الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع قوله تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ (1) فإذا ثبت أنه يخلق ما يشاء، وأن مشيئة العبد لا تحصل إلا إذا شاء الله أنتج أنه تعالى خالق لمشيئة العبد.
وجدير بالذكر التنبيه على أن هذه الأحكام يستدل عليها تارة بالصيغة، وتارة بالإخبار كقوله تعالى:
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (2) وقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (3) وتارة بما رتب عليها فى العاجل أو الآجل من خير أو شر، أو نفع أو ضر، وقد نوع الشارع ذلك أنواعا كثيرة ترغيبا لعباده وترهيبا وتقريبا إلى أفهامهم.
على العموم كانت آيات الأحكام تنزل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغالب جوابا لحوادث فى المجتمع الإسلامى، وهذه الحوادث تعرف بأسباب النزول، وأحيانا كانت تنزل آيات الأحكام جوابا عن أسئلة يسألها بعض المؤمنين، وقليلا ما كانت الأحكام تنزل مبتدأة (4) ومن أمثلة هذين القسمين ما يلى:
أولا: القسم الأول:
1 -
قال تعالى:
وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ (5)
(1) سورة القصص الآية: 68.
(2)
سورة البقرة الآية: 187.
(3)
سورة المائدة الآية: 3.
(4)
تاريخ التشريع الإسلامى للشيخ الخضرى 13.
(5)
سورة البقرة الآية: 221.
يقول القرطبى رحمه الله فى تفسيره (1): نزلت هذه الآية فى أبى مرثد الغنوىّ، وقيل: فى مرثد بن أبى مرثد واسمه كنّاز بن حصين الغنوى. بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة سرّا ليخرج رجلا من أصحابه، وكانت له بمكة امرأة يحبها فى الجاهلية يقال لها: عناق، فجاءته فقال لها: إن الإسلام حرم ما كان فى الجاهلية.
قالت: فتزوجنى.
قال: حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فاستأذنه فنهاه عن التزوج بها لأنه كان مسلما وهى مشركة وقد اختلف (2) العلماء فى تأويل هذه الآية على ثلاثة أقوال هى:
الأول: لا يجوز العقد بنكاح على مشركة سواء كانت. كتابية أو غير كتابية. قال عمر فى إحدى روايتيه وهو اختيار مالك والشافعى إذا كانت أمة (3).
الثانى: أن المراد وطء من لا كتاب له من المجوس والعرب. قاله قتادة.
الثالث: أنه منسوخ بقوله تعالى:
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (4) 2 - قال تعالى:
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ* الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ*
(1) تفسير القرطبى 1/ 875.
(2)
أحكام القرآن لابن العربى 1/ 156.
(3)
المرجع السابق، ومغنى المحتاج 3/ 185.
(4)
سورة المائدة الآية: 5.
وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا
…
إلخ (1) يقول علماء التفسير (2) إن صدر سورة المجادلة نزل فى حق أوس بن الصامت رضى الله عنه حين قال لزوجته خولة بنت ثعلبة رضى الله عنها: أنت علىّ كظهر أمى، وكان الرجل فى الجاهلية إذا قال لزوجته ذلك حرمت عليه، فندم من ساعته
فدعاها فأبت وقالت: والذى نفس خولة بيده لا تصل إلىّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أوسا تزوجنى وأنا شابة مرغوب فىّ فلما خلا سنى (3) ونثرت بطنى جعلنى عليه كأمه وتركنى إلى غير أحد، فإن كنت تجد لى رخصة يا رسول الله تنعشنى (4) بها وإياه فحدثنى بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أمرت فى شأنك بشيء حتى الآن. وفى رواية: ما أراك إلا قد حرمت عليه.
قالت: ما ذكر طلاقا وجادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا ثم قالت: اللهم إنى أشكو إليك فاقتى (5) وشدة حالى.
وروى أنها قالت: إن لى صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلىّ جاعوا وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول: اللهم
(1) سورة المجادلة آيات: 1 - 3.
(2)
تفسير آيات الأحكام 4/ 110.
(3)
خلا الشيء خلوا بمعنى مضى.
وقولها- ونثرت بطنى- أى أكثرت من الولد. وهى تقصد بهذه العبارة أنها كانت عنده شابة تلد الأولاد- لسان العرب.
(4)
يقال نعشت فلانا إذا جبرته بعد فقر أو رفعته بعد عثرة، ونعش الإنسان ينعشه نعشا يعنى تداركه من هلكه- لسان العرب 5/ 4474.
(5)
الفاقة: الفقر والحاجة- لسان العرب 4/ 3489.