الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانى: أن تكون مبينة لأحكام القرآن من تخصيص عام أو تقييد مطلق أو تفصيل مجمل، ونحو ذلك.
الأمثلة:
أولا: تخصيص العام. قال تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها» (2).
فالآية الكريمة بعمومها تفيد حل النكاح من غير المحرمات المذكورات فى الآيات السابقة، وظاهر أنها تشمل بهذا العموم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، ولكن الحديث الشريف نهى عن ذلك، وعليه فيكون الحديث مخصصا لعموم الآية.
وقال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ (3). الآية وقال صلى الله عليه وسلم: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» (4). فالآية تقضى بعمومها توريث جميع الأولاد، وبه تمسكت السيدة فاطمة رضى الله عنها حيث طلبت من أبى بكر رضى الله عنه بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم توريثها مما أفاء الله عليه. وخصوص الحديث نصّ فى عدم التوريث، وبه تمسك الصدّيق رضى الله عنه، فردّها ولم يعطها شيئا، وذلك عمل منه بتخصيص عام الآية بخصوص الحديث، وبأن المراد من الأولاد فى الآية ما عدا أولاد الأنبياء، وأما أموال الأنبياء فتكون صدقة.
ولعل الحكمة فى ذلك: أن الورثة لو طمعوا فى أموالهم ربما يحبون موتهم، أو يحاولون إهلاكهم، فناسب ونزاهة الشريعة الحكيمة أن تمنع هذا سدّا للذريعة، وتكريما للأنبياء.
(1) سورة النساء الآية: 24.
(2)
أخرجه مسلم فى صحيحه فى كتاب النكاح 1/ 589.
(3)
سورة النساء الآية: 11.
(4)
أخرجه مسلم فى صحيحه 2/ 81.
هذا وجدير بالذكر التنبيه على أن العلماء جميعا متفقون على تخصيص عام القرآن بالسنة المتواترة، وأما إذا كانت السنة من أخبار الآحاد فذهب الائمة الأربعة إلى جوازه ومن العلماء من منع ذلك بحجة أن الكتاب قطعى الثبوت، والخبر الذى فيه الكلام ناقلوه متعرضون للزلل، فلا يجوز أن يحكم على الثابت قطعا بما أصله مشكوك فيه (1).
والمختار مذهب الأئمة الأربعة، لأن الصحابة رضوان الله عليهم خصصوا قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ بحديث: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها» كما تقدم. على أن الإمام مالكا رحمه الله مع اعتباره دلالة العام فى القرآن ظنية لأنها من قبيل الظاهر والظاهر عنده ظنى لا يخصص عام القرآن بأخبار الآحاد مطلقا. بل هو أحيانا يخصص عام القرآن بخبر الواحد إذا عاضد الخبر عمل أهل المدينة أو قياس، فإن لم يعاضده واحد منهما فلا يخصص عام القرآن به.
ومن أمثلة ذلك: ما تقدم حول قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ مع الحديث الشريف حيث قال بتخصيص عموم الآية بالحديث المذكور، لأنه عاضده القياس على الجمع بين الأختين وهو منهى عنه.
ويلاحظ أن القرآن قد يرد مخصصا لعموم الحديث، ومنه قوله تعالى:
وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميت» (3). فالآية تدل على جواز الانتفاع بالصوف والوبر والشعر، والحديث بعمومه يدل على أن كل جزء انفصل عن الحيوان يكون ميتة ويحرم بالتالى الانتفاع به، ولا شك أن هذا العموم شامل أيضا ما نصت
(1) البرهان لإمام الحرمين 1/ 426.
(2)
سورة النحل الآية: 80.
(3)
أخرجه أبو داود فى سننه فى كتاب الصيد 2/ 100.
عليه الآية، ومن ثم قال العلماء بتخصيص عموم الحديث بخاص الآية، وعليه فيكون معنى الحديث كل عضو انفصل عن الحى عدا الأصواف والأوبار والأشعار فى حكم الميتة فى حرمة الانتفاع به، أما هذه الأشياء المذكورة فى الآية فيباح الانتفاع بها.
ثانيا: تقييد المطلق. قال تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (1).
وقال صلى الله عليه وسلم لسعد رضى الله عنه: «الثلث والثلث كثير.
أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» (2).
فالوصية فى الآية الكريمة وردت مطلقة وقيدها الحديث الشريف الذى نص على عدم الزيادة على الثلث.
وقال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (3).
فإن قطع اليد فى الآية مطلق لم يقيد بموضع خاص من اليد، غير أن السنة قيدت هذا الإطلاق حيث حددت موضع القطع بأن يكون من الرسغ (4).
ثالثا: تفصيل المجمل. قال تعالى:
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (5) فالحج واجب على المستطيع بمقتضى هذه الآية، غير أن السنة قد بينت مناسكه كاملة، ولم يتعرض القرآن لبيانها على التفصيل حيث تكلفت السنة بذلك. وكذلك الأمر بالنسبة للصلاة والزكاة.
(1) سورة النساء الآية: 11.
(2)
أخرجه ابن ماجة فى سننه 2/ 904.
(3)
سورة المائدة الآية: 38.
(4)
الرسغ: مفصل ما بين الكف والذراع وقيل: مجتمع الساقين والقدمين- لسان العرب 2/ 1642 -
(5)
سورة آل عمران الآية: 97.
الثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه.
فمن الأول: تغريب الزانى البكر، وإرث الجدة.
ومن الثانى: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، ومنع الحائض من الصوم والصلاة.
والحق أنه لا خلاف بين العلماء فى الوجهين الأولين، وإنما الخلاف بينهم فى الوجه الثالث فقط.
فذهب بعض العلماء إلى القول بأن السنة لا تستقل بالأحكام، وإنما تأتى بما له أصل فى الكتاب، وعليه فهى توضح المراد منه إذا كانت مقيدة لمطلقة أو مخصصة لعامه أو مفصلة لمجمله، أما إن جاءت بغير ذلك فالغرض منها حينئذ إما إلحاق فرع بأصله الذى خفى إلحاقه به، وإما إلحاقه بأحد أصلين واضحين يتجاذبانه.
ومن أمثلة ما ورد فى السنة والغرض منه إلحاق الفرع بالأصل، حديث النهى عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها (1)، فإنه فى الحقيقة قياس على ما نص عليه من تحريم الجمع بين الأختين، ومن ثم تعرض الحديث لبيان العلة من وراء هذا النهى حيث قال صلى الله عليه وسلم:«فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم» .
ومن أمثلة المتردد بين أصلين تحريم الحمر الأهلية، وذى الناب والمخلب. فالله عز وجل أحل الطيبات وحرم الخبائث ومن الأشياء ما اتضح إلحاقه بأحد الأصلين، ومنها ما اشتبه كالحمر الأهلية ونحوها، فجاءت السنة ونصت على ما يرفع الشبهة حيث قالت بالتحريم، وذهب جمهور العلماء إلى القول باستقلال السنة بالتشريع لذلك أمر الله تعالى بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحذرنا من مخالفته قال تعالى:
(1) ابن ماجة 1/ 621.