الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المكيين جاءوا مسلمين، وقد جاءته امرأة اسمها أم كلثوم (1) بنت عقبة بن أبى معيط، وخرج أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فيها أن يردها إليهما فنقض الله العهد بينه وبينهم فى النساء خاصة، وأنزل قوله جل شأنه:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ (2) فما ثبت بالسنة نسخ بالقرآن (3). على أنه يمكن القول بأن هذه الآية خصصت عموم السنة.
المذهب الثانى:
أن نسخ السنة بالقرآن لا يجوز. ونسب هذا المذهب إلى الإمام الشافعى رضى الله عنه بعض الأصوليين منهم الإمام الرازى (4) رحمه الله حيث قال: يجوز نسخ السنة بالقرآن وهو أيضا واقع، وقال الشافعى رضى الله عنه: لا يجوز. اه. والإمام القرافى رحمه الله حيث قال أيضا (5): ويجوز نسخ السنة بالكتاب عندنا خلافا للشافعى رضى
الله عنه. اه. والإمام الآمدى رحمه الله حيث قال كذلك (6): المنقول عن الشافعى رضى الله عنه فى أحد قوليه أنه لا يجوز نسخ السنة بالقرآن. اه.
والحق- والله أعلم- أن نقل هذا عن الإمام الشافعى رضى الله عنه فيه شىء من الاضطراب أو إرادة خلاف الظاهر.
قال الدكتور طه فياض فى تعليقه على هذه المسألة
(7):
إن معظم الذين تحدثوا عن رأى الإمام فى هذه المسألة تحدثوا عنه،
(1) تفسير ابن كثير 8/ 118.
(2)
سورة الممتحنة، 10.
(3)
المحصول 1/ 512، والإحكام 3/ 136.
(4)
المصدر الأول السابق.
(5)
شرح تنقيح الفصول 312.
(6)
الإحكام 3/ 136.
(7)
انظر هامش 1/ 516 من المحصول.
وفى أذهانهم أقوال العلماء الآخرين ونزاعاتهم فى المسألة، ولذلك فهموا من قول الإمام أنه قول مقابل للأقوال المنقولة عن الأئمة الآخرين، مع أننا نرى أن قوله فى أمر آخر غير أمر الجواز والامتناع والوقوع التى عليها مدار أقوال الآخرين، وإنما هو فى حكم المجتهد بالنسخ: متى يحكم به؟
فالإمام لا يرى للمجتهد الحق بأن يحكم بأن هذه السنة منسوخة بالقرآن، ولا العكس، وإنما يحكم بنسخ السنة إذا وجد سنة مماثلة تصلح ناسخة لها. وآنذاك تكون الآية مقوية للحكم بنسخ تلك السنة.
وكذلك الحال بالنسبة للقرآن: فإن المجتهد لا يحق له أن يحكم بأن الآية منسوخة إلا إذا وجد آية تصلح ناسخة لها، وتكون السنة الواردة فى الموضوع مبينة لكون الآية الناسخة ناسخة والمنسوخة منسوخة، والإمام حين قرر ذلك كان يهدف إلى حماية أحكام كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أى تغيير من قبل من تحدثه بذلك نفسه تحت ستار النسخ. اه.
على كل حال ذكر الأصوليون لهذا المذهب أدلة منها:
1 -
قال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (1) وهذا يدل على أن كلامه بيان للقرآن والناسخ بيان للمنسوخ، فلو كان القرآن ناسخا للسنة لكان القرآن بيانا للسنة، فيلزم كون كل واحد منهما بيانا للآخر (2). وأجيب عن هذا بأن الآية ليس فيها ما يدل على امتناع نسخ السنة بالقرآن، والمراد بقوله: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ إنما هو التبليغ وذلك يعم تبليغ الناس من القرآن وغيره.
2 -
لو نسخت السنة بالقرآن للزم تنفير الناس عن النبى صلى الله عليه وسلم، وعن طاعته لإيهامهم أن الله تعالى لم يرض ما سنه الرسول
(1) سورة النحل الآية: 44.
(2)
المحصول 1/ 513، والمعتمد 1/ 391.