الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن حيث المعنى الثانى نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين القرآن وفسره بسنته المطهرة وكيف لا؟ وقد أنزل الله عليه قوله:
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (1) وها هى المكتبات الإسلامية فى كل البلاد مملوءة بالتفاسير العربية للقرآن الكريم.
وأما من حيث المعنى الثالث وهو تفسير القرآن بلغة غير لغته، نجد أنه يجرى فى حكمه مجرى تفسيره بلسان عربى لمن يحسن العربية، فكلاهما عرض لما يفهمه المفسر من كتاب الله بلغة يفهمها مخاطبه.
أما ترجمة القرآن بالمعنى الرابع يعنى ترجمته أى نقله من لغة إلى لغة أخرى، والتى يلاحظ فيها التعبير عن معانى ألفاظه العربية، ومقاصدها بألفاظ غير عربية مع الوفاء بجميع هذه المعانى والمقاصد، فهى مستحيلة عادة وشرعا، فالعادة تحيل إمكان وقوعها، والشرع يمنع محاولتها.
والدليل على استحالتها عادة ما يلى:
أولا: أن ترجمة القرآن بهذا المعنى تستلزم المحال، وكل ما يستلزم المحال محال.
والدليل على أنها تستلزم المحال: أنه لا بدّ فى تحققها من الوفاء بجميع معانى القرآن، وبجميع مقاصده وكلا هذين مستحيل.
أما الأول: فلأن المعانى الثانوية للقرآن مدلولة لخصائصه العليا التى هى مناط بلاغته وإعجازه، وما كان لبشر أن يحيط بها فضلا عن أن يحاكيها فى كلام له وإلا لما تحقق هذا الإعجاز.
وأما الثانى: فلأن القصد الأول للقرآن- وهو كونه هداية- إن
(1) سورة النحل الآية: 44.
أمكن تحقيقه فى الترجمة بالنسبة إلى كل ما يفهم من معانى القرآن الأصلية، فهو لا يمكن تحقيقه بالنسبة إلى كل ما يفهم من معانى القرآن التابعة، لأنها مدلولة لخصائصه العليا التى هى مناط إعجازه البلاغى.
وكذلك مقصد القرآن الثانى وهو كونه آية لا يمكن تحقيقه فيما سواه من كلام البشر عربيّا كان أو عجميّا وإلا لما صح أن يكون آية خارقة حين تناول هذا المقصد قدرة البشر. ويجرى هذا المجرى مقصد القرآن الثالث وهو كونه متعبدا بتلاوته، فإنه لا يمكن أن يتحقق فى الترجمة لأن ترجمة القرآن غير القرآن قطعا، والتعبد بالتلاوة إنما ورد فى خصوص القرآن وألفاظه عينها بأساليبها وترتيباته نفسها دون أى ألفاظ أو أساليب أخرى، ولو كانت عربية مرادفة لألفاظ الأصل وأساليبه.
ثانيا: أن ترجمة القرآن بهذا المعنى مثل للقرآن، وكل مثل للقرآن مستحيل. أما أنها مثل للقرآن فلأنها جمعت معانيه كلها ومقاصده، والجامع لمعانى القرآن ومقاصده مثل له. وأما أن كل مثل للقرآن مستحيل فلأن القرآن تحدى العرب أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه فعجزوا عن المعارضة والمحاكاة، وهم يومئذ أهل البلاغة والبيان وأحرص ما يكونون على الفوز فى هذا الميدان. وإذا كان هؤلاء قد عجزوا فغيرهم ممن هم دونهم بلاغة وفصاحة أشد عجزا، وكيف لا يقال: إن الترجمة بهذا المعنى مستحيلة، ولا بد فيها من الأمور الستة التى ذكرتها عند الكلام على تقسيم الترجمة؟
وقد قلت إن الترجمة الحرفية لا بدّ فيها من أمرين هما:
1 -
وجود مفردات فى لغة الترجمة مساوية لمفردات القرآن.
2 -
تشابه اللغتين فى الضمائر المستترة والروابط التى تربط المفردات لتأليف التراكيب.
وهذان الأمران يجعلان الترجمة أكثر استحالة.