الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَجْحَدُهُ، قَالَ عِيسَى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ غَيْبَةِ بَيِّنَةٍ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُعْذَرُ بِالْجَهَالَةِ فَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ، وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، فَهَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ ابْنُ كِنَانَةَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي الْمُقَرَّبِ أَنَّ الْأُصُولَ وَالْحُقُوقَ مُخْتَلِفَانِ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُمْ فِي الدَّارِ، وَرَأَيْت أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَاصِمٍ رَوَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَرْضَ كَالدَّيْنِ لَا تَنْفَعُهُ الْبَيِّنَةُ إنْ نَفَى مِلْكَهُ عَنْهَا، وَأَنَّ ابْنَ نَافِعٍ قَالَ تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ وَالْإِثْبَاتُ فِيهَا وَلَا يَضُرُّهُ الْإِنْكَارُ، رَوَاهُ ابْنُ عَاصِمٍ عَنْهُ أَيْضًا، فَرِوَايَةُ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تُلَائِمُ جَوَابَ الشُّيُوخِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً أَنَّ زَوْجَهَا قَذَفَهَا وَهُوَ مُنْكِرٌ حُرٌّ ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ بَعْدَ جُحُودِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْبَلُ مِنْهُ رُجُوعُهُ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْحُقُوقِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: أَرَدْت السَّتْرَ بِإِنْكَارِي، وَقَالَ غَيْرُهُمَا لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَصْلٌ لِمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَجَحَدَهُ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَادَّعَى الْقَضَاءَ، فَعَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ لَا يُمْكِنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ: يُعْتَبَرُ جُحُودُهُ وَيُنْظَرُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ بِجَهْلِهِ أَوْ جَهْلِ مَنْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَسَطْوَتِهِ، فَرَأَى إنْكَارَهُ أَسْلَمَ لَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَمِمَّا يُعْذَرُ بِهِ أَنْ تَكُونَ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ غَائِبَةً وَيَخْشَى أَنْ لَا يُمْهَلَ إلَى قُدُومِهِمْ، أَوْ كَانُوا مِمَّنْ لَا يُؤْمَنُ تَجْرِيحُهُمْ، فَإِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ هَكَذَا سُمِعَ مِنْهُ دَعْوَى الْقَضَاءِ وَمُكِّنَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.
[الْبَابُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ]
فِي الْقَضَاءِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ الْعَادَةُ غَلَبَةُ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي عَلَى جَمِيعِ الْبِلَادِ أَوْ بَعْضِهَا، قَالَ الْمَازِرِيُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَنَقْدُ الْبَلَدِ مُخْتَلِفٌ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ وَلَوْ كَانَ مَعَ اخْتِلَافِ السِّكَكِ، جَرَتْ عَادَةٌ بِالتَّبَايُعِ بِسِكَّةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْهَا لَكَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَقُضِيَ بِدَفْعِ تِلْكَ السِّكَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْقَمْطِ وَوَجْهِ
الْحَائِطِ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَهُمَا فِي الْعِصْمَةِ أَوْ بَعْدَ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ، فَكَانَ التَّدَاعِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَكَانَ التَّدَاعِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْآخَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجَانِ حُرَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقْضَى لِلْمَرْأَةِ بِمَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ وَلِلرَّجُلِ بِمَا يُعْرَفُ لِلرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُضِيَ بِهِ لِلرِّجَالِ، لِأَنَّ الْبَيْتَ بَيْتُهُ فِي جَارِي الْعَادَةِ فَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ فَيُقَدَّمُ لِأَجْلِ الْيَدِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا كَانَ مِنْ شَأْنِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا، بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْيَدِ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَمَنْ قُضِيَ لَهُ بِشَيْءٍ حَلَفَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ مَا عُرِفَ بِأَحَدِهِمَا لَا يُحْلَفُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا وَلِيَ الرَّجُلُ شِرَاءَهُ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ، وَشَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَخَذَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا اشْتَرَاهُ إلَّا لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ نَفَى الْخِلَافَ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ وَكَذَّبَهَا الرَّجُلُ، أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ وَكَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَلَا خِلَافَ فِي تَعَلُّقِ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ إذْ تَنَازَعَ وَرَثَةُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ تَنَازَعَ وَرَثَةُ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ دُونَ تَحْقِيقِ الدَّعْوَى، فَيَجْرِي الْخِلَافُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَيْمَانِ التُّهَمِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَسْعَدُ بِنَقْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاَلَّذِي قَالَهُ هَذَا الشَّيْخُ هُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أُصُولُ الْمَذْهَبِ.
