الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الطاء
وفيه خمسة كتب: الطهارة، الطعام، الطب، الطلاق، الطيرة.
(حَرفُ الطاء).
(وفيه خمسة كتب: الطهارة، الطعام، الطب، الطلاق، الطيرة).
الأول منها:
كتاب الطهارة
.
(كِتَابُ الطَهَارَةِ)
لغة: النظافة (1) حسية كانت أو معنوية.
وشرعاً: صفة حكيمة توجب أي: تُصحّح لموصُوفها صحَّة صلاته به أو فيه أو معه.
وفيه تسعة أبواب.
(وفيه تسعة أبواب).
(الأول من أبوبه:).
الباب الأول: في أحكام المياه
(في أحكام المياه)، فإنها منقسمة شرعاً إلى طاهر مطهر، وطاهر غير مطهر، وإلى متنجس.
الأول: حديث (أبي هريرة رضي الله عنه).
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ وَنَحْملُ مَعَناَ القلِيلَ مِنَ المَاءِ. فَإِنْ تَوَضَّأَنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّاُ بِماَءِ البَحْرِ؟ فقَالَ: "هُوَ الطَّهُور ماَؤُهُ الحِلٌّ مَيْتَتُهُ".
(1) ذكره المناوي في "التوقيف على مهمات التعاريف"(ص 486) ثم قال: وعُرّفت أيضاً بأنها صفة حكميّة توجب من قامت به رفع حدثٍ أو إزالة خبث في الماء نيةً واستباحة كل مفتقرٍ إلى طهر في البدلية.
وانظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 146)، "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 459).
أخرجه الأربعة (1). [صحيح]
"قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه آله وسلم فقال: إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء". الحلو.
"فإن توضأنا به عطشنا" لقلته، يستغرقه الوضوء.
"أفنتوضأ بماء البحر" البحر الماء الكثير أو المالح فقط كما في "القاموس"(2)، كأنه لما سمع:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)} (3)، وقوله:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} (4)، حمل ذلك على ماء السماء والباقي منه ينابيع في الأرض، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"فقال: هو الطهور"(5) بفتح الطاء، المصدر واسم لما يتطهر به، والآية تحتملها فهو هنا مصدر فاعله. "ماؤه" وضمير ماؤه يقتضي أنه أريد بالبحر مكانه وإلاّ لما احتيج إلى قوله:"ماؤه" فأفاد صلى الله عليه وسلم أنه طهور، أي: طاهر مطهر، لا يخرج عن ذلك إلاّ بما يأتي، ولم يقتصر صلى الله عليه وسلم في جوابه
(1) أخرجه أبو داود رقم (83)، والترمذي رقم (69)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي رقم (59، 332، 4350)، وابن ماجه رقم (386).
وأخرجه أحمد (2/ 237، 361، 378، 392)، وابن خزيمة في صحيحه رقم (111)، وابن حبان رقم (1243)، وابن الجارود في "المنتفى" رقم (43)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 140)، وفي "علوم الحديث"(ص 87)، والدارقطني في "السنن"(1/ 36 رقم 13)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 3)، وابن أبي شيبة (1/ 131).
وهو حديث صحيح.
(2)
"القاموس المحيط"(ص 441).
(3)
سورة الفرقان الآية: 48.
(4)
سورة النساء الآية: 43.
(5)
انظر: "القاموس المحيط"(ص 554، 555)، و"لسان العرب"(8/ 210 - 212)، و"تهذيب اللغة"(6/ 170 - 174).
بقوله: نعم مع إفادتها الغرض بل أجاب بهذا اللفظ ليعرف الحكم بعليته، وهي الطهورية المتناهية في بابها، ثم زاده صلى الله عليه وسلم إفادة لم يسأل عنها، فقال:"والحل" مصدر حل الشيء حق حرم، ولفظ الدارقطني (1)"والحلال". "ميتته" فاعل المصدر أيضاً فزاده حكم حل ميتته.
قال الرافعي (2): لما عرف صلى الله عليه وسلم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشبه عليه حكم ميتته، وقد يبتلى بها راكب [218 ب] البحر فعقب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة.
