الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأن الحسن والقبح لم يجتمعا فى الفعل المنسوخ فى وقت واحد حتى يلزم التضاد. فالحسن كان فى وقت العمل بالفعل المنسوخ، والقبح كان فى وقت آخر.
فالنهى تعلق بما لم يتعلق به الأمر، ومتى أمر الشارع بشيء ثم نسخه علمنا بأن الأمر كان إلى ذلك الوقت. ومن ثم فلا يكون النهى مما تعلق به الأمر.
أضف إلى ذلك أن هذا الذى ذكرتموه لو كان دليلا على إبطال النسخ لوجب أن يجعل دليلا على إبطال التخصيص فيقال: إنه إذا أمر بقتال المشركين لا يجوز أن ينهى عن قتال أهل الذمة لأن الأمر بالقتل يدل على حسنه والنهى عنه يدل على قبحه، ولا يجوز أن يكون الشيء الواحد حسنا قبيحا، ولما لم يصلح أن يقال هذا فى إبطال التخصيص لم يصلح أن يقال مثله فى إبطال النسخ.
قال الإمام الرازى رحمه الله
(1):
«لم لا يجوز أن يكون ذلك الفعل مصلحة فى وقت ومفسدة فى وقت آخر؟ فيأمر به فى الوقت الذى علم أنه مصلحة فيه وينهى عنه فى الوقت الذى علم أنه مفسدة فيه. كما لا يمتنع أن يعلم فيما لا يزال:
أن أمراض زيد وفقره مصلحة له فى وقت، وصحته وغناه مصلحة له فى وقت آخر فيمرضه ويفقره حين يعلم أن ذلك مصلحة، ويغنيه ويصحه
وعند المعتزلة هو عقلى لا يفتقر إلى ورود الشرائع. بل العقل يستقل بثبوته قبل الرسل وإنما الشرائع مؤكدة لحكم العقل فيما علمه ضرورة كالعلم بحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار أو نظرا كحسن الصدق الضار وقبح الكذب النافع أو مظهرة لما لا يعلمه العقل ضرورة ولا نظرا كصوم آخر يوم من رمضان وتحريم أول يوم من شوال.
(شرح تنقيح الفصول للقرافى 88).
(1)
المحصول 1/ 452.
حين يعلم أن ذلك مصلحة. كما لا يمتنع أن يعلم الإنسان أن الرفق مصلحة ابنه وعبده- اليوم- والعنف مصلحته فى غد: فيأمر عبده بالرفق به فى اليوم وبالعنف به فى الغد».
كما استدل الشمعونية على الثانى- المحال الشرعى- بأن الشرع لا يأتى بما يحيله العقل. وقد أبطل الجمهور هذا بأنه قد ثبت بالأدلة القاطعة أن النسخ جائز عقلا وأنه ليس محالا.
هذا وبعد ذكر المذاهب فى النسخ يتضح لنا جليا ما يلى:
أولا: مذهب الجمهور الذى يرى أن النسخ جائز عقلا وواقع شرعا هو الراجح لقوة الأدلة وسلامتها مما يعارضها.
ثانيا: الخلاف بين أبى مسلم الأصفهانى والجمهور خلاف لفظى فقط، لأنه يرى ما يراه الجمهور من أن النسخ جائز عقلا، وأن شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع، ولكن ما يسميه العلماء نسخا فى الشريعة الواحدة يسميه هو تخصيصا.
ثالثا: أفكار النسخ عند فرق اليهود الثلاث ليست غاية، وإنما هى وسيلة لأن الغاية هى إنكار رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن أعجزهم إدراك هذه الغاية فلا أقل من إنكار أنهم مطالبون بتصديقه واتباعه فيما جاء به صلى الله عليه وسلم. وأما النصارى فقد أنكروا جواز النسخ عقلا ووقوعه شرعا ليصلوا من هذا الإنكار إلى غاية حرصوا على تحقيقها. هى بقاء دينهم إلى جانب الإسلام بحجة أن شريعة ما لا تنسخ بشريعة وأن حكما فى شريعة لا ينسخ بحكم فى شريعة أخرى بعدها.
هذا: وما قاله الجمهور ردا ودحضا لمزاعمهم فيه الكفاية والله أعلم.