الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشيخ الإسنوى رحمه الله
(1):
وقد قال بعض العلماء: إن اللفظ عند تردده بين الحقيقة الشرعية والغوية يكون مجملا، أى غير متضح المراد منه، وقال أبو حامد الغزالى رحمه الله: إن ورد فى الإثبات حمل على المعنى الشرعى كقوله عليه الصلاة والسلام: «إنى إذن أصوم» (2) حتى أنه يستدل به على صحة صوم النفل بنية من النهار، وإن ورد فى النهى كان مجملا كنهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم (3) يوم النحر، فإنه لو حمل على الشرع دل على صحته لاستحالة النهى عما لا يتصور وقوعه بخلاف ما إذا حمل على اللغوى.
وإن كان مشتركا بين معنيين أو أكثر لغة وجب حمله على معنى واحد منها بدليل يدل على هذا الحمل.
الأمثلة:
1 -
قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ (4)
(1) التمهيد 61.
(2)
أخرجه الدار قطنى فى سننه بلفظ- قالت عائشة رضى الله عنها دخل علىّ النبى صلى الله عليه وسلم فقال: عندك شىء؟ قلت: لا. قال: إذا أصوم- سنن الدار قطنى 2/ 176 -
(3)
أخرجه الدارقطنى فى سنته 2/ 157
(4)
سورة البقرة الآية 43.
فلفظ (الصلاة) موضوع فى اللغة للدعاء وفى الشرع مراد به العبادة المعروفة، ومن هنا نحكم بأن المراد بلفظ (الصلاة) المعنى الشرعى لا اللغوى، وذلك لأن الشارع الحكيم لما نقل هذا اللفظ من معناه اللغوى إلى معناه الشرعى الذى استعمله فيه كان اللفظ فى عرف الشرع متعين الدلالة على ما وضعه الشارع له فيجب المصير إليه.
2 -
قال تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ (1) فلفظ الطلاق موضوع فى اللغة لحل القيد مطلقا، وموضوع فى الشرع لحل الرابطة الزوجية الصحيحة (2)، ومن ثم فيجب حمله على المعنى الشرعى لا اللغوى لما سبق.
3 -
قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (3) فلفظ «اليد» مشترك بين النزاع، من رءوس الأصابع إلى المنكب، وبين الكف والساعد، من رءوس الأصابع إلى المرفق، وبين الكف، من رءوس الأصابع إلى الرّسغين (4)، وبين اليمنى واليسرى، وقد استدل جمهور المجتهدين بالسنة العملية على تعيين المراد من اليد فى الآية، وهو المعنى الأخير أى من رءوس الأصابع إلى الرسغين فى اليمنى (5).
4 -
قال تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (6)
(1) سورة البقرة الآية 229.
(2)
لسان العرب 3/ 2693، وحاشية القليوبى على شرح الجلال المحلى 3/ 323.
(3)
سورة المائدة الآية 38.
(4)
الرسغ: مفصل ما بين الكف والذراع وقيل: الرسغ مجتمع الساقين والقدمين وقيل: هو مفصل ما بين الساعد والكف والساق والقدم- لسان العرب 2/ 1642 -
(5)
أصول الفقه للشيخ خلاف 180.
(6)
سورة البقرة الآية: 228.
فالقروء جمع قرء، والقرء فى اللغة يطلق على الطهر وعلى الحيض، وما على المجتهد إلا أن يبذل جهده لمعرفة المراد منه، لأن الشارع ما أراد إلا أحد معنييه، والحق أن العلماء مختلفون فى تبين المراد من القرء على حسب اجتهادهم، ومدى ترجيحهم للقرائن الدالة على أحد المعنيين.
فالأئمة مالك والشافعى وابن عمر وزيد وعائشة رضى الله عنهم ذهبوا إلى القول بأن المراد من القرء هو الطهر لما يلى:
أولا: أن الله عز وجل أثبت التاء فى العدد «ثلاثة» وهذا على أن المعدود مذكر وهو لا يكون مذكرا إلا إذا كان المراد الطهر.
ثانيا: قال تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (1) والمعنى فطلقوهن فى وقت عدتهن، ومعلوم أن الطلاق فى زمن الحيض منهى عنه، فوجب أن يكون زمان العدة غير زمان الحيض، وفى هذا دليل على أن القرء هو الطهر.
وقد ذهب الأئمة على وعمرو ابن مسعود وأبو حنيفة رضى الله عنهم إلى القول بأن المراد من القرء الحيض لما يلى:
أولا: أننا أجمعنا على أن الاستبراء (2) فى شراء الجوارى يكون بالحيضة، فكذا العدة تكون بالحيضة، لأن الغرض منها واحد.
ثانيا: أن العدة شرعت لمعرفة براءة الرحم، والذى يدل على براءة الرحم، إنما هو الحيض لا الطهر.
ثالثا: قال صلى الله عليه وسلم: «طلاق الأمة تطليقتان وعدتها
(1) سورة الطلاق 1.
(2)
الاستبراء هنا معناه طلب البراءة من الحمل. قال ابن منظور: الاستبراء أن يشترى الرجل جارية فلا يطؤها حتى تحيض عنده حيضة ثم تطهر، وكذلك اذا سباها لم يطأها حتى يستبرئها بحيضة- لسان العرب 1/ 241.
حيضتان» (1) ومن المعلوم أن عدة الأمة نصف عدة الحرة، فإذا اعتبرت عدة الأمة بالحيض كانت عدة الحرة كذلك (2)، وإن كان الشافعية لا يعترفون بصحة نسبة (3) هذا الخبر إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
فالمسألة محتملة كما ترى المهم لا يصح أن يراد باللفظ المشترك معنيان أو أكثر من معانيه معا، بحيث يكون الحكم الذى ورد فى النص متعلقا فى وقت واحد بأكثر من معنى، لأن اللفظ ما أراد به الشارع إلا معنى واحدا من معانيه، ووضعه لمعان متعددة، إنما هو على سبيل البدل أى أنه إما أن يدل على هذا أو ذاك، فأما دلالته على هذا وذاك فى وقت واحد فهو تحميل اللفظ ما لا يدل عليه لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز، فلا يصح أن يراد بالقرء فى الآية المتقدمة الطهر والحيض معا، بحيث إن المطلقة إن شاءت تربصت ثلاثة أطهار، وإن شاءت تربصت ثلاث حيضات، لأن اللفظ لا يدل على هذا بأى طريق من طرق الدلالة.
(1) أخرجه ابن ماجة فى سنته 1/ 672.
(2)
تفسير آيات الأحكام للشيخ السائس 1/ 138.
(3)
جاء فى الزوائد على ابن ماجة 1/ 672 (إسناد ابن عمر فيه عطية العوفى متفق على تضعيفه، وكذلك عمر بن شبيب الكوفى، والحديث قد رواه مالك فى الموطأ موقوفا على ابن عمر ورواه أصحاب السنن سوى النسائى من طريق عائشة رضى الله عنها)