الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة البقرة
مدنية إجماعا قيل إلا قوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ (1) الآية فإنها نزلت يوم النحر بمنى، وهذا بناء على غير الصحيح، وهو أن ما نزل بمكة بعد الهجرة يسمى مكيّا والصحيح أن ما نزل قبل الهجرة بمكة مكي سواء نزل بمكة أو غيرها، وما نزل بعدها مدني سواء نزل بالمدينة أو مكة أو غيرهما من الأسفار.
وآيها مائتان وثمانون وسبع بصري، وست كوفي، وفي قول مكي، وخمس في الباقي ومكي في القول الآخر.
جلالتها اثنان وثمانون ومائتان.
1 -
الم* مده لازم والوقف عليه تام على الأرجح وفاصلة عند الكوفي.
فِيهِ* قرأ المكي بوصل الهاء بياء لفظية على الأصل، والباقون بكسر الهاء من غير صلة تخفيفا وهكذا كل ما شابهه هذا إذا كان الساكن قبل الهاء ياء فإن كان غير ياء نحو: مِنْهُ* واجْتَباهُ* وخُذُوهُ* فالمكي يضمها ويصلها بواو والباقون يضمونها من غير صلة هذا هو الأصل المطرد لكلهم ومن خرج عنه نبينه في موضوعه إن شاء الله تعالى:
3 -
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ إذا التقت النون الساكنة أو التنوين مع اللام أو الراء نحو فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا*، مِنْ رَبِّهِمْ* ثَمَرَةٍ رِزْقاً فإن النون والتنوين
(1) الآية رقم (281) من سورة البقرة وقد قيل إن هذه الآية هي آخر ما نزل من القرآن الكريم، ولعل أصحاب هذا القول قالوا هذه الآية هي آخر ما نزل من الذكر الحكيم لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم توفي بعدها بتسع ليالي، وفي هذه الآية إشارة إلى الاستعداد ليوم المعاد، والرجوع إلى الله تعالى وهو عاقبة الأمور، وهناك آراء أخرى تقول إن آخر ما نزل من القرآن غيرها، وقد اختلف العلماء حول ذلك اختلافا كبيرا، وذلك لأنه ليس هناك ما هو مرفوع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم وليس هذا محل ذكر الخلاف في ذلك، والله أعلم.
يدغمان في اللام والراء إدغاما محضا من غير غنة، هذا الذي عليه علماء جميع الأمصار في هذه الأعصار ولم يذكر المغاربة قاطبة وكثير من غيرهم سواء، وبه قرأنا وبه نأخذ، وسواء كان السكون أصليّا كما مثلنا أو عارضا للإدغام نحو نؤمن لك وتأذن ربك في رواية السوسي والإدغام مع بقاء الغنة وإن كان صحيحا ثابتا نصّا وأداء عند كثير من أهل الأداء فهو من طرق النشر لا من طرق كتابنا، وينبغي تقييده في الكلام كما قاله الداني وغيره بما إذا كانت النون موجودة رسما نحو: أَنْ لا أَقُولَ بالأعراف و (وأن لا يدخلنها) بنون، وأَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا بالقصص، وأما ما لم ترسم فيه النون نحو: فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ بهود وأَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ بالكهف فإنه إدغام بلا غنة للجميع لما يلزم عليه من مخالفة الرسم إذ فيه إثبات نون ليست في المصحف.
4 -
يُؤْمِنُونَ* يبدل ورش همزه واوا؛ لأنها فاء الفعل وقاعدته أن يبدل كل همزة وقعت فاء من الكلمة نحو: يَأْلَمُونَ ويَأْخُذُ* ومُؤْمِنٌ* و (ولقاءنا ائت) والْمُؤْتَفِكاتِ*، وللسوسي مطلقا وحمزة إن وقف.
5 -
الصَّلاةَ* فخم ورش كل لا مفتوحة مخففة أو مشددة متوسطة أو متفرقة إذا باشرت مع تأخرها الصاد أو الطاء المهملتين، أو الظاء المعجمة في كلمة فتحت الحروف الثلاثة أو سكنت، ورقق الباقون على الأصل.
