الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موافق لمدلوله فى محل النطق وعليه فيكون المسكوت عنه موافقا فى الحكم للمنطوق به.
على أن هنا من الأصوليين من أدخل هذه الدلالة فى القياس، وسماها القياس الجلى أو قياس الأولى وذلك لأن المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق لظهور العلة فيه على نحو أقوى من المنطوق به، وعلى هذا فإن دل بعبارته على حكم فى واقعة ووجدنا واقعة أخرى متفقة مع الأولى فى العلة، وأولى منها بالحكم، وكانت هذه المساواة أو الأولوية تفهم بمجرد فهم اللغة دون حاجة إلى نظر وتأمل واجتهاد، فإنه يتبادر إلى الفهم حينئذ أن النص يتناول الواقعتين، وأن الحكم المنصوص عليه يثبت للمسكوت عنه أى يثبت للواقعة الثانية.
والظاهر- والله أعلم- أن دلالة النص تفترق عن القياس من جهة أن العلة هنا يمكن لكل عارف باللغة، أن يدركها دون نظر واجتهاد، بعكس القياس فإن العلة فيه يحتاج استخراجها إلى نظر واجتهاد.
ومن أمثلة دلالة النص:
(أ) قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (1) فهذا النص الكريم يفهم من عبارته تحريم أكل أموال اليتامى ظلما، ويفهم من دلالته تحريم أن يؤكلوها غيرهم، وتحريم إحراقها وتبديدها وإتلافها بأىّ نوع من أنواع الإتلاف، لأن هذه الأشياء تساوى أكلها ظلما فى أن كلا منها اعتداء
على مال القاصر العاجز عن دفع الاعتداء، وعليه يكون النص المحرم بعبارته أكل أموال اليتامى ظلما محرّما إحراقها وتبديدها بطريق الدلالة، وواضح أن المفهوم الموافق المسكوت عنه مساو للمنطوق.
(1) سورة النساء الآية: 10.
(ب) قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ (1) هذا القول الكريم يدل بعبارته على نهى الولد أن يقول لوالديه أُفٍّ لما فى هذا القول من إيذاء لهما وإيلام، ويتبادر إلى الفهم أن النص يتناول حرمة ضربهما وشتمهما لما فى الضرب والشتم من إيذاء وإيلام أشد مما فى كلمة أُفٍّ وعليه فيكون الضرب والشتم أولى بالتحريم من التأفيف، ومن ثم يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق، ولا شك أن هذا المعنى واضح لا يحتاج إلى إعمال نظر وفكر.
(ج) قال تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (2) فهذه الآية يفهم منها بدلالة العبارة وجوب العدة (3) على المطلقة، للتأكد من براءة رحمها، وهذه العلة يفهمها أهل اللغة فكل من يعرف اللغة يدرك أن العلة فى ذلك هى التأكد من براءة الرحم، ويمكن بمقتضى فحوى الخطاب تطبيق هذا الحكم على من حدثت الفرقة بينها وبين زوجها بسبب فسخ عند الزواج لسبب يقتضى الفسخ، وذلك لاستواء العلة فيهما وعليه فتجب العدة على المنسوخ زواجها بدلالة النص.
غير أن الشافعية يرون حال استواء العلة من قبيل القياس، يراها الحنفية ومن وافقهم من قبيل فحوى الخطاب.
والفقهاء يختلفون بالنسبة لهذا النوع: فجمهور الحنفية يعدونه دلالة
(1) سورة الاسراء الآية: 23.
(2)
سورة البقرة الآية: 228.
(3)
هى اسم لمدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها أو للتعبد أو لتفجعها على زوجها، وشرعت صيانة للأنساب وتحصينا لها من الاختلاط رعاية لحق الزوجين والولد والناكح الثانى.
والأصل فيها التعبد بدليل أنها لا تنقضى بقرء واحد مع حصول البراءة به- مغنى المحتاج 3/ 384 -