الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكميل:
وأما حكم القراءة بالشاذ فقال الشيخ أبو القاسم العقيلي المعروف بالنويري المالكي في شرح طيبة النشر: اعلم أن الذي استقرت عليه المذاهب وآراء العلماء أنه إن قرأ بالشواذ غير معتقد أنه قرآن ولا موهم أحدا ذلك بل لما فيها من الأحكام الشرعية عند من يجنح بها أو الأدبية فلا كلام في جواز قراءتها وعلى هذا يحمل حال كل من قرأ بها من المتقدمين وكذلك أيضا يجوز تدوينها في الكتب والتكلم على ما فيها وإن قرأها باعتقاد قرآنيتها أو بإيهام قرآنيتها حرم ذلك، ونقل ابن عبد البر في تمهيده إجماع المسلمين على ذلك انتهى.
وأما حكم الصلاة بالشاذ فقال في المدونة: ومن صلى خلف من يقرأ بما يذكر من قراءة ابن مسعود- رضي الله عنه فليخرج وليتركه فإن صلى خلفه أعاد أبدا، وقال ابن شاس، ومن قرأ بالقراءات الشاذة لم تجزه ومن ائتم به أعاد أبدا، وقال ابن الحاجب: ولا تجزئ بالشاذ ويعيد أبدا.
الثالثة: شرط المقرئ أن يكون مسلما عاقلا بالغا ثقة مأمونا ضابطا خاليا من الفسق ومسقطات المروءة ولا يجوز له أن يقرئ إلا بما سمعه ممن توفرت فيه هذه الشروط أو قرأه عليه وهو مصغ له أو سمعه بقراءة غيره عليه فإن قرأ نفس الحروف المختلف فيها خاصّة أو سمعها وترك ما اتفق عليه جاز إقراؤه القرآن بذلك واختلف في إقرائه بما أجيز فيه فقيل بالجواز وقيل بالمنع، وإذا قلنا بالجواز فلا بد من اشتراط أهلية المجاز.
الرابعة: يجب على كل من قرأ أو أقرأ أن يخلص النية لله ولا يطلب بذلك غرضا من أغراض الدنيا كمعلوم يأخذه على ذلك وثناء يلحقه من الناس أو منزلة تحصل له عندهم ففي الخبر: «إن الله عز وجل لما خلق جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها: تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون ثلاثا، ثم قالت: أنا حرام
على كل بخيل ومراء» وفيه أيضا: «من عمل من هذه الأعمال شيئا يريد به عرضا من الدنيا لم يشمّ عرف الجنة وعرفها يوجد على مسيرة خمسمائة عام» فإن كان له شيء يأخذه على ذلك فلا يأخذ بنية الإجارة ويستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير بل بنية الإعانة على ما هو بصدده ويقول مع المعرفة أنا عبد الله أخدمه وآكل وأشرب وألبس من رزقه وخدمتي له حق عليّ ورزقه لي محض فضل منه وإذا كانت هذه نيته فلا يتضجر ولا يترك القراءة لقطع المعلوم فإن تركها لقطعه فهو دليل على فساد نيته وهذا يجري في كل من يأخذ شيئا على وظيفة شرعية كالإمام والمدرس وحارس الثغور ولا يجوز لأحد أن يتصدر للإقراء حتى يتقن عقائده ويتعلمها على أكمل وجه ويتعلم من الفقه ما يصلح به أمر دينه وما يحتاج إليه من معاملاته وأهم شيء عليه بعد ذلك أن يتعلم من النحو والصرف جملة كافية يستعين بها على توجيه القراءات ويتعلم من التفسير والغريب ما يستعين به على فهم القرآن ولا تكون همته دنيئة فيقتصر على سماع لفظ القرآن دون فهم معانيه وهذا أعني علم العربية أحد العلوم السبعة التي هي وسائل لعلم القراءات، الثاني التجويد هو معرفة مخارج الحروف وصفاتها، والثالث الرسم، الرابع الوقف والابتداء، الخامس الفواصل، وهو فن عدد الآيات، السادس علم الأسانيد وهو الطرق الموصلة إلى القرآن وهو من أعظم ما يحتاج إليه لأن القرآن سنة متبعة ونقل محض فلا بد من إثباتها وتواترها ولا طريق إلى ذلك إلا بهذا الفن، السابع علم الابتداء والختم وهو الاستعاذة والتكبير ومتعلقاتهما وما من علم من هذه العلوم إلا وألفت فيه دواوين وقد ذكر جميعها إلا الأول الإمام العلامة أحمد القسطلاني في كتابه لطائف الإشارات في القراءات الأربعة عشر رحمه الله وأثابه رضاه آمين، فمن أرادها فلينظر مادتها فإنّ ذكرها يخرجنا عن قصد الاختصار إلا ما لا بد منه فنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
الخامسة: ينبغي له تحسين هيئته وليحذر من الملابس المنهيّ عنها ومما لا يليق بأمثاله ويجلس غير متكئ مستقبل القبلة متطهرا ويزيل نتن إبطيه أو ما له رائحة كريهة بما أمكن له ويمس من الطيب ما يقدر عليه ولا يعبث بلحيته ولا بغيرها وليحفظ بصره عن الالتفات إلا من حاجة وليكن خاشعا متدبرا في معاني القرآن ساكن الأطراف إلا إذا احتاج إلى إشارة للقارئ فيضرب بيده الأرض ضربا خفيفا أو يشير بيده أو برأسه ليفطن القارئ لما فاته ويصبر حتى يتفكر فإن تذكر وإلا أخبره بما ترك أو غير قاصدا بجميع ذلك إجلال القرآن وتعظيمه ويوسع مجلسه ليتمكن جميع أصحابه من الجلوس فيه، وفي الحديث «خير المجالس أوسعها» وليحذر من دسائس نفسه في هذا وأمثاله ويقدم الأسبق فالأسبق فإن أسقط الأسبق حقه قدم من قدمه فإن جاءوا دفعة أو اجتمعوا للصلاة فليقدم الأفضل فالأفضل أو المسافرين وذوي الحاجة من غير
