الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول فى تعريف المكى والمدنى وفائدة العلم بذلك
ينقسم القرآن الكريم فى مجموعه إلى مكى ومدنى، وقد اهتم العلماء جزاهم الله خير الجزاء بتمييز هذين القسمين، واستخراج خصائص كل منهما لما يترتب عليه من الفوائد التشريعية، والحق أن للعلماء فى تعريف المكى والمدنى ثلاثة اصطلاحات هى:
الأول: المكى ما نزل قبل الهجرة، وإن كان نزوله بغير مكة، والمدنى ما نزل بعد الهجرة وإن كان نزوله بمكة، وقد عبر الشيخ جلال الدين السيوطى عن هذا الاصطلاح بأنه أشهر الاصطلاحات الثلاثة (1).
وقال الشيخ محمد الزرقانى بعد أن ذكر هذا الاصطلاح
(2):
«وهذا التقسيم كما ترى لوحظ فيه زمن النزول، وهو تقسيم صحيح سليم
…
ثم قال: ولذلك اعتمده العلماء واشتهر بينهم».
الثانى: المكى ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة، والمدنى ما نزل بالمدينة، ويدخل فى مكة ضواحيها كالمنزل على النبى صلى الله عليه وسلم بمنى وعرفات والحديبية، ويدخل فى المدينة ضواحيها كذلك كالمنزل على النبى صلى الله عليه وسلم فى بدر وأحد.
والناظر إلى هذا التقسيم يجد أنه لوحظ فيه مكان النزول، لكنه غير ضابط لأنه لا يشمل ما نزل بغير مكة والمدينة وضواحيها، كقوله تعالى:
(1) الاتقان 1/ 37.
(2)
مناهل العرفان 1/ 187.
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ (1). الآية فإنها نزلت بتبوك.
وقوله تعالى: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (2).
فإن هذه الآية نزلت ببيت المقدس ليلة الإسراء. ومما لا شك فيه أن عدم الضبط فى تعريف المكى والمدنى يعتبر عيبا يخل بالمقصود الذى هو الضبط والحصر.
الثالث: المكى ما وقع خطابا لأهل مكة، والمدنى ما وقع خطابا لأهل المدينة. ومعنى هذا أن ما جاء فى القرآن بلفظ: يا أَيُّهَا النَّاسُ فهو مكى وما جاء بلفظ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فهو مدنى. وذلك لأن الكفر كان غالبا على أهل مكة، فخوطبوا بيا أيّها النّاس ولأن الإيمان كان غالبا على أهل المدينة فخوطبوا بيا أيّها الّذين آمنوا.
وألحق بعض العلماء صيغة يا بنى آدم بيا أيّها النّاس وقد روى عن ميمون بن مهران رحمه الله أنه قال: «ما كان فى القرآن يأيّها النّاس أو يا بنى آدم فإنه مكى، وما كان يأيّها الذين آمنوا فإنه مدنى» .
والمتأمل فى هذا التقسيم يجد أنه لوحظ فيه المخاطبون لكن يرد عليه أمران هما:
الأول: أنه غير ضابط ولا حاصر كسابقه، فإن فى القرآن ما نزل غير مصدر بأحدهما نحو قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (3)
(1) سورة التوبة الآية: 42.
(2)
سورة الزخرف الآية: 45.
(3)
سورة الأحزاب الآية: 1.