الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مختصة ببعض، وإن أريد بسورة من جنسه فى البلاغة والعلو فيتناول كل القرآن وكل بعض منه، وهذا أقرب إلى عرض الأصولى وهو تعريف القرآن الذى هو دليل فى الفقه».
والإعجاز قيد ثان فى التعريف يخرج به الحديث القدسى والنبوى فإن كلّا منهما لم ينزل للإعجاز (1).
وقولهم: (المكتوب فى المصاحف) المصاحف جمع مصحف وهو ما جمع فيه صحائف القرآن، والمكتوب قيد ثالث فى التعريف خرج به ما نسخت تلاوته وبقيت أحكامه مثل: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله) (2).
قال الشيخ عز الدين بن الملك
(3):
فإن قلت: إن أردت من المصحف ما قلت يلزم الدور (4)، لأن
(1) الحديث القدسى هو حديث أضافه النبى صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى.
والحديث النبوى هو ما أضيف إلى النبى صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقريرا أو وصف خلقى أو خلقى ولا خلاف بين العلماء فى أن معنى كلّ من الحديث القدسى والنبوى من عند الله
تعالى. كذلك لا خلاف بينهم فى أن لفظ الحديث النبوى من عند الرسول صلى الله عليه وسلم. وإنما الخلاف بينهم فى لفظ الحديث القدسى: فذهب بعضهم إلى أنه من عند الله تعالى كالقرآن وذهب البعض الآخر إلى أنه من عند الرسول صلى الله عليه وسلم كالحديث النبويّ (الباعث الحثيث لابن كثير 17، وضوء القمر 14، ومصطلح الحديث لأستاذى المرحوم الشيخ الشهاوى 39).
(2)
سبل السلام 4/ 1276.
(3)
شرح المنار 36.
(4)
حقيقة الدور: هو حقيقة الشيء على ما توقف عليه، وحقيقة التسلسل: هو ترتب أمور غير متناهية ومن أمثلة ذلك: أننا نقول: إن من أدلة وجوب الوجود لله تعالى أنه سبحانه يجب افتقار العالم إليه وكل من وجب افتقار العالم إليه فهو واجب الوجود فالله واجب الوجود.
دليل الصغرى: العالم حادث وكل حادث يجب افتقاره إلى محدث.
تصور المصحف موقوف على تصور القرآن والقرآن موقوف على المصحف وإلا لم يخرج ما نسخت تلاوته فلا يطرد التعريف (1).
قلنا: تصور المصحف موقوف على تصور القرآن بمفهوم شخصى معروف عند كل أحد حتى عند الصبيان يحفظونه ويتدارسونه، والقرآن بمفهومه العامى موقوف على تصور المصحف فلا يلزم الدور (2).
وربما يقول قائل: المكتوب فى المصاحف حادث عند أهل السنة خلافا للحنابلة والقرآن كلام الله تعالى قديم وليس بحادث (3)؟
دليل الكبرى: أنه لو لم يكن واجب الوجود لكان جائزه فيفتقر إلى محدث ويفتقر محدثه إلى محدث فإن رجع الأمر إلى الأول مباشرة أو بواسطة فالدور لأن الأمر دار ورجع إلى مبدئه وإن تتابع المحدثون واحدا بعد واحد إلى ما لا نهاية فالتسلسل وكل من الدور والتسلسل محال على الله تعالى (شرح البيجورى على الجوهرة 1/ 57، 58).
(1)
اطرد الأمر اطرادا تبع بعضه بعضا. تقول اطرد الأمر أى استقام- مختار الصحاح 389.
(2)
القرآن الكريم له مفهومان: جزئى وكلى:
فالجزئى: هو المجموع الشخصى الذى بين دفتى المصحف.
والكلى: هو الشامل للكل والجزء وهو الكلام المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم الخ.
فتصور المصحف موقوف على تصور حقيقة القرآن بمفهومه الشخصى وهو مجموع ما بين الدفتين لأنه إذا قيل لك: ما المصحف؟ فتقول: هو الذى كتب فيه القرآن وهذا معروف عند كل أحد فهو بديهى لا يتوقف على شىء.
والقرآن بمفهومه الكلى موقوف على تصور المصحف لأخذه فى تعريفه فلا دور لاختلاف جهة التوقف لأن ماهية المصحف إنما هى موقوفة على القرآن بمفهومه الجزئى والمفهوم على ماهية المصحف إنما هو القرآن بمفهومه الكلى.
(3)
جاء فى العقيدة الطحاوية 129.
(
…
والقرآن فى المصاحف مكتوب وفى القلوب محفوظ وعلى الألسن مقروء وعلى النبى صلى الله عليه وسلم منزل ولفظنا بالقرآن مخلوق والقرآن غير مخلوق)
فالجواب: أن كلام الله تعالى اسم مشترك بين الكلام النفسى ومعنى الإضافة كونه صفة لله تعالى، وبين الكلام اللفظى الحادث المؤلف من السور والآيات، ومعنى الإضافة أنه مخلوق لله تعالى ليس من تأليف المخلوقين إلا أن الأحكام لما كانت منوطة (1) بالكلام اللفظى دون النفسى جعل القرآن اسما له، واعتبر فى حده ما يميزه عن المعنى القديم فلهذا عرفه علماء الأصول بالمكتوب فى المصاحف
…
إلخ.
وقولهم: (المنقول إلينا نقلا متواترا). قيد رابع فى التعريف يخرج به القراءة الشاذة (2) كقراءة الصحابى الجليل أبىّ بن كعب رضى الله عنه- فعدة من أيام أخر متتابعات- لأنها ثابتة بطريق الآحاد. وجاء فى شرح المنار (3): فإن قلت: قراءة ابن كعب قد خرجت بقولهم:
المكتوب فى المصاحف، لأنها مكتوبة فى مصحفه فقط وليس فى كل المصاحف، ومن ثم فيكون هذا الوصف زائدا لا حاجة إليه؟
وجاء فى كتاب القرآن والفلسفة 87 - 96:
أن المشبهة ذهبوا إلى القول بأن القرآن أزلى قديم حتى الحروف والأصوات والكتابة المكتوب بها. بل زاد بعضهم فى الغلو حيث قال إن جلدة المصحف التى تضمّه وكذلك الغلاف الذى يوضع فيه كلاهما كذلك أزلى قديم. وعلى الضد من مذهب المشبهة نجد المعتزلة يقولون بأنه حادث مخلوق ككل شىء فى الوجود ما عدا ذات الله وحدها.
أما الأشاعرة فقد وقفوا موقفا وسطا بين غلو الحنابلة من المشبهة وغلو المعتزلة فقالوا:
إن القرآن قديم ولكنه ليس الحروف والأصوات التى نسمعها والكلمات التى نكتبها إنما هو أى القرآن الكريم القديم كلام الله القائم بذاته.
أما الكلام المؤلف من الحروف والكلمات والأصوات فحادث.
وأدلة هذه الفرق مبسوطة فى كتب الكلام- بتصرف-.
(1)
ناط الشيء ينوطه نوطا: علقه، والنوط ما علّق ويقال نيط عليه الشيء علق عليه.
قال رقاع بن قيس الأسدي:
بلاد بها نيطت علىّ تمائمى
…
وأول أرض مسّ جلدى ترابها
(2)
سيأتى قريبا بمشيئة الله تعالى الكلام عن القراءة التى فقدت أحد أركان القرآن.
(3)
شرح المنار 40.