الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أجاب الجمهور عن هذه المناقشة: بأن هناك قسما ثالثا قد تركتموه، فلنا أن نختاره وهو أن الله تعالى شرع الحكم الثانى لمصلحة علمها أزلا، ولم تخف عليه ولكن وقتها يجيء عند انتهاء الحكم الأول بما اشتمل عليه من المصلحة، ومعلوم أن هذا لا يترتب عليه بداء ولا عبث كما تزعمون (1).
الدليل الثانى: وهو مسوق فى وجه اليهود المحيلين له عقلا والقائلين أن شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب فقط من بنى إسماعيل، وحاصل هذا الدليل ما يلى:
إن نبوة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت بالدليل القاطع وهو المعجزة الدالة على ذلك وعليه فيكون صادقا فيما يقوله عن ربه وينقله عنه، وقد نقل عنه قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2).
ومعنى هذه الآية: إن ننسخ نأت، ومثل ذلك إنما يقال فيما هو جائز عقلا، وليس فيما هو محال، ومن ثم فالآية تدل على جواز النسخ وهو المطلوب.
وقد ناقش المانعون للجواز هذا الدليل بما يلى:
الآية لا دلالة فيها على الجواز حيث إنها تفيد صدق التلازم الحاصل بين الشرط والجزاء، وصدق هذا التلازم لا تتوقف على وقوع الشرط والجزاء، ولا على جواز وقوعهما. بل يصدق التلازم ولو كان الشرط محالا.
مثال ذلك: قوله تعالى:
قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (3)
(1) التقرير والتحبير 3/ 45، وأصول الفقه للشيخ زهير 3/ 49، 50.
(2)
سورة البقرة الآية: 106.
(3)
سورة الزخرف الآية: 81.
فالكلام صحيح مع أن الشرط محال وقوعه.
وقد ذكر الشيخ الإسنوى رحمه الله جوابا عن هذه المناقشة: يتلخص فى أن الآية الكريمة لو قطع النظر عن سبب نزولها لا دلالة فيها على الجواز كما تقولون. لكن لو نظرنا إلى سبب النزول وهو أن الكفار طعنوا فقالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم يأمر بالشىء ثم ينهى عنه فأنزل الله ردا عليهم قوله: ما ننسخ من آية .. الآية لكان فى الآية دليل على الجواز وذلك لأنها ردت عليهم فى شىء عابوه قد وقع فعلا (1).
ثم قال الإسنوى: فإن قيل: صحة الآية والاستدلال بها يتوقفان على صحة النسخ فلو أثبتنا صحة النسخ بالآية لكان يلزم الدور.
قلنا: لا نسلم: بل الاستدلال بها متوقف على صحة النبوة.
واستدل الجمهور على الوقوع الشرعى بأدلة كثيرة: منها ما هو مسوق للرد على الشمعونية والعنانية من اليهود، ومنها ما هو مسوق للرد على أبى مسلم وكذلك العيسوية من اليهود.
فمن الأول ما يلى:
أولا: جاء فى التوراة أن الله تعالى أمر آدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه، وورد أنه كان يولد له كل بطن من البطون ذكرا وأنثى، فكان يزوج توأمة هذا للآخر ويزوج توأمة الآخر لهذا، وهكذا إقامة لاختلاف البطون مقام اختلاف الآباء والأمهات، ثم حرم الله ذلك عليهم بإجماع المتدينين من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم (2).
(1) نهاية السول 2/ 168، وروح المعانى للآلوسى 1/ 491، وتفسير الخازن 1/ 79، وتفسير البغوى بهامش تفسير الخازن 1/ 79.
(2)
أصول السرخسي 2/ 55 والإحكام للآمدى 2/ 167، والتقرير والتخبير 3/ 45، وشرح الإسنوى 2/ 168، واظهار الحق 298.