الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عشرة أيام جاز له أن يطأ قبل الغسل، وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صلاة، وهذا تحكم لا وجه له.
وقال الإمام النووى رحمه الله وهو يذكر ما يحرم على الحائض
(1):
(2)
قال تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (2) فقد قرأ نافع وابن عامر والكسائى وحفص (وأرجلكم) بنصب اللام، وقرأ الباقون بخفضها (3)، وقد قال العلماء إن القراءة بالنصب دليل على وجوب غسل الرجلين فى الوضوء، وحمل بعضهم قراءة الجو على أنها دليل على المسح على الخفين.
قال الشيخ محمد الصنعانى رحمه الله
(4):
«
…
على أنه قد يقال: قد ثبت فى آية المائدة القراءة بالجر، لأرجلكم عطفا على الممسوح وهو الرأس فيحمل على مسح الخفين كما بينته السنة (5)، ويتم ثبوت المسح
بالكتاب والسنة وهو أحسن
وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم يلقب بقاضى القضاة أخذ الفقه عن الإمام أبى حنيفة، وتوفى رحمه الله عام 182 هـ. الفتح المبين 1/ 108.
ومحمد بن الحسن الشيبانى اشتهر بالفقه والأصول، وكان إماما فى اللغة وتوفى رحمه الله سنة 186 هـ- المرجع السابق 1/ 110.
(1)
روضة الطالبين 1/ 135.
(2)
سورة المائدة الآية: 6.
(3)
الوافى فى شرح الشاطبية 251.
(4)
سبل السلام 1/ 88.
(5)
جاء فى الحديث عن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه قال: «كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فتوضأ فأهويت لا نزع خفيه فقال: دعها فإنى أدخلتهما طاهرتين- فمسح عليهما» (البخارى 1/ 50، ومسلم 1/ 129).
الوجوه (1) التى توجه بها قراءة الجر». هذا وقبل أن أنهى الكلام عن ثبوت القرآن وتواتره أقول: إن علماء الأصول تحدثوا بإطناب (2) عن حجية ما نقل إلينا من القرآن آحادا، وذلك بعد اتفاقهم على حجية المنقول إلينا نقلا متواترا. فبينما ذهب الإمام الشافعى رحمه الله إلى القول بنفى حجيته، ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى إثباتها، وبنى عليه وجوب التتابع فى صوم كفارة اليمين، مستدلا بما نقله ابن مسعود رضى الله عنه فى مصحفه من قوله:(فصيام ثلاث أيام متتابعات).
ولو أمعنا النظر فى وجهة نظر الإمامين الجليلين لاخترنا مذهب الإمام الشافعى رحمه الله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مكلفا بإلقاء ما نزل به جبريل عليه السلام عليه من القرآن على طائفة تقوم الحجة القاطعة بقولهم، ولا شك أن الذين تقوم بهم الحجة القاطعة لا يتصور عليهم التوافق على عدم نقل ما سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فالراوى له إن كان واحدا إن ذكره على أنه قرآن فهو خطأ، لأنه وجب على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغه طائفة من الأمة تقوم الحجة بقولهم، ولا يجوز مناجاة الواحد به، وإن لم يذكره على أنه قرآن فقد تردد بين أن يكون خبرا عن النبى صلى الله عليه وسلم، وبين أن يكون ذلك مذهبا له وعليه فلا يكون حجة، وهذا بخلاف خبر الواحد الوارد عن النبى صلى الله عليه وسلم.
فالسادة الشافعية يرون عدم وجوب التتابع فى صوم كفارة اليمين فى قول عندهم، لأن الزيادة الواردة فى مصحف ابن مسعود رضى الله عنه
(1) حمل بعضهم قراءة الجر على أنها محمولة على الجوار كما فى قوله تعالى: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [هود 26] بجر الميم (تفسير آيات الأحكام 2/ 173).
(2)
الإطناب: هو تأدية المعنى المقصود بلفظ زائد عليه لفائدة (توضيح المعانى للعمارى 182 دار القومية العربية).
لم تتواتر، وبالتالى فليست من القرآن، فتحمل على أنه ذكرها فى معرض البيان لما اعتقده مذهبا له. فلعله اعتقد التتابع حملا لهذا المطلق على المقيد بالتتابع فى آية الظهار قال تعالى:
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ (1) والسادة الحنفية (2) لا يتفقون مع السادة الشافعية فى وجوب إلقاء النبى صلى الله عليه وسلم القرآن على عدد تقوم الحجة القاطعة بقولهم، وذلك لسبب بسيط وهو أن حفاظ القرآن فى زمانه صلى الله عليه وسلم لم يبلغوا حدّ التواتر لقلتهم، وإنّ جمع القرآن إنما كان بطريق تلقى آحاد آياته من الآحاد، ومن هنا اختلفت مصاحف الصحابة، وبدهى أن النبى صلى الله عليه وسلم لو كان ألقاه على طائفة تقوم الحجة.