فَرْعٌ: وَمِمَّا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ الطَّشْتُ وَالتَّوْرُ وَالْمَنَارَةُ وَالْقِبَابُ وَالْحِجَالُ وَالْأَسِرَّةُ وَالْفُرُشُ وَالْوَسَائِدُ وَالْمَرَافِقُ وَالْبُسُطُ وَجَمِيعُ الْحُلِيِّ.
قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَمَا ذَكَرُوا فِي الْبُسُطِ لَعَلَّهُ الْعُرْفُ فِي بِلَادِ مِصْرَ، وَأَمَّا عِنْدَنَا بِالْمَغْرِبِ فَهِيَ مَعْرُوفَةٌ لِلرِّجَالِ، وَمِثْلُ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْخَاتَمِ فَإِنَّهُ لِلرَّجُلِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُرَادُ بِالْخَاتَمِ خَاتَمُ الْفِضَّةِ، وَأَمَّا خَاتَمُ الذَّهَبِ فَإِنَّهُ لِلْمَرْأَةِ، قَالَ: وَهَذَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ تَابِعٌ لِعُرْفِ الْمُتَنَازِعَيْنِ، فَرُبَّ مَتَاعٍ يَشْهَدُ الْعُرْفُ فِي بَلَدٍ أَوْ زَمَانٌ أَنَّهُ لِلرِّجَالِ وَيَشْهَدُ فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ زَمَانٍ آخَرَ بِأَنَّهُ لِلنِّسَاءِ، وَيَشْهَدُونَ فِي الزَّمَانِ الْوَاحِدِ وَالْمَكَانِ الْوَاحِدِ أَنَّهُ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ، بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْمٍ وَمِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْمٍ آخَرِينَ، كَالنُّحَاسِ الْمَصْنُوعِ فِي تُونُسَ مِنْ بِلَادِ الْغَرْبِ، فَإِنَّهُ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جِهَازِ الْأَنْدَلُسِ وَمِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَتَاعِ الْحَضَرِ.
فَرْعٌ: وَإِذَا عُرِفَتْ الْمَرْأَةُ فَقِيرَةً لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إلَّا فِي قَدْرِ صَدَاقِهَا.
فَرْعٌ: وَالذُّكُورُ مِنْ الْعَبِيدِ تُعْرَفُ لِلرِّجَالِ، وَالْإِنَاثُ يُعْرَفْنَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْمَاشِيَةُ تُعْرَفُ لِلرِّجَالِ.
تَنْبِيهٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ، ثُمَّ يَرَى ذَلِكَ الْعَبْدَ فِي يَدِ امْرَأَةِ الْمُشْتَرِي وَحَوْزِهَا بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي، فَتُقِيمُ كَذَلِكَ سِنِينَ وَالْعَبْدُ فِي ضَيْعَةِ الْمَرْأَةِ قَدْ بَانَتْ بِهِ عَنْ زَوْجِهَا، ثُمَّ يَدْعُو الزَّوْجُ الشُّهُودَ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا لَهُ عَلَى أَصْلِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، فَيَسَعُهُمْ أَنْ لَا يَشْهَدُوا بِهِ، قَالَ: نَعَمْ لَا يَشْهَدُوا لَهُ عَلَى أَصْلِ الشِّرَاءِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ سَفِيرُهَا، حَكَى هَذَا ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ وَلَا يُكْتَفَى مِنْ أَحَدِهِمَا أَنْ يَقُولَ هَذَا لِي، لِأَنَّهُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ حَتَّى يَقُولَ: هُوَ مِلْكِي، قَالَ: وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَتْ لَهُمَا عَلَيْهِ يَدٌ شَاهِدَةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ، فَالْيَدُ الشَّاهِدَةُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ بَيْنَهُمَا يَتَجَاذَبَانِهِ وَيَتَنَازَعَانِهِ وَالْيَدُ الْحُكْمِيَّةُ أَنْ تَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا، قَالَ: وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلُّهُ الزَّوْجَانِ وَالْأَجْنَبِيَّانِ إذَا سَكَنَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي دَارٍ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ الْكُلُّ سَوَاءٌ، وَهَذَا أَصْلٌ لَا مُنَاقَضَةَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، حَتَّى قَالَ أَئِمَّتُنَا رحمهم الله: لَوْ اخْتَلَفَ عَطَّارٌ وَدَبَّاغٌ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ، وَاخْتَلَفَ الْفَقِيهُ وَالْحَدَّادُ فِي الْقَلَنْسُوَةِ وَالْكِيرِ، كَانَتْ لَهُمَا عَلَيْهِ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ فِي دَارٍ يَسْكُنَانِهَا لِمَنْ شَاهَدَهُ، أَوْ تَنَازَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ رُمْحًا يَتَجَاذَبَانِهِ، فَالْقَوْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ، فَيُحْكَمُ لِلرَّجُلِ بِالرُّمْحِ وَالسَّيْفِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ دُمْلَجًا قُضِيَ بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا، وَيُقْضَى لِلْعَطَّارِ بِالْمِسْكِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ بِعَارِضٍ مِنْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَقَدْ أَصْدَقَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَاطِمَةَ رضي الله عنها دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ، وَقَدْ يَمْلِكُ الرَّجُلُ مَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ بِعَارِضٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ، قُلْنَا: الظَّاهِرُ فِيمَا فِي يَدِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يَصْلُحُ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ نَادِرٌ، وَإِذَا دَارَ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْغَالِبِ أَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِي دَارٍ وَيَدُهُ عَلَيْهَا يُقْضَى لَهُ بِالْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَظَاهِرِ الْيَدِ فَكَذَلِكَ هُنَا.
فَرْعٌ: قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَأَمَّا إنْ كَانَ الزَّوْجَانِ فِي الْبَيْتِ فَحَازَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَقَبَضَهُ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ دُونَهُ، فَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ حَازَهُ دُونَ الْآخَرِ.
فَرْعٌ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي تَعْجِيلِ الثَّمَنِ وَتَأْجِيلِهِ حُكِمَ بِالْعُرْفِ إنْ كَانَ ثَمَّ عُرْفٌ.
فَرْعٌ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي النَّفَقَةِ وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمهم الله أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي دَعْوَاهَا، أَنَّهُ لَمْ يَكْسُهَا فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ لِتَكْذِيبِ الْعُرْفِ وَشَاهِدِ الْحَالِ وَالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ لَهَا، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَالْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِاتِّفَاقِ الزَّوْجِ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ اعْتِمَادًا عَلَى الْأَمَارَاتِ الظَّاهِرَةِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِاسْتِصْحَابِ الْأَصْلِ، وَبَقِيَ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ وَرُؤْيَتُنَا لَهُ، يُدْخِلُ الطَّعَامَ وَالْإِدَامَ مَعَ طُولِ الصُّحْبَةِ وَدَوَامِ الْعِشْرَةِ قَرِينَةٌ تَبْلُغُ مَبْلَغَ الْقَطْعِ فِي تَكْذِيبِهَا مَعَ عِلْمِنَا بِانْقِطَاعِهَا عَنْ الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَبْضِ السِّلْعَةِ أَوْ الثَّمَنِ، فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الثَّمَنِ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ، وَبَقَاءُ الْمَبِيعِ بِيَدِ الْبَائِعِ وَلَا يَنْتَقِلُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ عُرْفٍ، كَالسِّلَعِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدْفَعُ ثَمَنَهَا قَبْلَ أَنْ يَبِينَ بِهَا، كَاللَّحْمِ وَالْخُضَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُحْكَمُ فِي ذَلِكَ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ.
