الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما وصفه بأنه روح، والروح من طبيعته أن يحرّك ويحيى:
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا (1) ولهذا (2) كان شأن المؤمنين المهتدين بالقرآن، أن يوصفوا بالحياة وبالنورانية معا انتصروا على الموت وعلى الظلام جميعا قال تعالى:
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها (3)
قال ابن حزم الظاهرى رحمه الله
(4):
.... ولما تبين بالبراهين والمعجزات أن القرآن هو عهد الله إلينا، والذى ألزمنا الإقرار به، والعمل بما فيه، وصح بنقل الكافة الذى لا مجال للشك فيه أن هذا القرآن هو المكتوب فى المصاحف، المشهور فى الآفاق كلها، وجب الانقياد لما فيه، فكان هو الأصل المرجوع إليه لأننا وجدنا فيه قوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (5) فما فى القرآن من أمر أو نهى فواجب الوقوف عنده
…
ولا خلاف بين أحد من الفرق المنتمية إلى المسلمين من أهل السنة والمعتزلة والخوارج والمرجئة والزيدية (6) فى وجوب الأخذ بما فى القرآن. اه.
(1) سورة الشورى الآية: 52.
(2)
ثقافة الداعية: 10.
(3)
سورة الأنعام الآية: 122.
(4)
الإحكام 1/ 85، 86.
(5)
سورة الأنعام الآية: 38.
(6)
أهل السنة هم أتباع السلف الذين لم يخرجوا عن نصوص الكتاب والسنة بلا تأويل ولا تعطيل.
والمعتزلة جماعة امتازت بالاعتماد على العقل ولم يتقيدوا بنص من قرآن أو حديث، وكان حصاد ذلك كله حرية الرأى ويعتبرون فلاسفة الإسلام وقد انقسموا إلى أكثر من عشرين فرقة وكلهم متفقون على أن القرآن مخلوق وأن الله ليس خالقا لأفعال العبد، وعلى نفى صفات الله تعالى من العلم والقدرة.
والخوارج فرقة إسلامية سموا بذلك لأنهم خرجوا على الإمام على كرم الله وجهه فى
فالقرآن الكريم حجة على الناس، وأحكامه قانون واجب عليهم اتباعه، لأنه أساس الدين، وحبل الله المتين الذى أمر بالاستمساك به قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (1) وإنما كان القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع لأمور منها:
1 -
أنه مقطوع (2) به من جهة الثبوت والنقل فى الجملة والتفصيل، بخلاف السنة فالقطع بها إنما يصح فى الجملة لا فى التفصيل والمقطوع به مقدم على المظنون.
2 -
أن الله عز وجل قال:
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (3) فالله سبحانه وتعالى فى هذه الآية أشار بأن السنة جاءت مبينة للقرآن، ومن ثم فهى تالية لما جاءت بيانا له وهو القرآن.
3 -
قال تعالى:
وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (4)
صفين عند إقامة الحكمين، ويحكمون على العبد بالكفر إذا فعل ذنبا ويقولون بكفر عثمان وعلى وطلحة والزبير وعائشة رضى الله عنهم.
والمرجئة فرقة ترى أن الإيمان هو المعرفة فقط دون العمل، ويقولون: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
والزيدية فرقة تنتسب إلى زيد بن على زين العابدين وهى أقرب فرق الشيعة إلى الجماعة الإسلامية.
- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للإمام الرازى 23، 51، 107، والإحكام لابن حزم 1/ 86، وتاريخ المذاهب الإسلامية لأبى زهرة 1/ 50.
(1)
سورة آل عمران الآية: 103.
(2)
الموافقات 4/ 7.
(3)
سورة النحل الآية: 44.
(4)
سورة فصلت آيتا: 41، 42.
4 -
لما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضى الله عنه إلى اليمن قال له: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيى ولا آلو (1).
