الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع فى خواص القرآن
ينبغى لمن يريد أن يفهم القرآن، ويستفيد منه أن يقرأه بتدبر وهو يعى خصائصه ومميزاته التى خصّ وميز بها ويدركها بعقله وفؤاده، ولو نظرنا إلى هذه المميزات والخصائص لوجدناها كثيرة ومن أهمها ما يلى:
1 -
أن القرآن الكريم كلام الله خالصا غير مشوب (1) بأوهام البشر ولا بأهوائهم (2)، فهو كله من الله من ألفه إلى يائه، ليس لجبريل منه إلا النقل، ولا لمحمد صلى الله عليه وسلم منه إلا التلقى والحفظ، ثم التبليغ والبيان قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (3) ومعنى هذا أن القرآن الكريم يحمل فى ثناياه علم الألوهية وحكمتها ورحمتها وقدرتها. الألوهية المتصفة بكل كمال، والمنزهة عن كل نقص:
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (4)
(1) الشوب: الخلط وبابه قال.
والوهم: الغلط يقال وهم فى الحساب غلط فيه وسها وبابه فهم. كما يقال وهم فى الشيء من باب وعد إذا ذهب وهمه إليه وهو يريد غيره- مختار الصحاح 350، 738.
(2)
الأهواء جمع هوى بالقصر وهوى النفس إرادتها وقال أهل اللغة الهوى محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه- لسان العرب 5/ 4728.
(3)
سورة الشعراء الآية: 192 - 195.
(4)
سورة الفرقان الآية: 6.
وكل ما فى القرآن من أخبار ومواعظ، وأوامر ونواه، وتوجيهات وتشريعات، يتجلى فيه الحق كله، والخير كله، والرحمة كلها وكيف لا؟ وقد قال منزله جل شأنه:
كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) 2 - القرآن الكريم هو مجموع اللفظ والمعنى، وإن لفظه نزل باللسان العربى، قال تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) وعلى هذا لا تعتبر الأحاديث النبوية من القرآن، لأن معانيها وإن كانت من عند الله إلا أن ألفاظها من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست من عند الله، وكذا لا يعتبر من القرآن تفسيره، ولو كان باللغة العربية وكذا ترجمته إلى غير العربية لا تعتبر من القرآن (3).
3 -
التيسير: من أعظم خصائص القرآن أنه كتاب يسّره منزله سبحانه وتعالى. يسر تلاوته وفهمه والعمل به لمن رغب وأراد قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (4) وقال سبحانه: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (5) وقال: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (6) 4 - أنه نقل إلينا بطريق التواتر. فالقرآن الكريم نقله قوم لا يتوهم
(1) سورة هود الآية: 1.
(2)
سورة الزخرف الآية: 3.
(3)
سأذكر موقف العلماء تجاه وقوع ألفاظ غير عربية فى القرآن وكذا موقفهم من ترجمته إن شاء الله تعالى خلال هذه الدراسة.
(4)
سورة البقرة الآية: 185.
(5)
سورة الحج الآية: 78.
(6)
سورة القمر الآية: 17.
البتة اجتماعهم وتواطؤهم على الكذب لكثرة عددهم عن قوم مثلهم، وهكذا إلى أن يتصل النقل برسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون أول النقل كآخره، وأوسطه كطرفيه وكما قيل: أوله تمهيد لآخره، وآخره تصديق لأوله.
5 -
الخلود: من خصائص القرآن أنه كتاب الخلود، فليس كتاب جيل من الأجيال، ولا كتاب عصر من العصور، بل هو الكتاب الخاتم للرسالة الخاتمة، ولهذا تكفل الله بحفظه:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (1) وقال سبحانه:
وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (2) ومن دلائل ذلك أن أربعة عشر قرنا من الزمن مرت على نزوله، ولم يزل كما أنزله الله، وكما بلغه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما تلقاه أصحابه ومن بعدهم جيلا إثر جيل محفوظا فى الصدور متلوا بالألسنة، مكتوبا فى المصاحف، يستظهره عشرات الألوف من أبناء المسلمين حتى الصبيان منهم، بل حتى الأعاجم الذين لا يعرفون لغته (3).
6 -
الشمول: إذا كان القرآن الكريم كتاب الزمن، فهو كتاب الدين كله، حيث جمع أصول الهداية الإلهية والتوجيه الربانى، سواء فى العقائد والشعائر والآداب والأخلاق، كما جمع أصول التشريع الإلهى فى العبادات والمعاملات، وشئون الحياة عند الأفراد والجماعات، ثم هو ليس
(1) سورة الحجر الآية: 9.
(2)
سورة فصلت الآية: 41، 42.
(3)
ثقافة الداعية للعلامة الدكتور يوسف القرضاوى 16.
كتابا لقبيلة دون قبيلة، ولا لجنس دون جنس، ولا لبلد دون بلد، وهو يخاطب صنفا من الناس له اتجاه عقلى معين، مغفلا من عداه من الأصناف أصحاب الاتجاهات الأخرى لا لا إنه لكل الأجناس، ولكل البشر، ولكل البلاد، وهو يخاطب الجميع قال تعالى:
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ (1) وقال سبحانه: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (2) 7 - الإعجاز: وهو عبارة عن نسبة العجز إلى الغير وإثباته له.
والحقّ أنه ليتحقق الإعجاز لا بدّ من وجود التحدى، ووجود المقتضى وانعدام المانع، ومعلوم أن التحدى قد حصل وتكرر زمن نزول القرآن الكريم، وقد تدرج القرآن معهم فى التحدى حتى يأتوا بمثل أقصر سورة منه قال تعالى:
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (3) وقال سبحانه:
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) وقال جل شأنه:
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (5) وأما المقتضى فقد وجد أيضا لأن القرآن الكريم حين نزل سفّه (6)
(1) سورة البقرة الآية: 185.
(2)
سورة التكوير الآية: 27.
(3)
سورة الإسراء الآية: 88.
(4)
سورة هود الآية: 13.
(5)
سورة البقرة الآية: 23
(6)
السفه ضد الحلم وأصله الخفة والحركة- مختار الصحاح 302.