قال ابن العربي (3): وذلك من محاسن الفتوى، إجابة السائل بأكثر مما سأل عنه تتميماً للفائدة. وإفادةً لعلم آخر غير مسئول عنه، ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا؛ لأن من توقف عن طَهُوريَّة ماء البحر فهو من العلم بحلِّ ميتته مع تقديم تحريم الميتة أشد توقفاً، وفيه دليل على حلِّ ميتة البحر مطلقاً، ما لم يأتِ نص يخصص عمومه.
قوله: "أخرجه الأربعة" زاد في "بلوغ المرام"(4): وابن أبي شيبة (5) وابن خزيمة (6).
قال: وقال (7) الترمذي عقب ذكره، وهذا حديث حسن صحيح، وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: حسن صحيح. انتهى.
الثاني: حديث (أبي سعيد رضي الله عنه).
(1) في "السنن"(1/ 36 رقم 13).
(2)
انظر: "التخليص"(1/ 13).
(3)
في "عارضة الأحوذي"(1/ 89).
(4)
(1/ 98 الحديث رقم (1/ 1) بتحقيقي.
(5)
في "مصنفه"(1/ 131).
(6)
في صحيحه رقم (111).
(7)
في "السنن"(1/ 100).
2 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قِيلَ ياَ رَسُولَ الله إِنَّا نَسْتقِي لَكَ المَاءَ مِنَ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَتُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الكِلَابِ وَخِرَقُ المَحاَئِضِ، وَعِذَرُ النَّاسِ؟ فقَالَ:"إِنَّ المَاءَ طَهُورُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ". أخرجه أصحاب السنن (1). [صحيح]
وهذا لفظ أبي داود (2)، وقال:"سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْن سَعِيدٍ قَالَ: سَأَلتُ قَيِّمَ بِئْرِ بُضاَعَةَ عَنْ عُمْقِهاَ. قال: أَكْثَرُ ماَ يَكُونُ المَاءَ فِيهاَ إِلى العاَنَةِ. قُلْتُ. فَإذَا نَقَصَ؟ قَالَ: دُونَ العَوْرَةِ. قال: أبو داود: قَدَّرْتُ أَنَا بِئْرَ بُضَاعُةَ بِردَائِى، مَدَدْتُهُ عَلَيْهاَ ثُمْ ذَرَعْتُهُ فَإذَا عُرْضُهاَ سِتَّةُ أَذْرُع؛ وَسَالتُ الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ البُسْتانِ، هَلْ غُيَّرَ بِنَاءُهاَ عَمَّا كانَتْ عَلَيْهِ؟ قال: لَا وَرَأَيْتُ فيهاَ ماَء مُتَغِّيرَ اللَّوْنِ".
"قال: قيل يا رسول الله إنا نستسقي لك الماء من بئر بضاعة"(3) بضم الموحدة فضاد معجمة، وعين مهملة، وبضاعة أرض بني ساعدة وإليها تنسب البئر.
قوله: "وتلقى"(4) الواو للحال.
(1) أخرجه أبو داود رقم (67)، والترمذي رقم (66)، والنسائي رقم (1/ 174).
وأخرجه أحمد (3/ 15، 31، 86)، والشافعي في "الأم"(1/ 23)، وفي "ترتيب المسند"(1/ 21 رقم 35)، والطيالسي رقم (2199)، وابن الجارود رقم (47)، والطحاوي في "شرح معاني الأثار"(1/ 11)، والدارقطني (1/ 29 رقم 10)، والبيهقي في "السنن"(1/ 4، 257)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 61)، وابن أبي شيبة في (1/ 142) ، (14/ 160).
وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن" بإثر الحديث رقم (67).
(3)
قال باقوت الحموي في "معجم البلدان"(1/ 442): "بُضاعة: بالضم وقد كسرةُ بعضهم والأول أكثر، وهي دار بني ساعدة بالمدينة وبئرها معروفة".
(4)
قال السندي في حاشيته على النسائي (1/ 174): "قيل: عادة الناس دائماً في الإسلام والجاهلية تنزيه المياه وصونها عن النجاسات فلا يتوهم أن الصحابة وهم أطهر الناس وأنزههم، كانوا يفعلون ذلك عمداً مع عزة =
"فيها لحوم الكلاب" أي: ما مات منها.
