الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْحُكْمُ الْأَوَّلُ بَعْضُ أَلْفَاظِ الْمُرَابَحَةِ]
وَهُوَ قَوْلُ الْبَائِعِ: بِعْتُك بِوَضِيعَةِ الْعَشَرَةِ، أَحَدَ عَشَرَ، أَوْ بِوَضِيعَةِ الْعَشَرَةِ عِشْرِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ الْأَصْحَابُ: هَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي عَادَةً أَنْ يَأْخُذَ لِكُلِّ أَحَدَ عَشَرَ عَشَرَةً، وَيَحُطُّ نِصْفَ الثَّمَنِ اللَّفْظُ الْآخَرُ وَيُلْزِمُونَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، وَهَذِهِ الْعَادَةُ قَدْ بَطَلَتْ وَلَا بَقِيَ هَذَا اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْيَوْمَ هَذَا الْمَعْنَى أَلْبَتَّةَ، بَلْ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَفْهَمُهُ فَضْلًا عَنْ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُ لَا عَادَةَ فِيهِ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ أَيْضًا، فَيَنْبَغِي إذَا وَقَعَ هَذَا الْعَقْدُ بَيْنَ الْعَامَّةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ بَاطِلًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَادَتَهُمْ اسْتِعْمَالُهُ أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّا طُولَ أَعْمَارِنَا لَمْ نَسْمَعْهُ إلَّا فِي الْكُتُبِ، أَمَّا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَلَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَعْلُومًا بِالْعَادَةِ وَلَا بِاللُّغَةِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا.
[الْحُكْمُ الثَّانِي فِي الْمُرَابَحَةِ]
إذَا قَالَ: بِعْتُك بِمَا قَامَتْ عَلَيَّ، قَالُوا: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ مَعَ الثَّمَنِ مَا بَذَلَهُ مِنْ أُجْرَةِ الْقِصَارَةِ، وَالْكِمَادِ وَالطَّرْزِ وَالْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ، وَتُسْتَحَقُّ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ إنْ سَمَّى لِكُلِّ عَشَرَةٍ رِبْحًا، وَمَا لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ إلَّا أَنَّهُ يُؤْثَرُ فِي السُّوقِ زِيَادَةً فِيهِ، وَتَنْمِيَةُ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ نَحْوَ كِرَاءِ الْحُمُولَاتِ فِي النَّقْلِ لِلْبُلْدَانِ، وَمَا لَا يُؤْثَرُ فِي السُّوقِ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ رِبْحٌ، كَأُجْرَةِ: الطَّيِّ وَالشَّدِّ وَكِرَاءِ الْبَيْتِ وَنَفَقَةِ الْبَائِعِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ لَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ بِمَا قَامَتْ عَلَى لُغَةٍ، بَلْ يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ إذَا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِيهِ عَادَةً، فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَعْلُومًا بِالْعَادَةِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ.
أُمًّا الْيَوْمَ فَلَا يُفْهَمُ هَذَا فِي الْعَادَةِ وَلَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، فَلَا عَادَةَ حِينَئِذٍ فَهَذَا الثَّمَنُ مَجْهُولٌ فَلَا يُفْتَى بِمَا فِي الْكُتُبِ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ تَفَاصِيلِهِ لِانْتِقَالِ الْعَادَةِ.