الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكميل:
وإذا قلنا بهذا الجمع على ما فيه فقال في النشر: ولم يكن أحد من الشيوخ يسمح به إلا لمن أفرد القراءات وأتقن معرفة الطرق والروايات، وقرأ لكل قارئ ختمة على حدة ولم يسمح أحد بقراءة قارئ من الأئمة السبعة أو العشرة في ختمة واحدة فيما أحسب إلا في هذه الأعصار المتأخرة حتى إن الكمال الضرير صهر الشاطبي لما أراد القراءة عليه قرأ لكل واحد من السبعة ثلاث ختمات ختمة لكل راو ثم يجمع بينهما فقرأ عليه تسع عشرة ختمة وأراد أن يقرأ برواية أبي الحارث فأمره بالجمع مكاشفة منه بقرب الأجل وكان من أهل الكشف فلما انتهى إلى سورة الأحقاف توفي الشاطبي رحمه الله وهذا الذي استقر عليه عمل شيوخنا الذين أدركناهم فلم أعلم أحدا قرأ على التقي الصانع بالجمع إلا بعد أن يفرد للسبعة في إحدى وعشرين ختمة وللعشرة كذلك وكان الذين يتساهلون في الأخذ يسمحون أن يجمع كل قارئ في ختمة سوى نافع وحمزة فإنهم كانوا يفردون كل راو بختمة ولا يسمح أحد بالجمع إلا بعد ذلك نعم كانوا إذا رأوا شخصا قد أفرد وجمع على شيخ معتبر وأجيز وتأهل فأراد أن يجمع القراءات في ختمة على أحدهم لا يكلفونه بعد ذلك إلى الإفراد لعلمهم بأنه قد وصل إلى حد المعرفة والإتقان انتهى باختصار مع بعض زيادة تكميلا للفائدة. فإذا فهمت هذا تبين لك أن ما عليه أهل زماننا وهو أن يأتيهم من لا يحسن قراءة الكتب ويريد أن يقرأ عليهم فيقرأ لقالون أحزابا من أول القرآن ثم لورش كذلك ثم يجمع لنافع كذلك ثم المكي ثم البصري ثم يجمع بين الثلاثة كذلك ثم لكل قارئ من الأربعة الباقين كذلك ثم يجمع للسبعة وهو لم يصل إلى إتقان القراءة مفردة فضلا عن إتقانها مع الجمع مخالف لإجماع المتقدمين والمتأخرين.
السابعة: للشيوخ في كيفية هذا الجمع ثلاثة مذاهب الأول: الجمع بالحرف وهو أنه إذا ابتدأ القارئ القراءة ومر بكلمة فيها خلاف أصلي أو
فرش أعاد تلك الكلمة حتى يستوعب جميع أحكامها فإذا ساغ الوقف وأراده وقف على آخر وجه واستأنف ما بعدها وإلا وصلها بما بعدها مع آخر وجه ولا يزال كذلك حتى يقف وإن كان الحكم مما يتعلق بكلمتين كمد المنفصل وقف على الثانية واستوعب الخلاف ويجري على ما تقدم وهذا مذهب المصريين والمغاربة.
الثاني: الجمع بالوقف، وهو أن يبتدئ القاري بقراءة من يقدمه من الرواة ويمضي على تلك الرواية حتى يقف حيث يريد ويسوغ ثم يعود من حيث ابتدأ ويأتي بقراءة الراوي الذي يثني به ولا يزال كذلك يأتي براو بعد راو حتى يأتي على جميعهم إلا من دخلت قراءته مع من قبله فلا يعيدها وفي كل ذلك يقف حيث وقف أولا وهذا مذهب الشاميين.
