الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا اسْتَخْفَى الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ الَّذِي يُرِيدُ دَمَهُ أَوْ مَالَهُ أَوْ عُقُوبَتَهُ فِي بَدَنِهِ، فَسَأَلَهُ السُّلْطَانُ عَنْهُ فَسَتَرَ عَلَيْهِ وَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: احْلِفْ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَك، فَيَحْلِفُ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي، لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَدَمِهِ أَوْ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ وَإِنْ كَانَ آمِنًا عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقِيَهُ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أُجِرَ فِيمَا فَعَلَ وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ فِيمَا حَلَفَ بِهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ مَالِكٌ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ.
[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي أَدَبِ مَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ وَجَدَ مَعَهُ رَائِحَةَ نَبِيذٍ]
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْبَيَانِ، وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَا رَجُلًا وَامْرَأَةً تَحْتَ لِحَافٍ، أَوْ شَهِدَا أَنَّهُمَا رَأَيَا رِجْلَيْهَا عَلَى عُنُقِهِ أَوْ شَيْئًا هُوَ أَدْنَى مِنْ رُؤْيَةِ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، عُوقِبَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّهِيدَيْنِ شَيْءٌ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْذِفَا.
مَسْأَلَةٌ: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُوجَدُ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مُتَّهَمَانِ، قَالَ يُضْرَبَانِ ضَرْبًا جَيِّدًا وَجِيعًا، قِيلَ: بِثِيَابِهِمَا قَالَ: لَا بَلْ عَلَى مَا يُضْرَبُ الْمَحْدُودُ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ مَالِكٌ: كَانَتْ لَنَا امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ لَهَا زَوْجٌ، فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَمَعَهُ صَبِيٌّ فَيَرْقَى بِهِ إلَى السَّطْحِ، فَقَالَتْ لَهُ: امْرَأَتُهُ مَا شَأْنُ هَذَا الصَّبِيِّ؟ فَقَالَ: إنَّهُ ابْنُ صِدِّيقٍ لِي أَتَحَدَّثُ مَعَهُ، ثُمًّ إنَّهُ جَاءَ بِهِ فَذَهَبَتْ لِتَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ فَوَجَدَتْهُ عَلَى الصَّبِيِّ، فَذَهَبَتْ بِهِ إلَى الْأَمِيرِ وَأَعْلَمَتْهُ، فَاسْتَشَارَ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ فَكُلُّهُمْ قَالَ: نَرَى عَلَيْهَا الْحَدَّ بِمَا رَمَتْهُ بِهِ، وَلَا نَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، وَاسْتَشَارَ مَالِكًا وَبَعَثَ إلَيْهِ بِالْمَرْأَةِ فَأَخْبَرَتْهُ بِالْخَبَرِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ مَالِكٌ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا، وَأَنْ يَضْرِبَ زَوْجَهَا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ: هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْبَغُ وَلَا أَظُنُّ ضَرَبَهُ مَالِكٌ إلَّا لِأَمْرٍ أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهَا الْحَدُّ لِلْغَيْرَةِ وَهِيَ شَبَهُ الْجُنُونِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ زَوْجَتِهِ كَانَ عَلَيْهَا الْحَدُّ.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَحَدَّثَنِي صَعْصَعَةُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه ضَرَبَ رَجُلًا دُونَ الْمِائَةَ وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ بَعْدَ الْعَتَمَةِ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ مَكْحُولٌ ضَرَبَهُ مِائَةً.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكًا يَقُولُ: مَنْ وُجِدَ بِهِ رَائِحَةُ نَبِيذٍ لَا يَدْرِي أَمُسْكِرٌ أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ وُجِدَ عَلَى مُشْتَرِيه وَلَمْ يُسْكِرْ وَلَمْ يَدْرِ مَا كَانَ نَبِيذُهُمْ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ اللَّطْخِ الْبَيِّنِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُعْتَادًا لِذَلِكَ ضُرِبَ سَبْعِينَ أَوْ خَمْسًا وَسَبْعِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا فَخَمْسِينَ سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ حُرًّا، إلَّا أَنَّ الْحُدُودَ إذَا وَقَعَتْ اُنْتُهِيَ فِيهَا إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَإِذَا لَمْ تَقَعْ الْحُدُودُ بِأَعْيَانِهَا وَجَاءَتْ التُّهَمُ لَزِمَ الْإِمَامَ أَنْ يُبَالِغَ فِي الْعُقُوبَةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَدَبُ فِي مِثْلِ هَذَا إنَّمَا يُؤْخَذُ عَلَى قَدْرِ الْحُدُودِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ ظَهَرَ حَتَّى يَسْتَخِفَّ بِهِ أَهْلُ الْفِسْقِ، قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الَّذِي رَأَيْت النَّاسَ يَعْمَلُونَ بِهِ.
فَرْعٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ: وَمِنْ ذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ يُوجَدُ يَزْنِي بِالْمُسْلِمَةِ فَلَا يُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى ضَرْبِ مِائَةٍ، قَالَ بَلْ يُضَاعَفُ لَهُ الْعَذَابُ.
