الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ جَمِيعِ أَهْلِ الزُّقَاقِ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ زَرْبٍ.
الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُقَابِلْ بَابَ جَارِهِ وَلَا قَرُبَ مِنْهُ، بِحَيْثُ يَقْطَعُ بِهِ مِرْفَقًا عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّ لَهُ تَحْوِيلَ بَابِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إذْ سَدَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ.
تَنْبِيهٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: قَالَ ابْنُ زَرْبٍ، وَإِذَا سُدَّ بَابٌ لِلضَّرَرِ فَلَا يَكُونُ سَدُّهُ تَغْلِيقَهُ وَتَسْمِيرَهُ، وَلَكِنْ يُقْلَعُ الْبَابُ وَعَضَائِدُهُ وَعَتَبَتُهُ وَتُغَيَّرُ آثَارُهُ، لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ عَلَى حَالِهِ وَسَدَّهُ بِالطُّوبِ وَبِقَلْبِ الْعَضَائِدِ وَالْعَتَبَةِ، كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى مَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ بِقُرْطُبَةَ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ يَكُونُ لَهُ شَاهِدًا وَحُجَّةً، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ: إنَّمَا سَدَدْته لِأَفْتَحَهُ إذَا شِئْت، فَلِذَلِكَ أَلْزَمُوهُ بِتَغْيِيرِ مَعَالِمِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ.
[فَصْلٌ وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَضَعَ فِي دَارِهِ الْمُكْتَرَاةِ مَا شَاءَ مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالدَّوَابِّ]
ِّ وَالْحَيَوَانِ، وَالْحَدَّادِينَ وَالْقَصَّارِينَ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ضَرَرًا بِالدَّارِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ مُؤَلِّفُ الِاسْتِغْنَاءِ: وَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يُنَصِّبَ دَارِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصِّنَاعَاتِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِحِيطَانِ جَارِهِ، وَأَمَّا أَنْ يُمْنَعَ مِنْ وَقْعِ ضَرْبٍ أَوْ دَوِيِّ رَحًى أَوْ كَمَدٍّ لِأَجْلِ صَوْتِهِ، فَلَا وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ قَالَ فِي الطُّرَرِ: لِأَنَّ الصَّوْتَ لَا يَخْرِقُ الْأَسْمَاعَ وَلَا يَضُرُّ بِالْأَحْشَاءِ، فَإِنْ أَضَرَّ بِالْجُدْرَانِ مُنِعَ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ رَائِحَةِ الدِّبَاغِ أَوْ يَفْتَحُ بِقُرْبِ جَارِهِ مِرْحَاضًا وَلَا يُغَطِّيهِ أَوْ مَا تُؤْذِيهِ رَائِحَتُهُ، لِأَنَّ الرَّائِحَةَ الْمُنَتَّنَةَ تَخْرِقُ الْخَيَاشِيمَ وَتَصِلُ إلَى الْأَمْعَاءِ فَتُؤْذِي الْإِنْسَانَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ» وَكُلُّ رَائِحَةٍ تُؤْذِي يُمْنَعُ مِنْهَا لِهَذَا قَالَ وَبِهِ الْعَمَلُ.
مَسْأَلَةٌ: وَقَضَى بَعْضُ شُيُوخِ الْفُتْيَا بِمَنْعِ الْكَمَّادِينَ إذَا اسْتَضَرَّ بِهِمْ الْجِيرَانُ وَقَلِقُوا مِنْ ذَلِكَ، لِاجْتِمَاعِ وَقْعِ ضَرْبِهِمْ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ عَدَمُ مَنْعِ الْأَصْوَاتِ مِثْلُ الْحَدَّادِ وَالْكَمَّادِ وَالنَّدَّافِ، قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ: تَتَنَازَعُ الشُّيُوخُ بِبَلَدِنَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي الرَّجُلِ يَجْعَلُ فِي دَارِهِ، أَوْ فِي شِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ دَوِيٌّ وَصَوْتٌ يَسْتَضِرُّ بِهِ الْجَارُ مِثْلَ الْحَدَّادِ وَشِبْهِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذَا عَمِلَ فِيهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُمْنَعُ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ سَعِيدٍ: الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ شُيُوخُنَا أَنْ يُمْنَعَ بِالْعَمَلِ بِاللَّيْلِ إذَا أَضَرَّ بِجَارِهِ وَلَا يُمْنَعُ بِالنَّهَارِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: إذَا اجْتَمَعَ ضَرَرَانِ قَطَعَ الْحَدِيثَ لَا ضَرَرَ الْقَدِيمِ.
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مُكْتَرَاةً فَبَنَى رَجُلٌ غَرْفَةً عَلَيْهَا وَفَتَحَ عَلَيْهَا كُوًى، فَقَالَ رَبُّهَا الْمُكْرِي: خَاصِمْ عَنِّي وَاقْطَعْ الضَّرَرَ عَنِّي، وَقَالَ الْمُكْتَرِي لِرَبِّهَا: بَلْ عَلَيْك الْخُصُومَةُ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّ كَانَ لِلْمُكْتَرِي فَسْخُ الْكِرَاءِ إنْ أَحَبَّ، كَمَا لَوْ انْهَدَمَ مَا يَضُرُّ وَأَبَى رَبُّهَا مِنْ بِنَائِهَا.
مَسْأَلَةٌ: إذَا أَحْدَثَ رَجُلٌ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِالضَّرَرِ فَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ، وَبَاعَ الدَّارَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي يَخْتَارُ الضَّرَرَ، وَأَرَادَ الْمُبْتَاعُ الْقِيَامَ عَلَيْهِ، فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَتَّابٍ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ فَهُوَ رِضًا مِنْهُ، وَلَا كَلَامَ لَهُ وَلَا لِمَنْ ابْتَاعَ مِنْهُ.
وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ: قَالُوا: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ بَاعَ بَعْدَ أَنْ خَاصَمَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يُتِمَّ لَهُ الْحُكْمَ حَتَّى بَاعَ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُومَ وَيَحِلَّ مَحِلَّهُ.
وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ بَطَّالٍ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَاكِمَ قَضَى بِهِ وَأَعْذَرَ وَتَعَيَّنَ لِلتَّسْجِيلِ وَالْإِشْهَادِ، وَلَوْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَدَافِعِ وَالْحِجَجِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ وَهَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ: فِي مَعِينِ الْحُكَّامِ.
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مَا يَدُلُّ أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامَ عَلَى مُحْدِثِ الضَّرَرِ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ قَالَ.
وَفِي مَسَائِلِ حَبِيبِ بْنِ نَصْرٍ وَسَحْنُونٍ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يُبَيِّنْ لِلْمُبْتَاعِ ذَلِكَ، فَهُوَ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ إنْ كَانَ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُوجِبَةِ لِلرَّدِّ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ الْقِيَامُ عَلَى مُحْدِثِ الضَّرَرِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُعْ الْبَائِعُ عَلَى الضَّرَرِ حَتَّى بَاعَ وَرَدَّ بِالْعَيْبِ عَلَيْهِ وَجَبَ لِلْبَائِعِ الْقِيَامُ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَيَتَحَصَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ بَيْعَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ رِضًا لِتَرْكِ الْقِيَامِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِرِضًا وَأَنَّ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامُ لِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُومَ بِهِ. .