الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْقَذْفِ وَالتَّعْرِيضِ بِهِ وَصِفَةُ إقَامَةِ الْحُدُودِ]
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلَيْنِ اسْتَبَّا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: وَاَللَّهِ مَا أَبِي بِزَانٍ وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ، فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ قَائِلٌ: مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ.
وَقَالَ الْآخَرُونَ: قَدْ كَانَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَدْحٌ سِوَى هَذَا، نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ الْحَدَّ فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ.
فَرْعٌ: وَسُئِلَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ فِي مُنَازَعَةٍ أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَنَا أَبِي لَا يُعْرَفُ، فَقَالَ: إنْ قَالَهُ لِرَجُلٍ مَجْهُولٍ لَا يُعْرَفُ بِالْبَلَدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَهُ لِرَجُلٍ يَعْرِفُ الْبَلَدَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يُنَازِعُهُ تُكَلِّمُنِي وَقَدْ نَكَحْت أُمَّك وَكَانَتْ زَوْجَتِي، إنْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حُدَّ الْقَذْفَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا أَرَى عَلَيْهِ حَدًّا إلَّا الْعُقُوبَةَ الشَّدِيدَةَ، لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ نَكَحَهَا اكْتَفَى بِشَهِيدَيْنِ، وَلَوْ كَانَ قَذْفًا مَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ بِدُونِ أَرْبَعَةٍ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ: وَقَوْلُ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ شَدِيدٌ، لِأَنَّهُ يَنْزِعُ فِي الْمُنَازَعَةِ إلَى أَقْبَحِ شَيْءٍ وَأَشْنَعِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مُنَازَعَةٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
مَسْأَلَةٌ: وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: يَا ابْنَ الْعَفِيفَةِ، وَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ، أَنَّ عَلَى الْقَائِلِ يَا ابْنَ الْعَفِيفَةِ الْحَدَّ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً، وَعَلَى الْقَائِلِ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِالْخَبِيثِ الزِّنَا فَإِنْ حَلَفَ أُدِّبَ وَإِنْ نَكَلَ حُدَّ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي مُشَاتَمَةٍ إنِّي لَعَفِيفٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَادَ عَفِيفَ الْكَسْبِ أَوْ الْمَطْعَمِ، فَيَحْلِفُ وَيَبْرَأُ مِنْ الْحَدِّ وَيَنْكُلُ، وَفَارَقَ
الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي هَذَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُعْرَضُ لَهَا بِذِكْرِ الْعَفَافِ إلَّا فِي الْفَرْجِ خَاصَّةً، وَالرَّجُلُ يُعْرَضُ لَهُ بِذِكْرِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ فِي أَقْبَحِ ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ بِالْيَمِينِ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ رَأَيْته مَعَهَا أَوْ بَيْنَ فَخِذَيْهَا، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعَاقَبُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يُعَاقَبُ، وَفِي التَّبْصِرَةِ إنْ كَانَ لِلشَّاهِدِ عَدْلًا لَا يُعَاقَبُ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ عُوقِبَ وَإِلَّا فَلَا مِنْ الْمَذْهَبِ.
تَنْبِيهٌ: وَلَيْسَ عَلَى الْأَبِ إذَا عَرَضَ لِوَلَدِهِ بِالزِّنَا حَدٌّ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْأَبِ، فَإِذَا صَرَّحَ بِالزِّنَا حُدَّ مِثْلُ قَتْلِهِ إيَّاهُ فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَوَدِ وَفِيمَا لَا يَلْزَمُهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا يَهُودِيُّ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ، وَكَذَلِكَ أَسْوَدُ وَيَا ابْنَ الْأَسْوَدِ، وَكَذَلِكَ يَا خَيَّاطُ وَيَا جَزَّارُ، أَوْ يَا ابْنَ الْخَيَّاطِ أَوْ يَا ابْنَ الْجَزَّارِ، الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آبَائِهِ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لِمَوْلًى: يَا خَيَّاطُ أَوْ يَا ابْنَ الْخَيَّاطِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَرَادَ نَفْيًا، لِأَنَّ الْمَوَالِيَ هُمْ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ.
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ: يَا فَارِسِيُّ أَوْ يَا ابْنَ الْفَارِسِيِّ، أَوْ يَا قِبْطِيُّ، أَوْ يَا بَرْبَرِيُّ يَا ابْنَ الْبَرْبَرِيِّ حُدَّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ لِمَوْلًى فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَرَادَ نَفْيًا.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الْبَرْبَرِيِّ وَأَبُوهُ فَارِسِيٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْبَيَاضِ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ أَسْوَدَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي السَّوَادِ إذَا نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ أَبْيَضَ، فَيَكُونُ نَفْيًا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلْأَسْوَدِ أَوْ لِلْحَبَشِيِّ يَا ابْنَ الْفَارِسِيِّ.