6 -
يُنْفِقُونَ* الفاء من الخمسة عشر التي تخفى عندها النون الساكنة والتنوين (1) جمعتها أوائل كلمات هذا البيت:
(1) والنون الساكنة هي حرف النون الذي خلا من الحركات الثلاث: الفتحة، والضمة، والكسرة، أما التنوين فهو نون ساكنة تلحق آخر الاسم لفظا، وتفارقه كتابة ووقفا مثل (رسول- رسولا- رسول)، وللنون الساكنة والتنوين أربعة أحكام هي:
الإظهار الحلقي، والإدغام، والإقلاب، والإخفاء وتقسم الحروف الهجائية بعد النون الساكنة والتنوين بناء على هذه الأحكام، فالإظهار يأخذ ستة أحرف وهي: (ء،
تلائم جاد وذكا زاد سل شذا صفا
…
ضاع طل ظل فتى قام كمّلا
والإخفاء حال بين الإظهار والإدغام، قال الداني: وذلك أن النون والتنوين لم يقربا من هذه الحروف كقربهما من حروف الإدغام فيجب إدغامهما فيهن من أجل القرب، ولم يبعدا منهن كبعدهما من حروف الإظهار، فيجب إظهارهما عندهن من أجل البعد فلما عدم القرب الموجب للإدغام والبعد الموجب للإظهار خفيّا عندهن فصارا لا مدغمين ولا مظهرين إلا أن إخفاءهما على قدر قربهما منهن، وبعدهما عنهن فيما قربا منه كانا عنده أخفى مما بعدا عنه والفرق عند القراء والنحويين بين المخفي والمدغم أن المخفي مخفف والمدغم مثقل، ومخرجهما معهن من الخيشوم فقط، ولا حظ لهما معهن في الفم؛ لأنه لا عمل للسان فيهما حينئذ.
7 -
بِما أُنْزِلَ* مده منفصل؛ لأن شرطه في كلمة وسببه في كلمة أخرى، قصره قالون والدوري بخلاف عنهما والمكي والسوسي من غير خلاف ومده الباقون، وهم في مده متفاوتون على حسب مذاهبهم تحقيقا وترتيلا وحدرا (1)، فأطولهم ورش وحمزة وقدر بثلاث ألفات، ثم عاصم بألفين ونصف ثم الشامي وعليّ بألفين، ثم قالون والدوري بألف ونصف،
- هـ، ع، ح، غ، خ)، والإدغام يأخذ حروف (يرملون)، والإقلاب يأخذ حرف الباء، ويبقى للإخفاء خمسة عشر حرفا وهي:
(ص- ذ- ث- ك- ج- ش- ق- س- د- ط- ز- ف- ت- ض- ظ) كما هو موضح في أوائل كلم البيت السابق (تلائم جاد) مطلعه.
(1)
ومراتب القراءة وأساليبها أربع مراتب جائزة وهي:
التحقيق: وهو القراءة ببطء وتمهل ويقصد به التعليم. الترتيل: وهو القراءة بتؤدة واطمئنان، وإعطاء الحروف حقها من المخارج والصفات. الحدر: وهو سرعة القراءة مع ملاحظة الأحكام، وتبقى مرتبة التدوير: وهو التوسط بين الترتيل والحدر.
والمكي والسوسي في المد المتصل كذلك تقريبا في الكل والمحقق الزيادة، ولا يحكم ذلك ولا يتبين إلا بالمشافهة هذا الذي ذكره الداني في تيسيره، ومكي في تبصرته، وابن شريح في كافيه، وابن سفيان في هاديه، والمهدي في هدايته، وأكثر المغاربة، وبعض المشارقة وبعضهم لم يذكر سوى مرتبتين طولى لورش وحمزة، ووسطى للباقين، ويجري ذلك في المتصل والمنفصل وهو الذي كان الشاطبي رحمه الله تعالى يأخذ به، ولذا لم يذكر في قصيدته بين الضربين تفاوتا ولا نبه عليه وهو الذي ينبغي أن (1) يؤخذ به للأمن وعدم الضبط وهو الذي اقرأ وأقرئ به غالبا، ولا يخفى على سواه، ولا يعكر علينا قول الجعبري بعد أن نقل عن السخاوي أن الشاطبي كان يرى ما قدمنا عنه ويعلل عدوله عن المراتب الأربع بأنها لا تتحقق ولا يمكن الإتيان بها كل مرة على قدر السابقة. قلت: فإن حمل هذا على أنه كان يقرأ به فهو خلاف التيسير وسائر النقلة ولعلة استأثر بنقله، وقوله إن المراتب لا تتحقق فمرتبتاه أيضا كذلك.
أما قوله فهو خلاف التيسير فمسلم لكن لا يلزم من مخالفة التيسير لما هو أقوى منه محذور، وقوله وسائر النقلة الخ عجيب منه فقد عزاه المحقق لجماعة ونصه وهو الذي استقر عليه رأي المحققين من أئمتنا قديما وحديثا وهو الذي اعتمد عليه الإمام أبو بكر بن مجاهد، وأبو القاسم الطرسوسي وصاحبه أبو الطاهر بن خلف، وبه كان يأخذ الأستاذ أبو الجود غياث بن فارس وهو اختيار الأستاذ المحقق أبي عبد الله بن القصاع الدمشقي، وقال هو الذي ينبغي أن يأخذ به، ولا يكاد يتحقق غيره. قلت: وهو الذي أميل إليه وآخذ به غالبا، وأعول عليه.
وقال قبله بورقات: فأما ابن مجاهد والطرسوسي، وأبو الطاهر بن خلف وكثير من العراقيين كأبي طاهر بن سوار، وأبي الحسن بن فارس، وابن خيرون وغيرهم فلم يذكروا فيه من سوى القصر غير مرتبتين طولى
(1) أن: ساكنة النون سقطت من الأصل، والسياق يحتاج إليها.
