الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول فى العام
عرف العلماء العام بتعاريف كثيرة ليس من الحكمة بحثها ولا الموازنة بينها لأن ذلك مخالف لطبيعة البحث والذى أختاره من هذه التعاريف ما ذكره الإمام البيضاوى رحم الله حيث قال (1):
«العام: لفظ يستغرق جميع ما يصلح له بوضع واحد» (2). وذلك كقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (3) فالإنسان عام أى يدل على استغراق أفراد مفهوم فإذا حلل (4) اللفظ آل (5) إلى جميع أفراد ذلك المفهوم الذى وضع له لفظ إنسان، ولما كان هذا اللفظ مفردا معرفا بأل الجنسية أفاد العموم (6). فاللفظ ما تركب من
(1) هو عبد الله بن عمر البيضاوى الشافعى ولد بفارس وكان إماما تقيا ففيها أصوليا توفى رحمه الله سنة 685 هـ- الفتح المبين 2/ 88 -
(2)
شرح الإسنوى: 2/ 56، 57.
(3)
سورة العصر الآية: 2.
(4)
يقال حل العقدة يحلها حلا إذا فتحها فانحلت فكأن اللفظ إذا حلل ظهر لنا ما تضمنه من أفراد- لسان العرب 2/ 976.
(5)
آل يعنى رجع وبابه قال- مختار الصحاح 33.
(6)
يلاحظ أن العام قد يكون عاما من جهة اللغة أو من جهة العرف أو من جهة العقل.
ف لأول: ما استفيد عمومه من جهة اللغة بمعنى أن اللفظ قد وضع فى اللغة للعموم وهو نوعان:
النوع الأول: ما دل على العموم بنفسه من غير احتياج إلى قرينة وهذا النوع له ألفاظ كثيرة منها:
(أ) ألفاظ تعم العاقل وغير العاقل مثل- الاستفهامية أو الشرطية وكل وجميع.
بعض الحروف الهجائية وهو جنس فى التعريف يشمل كل لفظ مفردا كان أو مركبا مهملا أو مستعملا مستغرقا أو غيره مستغرق.
وقوله: «يستغرق» الاستغراق معناه: التناول لما وضع له اللفظ (1)، وهو قيد فى التعريف، خرج به اللفظ المهمل (2)، لأن الاستغراق فرع الوضع والمهمل غير موضوع، وخرج به أيضا المطلق والنكرة فى سياق الإثبات، أما المطلق فلأنه لم يوضع للأفراد، وإنما وضع للماهية فلا يكون مستغرقا لها (3).
(ب) ألفاظ للعاقل فقط مثل «من» الاستفهامية أو الشرطية واستعمالها فى غير العاقل قليل كقوله تعالى: (فمنهم من يمشى على بطنه)[النور 45](ج) ألفاظ لغير العاقل مثل «ما» كقولنا: اشتر ما رأيت.
(د) ألفاظ تعم فى الزمان مثل «متى» الاستفهامية أو الشرطية.
(هـ) ألفاظ تعم فى المكان مثل «أين» النوع الثانى: ما دل على العموم لغة بواسطة القرينة كالنكرة فى سياق النفى مثل «لا رجل فى الدار» فوجود النفى هنا قرينة على إدارة العموم فى كلمة «رجل» والثانى: ما استفيد عمومه من جهة العرف مع كون اللفظ بمقتضى وضعه اللغوى لا يفيد العموم كقوله تعالى: (حرّمت عليكم أمهاتكم)[النساء 23] فاللفظ باعتبار وضعه اللغوى يفيد حرمة شىء ما من الأمهات وهذا يصدق بحرمه وطئهن، ولكن أهل العرف نقلوه من هذا المعنى وجعلوه مقيدا لحرمة جميع الاستمتاعات المتعلقة بالأمهات من الوطء والقبلة والنظر والمس بشهوة فكان العموم من جهة العرف.
والآخر: ما استفيد عمومه من جهة العقل دون اللغة أو العرف، وذلك كاللفظ المشتمل على ترتيب الحكم على الوصف مثل قول الشارع:«حرمت الخمر للإسكار» فالعقل يحكم بأن العلة كلما وجدت وجد المعلول، وكلما انتفت انتفى المعلول وبذلك يكون عموم اللفظ هنا ثابتا بالعقل ولا يقال إنه ثابت باللغة لأن اللفظ باعتبار وضعه اللغوى إنما أفاد أن الوصف علة للحكم فقط، وهذا لا يقتضى لغة عمومه (الإحكام 2/ 55، 56، وشرحى الأستوي والإبهاج 2/ 56، وأصول الفقه زهير 2/ 199).
(1)
مختار الصحاح: 472.
(2)
المهمل هو ما لم يوضع للإفادة كأسماء حروف الهجاء- اللمع للشيرازى 4.
(3)
المطلق فى اللغة الشامل لأى فرد وهو يدل على الحقيقة من غير قيد يقيدها ومن غير
وأما النكرة فلأنها، وإن وضعت للفرد الشائع سواء كان واحدا كما فى النكرة المفردة «رجل» أو متعددا كما فى النكرة المثناة أو المجموعة «رجلين ورجال» إلا أن النكرة لم تستغرق ما وضعت له بمعنى أنها لم تتناوله دفعة واحدة وإنما تناولته على سبيل البدل فإذا قيل: أكرم رجلا كان معناه حقق الإكرام فى أى رجل شئت: فى خالد أو فى بكر، مثلا ولا يقتضى ذلك تحقيق الإكرام فى خالد وبكر فى وقت واحد، لأن اللفظ لم يدل على ذلك وهكذا.
وقوله: «جميع ما يصلح له» الذى يصلح له اللفظ هو ما وضع له اللفظ لغة، وعلى ذلك فالمعنى الذى لم يوضع له اللفظ لا يكون صالحا له.
فكلمة «من» لفظ وضع للعاقل وكلمة «ما» وضعت لغير العاقل فيلزم من ذلك أن يكون لفظ «من» صالحا للعاقل غير صالح لغيره ويكون لفظ «ما» صالحا لغير العاقل فقط. فإذا استعمل لفظ «من» فى العاقل ولفظ «ما» فى غير العاقل صدق على كل منهما أنه عام لأنه استغرق الصالح له، وعدم صلاحية كل منها لغير ما وضع له لا يخرجه عن كونه عامّا فيما وضع له، وبهذا ظهر أن هذا القيد قصد به تحقيق معنى العموم كما قصد به الاحتراز عن اللفظ الذى استعمل فى بعض ما يصلح له كقوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ (1) فإن الناس الأولى مراد بها نعيم بن مسعود الأشجعى (2) فقط. فمثل هذا لا يكون عامّا لأنه لم يستغرق جميع ما يصلح له بل استعمل فى بعض ما يصلح له.
ملاحظة لعدد أو لواحد فقوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المجادلة 3] يدل على المطالبة بعتق رقبة من غير ملاحظة أن يكون واحدة أو أكثر مؤمنة أو كافرة، أما العام فإنه يدل على الماهية باعتبار تعددها كقوله تعالى: فَضَرْبَ الرِّقابِ [القتال 4] فهو لفظ عام يعم المقاتلين.
(1)
سورة آل عمران الآية: 173.
(2)
تفسير القرطبى: 2/ 1521.