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: لَيْسَتْ أُمُّك فُلَانَةَ فَهُوَ كَذِبٌ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَيْسَ أَبُوك فُلَانًا لِأَنَّهُ قَطَعَ نَسَبَهُ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، كَمَنْ قَالَ: يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ لِأَنَّهُ حَمَلَ أَبَاهُ عَلَى غَيْرِ أُمِّهِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ بَيْضَاءَ وَجَعَلَهُ لِرِيبَةٍ.
فَرْعٌ: وَلَوْ قَالَ: يَا ابْنَ زَيْنَبَ السَّوْدَاءِ وَأُمُّهُ زَيْنَبُ وَهِيَ بَيْضَاءُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: لَيْسَتْ أُمُّك فُلَانَةَ، وَهَذَا مِمَّا قَدْ حُكِمَ بِهِ عِنْدَنَا، وَأَمَّا ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ فَجَعَلَا وَاحِدًا إذَا قَالَ لَيْسَ أُمُّك فُلَانَةَ، أَوْ يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ.
فَرْعٌ: وَلَوْ قَالَ: يَا ابْنَ النَّصْرَانِيَّةِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا سَمَّى أُمَّهُ.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الْأَمَةِ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ، أَوْ يَا ابْنَ الْبَرْبَرِيَّةِ وَأُمُّهُ قُرَشِيَّةٌ، لَيْسَ فِي الْأُمِّ شَيْءٌ فِي قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَكَأَنَّمَا قَالَ لِأُمِّهِ: أَنْتِ أَمَةٌ أَوْ بَرْبَرِيَّةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ: عَلَيْهِ الْحَدُّ لَيْسَ مِنْ قِبَلِ النَّفْيِ، وَلَكِنَّهُ حَمَلَ أَبَاهُ عَلَى غَيْرِ أُمِّهِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَهَا بِاسْمِهَا، وَيَنْسُبَهَا إلَى غَيْرِ جِنْسِهَا أَوْ يَنْعَتَهَا بِغَيْرِ نَعْتِهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ أَقْيَسُ وَأَحَبُّ إلَيَّ، إلَّا أَنِّي أَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَأُعَظِّمُ فِيهِ الْعُقُوبَةَ.
تَنْبِيهٌ: وَمَنْ قَذَفَ ابْنَ الْمُلَاعَنَةِ أَوْ اللَّقِيطَ أَوْ الْمَحْمُولَ بِأَبِيهِ أَوْ أَوْ بِأُمِّهِ حُدَّ، وَمَنْ قَذَفَ الْمَنْبُوذَ بِأَبِيهِ وَبِأُمِّهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَذَفَ ابْنَ أُمِّ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ حُدَّ، وَمَنْ قَذَفَهُ بِأُمِّهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا التَّعْزِيرُ كَانَ الْقَاذِفُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ أَكْثَرُهُمَا أَدَبًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَبْدِ أَشَدُّ تَعْيِيرًا عَلَيْهِ، وَلَمَّا عَدَا مِنْ طَوْرِهِ وَجَاوَزَ مِنْ قَدْرِهِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَصْبَغُ: سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: وَالرَّجُلُ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِ وَأُمِّهِ نَصْرَانِيَّةٌ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، إنْ كَانَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ رَجُلًا لَهُ هَيْبَةٌ، فَأَرَى أَنْ يَضْرِبَ قَائِلَ ذَلِكَ الْعِشْرِينَ سَوْطًا وَنَحْوَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا هَيْبَةَ لَهُ فَأَدْنَى مِنْ ذَلِكَ، وَجَاءَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَرَبَ رَجُلًا افْتَرَى عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ أُمِّ مُسْلِمٍ بِضْعًا وَثَلَاثِينَ.
مَسْأَلَةٌ: وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَالْحُرُّ يَقْذِفُ الْعَبْدَ لَا يُعَزَّرُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نُهِيَ عَنْ أَذَى هَذَا الْعَبْدِ بِخُصُوصِهِ، أَوْ يَكُونَ فَاحِشًا مَعْرُوفًا بِأَذَى النَّاسِ فَيُعَزَّرُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ نَهْيًا لَهُ عَنْ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ فِي قَذْفِ الْمُسْلِمِ لِلنَّصْرَانِيِّ مِثْلَهُ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ إنْ رَمَى عَبْدٌ عَبْدًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ لِلْبَاجِيِّ: وَإِذَا قَذَفَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ ثَمَانِينَ.