الثالث: المذهب المركب من المذهبين وهذا ما يأتي برواية الراوي الأول وجرى العمل بتقديم قالون لأن الشاطبي قدمه وعادة كثير من المقرئين تقديم من قدمه صاحب الكتاب الذي يقرءون بمضمنه وهو غير لازم إلا أنه أقرب للضبط وكان شيخنا رحمه الله إذا نسي القارئ قراءة ورواية لا يأمره بإعادة الآية بل بإتيان تلك القراءة أو الرواية فقط يتمادى إلى أن يقف على موضع يسوغ الوقف عليه فمن اندرج معه فلا يعيده، ومن تخلف فيعيده ويقدم أقربهم خلفا إلى ما وقف عليه فإن تزاحموا عليه فيقدم الأسبق فالأسبق وينتهي إلى الوقف السائغ مع كل راو وبهذا قرأت على جميع شيوخي وبه أقرئ غالبا وهو قريب مما اختاره ابن الجزري حيث قال: ولكني ركبت من المذهبين مذهبا فجاء في محاسن الجمع طرازا مذهبا فأبتدئ بالقارئ وأنظر إلى ما يكون من القراء أكثر موافقة فإذا وصلت إلى كلمة بين القارئين فيها خلاف وقفت وأخرجته معه ثم وصلت حتى أنتهي إلى الوقف السائغ جوازه وهكذا إلى أن ينتهي الخلاف انتهى، والمذهب الأول ما أيسره وأحسنه وأضبطه وأخصره لولا ما فيه من الإخلال
برونق التلاوة ولو أمكن لأحدهم الجمع على غير هذه المذاهب الثلاثة التي ذكرناها مع مراعاة شروط الجمع الأربعة وهي رعاية الوقف والابتداء وحسن الأداء وعدم التركيب لما منع.
الثامنة: لا بد لكل من أراد أن يقرأ بمضمن كتاب أن يحفظه على ظهر قلبه ليستحضر به اختلاف القراء أصلا وفرشا ويميز قراءة كل قارئ بانفراده وإلا فيقع له من التخليط والفساد كثير فإن أراد القراءة بمضمن كتاب آخر فلا بد من حفظه أيضا نعم إن كان لا يزيد على الكتاب الذي يحفظه إلا بشيء قليل يوقن من نفسه بحفظه واستحضاره فلا بأس بالقراءة بمضمنه من غير حفظ وكان أهل الصدر لا يزيدون القارئ على عشر آيات قال الخاقاني:
وحكمك بالتّحقيق إن كنت آخذا
…
على أحد أن لا تزيد على عشر
وكان من بعدهم لا يتقيد بذلك بل يعتبر حال القارئ من القوة والضعف واختاره السخاوي واستدل له بأن ابن مسعود- رضي الله عنه قرأ على النبي- صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد من أول سورة النساء إلى قوله: وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً وارتضاه ابن الجزري قال وفعله كثير من سلفنا واعتمد عليه كثير ممن أدركناه من أئمتنا قال الإمام يعقوب الحضرمي: قرأت القرآن في سنة ونصف على سلام، وقرأت على شهاب الدين بن شريفة في خمسة أيام وقرأ شهاب على مسلمة بن محارب في تسعة أيام، ولما رحل ابن مؤمن إلى الصائغ قرأ عليه القراءات جمعا بعدة كتب في سبعة عشر يوما، ولما رحلت أولا إلى الديار المصرية وأدركني السفر كنت وصلت في ختمة بالجمع إلى سورة الحجر على شيخنا ابن الصائغ فابتدأت عليه من أول الحجر يوم السبت وختمت ليلة الخميس في تلك الجمعة وآخر ما بقي لي من أول الواقعة فقرأته عليه في مجلس واحد انتهى. وأخبرني شيخنا رحمه الله أنه قرأ على شيخه بالمغرب الأستاذ عبد الرحمن ابن القاضي
للسبعة بمضمن ما في الشاطبية سبعة أحزاب في مجلس واحد واستقر عمل كثير من الشيوخ على الإقراء بنصف حزب في الإفراد وبربع حزب في الجمع.
