الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسلمين فى حالة السفر خير من القول بنسخها خاصة أن ثلاثة من الصحابة قالوا بذلك، ومخالفة الصحابة إلى غيرهم ينفر عنه أهل العلم.
ويقوى هذا أن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا حتى قال ابن عباس والحسن وغيرهما: إنه لا منسوخ فيها. وما ادعوه من النسيخ لا يصح فإن النسخ لا بدّ فيه من إثبات الناسخ على وجه يتنافى الجمع بينهما مع تراخى الناسخ، وما ذكروه لا يصح أن يكون ناسخا فإنه فى قصة غير قصة الوصية لمكان الحاجة والضرورة، ولا يمتنع اختلاف الحكم عند الضرورات، ولأنه ربما كان الكافر ثقة عند المسلم ويرتضيه عند الضرورة فليس فيما قالوه ناسخ.
قال الشيخ الزرقانى رحمه الله
(1):
الآية الأولى خاصة بما إذا نزل الموت بأحد المسافرين، وأراد أن يوصى فإن الوصية تثبت بشهادة اثنين عدلين من المسلمين أو غيرهم توسعة على المسافرين. لأن ظروف السفر ظروف دقيقة، قد يتعسر أو يتعذر وجود عدلين من المسلمين فيها. فلو لم يبح الشارع إشهاد غير المسلمين لضاق الأمر، وربما ضاعت الوصية. أما الآية الثانية فهى القاعدة العامة فى غير ظروف السفر.
الآية الخامسة عشرة:
قال تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ* الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (2)
(1) مناهل العرفان 2/ 161.
(2)
سورة الأنفال آيتا: 65 - 66.
فالنص فى هاتين الآيتين الكريمتين خبر، والغرض منه الإنشاء، فإن الله تعالى يقول فى هذه السورة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا (1) وقد أراد أن يضع حدّا لهذا الأمر المطلق فإنه يوجب الثبات فى جميع الأحوال أيّا كان عدد المسلمين وعدد من يقاتلهم.
فالآية الأولى تحدد ما يجب الثبات أمامه بعشرة الأمثال، ولم يأت فى ذلك بالأمر الصريح كما جاء قبله (اثبتوا) بل جاء به على صورة الخبر، لأن المراد بعث الحمية فى أنفسهم وإلهاب الغيرة فى صدورهم.
ثم جاءت الآية الثانية معنونة بعنوان التخفيف، إذ علم الله فيهم ضعفا. والمراد بالعلم هنا الظهور، يعنى أنه قد ظهر فيهم ضعف لم يكن، لأنه لو كان سابقا لكان الله قد علمه موجودا، ولم يكن محلّ التشريع السابق، فهذا الضعف الحادث هو الذى اقتضى التخفيف. فإذا قلنا: إن نسبة الآية الثانية هى نسبة النص المخفف لعارض مع بقاء حكم النص الأول عند زوال العارض، كان حكمها حكم العزيمة مع الرخصة، ولم يقل أحد: إن الرخصة تنسخ العزيمة، فآية التيمم لم تنسخ آية الوضوء. فإذا لم يكن بفئة هذا الضعف الذى ذكره الله سببا للتخفيف كان عليها أن تثبت لعشرة أمثالها.
ويؤيد هذا أن العشرين المذكورة فى النص الأول موصوفة بالصابرين، وكذلك المائة، فمتى وجدت صفة الصبر ثبت الحكم الأول، والصبر من لوازمه المتقدمة عليه القوة المادية وقوة القلب المعنوية.
وإذا قلنا: إن النص الثانى عام فى جميع الأحوال كان النص الأول منسوخا وهذا بعيد (2). فالآيتان محكمتان وليس فيهما نسخ والله أعلم.
(1) سورة الأنفال الآية: 45.
(2)
نظرات فى القرآن لأستاذى الشيخ محمد الغزالى 255، 256.