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَقْذِفَ رَجُلًا فَقَذَفَهُ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ جَمِيعًا، سَوَاءٌ قَالَ لَهُ: اقْذِفْهُ، أَوْ قَالَ لَهُ قُلْ لَهُ يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ، وَلَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا أَنْ يَقْذِفَ رَجُلًا فَقَذَفَهُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: اقْذِفْ فُلَانًا فَقَذَفَهُ فَالْحَدُّ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَعَلَى الْآمِرِ النَّكَالُ، وَإِنْ قَالَ لَهُ قُلْ: يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَالْحَدُّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ قَدْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ، وَثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَقَدْ قَذَفَهُ الْمَأْمُورُ أَيْضًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْعَبْدِ إذَا أَمَرَهُ بِالْقَذْفِ، أَنَّ الْعَبْدَ كَنَفْسِهِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ خَوْفِ سَيِّدِهِ، وَالْأَجْنَبِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهُوَ مِثْلُ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اُقْتُلْ فُلَانًا فَقَتَلَهُ قُتِلَا جَمِيعًا، وَلَوْ قَالَهُ لِأَجْنَبِيٍّ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَلَمْ يَقْتُلْ الْآمِرَ وَضُرِبَ مِائَةً وَحُبِسَ سِتَّةً، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا فِيهِ عِنْدِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ.
مَسْأَلَةٌ: إذَا قَالَ مَنْ رَكِبَ دَابَّتِي هَذِهِ فَهُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ، فَمَنْ رَكِبَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ يُحَدَّ لَهُ، وَمَنْ رَكِبَهَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ حُدَّ لَهُ.
مَسْأَلَةٌ: سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا نَذْلُ ابْنُ النَّذْلِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ يَحْضُرُ الْمَلَاهِيَ فَهُوَ نَذْلٌ مِنْ زِيَادَاتِ مَعِينِ الْحُكَّامِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ قَالَ أَشْهَبُ: وَيُحَدُّ الْقَائِلُ لِآخَرَ يَا حِمَارُ، لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالْحِمَارِ الَّذِي يَرْكَبُهُ فِي رِدْفِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعَزَّرُ.
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ فُلَانُ يَزْعُمُ أَنَّك زَانٍ، وَجَاءَ عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ فُلَانًا قَالَ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ مُخَاصِمًا وَمُشَاتِمًا فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ جَمِيعًا، وَإِنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ مُخْبِرًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَالْحَدُّ عَلَى الْأَوَّلِ
وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ أَنَّ فُلَانًا قَالَهُ فَالْحَدُّ عَلَى الَّذِي خَاطَبَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُخْبِرًا وَإِنْ جَاءَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَقُولُ لَك: يَا زَانٍ، أَوْ جَاءَ بِذَلِكَ مَعَهُ فِي كِتَابٍ وَأَقَرَّ أَنَّهُ يَعْرِفُ مَا فِيهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، لِأَنَّهُ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ فُلَانًا أَرْسَلَهُ فَقَدْ قَالَهُ هُوَ أَيْضًا.
مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ اسْتَبَّ رَجُلَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: يَا أَحْمَقُ فَقَالَ الْآخَرُ أَحْمَقُنَا هُوَ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، قَالَ أَصْبَغُ: أَرَاهُ قَذْفًا مِنْ الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِلشَّتْمِ، وَاسْتِتَارٌ عَنْ الْقَذْفِ بِذِكْرِ الْحُمْقِ، كَانَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ أَحْمَقَ أَوْ حَلِيمًا، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ أَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ وَفِيهِ مِنْ الْخِلَافِ غَيْرُ هَذَا.
مَسْأَلَةٌ: وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: مَنْ شَهِدَ عَلَيَّ فَهُوَ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَعَلَى قَائِلِ ذَلِكَ الْحَدُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؟ وَلَوْ قَالَ: مَنْ رَمَانِي فَهُوَ ابْنُ الْفَاعِلَةِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعَمُّدٌ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَصْبَغُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: حَضَرْت مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: إنْ كُنْت مِنْ الْعَرَبِ فَأَنْت ابْنُ الْفَاعِلَةِ، فَطَلَبَ الْمَقْذُوفُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مِنْ الْعَرَبِ فَلَمْ يَجِدْهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُضْرَبَ قَائِلُ ذَلِكَ سَبْعِينَ جَلْدَةً.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَرَى السَّبْعِينَ كَثِيرًا وَلَكِنَّ الْخَمْسِينَ أَوْ الْأَرْبَعِينَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَكَذَا، أَوْ إنْ كَانَ كَذَا فَأَنْت ابْنُ الْفَاعِلَةِ، فَإِنَّهُ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ الَّذِي قَالَهُ إنَّهُ كَذَلِكَ ضُرِبَ الْحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ضُرِبَ نَحْوَ الَّذِي ذَكَرْنَا.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: سَمِعْت أَصْبَغَ يَقُولُ: حَضَرْت ابْنَ الْقَاسِمِ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنَّ رَجُلًا قَالَ لِي لَسْت مِنْ الْعَرَبِ، فَقُلْت لَهُ: مَنْ قَالَ لِي: إنِّي لَسْت مِنْ الْعَرَبِ فَهُوَ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ أَنَّك مِنْ الْعَرَبِ، ضُرِبَ هُوَ الْحَدَّ لِنَفْيِهِ إيَّاكَ مِنْ الْعَرَبِ، وَضُرِبْت أَنْتَ أَيْضًا لَهُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّك قَذَفْته، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنِّي لَمْ أُرِدْهُ، إنَّمَا أَرَدْت النَّاسَ كَأَنَّهُ إنَّمَا جَاوَبْته، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا جَاوَبْته وَتَقُولُ: لَمْ أُرِدْهُ، لَيْسَ يُنْجِيك ذَلِكَ مِنْ الْحَدِّ وَلَكِنْ صَالِحْهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَسُئِلَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: إنْ كُنْت قُلْت مَا ذَكَرْت فَأَنْت ابْنُ الْفَاعِلَةِ، قَالَ: إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَالَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ؛ لِأَنَّهُ رَفَثٌ.
مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَمِعْت مُطَرِّفًا وَابْنَ الْمَاجِشُونِ يَقُولَانِ: مَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يَقَعُ زَوْجُهَا عَلَى جَارِيَتِهَا وَيَزْعُمُ أَنَّهَا وَهَبَتْهَا أَوْ بَاعَتْهَا إيَّاهُ، وَتُنْكِرُ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَتَقُولُ: إنَّمَا وَاقَعَتْهَا زِنًا، ثُمَّ تَعْتَرِفُ أَنَّهَا وَهَبَتْهَا أَوْ بَاعَتْهَا إيَّاهُ، أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَا عَلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا مُخَنَّثُ، إنْ كَانَ فِيهِ مِنْ التَّوْضِيعِ أَوْ عَمَلِ النِّسَاءِ أَوْ لِينِ الْكَلَامِ شَيْءٌ، أُحْلِفَ مَا أَرَادَ غَيْرَ مَا فَسَّرَ بِهِ قَصْدَهُ ثُمَّ عُوقِبَ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ بَرِيئًا لَا يُرَى فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حُدَّ قَائِلُ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا وَلَدَ الْخَبِيثِ، ضُرِبَ الْحَدَّ، وَلَا نَعْلَمُ الْخَبِيثَ فِي هَذَا إلَّا الزِّنَا، قَالَ لَوْ قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، إلَّا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الزِّنَا وَإِنَّمَا أَرَادَ خَبِيثَةً فِي فِعْلِهَا أَوْ خَلْقِهَا، وَيُنَكَّلُ نَكَالًا مُوجِعًا، وَلَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حُبِسَ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفًا، فَإِنْ حَلَفَ أُبْرِئَ مِنْ الْحَدِّ، وَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ، فَإِذَا طَالَ حَبْسُهُ وَمَضَى عَلَى نُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ أُدِّبَ أَدَبًا مُوجِعًا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَمِعْت ابْنَ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ أَوْ الْفَاجِرَةِ، إذَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حُدَّ وَبِهِ نَقُولُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فَضْلٌ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُحْتَاطِ لَهُ الْحَبْسَ فِي قَوْلِهِ: يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ وَيَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، كَمَا ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ: يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْحَبْسَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: يَا فَاجِرُ وَيَا فَاسِقُ وَيَا خَبِيثُ إلَّا الْحَلِفَ، وَإِنْ نَكَلَ أُدِّبَ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: يَا مَأْبُونُ وَهُوَ يَلْعَبُ فِي الْأَعْرَاسِ، وَيُغَنِّي وَيَضْرِبُ بِالْأَكْبَارِ وَفِي كَلَامِهِ تَأْنِيثٌ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ مَأْبُونًا فَلَا يَخْرُجُ الْقَائِلُ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يَحِقَّ مَا قَالَ.