الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منه فى كلام الأصوليين: فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخا وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخا، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر نسخا، لأن جميع ذلك مشترك فى معنى واحد، وهو أن النسخ فى الاصطلاح المتأخر اقتضى أن الأمر المتقدم غير مراد فى التكليف، وإنما المراد ما جىء به آخرا فالأول غير معمول به والثانى هو المعمول به. وهذا المعنى جار فى تقييد المطلق، فإن المطلق متروك الظاهر مع مقيده فلا إعمال له فى إطلاقه، بل المعمل هو المقيد، فكأن المطلق لم يفد مع مقيده شيئا فصار مثل الناسخ والمنسوخ.
وكذلك العام مع الخاص، إذ كان ظاهر العام يقتضى شمول الحكم لجميع ما يتناول اللفظ. فما جاء الخاص أخرج حكم ظاهر العام عن الاعتبار، فأشبه الناسخ والمنسوخ إلا أن اللفظ العام لم يهمل مدلوله جملة، وإنما أهمل منه ما دل عليه الخاص (1) وبقى للسائر على الحكم الأول والمبين مع المبهم كالمقيد مع المطلق. فلما كان كذلك استسهل إطلاق لفظ النسخ فى جملة هذه المعانى لرجوعها إلى شىء واحد. اه.
هذا وقد ذكر العلامة جلال الدين السيوطى الآيات التى قيل عنها إنها منسوخة الحكم فقط دون التلاوة وها أنا ذا أذكرها على حسب ترتيبها فى المصحف وأبين بحمد الله موقف العلماء تجاه القول بإحكامها أو نسخها وسيتضح لنا جليا أنها فى واد والنسخ فى واد آخر.
الآية الأولى:
قال تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ (2)
(1) أى أهمل منه ما دل الخاص على إهماله وهو ما عدا مدلول الخاص.
(2)
سورة البقرة الآية: 115.
وقال تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (1).
وجاء عن ابن عباس رضى الله عنهما أن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية، لأن الأولى تفيد جواز استقبال غير المسجد الحرام فى الصلاة ما دامت المشارق والمغارب كلها لله، بينما تفيد الآية الثانية عدم جواز استقبال غير المسجد الحرام فى الصلاة، وعليه فتكون الآية الثانية ناسخة للأولى.
وقيل إن الآية المذكورة ليست منسوخة، وإنما هى محكمة وهو الراجح، لأنها نزلت ردا على قول اليهود حين حولت القبلة إلى الكعبة:
ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها (2).
إذن فهى متأخرة فى النزول عن آية التحويل، وليس بمعقول أن يكون الناسخ سابقا على المنسوخ.
وقد ذكر العلامة ابن العربى رحمه الله (3) سبعة أقوال فى سبب نزول الآية الأولى هى:
الأول: أنها نزلت فى صلاة النبى صلى الله عليه وسلم قبل بيت المقدس، ثم عاد فصلى إلى الكعبة فاعترضت عليه اليهود، فأنزلها الله تعالى له كرامة وعليهم حجة. قاله ابن عباس رضى الله عنهما.
الثانى: أنها نزلت فى تخيير النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليصلوا حيث شاءوا من النواحى قاله قتادة.
الثالث: أنها نزلت فى صلاة التطوع يتوجه المصلى فى السفر حيث شاء فيها راكبا. قاله ابن عمر رضى الله عنهما.
(1) سورة البقرة الآية: 144.
(2)
سورة البقرة الآية: 142.
(3)
أحكام القرآن له 1/ 34.