الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن تيمية رحمه الله: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.
ومن الأمثلة على فوائد معرفة النزول:
1 -
أشكل على مروان بن الحكم معنى قوله تعالى:
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا (1) الآية.
وقال: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون. حتى بين له ابن عباس رضى الله عنهما أن الآية نزلت فى أهل الكتاب حين سألهم النبى صلى الله عليه وسلم عن شىء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه.
2 -
حكى عن عثمان بن مظعون، وعمرو بن معدي كرب أنهما كانا يقولان: الخمر مباحة ويحتجان بقوله تعالى:
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا (2) الآية ولو علما سبب نزولها لم يقولا ذلك، وهو أن ناسا قالوا لما حرمت الخمر. كيف بمن قتلوا فى سبيل الله، وماتوا وكانوا يشربون الخمر وهى رجس؟ فنزلت هذه الآية.
الثالثة: اختلف علماء الأصول: هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟
والراجح ما ذهب إليه (3) الجمهور من أن العبرة بعموم اللفظ، فقد
(1) سورة آل عمران الآية: 188.
(2)
سورة المائدة الآية: 93.
(3)
إرشاد الفحول 134.
نزلت آيات كثيرة فى القرآن الكريم على أسباب مخصوصة، واتفق العلماء على تعديتها إلى غير أسبابها كنزول آيات الظهار واللعان وحد القذف. لكن لو نزلت آية فى شخص معين ولا عموم للفظها فإنها تقصر عليه قطعا كقوله تعالى:
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (1).
فهذا القول الكريم قد نزل فى حق الصديق رضى الله عنه بالإجماع، وقد استدل بها الإمام فخر الدين الرازى (2) رحمه الله مع قوله تعالى:
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (3) على أنه أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن ظن بأن الآية عامة فى كل من عمل عمله فهو واهم (4)، لأن الآية ليس فيها صيغة عموم إذ الألف واللام إنما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة فى جمع. زاد قوم: أو مفرد بشرط ألا يكون هناك عهد، واللام فى الأتقى ليست موصولة لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعا، والأتقى ليس جمعا بل هو مفرد، والعهد موجود خصوصا مع ما يفيده صيغة- أفعل- من التمييز وقطع المشاركة، فبطل القول بالعموم وتعين القطع بالخصوص والقصر على من نزلت فيه وهو الصديق رضى الله عنه (5).
الرابعة: قد يتعدد النازل والسبب واحد، وقد يتعدد السبب والنازل واحد.
(1) سورة الليل آيتا: 17، 18.
(2)
تفسير الفخر الرازى 31/ 204.
(3)
سورة الحجرات الآية: 13.
(4)
وهم فى الحساب غلط فيه وسها وبابه فهم، ووهم فى الشيء من باب وعد إذا ذهب وهمه إليه وهو يريد غيره- مختار الصحاح 738 -
(5)
الإتقان فى علوم القرآن 1/ 113، والتمهيد 94.