الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا: ومما تكلم فيه العلماء مسألة استعمال اللفظ فى معنييه الحقيقى والمجازى معا فقالوا: هل يمكن استعمال اللفظ فى معنييه الحقيقى والمجازى معا فى إطلاق واحد، واعتبار كل منهما متعلقا للحكم من غير أن يكون هناك معنى عام يشملها كأن تقول: اقتل الأسد وتريد السبع باعتباره موضوعا له، والرجل الشجاع باعتباره شبيها له؟
فذهب محققو الشافعية والحنفية وجمع من المعتزلة وجمهور اللغويين إلى أن اللفظ لا يستعمل فى المعنى الحقيقى والمجازى معا، فى إطلاق واحد، واعتبار كل واحد منهما متعلقا للحكم من غير أن يكون هناك معنى عام يشملها، وأجاز ذلك بعض العلماء، فمثلا فى قوله تعالى:
أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ (1) المعنى المجمع عليه هنا هو المعنى المجازى فلا يراد به المعنى الحقيقى الذى هو مجرد اللمس إلا بدليل آخر. هذا على المذهب الأول.
وعلى الثانى لا مانع يمنع من إرادة المعنى الحقيقى والمجازى معا، بدليل صحة الاستثناء فتقول: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ إلا إذا كان اللمس باليد، والله أعلم.
إثبات المجاز فى اللغة:
يلاحظ أن أكثر العلماء ذهبوا إلى القول بإثبات المجاز فى اللغة.
وحكى عن قوم المنع. والمانعون لا يخلو خلافهم فى ذلك إما أن يكون خلافا فى معنى أو فى عبارة.
والخلاف فى المعنى نوعان:
أحدهما: أن يقولوا إن أهل اللغة لم يستعملوا الأسماء فيما نقول إنها مجاز فيه نحو اسم «الحمار» فى «البليد» .
(1) سورة النساء الآية: 43.
قال الشيخ أبو الحسن البصرى تعليقا على هذا (1): وهذا مكابرة لا يرتكبها أحد.
والآخر: أن يقولوا إن أهل اللغة وضعوا فى الأصل اسم الحمار للرجل البليد كما وضعوه للبهيمة.
وهذا باطل لأنا كما نعلم أن العلماء يستعملون ذلك فى البليد، وإطلاق الحمار على البليد إنما هو على طريق التبع والتشبيه للبهيمة، ومن ثم فإن استحقاق البليد لذلك ليس كاستحقاق البهيمة، ولذلك يسبق إلى الفهم من قول القائل: رأيت الحمار- البهيمة دون البليد، ولو كان لفظ الحمار موضوعا له وللبليد على السواء لم يسبق إلى الأفهام أحدهما.
فإن قيل: إذا كانت الحقائق تعم المسميات فلماذا تجوز بالأسماء عما وضعت له؟
فالجواب: أن فى المجاز من المبالغة والحذف ما ليس فى الحقيقة، لهذا كان وصف البليد بأنه حمار أبلغ فى الإبانة عن بلادته من قولهم:
«بليد» .
وأما الخلاف فى الاسم فبأن يسلم المخالف أن استعمال اسم «الحمار» فى البليد ليس بموضوع له فى الأصل، وأنه بالبهيمة أخص لكنه يقول: لا أسميه مجازا إذا عنى به البليد، لأن أهل اللغة لم يسموه بذلك بل أسميه مع قرينته حقيقة.
فيقال له: إن أردت أن العرب لم تسمه بذلك فصحيح، وإن أردت أن الناقلين عنهم لم يسموه بذلك فباطل بتلقيبهم كتبهم بالمجاز، وبأنهم
(1) المعتمد: 1/ 29.