فَرْعٌ: وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوجَدَ الرَّجُلُ سَكْرَانًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَهَارًا، يُضْرَبُ الْحَدَّ ثُمَّ يُضْرَبُ عُقُوبَةَ الْخَمْسِينَ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ أُتِيَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالنَّجَاشِيِّ الشَّاعِرِ وَقَدْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ، فَضَرَبَهُ الْحَدَّ ثُمَّ ضَرَبَهُ عِشْرِينَ أَوْ بِضْعَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ: هَذَا لِاجْتِرَائِك عَلَى اللَّهِ عز وجل فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ الْحَدَّ ثُمَّ سَجَنَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْغَدِ فَضَرَبَهُ عِشْرِينَ، وَقَالَ هَذِهِ الْعِشْرُونَ لِجَرَاءَتِك عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِطْرِك فِي رَمَضَانَ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَقَدْ أُتِيَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ قَاضِي الْمَدِينَةِ بِرَجُلٍ خَبِيثٍ مَعْرُوفٍ بِاتِّبَاعِ الصِّبْيَانِ، قَدْ لَصَقَ بِغُلَامٍ فِي ازْدِحَامِ النَّاسِ حَتَّى أَفْضَى، فَبَعَثَ بِهِ هِشَامٌ إلَى مَالِكٍ وَقَالَ: أَتَرَى أَنْ أَقْتُلَهُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْقَتْلُ فَلَا، وَلَكِنَّنِي أَرَى أَنْ تُعَاقِبَهُ عُقُوبَةً مُوجِعَةً، فَأَمَرَ بِهِ هِشَامٌ فَجُلِدَ أَرْبَعَمِائَةِ سَوْطٍ وَأَلْقَاهُ فِي السِّجْنِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ مَاتَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَمَالِكٍ فَمَا اسْتَنْكَرَهُ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ: وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى إذَا أَخَذَ السَّكْرَانُ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْجَمَاعَاتِ، قَدْ سَكِرَ وَتَسَلَّطَ بِسُكْرِهِ وَآذَى النَّاسَ أَوْ رَوَّعَهُمْ بِسَيْفٍ
شَهَرَهُ أَوْ حِجَارَةٍ رَمَاهَا وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ أَحَدًا، أَنْ تُعَظَّمَ عُقُوبَتُهُ يُضْرَبُ حَدَّ السُّكْرِ ثُمَّ يُضْرَبُ الْخَمْسِينَ وَأَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى قَدْرِ جُرْمِهِ، قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ: وَقَدْ حَكَى عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ فِي وَاضِحَتِهِ أَنَّهُ يُضْرَبُ الْخَمْسِينَ وَالْمِائَةَ وَالْمِائَتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْحَدُّ مِنْهُمَا وَفِيهِمَا، قَالَ فَضْلٌ: وَحَكَى أَبُو زَيْدِ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَصْبَغَ مِثْلَهُ، إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَحْمِلُ ذَلِكَ فِي فَوْرِهِ، وَزَادَ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَدَبُهُ أَشَدُّ مِنْ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ إلَّا مَرَّةً.
فَرْعٌ: وَذُكِرَ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَقُولُ: فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عُرِفُوا بِالْفَسَادِ وَالْجَرَائِمِ أَنَّ الضَّرْبَ عَلَى مَا يُنَكِّلُهُمْ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ يَحْبِسَهُمْ السُّلْطَانُ فِي السُّجُونِ وَيُثْقِلَهُمْ بِالْحَدِيدِ وَلَا يَخْرُجُهُمْ مِنْهُ أَبَدًا، فَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ وَلِأَهْلِيهِمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَةُ أَحَدِهِمْ وَتَثْبُتُ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيُطْلِقَهُ.
فَرْعٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ أَصْبَغَ: أَرَى أَنَّ أَقْصَى الْأَدَبِ الْمِائَتَانِ فِي الْفَسَادِ الْبَيِّنِ الْمَارِقِ الْمَعْلُومِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ: وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرَى فِيمَنْ أَسَرَ الْجَارِيَةَ أَوْ الْغُلَامَ مِنْ الدَّارِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ حَتَّى يَغِيبَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ، فَلَا يُدْرَى مَا فَعَلَ أَنْ يُضْرَبَ الثَّلَاثَمِائَةِ وَالْأَرْبَعمِائَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَكَانَ الْحُكَّامُ يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا بِمَشُورَةِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ: وَمِنْ أَمْرِ النَّاسِ عِنْدَنَا الشُّهْرَةُ لِأَهْلِ الْفِسْقِ رِجَالًا كَانُوا أَوْ نِسَاءً، وَالْإِعْلَانُ بِجَلْدِهِمْ فِي الْحُدُودِ، وَمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَكَشْفِ وَجْهِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ ذَلِكَ وَنَزْعِ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي تَلْبَسُهَا لِتَتَّقِيَ الضَّرْبَ، إلَّا أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَيْهَا مَا يُوَارِيهَا وَلَا يَصِفُهَا وَلَا يَحْجُبُهَا مِنْ الضَّرْبِ، وَتُشَدُّ فِي مِكْتَلٍ إذَا ضُرِبَتْ لِئَلَّا تَبْدُوَ عَوْرَتُهَا، وَكَذَلِكَ يُشَهَّرُ الرَّجُلُ بِلَا مُثْلَةٍ وَلَا حَدَثٍ مَشْهُورٍ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْبُحْتُرِيُّ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ إذَا أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ مَعَهُ الْجَرَّةَ مِنْ الْمُسْكِرِ، أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ عَلَى رَأْسِهِ عِنْدَ بَابِهِ كَيْمَا يُعْرَفَ بِذَلِكَ وَيُشْهَرَ بِهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا وُجِدَ مِنْ رَجُلٍ رَائِحَةٌ وَأَشْكَلَ أَنْ تَكُونَ رَائِحَةَ مُسْكِرٍ أَوْ غَيْرَ مُسْكِرٍ، نَظَرَ الْإِمَامُ فِي حَالِ الرَّجُلِ، فَإِنْ كَانَ لَا بَأْسَ بِحَالِهِ خَلَّى عَنْهُ، فَقَدْ يَجُوزُ لِلصَّالِحِ شُرْبُ حُلْوِ النَّبِيذِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ وَرُبَّمَا وُجِدَتْ لَهُ رَائِحَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَسْفَاهِ وَالظُّنُونِ فَلْيَطْلُبْ اخْتِبَارَ صِحَّتِهِ، بِأَنْ يَسْتَقْرِئَهُ مَا لَا يُخْطِئُ مِثْلُهُ أَنْ يَكُونَ قَارِئًا مِمَّا يُصَلَّى بِهِ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِذَا اعْتَدَلَتْ قِرَاءَتُهُ خَلَّى عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهُ وَالْتَأَتَ فِي قِرَاءَتِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا وَصَارَتْ حَالُهُ فِي ذَلِكَ شَاهِدَةً عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ، إلَّا أَنَّ التُّهْمَةَ قَائِمَةٌ عَلَيْهِ، ضَرَبَهُ ضَرْبًا دُونَ الْحَدِّ عُقُوبَةً لَهُ بِالتُّهْمَةِ، فِي وُقُوعِ الظِّنَّةِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا فِي حَالِهِ أَيْضًا.
وَهَكَذَا سَمِعْت ابْنَ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحْسِنُونَ هَذَا عِنْدَ الْإِشْكَالِ مِنْ أَمْرِ الشَّارِبِ، وَأَمَّا إذَا خَفَتَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا وَشَهِدَ عَلَى الرَّائِحَةِ أَنَّهَا رَائِحَةُ مُسْكِرٍ، فَإِنَّ الْحَدَّ يُقَامُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَمْ يَخْتَلِطْ عَقْلُهُ وَلَا يَسْتَقِرُّ أَوْ لَا يُسْتَبْرَأُ بِشَيْءٍ.
وَفِي الْبَيَانِ وَسَأَلْتُهُ عَنْ الِاسْتِنْكَاهِ الْعَمَلِ بِهِ هَلْ قَالَ: نَعَمْ؟ وَذَلِكَ رَأْسُ الْفِقْهِ، قَالَ أَصْبَغُ وَهُوَ رَأْيٌ فِيمَنْ اسْتَنْكَرَ سُكْرَهُ وَاسْتَنْكَرَ اخْتِلَاطَهُ، وَقَدْ حَضَرْت الْعُمَرِيَّ الْقَاضِيَ أَمَرَ بِالِاسْتِنْكَاهِ فِي مَجْلِسِهِ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِيهِمْ ابْنُ وَهْبٍ فَخَتَلَهُ الْمُسْتَنْكِهُ بِالْكَلَامِ وَالسُّؤَالِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَالْمُفَارَهَةِ، ثُمَّ أَدْخَلَ شِقَّ أَنْفِهِ فِي شَدْقِهِ وَشَمَّهُ ثُمَّ قَطَعَ عَلَيْهِ أَنَّهَا خَمْرٌ، قَالَ أَصْبَغُ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ كَالشَّهَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ أَمْضَى عَلَيْهِ الْحَدَّ، إذَا كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ بِاسْتِنْكَاهِهِ حِينَ اسْتَرَابَهُ، وَوَكَّلَهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا هُوَ شَاهِدٌ يُؤَدِّي عِلْمُهُ بِالِاسْتِنْكَاهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُوجَدُ مَعَ الْقَوْمِ عِنْدَ الشَّرَابِ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ رَائِحَةٌ وَلَعَلَّهُ يَقُولُ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ مَالِكٌ: مَا لِلصَّائِمِ يَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذَا فَأَرَى أَنْ يُعَاقَبَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو زَيْدٍ قَالَ مُطَرِّفٌ: كَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَأْمُرُ السُّلْطَانُ إذَا أُتِيَ بِالرَّجُلِ وَبِهِ الرَّائِحَةُ مِنْ الشَّرَابِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَكْرَانُ وَكَانَ قَدْ حُدَّ فِي ذَلِكَ، أَنْ يُضْرَبَ أَدَبًا