ووسطى.
فكيف يسوغ بعد هذه النقول للجعبري أن يقول: إنه خالف سائر النقلة الخ، وقوله: فمرتبتاه كذلك غير مسلم بل الذي نقول به إن الفرق بين المرتبتين محقق ظاهر يدركه الجاهل والعالم والغبي والعاقل بخلاف المراتب الأربع فليس بينها كبير فرق فربما تنبهم على القارئ فضلا عن السامع يشهد لهذا ما قاله المحقق: والإشباع والتوسط يستوي في معرفة ذلك أكثر الناس، ويشترك في ضبطه غالبهم وتحكم المشافهة حقيقته ويبين الأداء كيفيته ولا تكاد تخفى معرفته على أحد انتهى.
والكلام في مراتب المد، وفي أقسامه طويل لا يليق بنا ذكره هنا، وقد ذكرنا زبدته في كتابنا المسمى «تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين عما يقع لهم من الخطأ حال تلاوتهم لكتاب الله المبين» فانظره (1).
8 -
وَبِالْآخِرَةِ قرأ ورش بنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وهي لغة لبعض العرب واختص به ورش، وسواء كان الساكن صحيحا نحو مَنْ آمَنَ* أو تنوينا نحو بِعادٍ إِرَمَ أو لام تعريف كهذا بشرط أن يكون آخر كلمة وأن يكون غير حرف مد وأن يكون الهمز أول الكلمة الثانية فإن كان الساكن حرف مد نحو وَفِي أَنْفُسِكُمْ فلا نقل فيه بل فيه المد نحو بِما أُنْزِلَ* وقرأ أيضا بالقصر والتوسط والطويل ولا يضرنا تغير الهمز بالنقل كما في الإيمان والأولى ومن آمن وابني آدم وألفوا آباءهم وقل إي وربي، وقد أوتيت وشبه ذلك؛ لأنه عارض والمعتبر الأصل وجرى عملنا على تقديم القصر لأن أقواها وبه قرأنا على شيخنا- رحمه الله وغيره، وقرأنا على شيخنا الشبراملسي بتقديم الطويل (2) وقوله: وما بعد همز ثابت
(1) وعلى تعدد مراتب المد واختلاف أقسامه، فإنه لا يزيد في الطويل عن ست حركات، ويبدأ في الطبيعي بحركة واحدة.
(2)
والمقصود بالطويل في المد أي: إشباع المد (6 حركات) وهو في اللازم، وعند ورش-
أو مغيّر فقصر، وقد يروى لورش مطولا ووسطه قوم موف بالأمرين أما كون تغير الهمز لا يضر فظاهر وأمان تقديم القصر فمن تقديمه وتقديم الشيء يفيد الاهتمام به، وقرأ أيضا بترقيق الراء، لأن قبله كسرة فله فيها ثلاثة أحكام وسكت على لام التعريف حمزة بخلاف عن خلاد وأحكام وقفه تأتي في موضع يصح الوقف عليه وكذا وقف علي.
9 -
أُولئِكَ* مده متصل ولا خلاف بينهم فيه وإنما الخلاف في قدره، وقد تقدم.
10 -
هُدىً مِنْ* الميم من الحروف الأربعة وهي حروف ينمو (1) وتدغم فيها النون الساكنة والتنوين بغنة إلا أن خلفا يدغمها في الواو والياء إدغاما محضا من غير غنة، وأجمعوا على إظهار النون الساكنة عند الواو والياء إذا اجتمعا في كلمة واحدة نحو: صِنْوانٌ* ودنيا*، وهل الغنة الظاهرة حال إدغام النون الساكنة والتنوين في الميم غنة النون المدغمة أو غنة الميم؟ ذهب الجمهور إلى الثاني وهو الصواب لانقلابها حال الإدغام في الميم إلى لفظها فلا فرق في اللفظ بين ممن منع ومثلا ما وهم من كل وذهب إلى الأول ابن مجاهد وغيره.
11 -
عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ (2) أَمْ* الهمزة الأولى للاستفهام الصوري، والثانية فاء الكلمة فكلهم يحقق الأولى وقالون والبصري يسهلان الثانية
- في كل المد دون الطبيعي.
(1)
وللإدغام أنواع شتى منها بغنة، وبغير غنة وهو خاص بالنون الساكنة والتنوين، وإدغام المثلين، وغيرها مسطر في «إدغام القراء» للسيرافي.
(2)
وقد قرأ قالون في أَأَنْذَرْتَهُمْ* ومعه قرأ أبو عمرو، بتسهيل الهمزة الثانية مع إدخال ألف بين الهمزتين في أَأَنْذَرْتَهُمْ*، وقرأ ابن كثير بتسهيل الهمزة الثانية مع عدم الإدخال، والباقون بالتحقيق مع عدم الإدخال، ولورش وجهان، ولهشام وجهان أيضا.