فَرْعٌ: وَمِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ فِي الْبَيْعِ، كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ بِكَذَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا كَالْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ وَهَذَا بِحُكْمِ الْعُرْفِ، وَلَفْظُ الشَّجَرِ وَالدَّارِ يَشْمَلُ الثَّوَابِتَ: كَالْأَبْوَابِ وَالرُّفُوفِ وَالسُّلَّمِ الْمُسَمَّرِ وَالْأَشْجَارِ الَّتِي فِي الدَّارِ، وَلَفْظُ الْعَبْدِ يَشْمَلُ: ثِيَابَ الْمِهْنَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ كَشْفُ عَوْرَتِهِ، وَفِي سَمَاعِ ابْنِ نَافِعٍ إنْ بَاعَهَا وَاشْتَرَطَ الْإِزَارَ الَّذِي عَلَيْهَا فَلَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَهَا بِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَبَى فَالسَّوْطُ.
وَفِي سَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْجَارِيَةِ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ وَحُلِيٌّ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ إلَّا مَا يَكُونُ لَهَا مِمَّا تَتَزَيَّنُ بِهِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ: مَا عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ هَيْئَاتِهَا وَلِبَاسِهَا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي.
فَرْعٌ: وَمِنْ ذَلِكَ الْوَلِيمَةُ فِي الْعُرْسِ، قَالَ أَصْبَغُ بْنُ سَهْلٍ سَأَلْت الْفَقِيهَ أَبَا عَتَّابٍ عَنْ الْهَدِيَّةِ الَّتِي يُهْدِيهَا الْأَزْوَاجُ إلَى الزَّوْجَاتِ قَبْلَ الْبِنَاءِ هَلْ يُقْضَى عَلَى الزَّوْجِ بِهَا إنْ امْتَنَعَ مِنْهَا وَيُطْلَبُ بِهَا؟ فَقَالَ: إنَّهُ يُقْضَى عَلَى الزَّوْجِ بِهَا عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْرِهَا وَقَدْرِ صَدَاقِهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُثِيبَهُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ، فَإِنْ أَبَتْ أَوْ أَبَى أَبُوهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ، قَالَ قُلْت لَهُ: فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ الْعُرْسِ وَالْجَلْوَةِ الْمُتَعَارَفَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ امْتَنَعَ وَتُؤْمَرُ بِهِ وَلَا تُجْبَرُ، قَالَ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْوَلِيمَةِ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» ، مَعَ الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ بِخِلَافِ مَا تُعْطَى الْمَاشِطَةُ عَلَى الْجَلْوَةِ، هَذَا لَا يُقْضَى بِهِ عِنْدَنَا إنْ امْتَنَعَ، وَلَا بِأُجْرَةِ ضَارِبِ دُفٍّ أَوْ كَبَرٍ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَا يُقْضَى بِالْوَلِيمَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ وُجُوبَ السُّنَنِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهَا مُرَغَّبٌ فِيهَا وَمَنْدُوبٌ إلَيْهَا.