"وخِوق المحائض وعذر الناس" قال ابن الأثير (1): العذرة الغائط، والعُذَرُ جنسٌ لها وجمعها العَذَرات.
قال الخطابي (2): قد يتوهم كثير من الناس، إذا سمع هذا الحديث أنّ هذا كان منهم عمداً، وأنهم كانوا ينقلون ذلك قصداً، وهذا لا يجوز أن يظن بذمي فضلاً عن مسلم، فلم تزل عادة الناس قديماً وحديثاً، صيانة المياه وتنزيهها عن النجاسة (3)، وإنما السيول كانت تكسح هذه الأقذار إليها؛ لأنها كانت في حدور من الأرض فتدفعه السيول إليها.
= الماء فيهم، وإنما ذلك من أجل أن هذه البئر كانت في الأرض المنخفضة، وكانت السيول تحمل الأقذار من الطرق وتلقيها فيها، وقيل: كانت الريح تلقي ذلك، ويجوز أن يكون السيل والريح تلقيان جميعاً
…
".
(1)
في "غريب الجامع"(7/ 64).
(2)
في "معالم السنن" (1/ 54 - مع السنن".
(3)
كذا ذكره الشارح مختصراً، وإليك نص كلام الخطابي:
قد يتوهم كثير من الناس إذا سمع هذا الحديث أن هذا كان منهم عادة وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصداً وتعمداً، وهذا ما لا يجوز أن يظن بذمي بل بوثني فضلاً عن مسلم ولم يزل من عادة الناس قديماً وحديثاً مسلمهم وكافرهم تنزيه المياه وصونها عن النجاسات فكيف يظن بأهل ذلك الزمان وهم أعلا طبقات أهل الدين وأفضل جماعة المسلمين، والماء في بلادهم أعز والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنيعهم بالماء وامتهانهم له، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تغوط في موارد الماء ومشارعه، فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصداً للأنجاس ومطرحاً للأقذار، هذا ما لا يليق بحالهم، وإنما كان هذا من أجل أنَّ هذه البئر موضعها في حدور من الأرض وأن السيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأقنية وتحملها فتلقيها فيها، وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوع هذه الأشياء ولا يغيره فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شأنها ليعلموا حكمها في الطهارة والنجاسة، فكان من جوابه لهم أن الماء لا ينجسه شيء، يريد الكثير فيه الذي صفته صفة ماء هذه البئر في غزارته وكثرة إجمامه (أي اجتماعه) =
قوله: "فقال: إنّ الماء طهور لا ينجسه شيء" قد ثبت هذا الحديث من روايات، وقد ثبت أنّ الحق هو هذا العموم، إلا أنه خصصه الإجماع بنجاسة ما تغير لونه أو ريحه أو طعمه، وطولت البحث، وذكر مذاهب الناس في الماء والجمع بينه وبين ما عارضه في شرح "بلوغ المرام المسمى سبل السلام"(1)، وفي الجزء الأول من العدة (2)، حاشية العمدة وحققته بحمد الله تحقيقاً شافياً، وبينت من ذهب إليه من الصحابة والتابعين وأئمة علماء الدين.
قوله: "أخرجه أصحاب [219 ب] السنن" قال ابن حجر في "بلوغ المرام"(3): وصحّحه أحمد (4) وحكى عن الإمام أحمد أنه قال (5): حديث بئر بضاعة صحيح.
قوله: "وهذا لفظ أبي داود وقال سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قّيم بئر بضاعة عن عمقها" بيان لكيفية سؤاله.
"قال: أكثر ما يكون الماء فيها قال: إلى العانة قال: وإذا نقص قال: دون العورة" فهذا قدر عمقها كثرة ونقصانا، وأمّا عرضها فأفاده قوله:"قال أبو داود قدّرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها، ثم ذرعته، فإذا عرضها ستة أذرع"، فهو أطول من عمقها، وكأنَّ أبو داود جعل ذلك مقداراً للماء الذي لا يتغير.
