الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالرسول صلى الله عليه وسلم تعبدهم بالتزام الزكاة قبل بيانها.
قالا: وإنما جاز الخطاب بالمجمل وإن كانوا لا يفهمونه لأحد أمرين:
الأول: أن يكون إجماله توطئة للنفس على قبول ما يتعقبه من البيان، فإنه لو بدأ فى تكليف الصلاة بها لجاز أن تنفر النفوس منها ولا تنفر من إجمالها.
الثانى: أن الله تعالى جعل من الأحكام جليّا، وجعل منها خفيّا ليتفاضل الناس فى العمل بها ويثابوا على الاستنباط لها، فلذلك جعل منها مفسرا جليا وجعل منها مجملا خفيّا.
حكم المجمل:
قال العلماء: إن المجمل يتوقف فى تعين المراد منه حتى يأتى البيان من الشارع، ومن هنا إذا بيّن المجمل فقد يكون البيان بيانا وافيا قطعيا وقد يكون بيانا وافيا ظنيا وقد يكون بيانا غير واف.
فإذا جاء البيان وافيا بدليل قطعى التحق المجمل بالمفسر، وصار حكمه كحكمه وذلك مثل كلمة (هلوع) فى قول الله تعالى:
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً فقد بينه الله بقوله بعده:
إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (2) ومن ذلك أيضا بيان الرسول صلى الله عليه وسلم للصلاة والصيام والزكاة والحج، فإن بيانه صلى الله عليه وسلم لهذه الأركان كان وافيا قطعيّا.
(1) أخرجه مسلم فى صحيحه 1/ 29.
(2)
سورة المعارج آيات: 19، 20، 21.
أما إذا كان البيان بدليل ظنى سواء كان ظنى الثبوت فقط، أو ظنى الدلالة فقط أو ظنى الثبوت والدلالة فإنه فى هذه الحالة يلتحق المجمل بالمؤول، لأن البيان بالدليل الظنى لا يكفى وحده لإزالة الإجمال، بل يبقى اللفظ محتملا للتأويل، ويكون الشارع بهذا البيان قد فتح الطريق أمام المجتهدين للتأويل بالبيان والنظر ومن ذلك أن مسح الرأس فى الوضوء جاء مجملا فى مقدار ما يمسح وقد بينه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح ناصيته (1).
لكن يلاحظ أن هذا الحديث المبين لمقدار ما يمسح حديث ظنى لا قطعى. وأما إذا لم يكن البيان وافيا التحق المجمل بالمشكل، وانفتح باب الاجتهاد لبيانه، لأنه حيث لم يبين الشارع المعنى فمقتضاه أن يترك أمر بيانه للمجتهد فيصير حكمه حكم المشكل وهو الطلب، والبحث عن القرائن للوقوف على المعنى المراد.
مثال ذلك: قال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا (2).
وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً (3).
فلفظ الربا جاء فى القرآن مجملا وقد ورد فى السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فى بيان الربا: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح والتمر بالتمر مثلا بمثل سواء بسواء بدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» (4).
فهذا الحديث الشريف ظنى، ولم يحصر الربا فى هذه الأنواع الستة
(1) الناصية: قصاص الشعر فى مقدم الرأس- لسان العرب 5/ 4447 - . والحديث أخرجه مسلم فى صحيحه 1/ 130
(2)
سورة البقرة الآية: 275.
(3)
سورة آل عمران الآية: 130.
(4)
أخرجه مسلم فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى 1/ 692.