الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول باطل لامتناع أن يقول الله تعالى: آمَنَّا بِهِ، والثانى خلاف الأصل لأن الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فى المتعلقات، وإذا انتفى هذا تعيّن ما ادعيناه من وجوب الوقف على قوله: إِلَّا اللَّهُ وإذا وجب الوقف على ذلك لزم أنه تكلم بما لا يعلم تأويله وهو المدعى.
وقد دفع الجمهور هذه الشبهة بما يلى:
أولا: لا نسلم وجوب الوقف على لفظ الجلالة، والواو فى قوله تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يصح أن تكون عاطفة عطفت الرَّاسِخُونَ على لفظ الجلالة، فيكون هؤلاء يعلمون تأويله أيضا، والتعبير بقوله وَالرَّاسِخُونَ قرينة على ذلك.
قال ابن كثير رحمه الله
(1):
« .... ومنهم من يقف على قوله: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول وقالوا: الخطاب بما لا يفهم بعيد.
وقد روى ابن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: «أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله. وقال ابن أبى نجيح عن مجاهد:
والراسخون فى العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به، وكذا قال الربيع ابن أنس».
ثانيا: إن تخصيص المعطوف بالحال يمتنع إذا لم تقم قرينة تدل عليه. أما إذا قامت قرينة تدفع اللبس فلا بأس كقوله تعالى:
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً (2) فإن: نافِلَةً حال من يعقوب خاصة لأن النافلة ولد الولد، وما نحن فيه كذلك لأن الله تعالى لا يقول: آمَنَّا بِهِ
(1) تفسير ابن كثير: 2/ 8.
(2)
سورة الأنبياء الآية: 72.
هذا ويمكن القول بأن هذا الدليل الذى أقمتموه ليس فى محل النزاع، حيث إن الدليل فى خطاب له معنى غاية الأمر أن الله تعالى استأثر بعلمه، أو أن العلماء اختلفوا فى
المعنى المراد، ومحل النزاع فى مهمل ليس له معنى فأين هذا من ذلك؟
الثالثة: قال تعالى:
طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (1) وجه الدلالة: أن الله تعالى قال قبل هذه الآية:
أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ* إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ* إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (1) ثم قال: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ وهذا التشبيه يفيد بيان علمنا برءوس الشياطين ونحن لا نعلمها فيكون الله تعالى قد تعبدنا بالمهمل وهو المطلوب.
وتدفع هذه الشبهة بأننا لا نسلم عدم علمنا بالمشبه به، بل هو معلوم حيث إن العرب تضرب ذلك مثلا فى الاستقباح فهو معلوم متداول بينهم، فدعواكم عدم المعرفة باطل لأن العرب تتخيله قبيحا.
على أن هذا أيضا ليس فى محل النزاع، وبهذا يكون كلام الحشوية قد سقط، ولم تقم له قائمة وثبت أن الله تعالى لا يتعبدنا بالمهمل لأنه نقص وهو على الله تعالى محال.
(1) سورة الصافات آيات: 62 - 65.