التاسعة: لا بد لكل من أراد القراءة أن يعرف الخلاف الواجب من الخلاف الجائز فمن لم يفرق بينهما تعذرت عليه القراءة ولا بد أيضا أن يعرف الفرق بين القراءات والروايات والطرق والفرق بينها أن كل ما ينسب لإمام من الأئمة فهو قراءة، وما ينسب للآخذين عنه ولو بواسطة فهي رواية وما ينسب لمن أخذ عن الرواة وإن سفل فهو طريق فتقول مثلا إثبات البسملة قراءة المكي ورواية قالون عن نافع وطريق الأصبهاني عن ورش، وهذا أعنى القراءات والروايات والطرق هو الخلاف الواجب فلا بد أن يأتي القارئ بجميع ذلك ولو أخلّ بشيء منه كان نقصا في روايته. وأما الخلاف الجائز فهو خلاف الأوجه التي على سبيل التخيير والإباحة فبأي وجه أتى القارئ أجزأ لا يكون ذلك نقصا في روايته كأوجه البسملة والوقف بالسكون والروم والإشمام وبالطويل والتوسط والقصر في نحو:
متاب، والعالمين، ونستعين، والميت، والموت.
واختلف آراء الناس في ذلك فكان بعض المحققين يأخذ بالأقوى عنده ويجعل الباقي مأذونا فيه وبعضهم لا يلزم شيئا من ذلك بل يترك القارئ لخبرته فبأيها قرأ أقرّه إذ كل ذلك جائز وبعضهم يقرأ ببعضها في موضع وبآخر في غيره ليجمع الجميع بالرواية والمشافهة وبعضهم يقرأ بها في أول موضع وردت أو موضع ما من المواضع على وجه الإعلام والتعليم وشمول الروايات، ومن يأتي بها إذا أراد الختم وابتدأ من الكوثر فهو جائز إلا أنه لا بد من إخلاص النية وعدم قصد الإغراب على السامعين، وأما الآخذ بها في كل موضع فهو إما جاهل بالفرق بين الخلاف الواجب والجائز أو متكلف لشيء لا يجب عليه وأوجه وقف حمزة من هذا الباب وإنما يأتي الناس بها في كل موضع لتدريب المبتدئ عليها لعسرها علما ونطقا ولذا لا
يكلف المنتهى العارف بها بجمعها في كل موضع بل على حسب ما تقدم.
العاشر: أهمل الشاطبي رحمه الله ذكر طرق كتابه اتكالا على أصله التيسير، ونحن نذكرها تتميما للفائدة إذ لا بد لكل من قرأ بمضمن كتاب أن يعرف طرقه ليسلم من التركيب فرواية قالون من طريق أبي نسيط محمد ابن هارون، وورش من طريق أبي يعقوب يوسف الأزرق، والبزي من طريق أبي ربيعة محمد بن إسحاق، وقنبل من طريق أبي بكر أحمد بن مجاهد، والدوري من طريق أبي الزعراء عبد الرحمن بن عبدوس، والسوسي من طريق أبي عمران موسى بن جرير، وهشام من طريق أبي الحسن أحمد ابن يزيد الحلواني، وابن ذكوان من طريق أبي عبد الله هارون بن موسى الأخفش، وشعبة من طريق أبي زكريا يحيى بن آدم الصلحي، وحفص من طريق أبي محمد عبيد بن الصباح النهشلي، وخلف من طريق أبي الحسن أحمد بن عثمان بن بويان عن أبي الحسن إدريس بن عبد الكريم الحداد عنه، وخلاد من طريق أبي بكر محمد بن شاذان الجوهري، والليث من طريق أبي عبد الله محمد بن يحيى البغدادي المعروف بالكسائي الصغير، والدوري من طريق أبي الفضل جعفر بن محمد النصيبي، وقد نظم شيخنا في مقصورته فقال:
دونكها عيس له أبو نشيط
…
أزرق لورشهم قد انتمى
لأحمد البزّي أبو ربيعة
…
لقنبل ابن مجاهد قفا
روى أبو الزّعراء عن دوريهم
…
عن صالح بن جرير يجتلي
فعن هشام قد روى حلوانهم
…
وأخفش لنجل ذكوان روى
يحيى بن آدم طريق شعبة
…
حفصهم عبيد صباح لقي
عن خلف إدريس قل خلادهم
…
عنه ابن شاذان إمام العلماء
محمد عن ليثهم وجعفر أعني
…
النصيبي لدوري قد مضا
ومن خرج عن طرق كتابه فهو على جهة الحكاية وتتم الفائدة والله أعلم.