذَا رَأَتْ صُورَةً تَسْتَحْسِنُهَا فَغَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَاسْتَوْلَى ذَلِكَ عَلَى الْقَلْبِ، فَإِنْ لَمْ تَنْطِقْ بِحَرْفٍ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ شَيْئًا، وَإِنْ نُطِقَتْ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ الْجَمَالِ، فَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ بِأَنَّهُ إذَا خَلَقَ النُّطْقَ بِالِاسْتِحْسَانِ، وَالتَّعَجُّبِ مِثْلًا مِنْ الْعَائِنِ، خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَدَنِ الْمَعِينِ الْمَرَضَ وَالْهَلَكَةَ عَلَى قَدْرِ مَا يُرِيدُ اللَّهُ عز وجل، فَلِذَلِكَ نُهِيَ الْعَائِنُ عَنْ الْقَوْلِ وَالْبَارِئُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ فِي حُكْمِهِ الْوُجُودُ بِذَلِكَ، فَقَدْ سَبَقَ مِنْ حِكْمَتِهِ