الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله
(1):
معظم آى القرآن لا يخلو عن أحكام مشتملة على آداب حسنة وأخلاق جميلة، ثم من الآيات ما صرح فيه بالأحكام وهو كثير، وسورة البقرة والنساء والمائدة والأنعام مشتملة على كثير من ذلك. ومنها ما يؤخذ بطريق الاستنباط، إما بلا ضمّ إلى آية أخرى كاستنباط صحة أنكحة الكفار من قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (2) وصحة صوم الجنب من قوله تعالى:
فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (3) فلو لم يكن صوم الجنب صحيحا لما أباح الله له الوقاع حتى الفجر.
وأما مع ضميمة آية أخرى كاستنباط على وابن عباس رضى الله عنهم أن أقلّ الحمل ستة أشهر من قوله تعالى:
وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (4) مع قوله تعالى: وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ (5) وعليه جرى الإمام الشافعى رضى الله عنه (6). واحتج بها الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه (7) على أن أكثر الرضاع سنتان ونصف- ثلاثون شهرا- حيث إن الله تعالى قدّر لشيئين مدة واحدة، فانصرفت
(1) الاتقان 4/ 40، 41.
(2)
سورة المسد الآية: 4.
(3)
سورة البقرة الآية: 187.
(4)
سورة الأحقاف الآية: 15.
(5)
سورة لقمان الآية: 14.
(6)
روضة الطالبين للنووى 8/ 374، 375.
(7)
اللباب فى شرح الكتاب 3/ 31.
المدة بكمالها إلى كل واحد منهما، فلما قام النص الأول فى أحدهما بقى الثانى على أصله، ومثّل ذلك بالأجل الواحد للدينين، فإنه مضروب بكماله لكل واحد منهما، وأيضا فإنه لا بدّ من اعتبار مدة يبقى فيها الإنسان بحيث يتغير الغذاء، فاعتبرت مدة يعتاد الصبى فيها غذاء طبيعيّا غير اللبن، ومدة الحمل قصيرة فقدمت الزيادة على الحولين.
فإن قيل: العادة الغالبة فى مدة الحمل تسعة أشهر، وكان المناسب فى مقام الامتنان ذكر الأكثر المعتاد لا الأقل النادر كما فى جانب الفصال.
فالجواب: أن هذه المدة أقل مدة الحمل، ولما كان الولد لا يعيش غالبا إذا وضع لستة أشهر كانت مشقة الحمل فى هذه المدة موجودة لا محالة فى حق كل مخاطب، فكان ذكره أدخل فى باب المناسبة، بخلاف الفصال لأنه لأحد لجانب القلة فيه، بل يجوز أن يعيش الولد بدون ارتضاع من الأم، ولهذا اعتبر فيه الأكثر لأنه الغالب، ولأنه اختيارى كأنه قيل: حملته ستة أشهر لا محالة إن لم تحمله أكثر (1).
ومثله استنباط الأصوليين أن تارك الأمر يستحق العقاب من قوله تعالى: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (2) مع قوله جل شأنه: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ (3) وكذلك استنباط بعض المتكلمين أن الله خالق لأفعال العباد من قوله تعالى: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ (4)
(1) البرهان فى علوم القرآن 2/ 5.
(2)
سورة طه الآية: 93.
(3)
سورة الجن الآية: 23.
(4)
سورة الإنسان الآية: 30.