= لأن السؤال إنما وقع عنها بعينها فخرج الجواب عليها، وهذا لا يخالف حديث القلتين، إذ كان معلوماً أن الماء في بئر بضاعة يبلغ القلتين، فأحد الحديثين يوافق الآخر ولا يناقضه والخاص يقضي على العام ويبينه ولا يَنسخهُ.
(1)
(1/ 98 - 104).
(2)
(1/ 52 - 54).
(3)
الحديث رقم (2/ 2).
(4)
كما في "التخليص"(1/ 13).
(5)
ذكره الحافظ في "التخليص"(1/ 13).
وصححه النووي في "المجموع"(1/ 82)، والألباني في "الإرواء" رقم (24).
قوله: "وسألت الذي فتح لي باب البستان، هل غير بناؤها عمّا كانت عليه"، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"قال: لا ورأيت فيها ماء متغير اللون" تغيّر لون الماء لا يلزم أن يكون عن نجاسة، فقد يتغير بغيرها، والحديث شرط تغير أيّ الثلاثة (1) الأوصاف بنجاسة تحدث فيه هذا، والمقدر هو قتيبة بن سعيد شيخ أبي داود.
الثالث: حديث (ابن عمر رضي الله عنه).
3 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهوَ يَسْأَلُ عَنِ المَاءِ يَكُونُ فِي الفَلَاةِ مِنَ الأَرْضِ وَماَ يَنُوبُه مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّباَعِ. فَقَالَ: "إِذَا كَانَ المَاءَ قُلَتَيْن لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ". أخرجه أصحاب السنن (2). [صحيح]
(1) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه".
أخرجه ابن ماجه رقم (59)، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 131 رقم 217): "هذا إسناد فيه رشدين وهو ضعيف، واختلف عليه مع ضعفه
…
".
وقال الزيلعني في "نصب الراية"(1/ 94): "وهذا الحديث ضعيف، فإن رشدين بن سعد جرحه النسائي وابن حبان، وأبو حاتم، ومعاوية بن صالح. قال أبو حاتم: لا يحتج به.
ورواه الطبراني في "الكبير" رقم (7503)، و"الأوسط" رقم (744) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 214)، والبيهقي في "السنن"(1/ 259)، والدارقطني في "السنن"(1/ 28 رقم 3)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(2)
أخرجه أبو داود رقم (63)، والترمذي رقم (67)، والنسائي (1/ 175)، وابن ماجه رقم (517).
وأخرجه أحمد (2/ 12، 27، 38)، والشافعي في "الأم"(1/ 11 - 12 رقم 24)، وابن خزيمة رقم (92)، وابن حبان رقم (1249)، والحاكم (1/ 132)، والدارقطني في "السنن"(1/ 13 رقم 1)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 260، 261، 262)، وهو حديث صحيح.
"يَنُوبهُ" يتردّد إِليه من دابة وسبع.
قوله: "وما ينوبه من السباع" استدل به على أن سؤر السباع نجس؛ لأنه لو لم يكن نجساً لم يسألوا عنه، ولا يكون لجوابه صلى الله عليه وسلم بهذا معنى. قالوا: ويحتمل أن يكون ذلك لأجل أنّ السباع إذا وردت المياه خاضتها وبالت فيها، وذلك كالمعتاد من طباعها، وقلّ ما تخلو أعضاؤها من تلوث أبوالها، ورجيعها فلا يكون فيه دليل على نجاسة أسوارها.
قوله: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث" بالخاء المعجمة فموحدة مفتوحتين ومثلثة، هو النجس أي: أنه إذا كان كذلك فإنه يدفعه عن نفسه كما يقال: فلان لا يحمل الضيم إذا كان يأباه ويدفعه عن نفسه، وقد تكلمنا على مقدار القُلتين، وما عارضه من الحديث الأول عن أبي سعيد وغيره، ووسعنا فيه البحث في سبيل السلام (1) بحمد الله فليطالعه من أراد تحقيق البحث.
قوله: "أخرجه أصحاب السنن" وللمحدثين فيه أبحاث [220 ب] قد جمعها الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير"(2) في خمسة أبحاث من أحبْ فلينظر فيه.
قوله: "من سبع أو دابه". قلت: السبع هو المفترس، والدابة: أعم من ذلك فكأنه أقاسها عليه، وإلاّ فليس من مسماها.