فَرْعٌ: وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّاكِحِ يُلْزِمُهُ أَهْلُ الْمَرْأَةِ هَدِيَّةَ الْعُرْسِ، وَجُلُّ النَّاسِ تَعْمَلُ بِهِ عِنْدَنَا حَتَّى أَنَّهُ لَتَكُونُ فِيهِ الْخُصُومَةُ، أَتَرَى أَنْ يُقْضَى بِهِ، قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ مِنْ شَأْنِهِمْ وَهُوَ عَمَلُهُمْ، لَمْ أَرَ أَنْ يُطْرَحَ ذَلِكَ عَنْهُمْ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ فِيهِ السُّلْطَانُ، لِأَنِّي أَرَاهُ أَمْرًا قَدْ جَرَوْا عَلَيْهِ وَفِي كِتَابِ عِيسَى. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ قَبْلَ ذَلِكَ: لَا أَرَى أَنْ يُقْضَى بِهِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ كَانَ مِمَّا جَرَوْا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
فَرْعٌ: وَفِي سَمَاعِ عِيسَى فِي رَسْمٍ لَمْ يُدْرَكْ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَأَلْنَا مَالِكًا عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَصْدَقَهَا صَدَاقًا، فَطَلَبَتْ مِنْهُ نَفَقَةَ الْعُرْسِ، هَلْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟ قَالَ مَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَمَا هُوَ بِصَدَاقٍ وَلَا شَيْءَ ثَابِتٌ وَلَا هُوَ لَهَا إنْ مَاتَ وَلَا نِصْفَهُ إنْ طَلَّقَ، فَرُدِّدَ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنَّهُ شَيْءٌ أَجْرُوهُ بَيْنَهُمْ وَهِيَ سُنَّتُهُمْ، فَقَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ شَأْنُهُمْ فَأَرَى أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ تَشَاحُّوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوهُ.
فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي امْرَأَةٍ أَسْلَفَتْ زَوْجَهَا ثَلَاثِينَ دِينَارًا ذَهَبًا وَأَنْظَرَتْهُ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ أَوْ ثَلَاثَةً الشَّكُّ مِنِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ عَامٍ وَنِصْفٍ مِنْ تَارِيخِ السَّلَفِ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا إنَّمَا أَسْلَفَتْهُ وَأَنْظَرَتْهُ اسْتِدَانَةً لِعِصْمَتِهَا
مَعَهُ وَرَجَاءً فِي حُسْنِ صُحْبَتِهِ لَهَا، وَكَانَ التَّحَاكُمُ فِيهِ عِنْدَ ابْنِ بَقِيٍّ فَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ، فَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِيمَا ادَّعَتْهُ مِنْ ذَلِكَ وَتَحْلِفُ ثُمَّ تَأْخُذُ حَقَّهَا مِنْهُ حَالًّا، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الشَّيْخُ فِيهَا قَبْلَ هَذَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا إذْ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ، أَنَّهُنَّ إنَّمَا يَفْعَلْنَ ذَلِكَ لِذَلِكَ فَهُوَ كَالْعُرْفِ الَّذِي يُصَدَّقُ فِيهِ مَنْ ادَّعَاهُ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِيمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ: مَنْ وَهَبَ لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ، فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا، فَحَكَمَ رضي الله عنه بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْحَالُ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى الْمَعْرُوفِ صَدَقَ وَلِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّاهِدِ بِدَعْوَاهَا وَالْمُتَعَارَفُ مِنْ أَحْوَالِ النِّسَاءِ فِيمَا يُوَسِّعْنَ بِهِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ، إنَّمَا يُرِدْنَ بِذَلِكَ مَوَدَّاتِ الْأَزْوَاجِ، وَاسْتِدَامَةَ عِصْمَتِهِنَّ مَعَهُمْ وَتُقِمْنَ مَسَرَّتَهُمْ، فَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ اسْتَحَالَتْ نُفُوسُهُنَّ عَنْ ذَلِكَ إلَى ضِدِّهِ هَذَا الَّذِي لَا يُعْرَفُ غَيْرُهُ.
فَرْعٌ: وَمِنْ ذَلِكَ إذَا خَلَا بِزَوْجَتِهِ خَلْوَةً اهْتِدَاءً وَادَّعَتْ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِلْعُرْفِ، وَالْعَادَةُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَلَا بِهَا الزَّوْجُ أَوَّلَ مَرَّةٍ لَا يَصْبِرُ عَنْ وَطْئِهَا، فَالْخَلْوَةُ شَاهِدَةٌ لَهَا بِدَعْوَاهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي الْبَابِ الْأَرْبَعِينَ.