ميل ولا متابعة هوى فإن رأى في بعض أصحابه شيئا نهاه مع إظهار الشفقة عليه والرفق به فهو أقرب للقبول وأعظم أجرا عند الله وفيه التخلق بأخلاق الله فإنا نراه لا يعاجل بالعقوبة من هو منهك في المعاصي والآثام بل في الكفر وعبادة الأصنام بل يمدهم بالنعم المتكاثرة وأظهر لهم الآيات البينات الواضحة الظاهرة وأرسل لهم رسله وأيدهم بالدلالات الباهرة كل ذلك ليعرفهم به ويدعوهم إلى ما عنده من الكرامات التي لا تحصى وهو القادر على أن يهلك جميع العوالم في أقل من فتح عين حارس، وأيّ حلم وجود أعظم من هذا وشرف العبد وفضله وعزه وفخره التخلق بأخلاق الله تعالى ولا يصاحب إلا من يعينه على الخير ومكارم الأخلاق وإلا فالوحدة أولى به قال أبو ذر- رضي الله عنه: الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، وليتخلق في نفسه ويأمر جميع من حضره بالأخلاق النبوية وليتمسك بالكتاب والسنة في جميع تصرفاته الظاهرة والباطنة فهذا أصل كل خير ومنبع كل فضيلة.
وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه: «ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفرطون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون» . والآداب كثيرة كالسواك والطهارة الصغرى وأما الكبرى فهي واجبة وتفصيله في الفقه، والبكاء فإن لم يبك فليتباك فإن لم يبك بعينه فليبك بقلبه فقد ورد:«اقرءوا القرآن وابكوا» فإن لم تبكوا فتباكوا فإن لم تبكوا بعيونكم فابكوا بقلوبكم، والموضع الطاهر واستحب بعضهم المساجد للطهارة وشرف البقعة واجتناب الضحك والحديث في خلال القراءة إلا ما يضطر إليه والنظر إلى ما يلهي ويحير الفكرة وصرف القلب إلى شيء سوى القرآن وإظهار الحزن والخشوع والقلب فارغ من ذلك وفيما ذكرناه تنبيه على ما لم نذكره. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
السادسة: لم يكن في الصدر الأول هذا الجمع المتعارف في زماننا بل كانوا لاهتمامهم بالخير وعكوفهم عليه يقرءون على الشيخ الواحد العدة من الروايات والكثير من القراءات كل ختمة برواية لا يجمعون رواية إلى رواية واستمر العمل على ذلك إلى أثناء المائة الخامسة عصر الداني وابن شريح وابن شيطا ومكي والأهوازي وغيرهم فمن ذلك الوقت ظهر جميع القراءات في الختمة الواحدة واستمر عليه العمل إلى هذا الزمان وكان بعض الأئمة ينكره من حيث إنه لم يكن عادة السلف. قلت: وهو الصواب إذ من المعلوم أن الحق والصواب في كل شيء مع الصدر الأول قال الله تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وقال- صلى الله عليه وسلم: «وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» وقال ابن مسعود- رضي الله عنه: «من كان منكم
متأسيا فليتأس بأصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأئمة قلوبا وأعلمها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا وأحسنها حالا اختارهم الله لصحبة نبيه- صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم» انتهى.
وانظر إلى توقف أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- أجمعين في جمع القرآن وكتبه في المصاحف وأشفقوا من ذلك مع أنه يظهر ببادئ الرأي أنه حق وصواب إذ لولا جمعه وحفظه لذهب هذا الدين نعوذ بالله من ذلك وتوقف كثير من أئمة التابعين وتابعيهم في نقطه وشكله وكتب أعشاره وفواتح سوره، وبعضهم أنكر ذلك وأمر بمحوه مع أن فيه مصلحة عظيمة للصغار، ومن لم يقرأ من الكبار في زمانهم وفي زماننا لكل الناس فإذا كان أعلم الناس وأفضلهم توقفوا في مثل هذا وخافوا أن يكون ذلك حدثا أحدثوه بعد نبيهم- صلى الله عليه وسلم فما بالك بأمر لا يترتب عليه كبير نفع وربما يترتب عليه الفساد والغلط والتخليط والداعي إليه النفس لتحصيل حظوظها من الراحة وتقصير زمن العبادة جنح إلى هذا الكسالى والمقصرون ووافقهم على ذلك شفقة عليهم وخوفا من انسلاخهم من الخير بالكلية الأئمة المجتهدون المشمرون والمتنزل لا يستدل بفعله فيما تنزل فيه.