الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي ضَمَانِ الْقَصَّارِ]
وَإِذَا أَخْطَأَ الْقَصَّارُ فَدَفَعَ ثَوْبَك بَعْدَ مَا قَصَّرَهُ إلَى غَيْرِك، فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ وَدَفَعَ إلَيْك ثَوْبًا غَيْرَهُ فَإِنَّك تَرُدُّهُ، ثُمَّ لَك تَضْمِينُ الْقَصَّارِ ثَوْبَك أَوْ تَأْخُذُ ثَوْبَك مَخِيطًا بَعْدَ دَفْعِ أَجْرِ الْخَيَّاطِ لِلَّذِي خَاطَهُ، نَقَصَهُ ذَلِكَ أَمْ زَادَهُ ثُمَّ لَا شَيْءَ لَك عَلَى الْقَصَّارِ، وَلَيْسَ لَك تَضْمِينُ الْقَاطِعِ وَلَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ الثَّوْبَ مَعَ مَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَلَا لَك أَخْذُ الثَّوْبِ بِغَيْرِ غُرْمِ الْخِيَاطَةِ مِنْ التَّهْذِيبِ.
فَرْعٌ: فَإِنْ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ أُجْرَةَ الْخِيَاطَةِ، قِيلَ لِلَّذِي خَاطَهُ: ادْفَعْ لَهُ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ أَوْ سَلِّمْهُ إلَيْهِ مَخِيطًا، فَإِنْ أَسْلَمَهُ خُيِّرَ رَبُّهُ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَوْ يَضْمَنَ الْقَصَّارُ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ الْأُجْرَةَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا تَضْمِينُ الْقَصَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ الْقَصَّارُ لِلَّذِي خَاطَهُ: ادْفَعْ إلَيَّ مَا غَرِمَتْ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْقَصَّارِ ادْفَعْ إلَيْهِ أُجْرَةَ الْخِيَاطَةِ فَإِنْ أَبَيَا كَانَا شَرِيكَيْنِ مِنْ طُرُرِ التَّهْذِيبِ نِسْبَةً لِعَبْدِ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ.
[فَصْلٌ فِي ضَمَانِ مَنْ صَنَعَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ]
وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَحْفِرُ الْبِئْرَ عَلَى الطَّرِيقِ، أَوْ يَرْبِطُ الدَّابَّةَ أَوْ يَصْنَعُ أَشْبَاهَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أُصِيبَ فِي ذَلِكَ مِنْ حَرَجٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَمَا كَانَ عَقْلُهُ مِنْ ذَلِكَ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَهُوَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، وَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا فَهُوَ فِي الْعَاقِلَةِ وَمَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا غُرْمَ.
فَرْعٌ: قَالَ الْبَاجِيُّ: فَإِذَا حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ بِئْرًا لِغَيْرِ غَرَضٍ مُبَاحٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أُصِيبَ فِيهِ، أَوْ يَحْفِرُ بِئْرًا فِي دَارِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ
إذْنِهِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَضْمَنُ أَوْ يَحْفِرُ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِ مِلْكِهِ لِيُتْلِفَ بِهِ سَارِقًا، فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَضْمَنُ السَّارِقُ وَغَيْرُهُ.
فَرْعٌ: وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ مَا يَجُوزُ لَهُ كَبِئْرٍ يَحْفِرُهَا لِلْمَطَرِ أَوْ مِرْحَاضٍ يَحْفِرُهُ إلَى جَانِبِ حَائِطِهِ، قَالَ أَشْهَبُ: مَا لَمْ يَضُرَّ الْبِئْرُ وَالْمِرْحَاضُ بِالطَّرِيقِ، أَوْ يَحْفِرُ بِئْرًا فِي دَارِهِ لَا يَقْصِدُ بِهَا ضَرَرًا لِأَحَدٍ أَوْ فِي دَارِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، أَوْ يَرُشُّ قَنَاةً تَبْرِيدًا أَوْ تَنْظِيفًا فَيَزْلَقُ بِهِ أَحَدٌ فَيَهْلَكُ، أَوْ يَرْبِطُ كَلْبًا فِي دَارِهِ لِلصَّيْدِ أَوْ فِي غَنَمِهِ لِلسِّبَاعِ، أَوْ أَوْقَفَ دَابَّتَهُ فِي الطَّرِيقِ لِحَاجَةٍ أَوْ نَزَلَ عَنْهَا، فَأَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ بَابِ أَمِيرٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا يَضْمَنُ مَا نَشَأَ عَنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ.
فَصْلٌ: وَمَنْ حَدَّدَ قَضِيبًا أَوْ عِيدَانًا فَجَعَلَهَا بِبَابِهِ لِتَدْخُلَ فِي رِجْلِ مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي حَائِطِهِ مِنْ سَارِقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ عَلَى حَائِطِهِ شِرْكًا يَسْتَضِرُّ بِهِ مَنْ يَدْخُلُ، أَوْ رَشَّ قَنَاةً يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَزْلَقَ مَنْ يَمُرُّ بِهِ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَهَذَا يَضْمَنُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ فِي الطَّرِيقِ مَرْبِطًا لِدَابَّتِهِ يَضُرُّ بِالنَّاسِ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا لِدَارِهِ لِيَعْقِرَ مَنْ دَخَلَهَا، أَوْ فِي غَنَمِهِ لِيَعْدُوَ عَلَى مَنْ أَرَادَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ وَمَنْ وَضَعَ سَيْفًا بِطَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ يُرِيدُ قَتْلَ رَجُلٍ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: يُقْتَلُ بِهِ، فَإِنْ عَطِبَ بِهِ غَيْرُهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَاعِلِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَصَدَ إلَى قَتْلِهِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ كَمَنْ رَمَى رَجُلًا يُرِيدُ قَتْلَهُ فَأَصَابَتْ الرَّمْيَةُ غَيْرَهُ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمَ الْخَطَأِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
فَصْلٌ: وَمَنْ وَضَعَ مِيزَابًا لِلْمَطَرِ وَنَصَبَهُ عَلَى الشَّارِعِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ سَقَطَ ذَلِكَ الْمِيزَابُ عَلَى رَأْسِ إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ، أَوْ عَلَى مَالٍ فَأَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي نَصَبَهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ.