الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُقَرُّ بِهِ]
ِ وَهُوَ ضَرْبَانِ نَسَبٌ وَمَالٌ، فَالْأَوَّلُ: هُوَ الِاسْتِلْحَاقُ وَمَسَائِلُهُ مَشْهُورَةٌ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْمَالِ فَهُوَ نَوْعَانِ: مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ، وَالْمُطْلَقُ مَا صَدَرَ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِمَا يُقَيِّدُهُ أَوْ يُرْفَعُ حُكْمُهُ أَوْ حُكْمُ بَعْضِهِ، وَالْمُقَيَّدُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِالْمَحِلِّ أَوْ بِالْعِلْمِ أَوْ بِالْغَايَةِ أَوْ بِالْخِيَارِ أَوْ بِالشَّرْطِ أَوْ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ عَلَى جِهَةِ الشُّكْرِ أَوْ الذَّمِّ أَوْ الِاعْتِذَارِ أَوْ تَعْقِيبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يُبْطِلُهُ، فَالْمَحَلُّ كَقَوْلِهِ غَصَبْت فُلَانًا ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ أُخِذَ بِالثَّوْبِ وَالْمِنْدِيلِ وَصَدَقَ فِي صِفَتِهِمَا، قَالَهُ سَحْنُونٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يَلْزَمُهُ الْمِنْدِيلُ وَالْعِلْمُ كَقَوْلِهِ لَهُ: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ، أَوْ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ فِيمَا حَسِبْت أَوْ فِيمَا رَأَيْت فَهُوَ إقْرَارٌ، قَالَهُ سَحْنُونٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا قَالَ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ فِي عِلْمِي أَوْ فِيمَا يَحْضُرنِي فَهُوَ شَكٌّ لَا يَلْزَمُ، وَالْغَايَةُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَلَوْ قَالَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ، وَكَذَلِكَ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى ثَلَاثَةٍ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ، وَالْخِيَارُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ وَيَكُونُ الْخِيَارُ كَالْأَجَلِ، وَقِيلَ: الْخِيَارُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ مِائَةٌ إنْ حَلَفَ، أَوْ إذَا حَلَفَ أَوْ مَتَى حَلَفَ، فَقَالَ الْمُقِرُّ: مَا ظَنَنْت أَنَّهُ يَحْلِفُ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ إجْمَاعًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَزِمَهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ مَا يُوجِبُ الشَّكَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ قَضَى اللَّهُ ذَلِكَ أَوْ إنْ أَرَادَ اللَّهُ لَزِمَهُ، كَقَوْلِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَهُ سَحْنُونٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ لَزِمَهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا شَيْئًا لَزِمَهُ أَحَدٌ وَتِسْعُونَ، وَمَسَائِلُ هَذَا النَّوْعِ مَذْكُورَةٌ فِي مَحِلِّهَا لَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا، وَالشُّكْرُ مِثْلُ قَوْلِهِ: اشْهَدُوا أَنِّي قَبَضْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِينَارٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ، وَأَحْسَنُ قَضَائِي جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَالَ الدَّافِعُ: إنَّمَا أَسْلَفْتهَا لَهُ، فَاَلَّذِي قَالَ: أَسْلَفْتهَا لَهُ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْآخَرُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَقَاضَاهُ فِي دَيْنِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: هُوَ مُصَدَّقٌ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ لِقَوْمٍ صُدِّقَ.
فَرْعٌ: قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّلَفِ وَقَضَائِهِ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا طَالَ زَمَانُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا وَقْتُهُ قَرِيبٌ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ عِنْدَ قَوْمٍ فِي مَسَاقِ حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُمْ، أَوْ شُكْرٍ شَكَرَهُ بِهِ أَحَدٌ فَأَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ لِمَا قَدْ مَضَى مِنْ سَلَفٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ، ثُمَّ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: قَدْ أَسْلَفْته كَمَا ذَكَرَ وَلَمْ أَقْبِضْ، وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ قَبَضْته وَإِنَّمَا ذَكَرْت إحْسَانَهُ إلَيَّ وَأَثْبَتُّهُ عَلَيْهِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْمُقَرُّ بِهِ، إذَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ، فَإِنْ جَهِلُوا أَوْ شَهِدُوا بِذَلِكَ عَلَى جِهَتِهِ وَكَمَا كَانَ سَاقَهُ لَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ، وَهَكَذَا سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، وَالذَّمُّ كَقَوْلِهِ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ فَأَسَاءَ تَقَاضِي ذَلِكَ، لَا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَقَدْ دَفَعْته لَهُ، فَقَالَ الْآخَرُ: مَا تَقَاضَيْت مِنْك شَيْئًا، فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَغْرَمُ الدِّينَارَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَهُ كَالْمُقِرِّ عَلَى الشُّكْرِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: فِيمَنْ قَالَ لِقَوْمٍ أَسْلَفَنِي فُلَانٌ مِائَةَ دِينَارٍ وَقَضَيْته إيَّاهَا أَنَّهُ مُصَدَّقٌ، وَلَوْ قَالَهَا عِنْدَ سُلْطَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَتِهِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ جَرَّهُ الْحَدِيثُ وَالْإِخْبَارُ عَنْ حَالِ الشُّكْرِ وَالذَّمِّ فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ أَحَدٌ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ وَالِاعْتِذَارِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ السُّلْطَانُ فِي الْجَارِيَةِ وُلِدَتْ مِنِّي، أَوْ الْعَبْدِ مُدَبَّرٌ؛ لِئَلَّا يَأْخُذَهُمَا مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَأَلَهُ ابْنُ عَمِّهِ مَنْزِلًا فَقَالَ: هُوَ لِزَوْجَتِي، ثُمَّ سَأَلَهُ فِيهِ ثَانٍ وَثَالِثٌ مِنْ بَنِي عَمِّهِ وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ، فَقَامَتْ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا قُلْته اعْتِذَارًا قَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ لَهَا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ سُئِلَ أَنْ يُكْرِيَ مَنْزِلَهُ فَقَالَ: هُوَ لِابْنَتِي حَتَّى أُشَاوِرَهَا، فَقَامَتْ الِابْنَةُ فِيهِ قَالَ: لَا يَنْفَعُهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَازَتْ ذَلِكَ وَلَهَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْحِيَازَةِ بَيِّنَةٌ، قِيلَ لَهُ: وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً؟ قَالَ لَيْسَ لَهَا شَيْءٌ قَدْ يَعْتَذِرُ بِهَذَا يُرِيدُ مَنْعَهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ: وَمَنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ هُوَ لِفُلَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْإِقْرَارُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَهَبْته أَوْ بِعْته مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَالرَّافِعُ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ يُعْقِبَهُ بِمَا يُبْطِلُهُ وَيَرْفَعُ حُكْمَهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: عِنْدِي أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ هِيَ مِنْ ثَمَنِ بُرٍّ فَيَلْزَمُ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ.