الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الاستعاذة
أما حكمها فلا خلاف بين العلماء أن القارئ مطلوب منه في أول قراءته أن يتعوذ، وهل هو على الندب وهو المشهور وقول الجمهور، أو على الوجوب، وبه قال عطاء، والثوري، وداود وأصحابه، وإليه جنح الفخر الرازي قولان، وقال ابن سيرين: إن تعوذ مرة في عمره كفى في إسقاط الواجب.
وأما صيغها فالمختار عند جميع القراء: (1) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وكلهم يجيز غير هذه الصيغة من الصيغ الواردة نحو: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم، وأعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم.
وأما الجهر بها فقال الداني: «لا أعلم خلافا بين أهل الأداء في الجهر بها عند افتتاح القرآن، وعند الابتداء برءوس الآي أو غيرها في مذهب الجماعة اتباعا للنص واقتداء بالسنة» ، وكذلك ذكره غيره وكلهم أطلق، وقيده الإمام أبو شامة، وتبعه جماعة من شراح القصيد وغيرهم كالمحقق بما إذا كان بحضرة من يسمع قراءته قال: لأن السامع ينصت للقراءة من أولها فلا يفوته شيء منها لأن التعوذ شعار القراءة، وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن يفوته منها شيء انتهى.
(1) ولعل سبب إجماع القراء كلهم دون مخالفة من أحد القراء أو الرواة أو أصحاب الطرق وإن سفل- يرجع إلى آية سورة النحل وهي قول الله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ أي إذا أردت قراءة القرآن فاسأله عز جاره أن يعيذك من وساوس الشيطان كي لا يوسوسك في القراءة، كما ورد في إشارة النبي- صلى الله عليه وسلم لابن مسعود عند قراءته بما خالف النص القرآني في الاستعاذة، وكلها صحيح دون ريب والنص كما أشرنا في سورة النحل آية (98).
ويؤخذ منه أنه إذا قرأ سرّا فإنه يسر وبه صرح المحقق قال: وكذلك إذا قرأ في الدور، ولم يكن في قراءته مبتدأ فإنه يسر التعوذ لتتصل القراءة ولا يتخللها أجنبي فإن المعنى الذي من أجله استحب الجهر وهو الإنصات فقط في هذه المواضع ويعني بالمواضع ما ذكره أبو شامة ومسألة من قرأ سرّا، وهذه وهذا قيد حسن لا بد منه، ويدل على أمور منها: أن الله أمر بالاستعاذة ولم يعين سرّا ولا جهرا، ولا خلاف أعلمه أن من تعوذ سرّا فقد امتثل أمره بالذكر، ومنها أن المطلوب من الاستعاذة الالتجاء والاعتصام والاستجارة بالله جل وعلا من ضرر الشيطان في دين أو دنيا فإنه لا يكفه عن ذلك إلا الله القادر عليه لا غيره لأنه شرير بالطبع لا يقبل جعلا ولا يؤثر فيه جميل ولا يمكن علاجه بنوع من أنواع الحيل التي تعالج بها بنو آدم وطلب هذا من الله يحصل بالسر كما يحصل بالجهر، لأن الله تعالى يعلم السر وأخفى، ومنها أن الإجماع منعقد على أنها ليست من القرآن وإنما هي دعاء، الدعاء من آدابه ومستحباته الإخفاء، قال الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (1)، وقال: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (2)، والمراد بالإخفاء الإسرار لا الكتمان، وقال بعضهم هو الكتمان فكفى عنده الذكر في النفس من غير تلفظ، والأول أولى وهو مذهب الجمهور.
وأما الوقف عليها فإن كانت مع البسملة جاز فيها لكل القراء أربعة أوجه:
الأول: الوقف عليهما وهو أحسنها.
الثاني: الوقف على التعوّذ ووصل البسملة بأول القراءة.
الثالث: وصلها والوقف على البسملة ولا تسكن ميم الرجيم، ولا
(1) الآية في سورة الأعراف رقم (55).
(2)
الآية في سورة مريم رقم (3).
تخفى لأجل باء بسم، لأن قبلها ساكنا، وقد أجمعوا على ترك ذلك إذا سكن ما قبل الميم نحو: إِبْراهِيمُ بَنِيهِ إلا ما رواه القصباني وغيره من الإخفاء وليس ذلك من طرق القصيد بل ولا من طرق النشر.
الرابع: وصلها ووصل البسملة بأول القراءة سواء كانت القراءة أول سورة أم لا إلا أنه إذا كانت أول سورة فلا خلاف في البسملة لجميع القراء، وإن لم تكن أول سورة فيجوز ترك البسملة وعليه فيجوز الوقف على التعوذ ووصله بالقراءة إلا أن يكون في أول قراءته اسم الجلالة فالأولى أن لا يصل لما في ذلك من البشاعة فإن عرض للقارئ ما قطع قراءته فإن كان أمرا ضروريّا كالسعال أو كلام يتعلق بالقراءة فلا يعيد التعوذ وإن كان أجنبيّا قال المحقق وغيره: ولو رد السلام أعاده، وكذلك لو قطع القراءة ثم بدا له فعاد إليها. (1)
(1) وخلاصة ما سبق أن للاستعاذة مع البسملة وأول السورة أربع حالات كلها جائزة:
وصل الجميع- قطع الجميع- وصل الاستعاذة البسملة- وصل البسملة بأول السورة وعند القطع يلزم القارئ تسكين ميم الرجيم، وميم الرحيم.