(1) معنى آلو: الأول: الرجوع آل الشيء يؤول أولا ومالا: رجع (لسان العرب 1/ 171). والحديث أخرجه أبو داود فى سننه فى كتاب الأقضية 2/ 272.
والترمذى فى سننه وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده ليس بمتصل 3/ 608.
وقال الشيخ الألبانى: إنه قلّما يخلو منه كتاب من كتب أصول الفقه مع أنه ضعيف الإسناد- منزلة السنة فى الإسلام له 15.
والحق أن الحكم عليه بالضعف ليس بالأمر الهيّن. حيث إن العقل يستبعد أن يذكر هذا الحديث فى جميع كتب الأصول وهو ضعيف ولا يتنبه إلى ذلك أحد من الأصوليين، ولعل الشيخ الألبانى اطلع على ما ذكره الترمذى من قوله- لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده ليس بمتصل- فحكم بضعفه.
وواضح أنه لا يستساغ الحكم على الحديث بالضعف بمجرد أن فى السند الذى أعرفه مجهولا مثلا إذ ربما ذكر الحديث بطريق آخر بيّن فيه هذا المجهول.
وها هو الحافظ ابن كثير يقول بعد أن ساق الحديث: وهذا الحديث فى المساند والسنن بإسناد جيد- تفسير ابن كثير 1/ 13.
ومبلغ علمى- والله أعلم- أن الاعتراض على حديث معاذ سببه أن الرواية المشهورة لم تسمّ من روى الحديث عن معاذ وسند الحديث كما ذكره العلامة ابن قيم الجوزية فى أعلام الموقعين 1/ 242 - 244 ما يلى: قال شعبة يعنى ابن الحجاج حدثنى أبو عون عن الحرث بن عمرو عن أناس من أصحاب معاذ عن معاذ.
قال ابن قيم: فهذا حديث وإن كان عن غير مسمّين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك لأنه يدل على شهرة الحديث، وأن الذى حدث به الحرث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم، وهذا أبلغ فى الشهرة من أن يكون عن واحد منهم ولو سمّى. كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحلّ الذى لا يخفى ولا يعرف فى أصحابه منهم ولا كذاب ولا مجروح بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم.
أضف إلى ذلك أن شعبة حامل لواء هذا الحديث وقد قال بعض أئمة الحديث: إذا رأيت شعبة فى إسناد فاشدد يديك به.
وقد قيل كما ذكر ابن قيم: إن عبادة بن نسىّ رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن
5 -
عن الحارث عن على قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن أمتك ستفتن بعدك. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سئل ما المخرج منها؟ قال: «بكتاب الله العزيز الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد من ابتغى العلم فى غيره أضله الله ومن ولى هذا الأمر من جبار فحكم بغيره قصمه (1) الله. هو الذكر الحكيم والنور المبين والصراط المستقيم.
فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل (2) وهو الذى سمعته الجن فلم تنته أن قالوا:
إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ (3) لا يخلق (4) على طول الرد ولا تنقضى عبره ولا تفنى عجائبه» اه.
وقد رتب الله عز وجل على اتباع قرآنه كل خير وسعادة فقال سبحانه:
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (5) كما رتب على الإعراض عنه كل شقاء ونصب فقال سبحانه:
معاذ، وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة.
على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا وصية لوارث» وقوله فى البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وقوله: «الدية على العاقلة» .
فهذه الأحاديث وإن كانت لا تثبت من جهة الإسناد، ولكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها. فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له والله تعالى أعلم- المصدر السابق-
(1)
قصم الشيء كسره حتى يبين وبابه ضرب- مختار الصحاح 539.
(2)
الهزل ضد الجد وقد هزل من باب ضرب- المرجع السابق 695.
(3)
سورة الجن آيتا: 1، 2.
(4)
يقال ثوب خلق أى بال يستوى فيه المذكر والمؤنث، ويقال خلق الثوب بمعنى بل وبابه سهل- مختار الصحاح 187.
(5)
سورة طه الآية: 123.