فَرْعٌ: وَكَذَا إذَا وُجِدَتْ الْوَثِيقَةُ بِيَدِ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ يَدَّعِي أَنَّهُ دَفَعَ مَا فِيهَا وَقَبَضَهَا مِنْ الْمُدَّعِي، فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنَّ الْوَثِيقَةَ لَا تَرْجِعُ إلَى الْمَطْلُوبِ إلَّا بَعْدَ دَفْعِ مَا فِيهَا.
فَرْعٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ عِنْدَ النَّاسِ فِي الرِّبَاعِ، أَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ لَا يَقْبِضُ الثَّمَنَ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ الَّذِي بَاعَ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَهُمْ، يُرِيدُ أَنَّ الْوَكِيلَ عَلَى بَيْعِ السِّلْعَةِ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَيَبْرَأَ الْمُشْتَرِي بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ جَرَتْ بِذَلِكَ بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَقَارِ وَالرِّبَاعِ، قَالَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ فِي الْفُرُوقِ.
قَاعِدَةٌ: كُلُّ مَنْ لَهُ عُرْفٌ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى عُرْفِهِ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ» يُحْمَلُ عَلَى الْحَلِفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَعَلَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ، فَلَا يُحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِمَا.
فَرْعٌ: إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ يَحْنَثُ، قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مَشْهُورُ فَتَاوَى الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ يَلْزَمُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعِتْقُ رَقَبَةٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَإِنْ كَثُرُوا، وَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَطَلَاقُ امْرَأَتِهِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً؟ وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَلَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَلَا الْمَشْيُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا الرِّبَاطُ فِي الثُّغُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَلَا تَرْبِيَةُ الْيَتَامَى وَلَا كِسْوَةُ الْعَرَايَا وَلَا إطْعَامُ الْجِيَاعِ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرُبَاتِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَاحَظُوا مَا غَلَبَ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُجْعَلُ عَبَثًا فِي الْعَادَةِ فَأَلْزَمُوهُ إيَّاهُ، لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى الْعُرْفِيُّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ، وَيَخْتَصُّ حَلِفُهُ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ دُونَ غَيْرِهَا، لِأَنَّهَا الْمَشْهُورَةُ، وَلَفْظُ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ الْمُدْرَكُ أَنَّ عَادَاتِهِمْ يَفْعَلُونَ مُسَمَّيَاتِهَا، وَأَنَّهُمْ يَصُومُونَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يَحُجُّونَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ، بَلْ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي دُونَ غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ صَرَّحُوا فَقَالُوا: مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْحَلِفِ بِصَوْمِ سَنَةٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَنَةٍ، كَجَعْلِ الْمُدْرِكِ الْحَلِفَ اللَّفْظِيَّ دُونَ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ فَهَذَا مُدْرِكٌ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّحْرِيرِ وَالتَّحْقِيقِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ فِي وَقْتٍ آخَرَ اشْتِهَارُ حَلِفِهِمْ وَنَذْرِهِمْ بِالِاعْتِكَافِ وَالرِّبَاطِ، وَإِطْعَامِ الْجِيعَانِ وَكِسْوَةِ الْعُرْيَانِ، وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ دُونَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، إنْ كَانَ اللَّازِمُ بِهَذَا الْحَالِفِ إذَا حَنِثَ الِاعْتِكَافَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ دُونَ تِلْكَ الْحَقَائِقِ الْأُوَلِ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْعَوَائِدِ تَدُورُ مَعَهَا كَيْفَمَا دَارَتْ، وَتَبْطُلُ مَعَهَا إذَا بَطَلَتْ كَالنُّقُودِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُيُوبِ فِي الْعُرُوضِ الْمَبِيعَاتِ، فَلَوْ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فِي النَّقْدَيْنِ وَالسِّكَّةِ إلَى سِكَّةٍ أُخْرَى، لَحُمِلَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى السِّكَّةِ الَّتِي تَجَدَّدَتْ الْعَادَةُ بِهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّيْءُ عَيْنًا فِي الثِّيَابِ فِي الْعَادَةِ رَدَدْنَا بِهِ الْبَيْعَ، فَإِذَا تَغَيَّرَتْ تِلْكَ الْعَادَةُ وَصَارَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا لَمْ يُرَدَّ بِهِ، وَبِهَذَا الْقَانُونِ تُعْتَبَرُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ، وَهُوَ تَحْقِيقٌ
مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، بَلْ قَدْ يَقَعُ الْخِلَافُ فِي تَحْقِيقِهِ، هَلْ وُجِدَ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَعَلَى هَذَا التَّحْرِيرِ يَظْهَرُ أَنَّ عُرْفَنَا الْيَوْمَ لَيْسَ فِيهِ الْحَلِفُ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَلَا يَكَادُ نَجِدُ أَحَدًا بِمِصْرَ يَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي الْفُتْيَا بِهِ، وَعَادَتُهُمْ يَقُولُونَ: عَبْدِي وَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَعَلَى الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ وَمَالِي صَدَقَةٌ إذَا لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَتَلْزَمُ هَذِهِ الْأُمُورُ.
وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ تُرَاعَى الْفَتَاوَى عَلَى طُولِ الْأَيَّامِ، مَهْمَا تَجَدَّدَ فِي الْعُرْفِ اعْتَبَرَهُ، وَمَهْمَا سَقَطَ أَسْقَطَهُ وَلَا تَحْمِلْ عَلَى الْمَنْقُولِ فِي الْكُتُبِ طُولَ عُمْرِك، بَلْ إذَا جَاءَك رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ إقْلِيمِك يَسْتَفْتِيك فَلَا تُجِبْهُ عَلَى عُرْفِ بَلَدِك، وَاسْأَلْهُ عَنْ عُرْفِ بَلَدِهِ وَأَجْرِ عَلَيْهِ وَأَفْتِهِ بِهِ دُونَ عُرْفِ بَلَدِك وَالْمُقَرَّرِ فِي كُتُبِك، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ، وَالْجَرْيُ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ أَبَدًا ضَلَالٌ فِي الدِّينِ وَجَهْلٌ بِمَقَاصِدِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ، وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةُ يَتَخَرَّجُ أَيْمَانُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقُ وَصِيَغُ الصَّرَائِحِ وَالْكِنَايَاتِ، فَقَدْ تَصِيرُ الصَّرَائِحُ كِنَايَاتٍ تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَقَدْ تَصِيرُ الْكِنَايَاتُ صَرَائِحَ مُسْتَغْنِيَةً عَنْ النِّيَّةِ.
فَرْعٌ: فَلَوْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي، فَإِنَّهَا تَتَخَرَّجُ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْحَلِفِ عِنْدَ الْمُلُوكِ الْمُعَاصِرَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَأَيُّ شَيْءٍ جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مَلِكِ الْوَقْتِ فِي التَّحْلِيفِ بِهِ فِي بَيْعَتِهِمْ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ بِحَيْثُ صَارَ عُرْفًا وَمَنْقُولًا مُتَبَادِرًا لِلذِّهْنِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ حُمِلَ يَمِينُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ أَوْ بِسَاطُ يَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ، فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ، فِي السُّؤَالِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ، وَمَا الصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْوَاقِعَةِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ؟ وَالْعُرْفِ اللَّذَيْنِ كَانَا حَاصِلَيْنِ حَالَةَ جَزْمِ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ، فَهَلْ إذَا تَغَيَّرَتْ تِلْكَ الْعَوَائِدُ وَصَارَتْ تَدُلُّ عَلَى ضِدِّ مَا كَانَتْ تَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ فَهَلْ تَبْطُلُ هَذِهِ الْفَتَاوَى الْمَسْطُورَةُ فِي الْكُتُبِ وَيُفْتَى بِمَا تَقْتَضِيهِ الْعَوَائِدُ الْمُتَجَدِّدَةُ؟ أَوْ يُقَالُ: نَحْنُ مُقَلِّدُونَ وَمَا لَنَا إحْدَاثُ شَرْعٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِنَا لِلِاجْتِهَادِ؟ فَنُفْتِي بِمَا فِي الْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالْجَوَابُ: أَنَّ جَرْيَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الَّتِي مُدْرَكُهَا الْعَوَائِدُ، مَعَ تَغْيِيرِ تِلْكَ الْعَوَائِدِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَجَهَالَةٌ فِي الدِّينِ، بَلْ كُلُّ مَا هُوَ فِي الشَّرِيعَةِ يَتْبَعُ الْعَوَائِدَ يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ فِيهِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْعَادَةِ إلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ تَجْدِيدًا لِلِاجْتِهَادِ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ حَتَّى يُشْتَرَطَ
فِيهِ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ، بَلْ هِيَ قَاعِدَةٌ اجْتَهَدَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهَا، فَنَحْنُ نَتْبَعُهُمْ فِيهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ اجْتِهَادٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ إذَا أُطْلِقَ فِيهَا الثَّمَنُ يُحْمَلُ عَلَى غَالِبِ النُّقُودِ فَإِذَا كَانَتْ الْعَادَةُ نَقْدًا مُعَيَّنًا حَمَلْنَا الْإِطْلَاقَ عَلَيْهِ، فَإِذَا انْتَقَلَتْ الْعَادَةُ إلَى غَيْرِهِ عَيْنًا مَا انْتَقَلَتْ الْعَادَةُ إلَيْهِ، وَأَلْغَيْنَا الْأَوَّلَ لِانْتِقَالِ الْعَادَةِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَيْمَانِ وَجَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمَحْمُولَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ، وَكَذَلِكَ الدَّعَاوَى إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، ثُمَّ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ لَمْ يَبْقَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِيهِ، بَلْ انْعَكَسَ الْحَالُ فِيهِ، بَلْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَغْيِيرُ الْعَادَةِ، بَلْ لَوْ خَرَجْنَا نَحْنُ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، عَوَائِدُهُمْ عَلَى خِلَافِ عَادَةِ الْبَلَدِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ أَفْتَيْنَاهُمْ بِعَادَةِ بَلَدِهِمْ، وَلَمْ نَعْتَبِرْ عَادَةَ الْبَلَدِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ مِنْ بَلَدٍ عَادَتُهُ مُضَادَّةٌ لِلْبَلَدِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، لَمْ نُفْتِهِ إلَّا بِعَادَةِ بَلَدِهِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: إذَا تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي قَبْضِ الصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ.
قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ هَذِهِ كَانَتْ عَادَتَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَدْخُلُ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى تَقْبِضَ جَمِيعَ صَدَاقِهَا، وَالْيَوْمَ عَادَةُ الْمَدِينَةِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ، وَانْظُرْ أَوَّلَ الْمُتَيْطِيَّةِ فَإِنَّهُ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ فِيهَا، قَالَ. الْقَرَافِيُّ: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَأَنَا أَسْرُدُ أَحْكَامًا نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ فِيهَا الْعَادَةُ، وَأَنَّ مُسْتَنَدَ الْفُتْيَا بِهَا إنَّمَا هُوَ الْعَادَةُ وَالْوَاقِعُ الْيَوْمَ خِلَافُهُ، فَيَتَعَيَّنُ تَغْيِيرُ الْحُكْمِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ مَعْنَى الْعَادَةِ فِي اللَّفْظِ أَنْ يَغْلِبَ إطْلَاقُ لَفْظٍ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى حَتَّى يَصِيرَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مَعَ أَنَّ اللُّغَةَ لَا تَقْتَضِيهِ، فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعَادَةِ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ، وَهُوَ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ فِي الْأَغْلَبِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ الْعُرْفَ يُقَدَّمُ عَلَى اللُّغَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ.