الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّ الْعَائِنَ إذَا بَرَّكَ سَقَطَ حُكْمُ فِعْلِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ، وَالْبَارِئُ سُبْحَانَهُ يَرُدُّ قَضَاءَهُ بِقَضَائِهِ.
وَمِنْ حِكْمَتِهِ: أَنْ جَعَلَ وُضُوءَ الْعَائِنِ يُسْقِطُ أَثَرَ عَيْنِهِ وَذَلِكَ بِخَاصَّةٍ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا خَالِقُ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَكَذَلِكَ مَا يَحْدُثُ عِنْدَ قَوْلِ السَّاحِرِ وَفِعْلِهِ فِي جِسْمِ الْمَسْحُورِ أَوْ مَالِهِ، وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ بِمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَمِنْ فُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَفَضْلِهَا وَحِكْمَتِهَا الْبَالِغَةِ، مَا وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الرُّقَى بِإِذْهَابِ الْأَمْرَاضِ مِنْ الْأَبْدَانِ بِهَا، وَإِبْطَالِ سِحْرِ السَّاحِرِ وَرَدِّ عَيْنِ الْعَائِنِ عِنْدَ الِاسْتِرْقَاءِ بِهَا، وَدَفْعِ كُلِّ ضَرَرٍ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْبَارِئُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ الشِّفَاءَ عِنْدَ الِاسْتِرْقَاءِ، كَمَا خَلَقَ الشِّفَاءَ مِنْ الدَّاءِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ وَلَا حَظَّ لِلدَّوَاءِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ فِي عَقْلِ عَاقِلٍ أَنْ يَكُونَ جَمَادًا فَاعِلًا، وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَصْرِفُ الْأَفْعَالَ الْغَرِيبَةَ دَاخِلَ الْبَدَنِ بِالْأَدْوِيَةِ، كَذَلِكَ يَصْرِفُهَا خَارِجَ الْبَدَنِ بِالرُّقَى وَالتَّعْوِيذِ، وَقَدْ شَاهَدْنَا ذَلِكَ وَالشَّاهِدُ أَقْوَى مِنْ الدَّلِيلِ النَّظَرِيِّ
[الْفَصْلُ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الزَّوَاجِرِ الشَّرْعِيَّةِ التَّعْزِيرَاتُ وَالْعُقُوبَةُ]
وَالتَّعْزِيرُ تَأْدِيبُ اسْتِصْلَاحٍ وَزَجْرٍ عَلَى ذُنُوبٍ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا حُدُودٌ وَلَا كَفَّارَاتٌ، وَالْأَصْلُ فِي التَّعْزِيرَاتِ مَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ حَدًّا فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» ، وَهَذَا دَلِيلُ التَّعْزِيرِ بِالْفِعْلِ، وَأَمَّا التَّعْزِيرُ بِالْقَوْلِ فَدَلِيلُهُ مَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَالَ اضْرِبُوهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ بِإِسْنَادِهِ، ثُمَّ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ بَكِّتُوهُ، فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ مَا اتَّقَيْت اللَّهَ؟ مَا خَشِيت اللَّهَ؟ وَمَا اسْتَحْيَيْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ؟ وَهَذَا ثَبَتَ فِيهِ التَّعْزِيرُ بِالْقَوْلِ، وَلَمَّا كَانَ النَّاسُ لَا يَرْتَدِعُونَ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ إلَّا بِالْحُدُودِ وَالْعُقُوبَةِ وَالزَّوَاجِرِ، شُرِعَ ذَلِكَ عَلَى طَبَقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَالْعُقُوبَةُ تَكُونُ عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُقَدَّرٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَتَخْتَلِفُ مَقَادِيرُهَا وَأَجْنَاسُهَا وَصِفَاتُهَا بِاخْتِلَافِ الْجَرَائِمِ وَكِبَرِهَا وَصِغَرِهَا، وَبِحَسَبِ حَالِ الْمُجْرِمِ فِي نَفْسِهِ، وَبِحَسَبِ حَالِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ فِيهِ وَالْقَوْلِ وَقَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ فِي الْعِظَمِ وَالصِّغَرِ، وَحَسَبِ الْجَانِي فِي الشَّرِّ وَعَدَمِهِ.
فَصْلٌ: وَالتَّعْزِيرُ يَكُونُ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ، مِثَالُهُ: مَنْعُ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَعَلَى مَا هُوَ مَشْرُوحٌ فِي بَابِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ: تَرْكُ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ، مِثْلُ الْوَدَائِعِ وَأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَغَلَّاتِ الْوُقُوفِ، وَمَا تَحْتَ أَيْدِي الْوُكَلَاءِ وَالْمُقَارِضِينَ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَالِامْتِنَاعِ مِنْ رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمَظَالِمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى أَرْبَابِهِ، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَبَاهُ وَلَوْ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ.
تَنْبِيهٌ لَا يَدْخُلُ فِي تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الْحَجِّ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَأَمَّا تَرْكُ