الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الآخر فمن وجوه ثلاثة:
الأول: أن يسبق المعنى إلى أفهام أهل اللغة عند سماع اللفظ بدون قرينة، فيعلم بذلك أنه حقيقة فيه. فإن كان لا يفهم منه المعنى المراد إلا بالقرينة فهو المجاز.
وقد اعترض على هذا الوجه باللفظ المشترك المستعمل فى معنييه أو معانيه، فإنه لا يتبادر أحدهما أو أحدها لولا القرينة المعينة للمراد مع أنه حقيقة.
وأجيب عن هذا: بأنه يتبادر جميعها عند من قال بجواز حمل المشترك على جميع معانيه، ويتبادر أحدها لا بعينه عند من منع من حمله على جميع معانيه.
الثانى: صحة النفى للمعنى المجازى عدم صحته للمعنى الحقيقى فى نفس الأمر.
وقد اعترض على هذا بأن العلم بعدم صحة النفى موقوف على العلم بأن ذلك المعنى ليس من المعانى الحقيقية، وذلك موقوف على العلم بكونه مجازا، فإثبات كونه مجازا به دور (1).
(1) حقيقة الدور: هو حقيقة الشيء على ما توقف عليه.
وحقيقة التسلسل: هو ترتب أمور غير متناهية.
ومن أمثلة ذلك: قولنا من أدلة وجوب الوجود لله كونه تعالى يجب افتقار العالم إليه وكل من وجب افتقار العالم إليه فهو واجب الوجود فالله تعالى واجب الوجود.
دليل الصغرى: العالم حادث وكل حادث يجب افتقاره إلى محدث.
دليل الكبرى: أنه لو لم يكن واجب الوجود لكان جائزه فيفتقر إلى محدث ويفتقر محدثه إلى محدث.
فإن رجع الأمر إلى الأول مباشرة أو بواسطة فالدور لأن الأمر دار ورجع إلى مبدئه، وأن تتابع المحدثون واحدا بعد واحد إلى ما لا نهاية فالتسلسل لأنه تسلسل الأمر وتتابع- شرح البيجورى على الجوهرة 1/ 57، 58.
وأجيب عن هذا: بأن سلب بعض المعانى الحقيقية كاف فيعلم أنه مجاز فيه، وإلا لزم الاشتراك، وأيضا إذا علم معنى اللفظ الحقيقى والمجازى ولم يعلم أيهما المراد أمكن أن يعلم بصحته نفى المعنى الحقيقى أن المراد هو المعنى المجازى وبعدم صحته أن المراد هو المعنى الحقيقى.
الثالث: عدم اطراد (1) المجاز وهو أن لا يجوز استعماله فى محل مع وجوب سبب الاستعمال المسوغ (2) لاستعماله فى محل آخر، كالتجوز بالنخلة للإنسان الطويل دون غيره مما فيه طول، وليس الاطراد دليل الحقيقة، فإن المجاز قد يطرد كالأسد للرجل الشجاع.
وقد اعترض على هذا الوجه: بأن عدم الاطراد قد يوجد فى الحقيقة كالسخىّ والفاضل، فإنهما لا يطلقان على الله سبحانه وتعالى مع وجودهما على وجه الكمال فيه جل شأنه.
وكذا القارورة لا تطلق على غير الزجاجة مما يوجد معنى الاستقرار فيه كالدّن (3).
وأجيب عن هذا الاعتراض: بأن الأمارة عدم الاطراد لا لمانع لغة أو شرعا ولم يتحقق فيما ذكرتم، وذلك لأن الشرع منع من إطلاق السخى والفاضل على الله سبحانه وتعالى، واللغة منعت من إطلاق القارورة على غير الزجاجة.
هذا: ومن الفروق بين الحقيقة والمجاز امتناع الاشتقاق فإنه دليل على كون اللفظ مجازا، وكذلك المعنى الحقيقى إذا كان متعلقا بالغير، فإنه إن استعمل فيما لا يتعلق به شىء كان مجازا وذلك كالقدرة إذا
(1) اطرد الأمر استقام مختار الصحاح 389.
(2)
يقال ساغ له ما فعل أى جاز وسوغه له غيره تسويغا أى جوزه- مختار الصحاح 321.
(3)
الدن ما عظم من الرواقيد جمع راقود وهو إناء خزف مستطيل مقيّر- لسان العرب 2/ 1434، 1702.