الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 1.
فحرم الربا على مرحلتين كما حرم الخمر على مرحلتين، وإذا كان تحريم الخمر بدأ بتحريمه في أوقات معينة فإن تحريم الربا بدأ بتحريم نسبة منه معينة وهي ما كانت أضعافًا مضاعفة تمهيدًا لتحريمه كله في المرحلة الأخيرة.
المرحلة الرابعة:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} 2 وكما أنه -سبحانه- غلظ في تحريم الخمر في المرحلة الأخيرة بالأمر باجتنابه ووصفه بأنه رجس وأنه من عمل الشيطان فإنه هنا في تحريم الربا غلظ في تحريمه بالتهديد والوعيد لأصحابه ووصفهم بأنهم محاربون لله ورسوله وهل بعد هذا أغلظ في التحريم وأبشع في الوصف.
ولعدم إدراك بعض الناس لهذه المراحل التي مر بها تحريم الربا وقعوا في الخطأ في الفتيا فأباح بعضهم الربا اليسير وهو الذي لا يصل إلى الأضعاف المتضاعفة جهلًا منه بأن هذا كان في مرحلة من مراحل تحريم الربا وأنه بهذا كمن يبيح الخمر في غير أوقات الصلاة مستدلًّا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} 3 ولعله يظهر بهذا أهمية معرفة أول ما نزل وآخر ما نزل، والله المستعان.
1 سورة آل عمران: الآية 130.
2 سورة البقرة: الآيتين 278، 279.
3 سورة النساء: الآية 43.
ثالثًا:
أول ما نزل وآخر ما نزل في تشريع الجهاد:
وقد مر تشريع الجهاد بمراحل هي:
المرحلة الأولى:
وهي المرحلة المكية، حيث لم يشرع الجهاد وإنما
أمروا بالعفو والصفح فمن الآيات المكية: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} 1 {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 2 {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} 3 {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} 4 {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} 5 {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} 6 {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} 7 والآيات المكية في هذا المعنى كثيرة فلم يؤمروا بالقتال بل بالكف عنه وقد صرح بهذا الحكم قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} 8.
المرحلة الثانية:
بعد نيف وسبعين آية مكية في النهي عن القتال9 أذن بالقتال بمعنى إباحته لا وجوبه للمهاجرين منهم خاصة الذين أخرجوا من ديارهم، قال تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} 10.
قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى: ولأن الله لما بعث نبيه وأمره بدعوة الخلق إلى دينه لم يأذن له في قتل أحد على ذلك ولا قتاله حتى
1 سورة الزخرف: الآية 89.
2 سورة فصلت: الآية 34.
3 سورة النحل: الآية 82.
4 سورة الحجر: الآية 85.
5 سورة الفرقان: الآية 63.
6 سورة المزمل: الآية 10.
7 سورة إبراهيم: الآية 12.
8 سورة النساء: الآية 77.
9 الكشاف: الزمخشري ج2 ص15.
10 سورة الحج: الآيتين 39، 40.
هاجر إلى المدينة فأذن له وللمسلمين بقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} 1.
ورجح ابن العربي أن أول آية نزلت آية الحج: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} ثم نزل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} 2 فكان القتال إذنًا ثم أصبح بعد ذلك فرضًا، ثم أمر بقتال الكل فقال:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} الآية3.
وذلك أن قريشًا حتى بعد أن هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم تألو جهدا للإيقاع بالمسلمين فأذن الله سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام وللمهاجرين معه بالقتال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث السرايا وكل أفرادها من المهاجرين وليس فيهم من الأنصار أحد4.
وحتى هذا الإذن كان لقتال المشركين وحدهم دون غيرهم فاليهود في المدينة لم يؤمر بقتالهم مع أذاهم بل أمر بالعفو والصفح حتى يأتي الله بأمره، قال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} 5 وفترة هذه المرحلة من الهجرة إلى غزوة بدر.
المرحلة الثالثة:
الأمر بالجهاد للدفاع.
وذلك أن قريشًا تضررت من السرايا التي يبعثها الرسول صلى الله عليه وسلم للهجوم على قوافل قريش فجمعت جمعها واتجهت إلى المدينة لحماية إحدى
1 السياسة الشرعية: ابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى ج28 ص349.
2 سورة البقرة: الآية 190.
3 أحكام القرآن: ابن العربي ج1 ص102.
4 السيرة النبوية: ابن هشام ج2 ص245، وص252، وزاد المعاد: ابن القيم ج2 ص83.
5 سورة البقرة: الآية 109.
قوافلها وإرهاب المسلمين فانتدب الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه للدفاع، والتقى الجيشان في بدر وفرض قتال الذين يقاتلون المسلمين:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 1.
فأصبح القتال مفروضًا على المسلمين كافة المهاجرين والأنصار للدفاع عن أنفسهم لا للابتداء، قال الطبري رحمه الله تعالى عن هذه الآية:"هذه الآية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك وقالوا: أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين والكف عمن كف عنهم"2.
وفي هذه المرحلة ظل القتال قاصرًا على مشركي قريش وبعض اليهود وحدثت فيها عدة غزوات وسرايا منها غزوة السويق، وأحد، وحمراء الأسد، وإجلاء بني قينقاع وبني النضير واستمرت حتى غزوة الخندق3 ومن آيات هذه الفترة4:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} 5 و {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 6.
المرحلة الرابعة:
فرض الجهاد في سبيل الله:
وفي هذه المرحلة فرض الجهاد ابتداء من غير أن يبدأ الكفار بالقتال، قال تعالى:{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} 7 وقال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} 8.
1 سورة البقرة: الآية 190.
2 تفسير الطبري: ج3 ص561.
3 انظر منهج القرآن الكريم في تقرير الأحكام: الباجقني ص294.
4 آيات الجهاد في القرآن الكريم: د. كمال سلامة الدقس ص212.
5 سورة الأنفال: الآية 61.
6 سورة البقرة: الآية 216.
7 سورة البقرة: الآية 191.
8 سورة البقرة: الآية 193.