القاطعة بقولهم لما اختلفت مصاحف الصحابة، ولهذا اختلفوا فى البسملة أنها من القرآن، وأنكر ابن مسعود كون الفاتحة والمعوذتين من القرآن، وقالوا لو سلمنا وجوب ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم، وأنه سمعه منه جمع تقوم الحجة بقولهم، لكن إنما يمتنع السكوت عن نقله على الكل لعصمتهم عن الخطأ، ولا يمتنع ذلك بالنسبة إلى بعضهم، وإذا كان ابن مسعود من جملتهم وقد روى ما رواه فلم يقع الاتفاق من الكل على الخطأ بالسكوت، وعند ذلك فيتعين حمل روايته لذلك فى مصحفه على أنه من القرآن، لأن الظاهر من حاله الصدق، ولم يوجد ما يعارضه. كل ما فى الأمر أنه غير مجمع على العمل به، وذلك لعدم تواتره، وإن لم يصرح بكونه قرآنا أمكن أن يكون من القرآن، وأمكن أن يكون خبرا عن النبى صلى الله عليه وسلم، وأمكن أن يكون مذهبا له، وهو حجة بتقدير كونه قرآنا، وبتقدير كونه خبرا عن النبى صلى الله عليه وسلم،
(1) سورة المجادلة الآية: 4.
(2)
أصول السرخسى 1/ 280 والتلويح على التوضيح 1/ 27 وتيسير التحرير 3/ 9، والإحكام للآمدى 1/ 148.
وهما احتمالان، وإنما لا يكون حجة بتقدير كونه مذهبا له، وهو احتمال واحد، ولا يخفى أن وقوع احتمال من احتمالين أغلب من وقوع احتمال واحد بعينه.
سلمنا أنه ليس بقرآن، وأنه متردد بين الخبر وبين كونه مذهبا له، إلا أن احتمال كونه خبرا راجح لأن روايته له موهم بالاحتجاج به، ولو كان مذهبا له لصرح به نفيا للتلبيس (1) عن السامع المعتقد كونه حجة مع الاختلاف فى مذهب الصحابى (2) هل هو حجة أولا؟
هذه هى وجهة السادة الحنفية رضوان الله عليهم، والحق أن ما قالوه فيه نظر، وذلك لأن القرآن هو المعجزة الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فيجب تبليغه وتمليته على عدد تقوم الحجة بقولهم.
(1) لبس عليه الأمر خلط وبابه ضرب يقال فى الأمر لبسة- بالضم- أى شبهة يعنى ليس بواضح- المختار 590.
(2)
المراد من مذهب الصاحبى هو ما اختاره فى المسألة الاجتهادية التى لم يرد فيها نص، ولم يحصل عليها إجماع. وقد اتفق العلماء على أن مذهب الصحابى لا يكون حجة على غيره من الصحابة المجتهدين، لأن الصحابة أجمعوا على جواز مخالفة بعضهم بعضا فى الاجتهاد. واختلفوا فى كونه حجة على التابعين ومن بعدهم:
فذهبت الأشاعرة والمعتزلة والإمام الشافعى فى أحد قوليه، والإمام أحمد فى إحدى الروايتين عنه إلى أنه ليس بحجة.
وذهب الإمام مالك وأئمة الحنفية والإمام الشافعى فى قول له والإمام أحمد فى رواية أخرى إلى أنه حجة مقدمة على القياس.
واختار الآمدى القول بعدم حجيته مطلقا على أساس أن قول الصحابى ليس حجة على غيره فى أصول الدين فلا يكون حجة عليه أيضا فى فروعها.
وهذا الخلاف فى قول الصحابى إنما هو فيما يمكن فيه الرأى يعنى فى حكم يمكن إثباته بالقياس وهو حينئذ ملحق بالسنة أما الذى لا يدرك بالرأى فلا خلاف فيه لأنه كالمرفوع- الأحكام للآمدى 3/ 195، والإبهاج 3/ 127، وحاشية ابن الحلبى على شرح المنار 674، وتخريج الفروع على الأصول للزنجانى 83، وتيسير التحرير 3/ 132.