الرابع: حديث (أبي هريرة رضي الله عنه).
4 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكمْ في الماءِ الدَّائمِ الذي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ". أخرجه الخمسة (3) وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]
(1)(1/ 102 - 104) بتحقيقي.
(2)
(1/ 17 - 18).
وانظر: "التمهيد"(1/ 329)، "الاستذكار"(2/ 102).
(3)
أخرجه البخاري رقم (239)، ومسلم رقم (282)، وأبو داود رقم (70)، والنسائي (1/ 49)، والترمذي رقم (68)، وقال: حسن صحيح. وابن ماجه رقم (344) وهو حديث صحيح.
- ولمسلم (1) في أخرى: "لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ في المَاءِ الدَّائْم وِهُوَ جُنُبٌ. [صحيح]
قالُوا: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ تْنَاوُلاً".
"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم".
فسّره بقوله: "الذي لا يجرى"؛ لأنه بعدم جريه دام في موضعه، وقيل: احتزر به عن دائم يجري بعضه (2).
وقال ابن الأنباري (3): الدائم من حروف الأضداد، يقال للساكن وللدائر، فالذي لا يجري صفة مخصصة لأحد معنيي المشترك. انتهى.
قلت: الذي في "القاموس"(4) دام سكن، ولم يجعله من الأضداد.
قوله: "ثم يغتسل" الرواية في "يغتسل" بسكون اللام، وفي صحيح مسلم (5) بضمها (6)، فعلى الأول أنه عطف على "يبولن" المجزوم، وعلى الثاني خبر محذوف، أي: ثم هو يغتسل، وحققناه في "سبل السلام"(7).
(1) في صحيحه رقم (97/ 283).
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 347): قيل: هو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه، وقيل احتراز به عن راكد يجري بعضه كالبرك، وقيل: احترز به عن الماء الدائم؛ لأنه جار من حيث الصورة ساكن من حيث المعنى، وبهذا لم يذكر - البخاري - هذا القيد في رواية أبي عثمان عن أبي هريرة التي تقدمت الإشارة إليها، حيث جاء فيها بلفظ:(الراكد) بدل (الدائم)، وكذا أخرجه مسلم من حديث جابر.
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 347).
(4)
"القاموس المحيط"(ص 1432).
(5)
في صحيحه رقم (97/ 283).
(6)
ضبطه النووي في "شرح مسلم" بضم اللام (ثم يغتسل فيه). قال الحافظ في "الفتح"(1/ 347) وهو المشهور. انظر: "المفهم"(1/ 542)، "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج (1/ 124 - 125).
(7)
(1/ 100 - 112) بتحقيقي.
قوله: "فيه" يفيد جواز "منه" بمفهومه فيفيد اختصاص النهي بالانغماس، ولمسلم "منه" فيفيد منع التناول.
والبول في الماء الذي لا يجري مكروه (1)، إن كان كثيراً، وحرام إذا كان قليلاً لفساد الماء بالنجاسة، وللظاهرية (2) بحث استوفيناه في حواشي شرح العمدة (3)، وبسطنا تحقيقه، وإيراد الناس عليهم، ودفعه وهو بحث نفيس.
قوله: "أخرجه الخمسة وهذا لفظ الشيخين".
قوله: "ولمسلم"(4) والنسائي (5) أيضاً.
"في" رواية (6). "أخرى" عن أبي هريرة مرفوعاً.
"لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب قالوا: كيف نفعل يا أبا هريرة" أي: إذا أردنا أن نغتسل من جنابة. "فقال: يتناوله تناولاً" وجوابه دال أنّ رواية "منه" بمعنى "فيه".
الخامس:
5 -
وعن يحيى بن عبد الرحمن. أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه خَرَجَ في رَكْبٍ فِيْهِم عَمْرُو بنُ العَاَصِ حَتَّى وَرَدَا حَوْضاً. فَقاَلَ عَمْرُو بنُ العاَصِ: يَا صَاحِبَ الحَوضِ، هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السَّبَاعُ؟ فقاَلَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ: يَا صَاحِبَ الحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّباعَ وَترِدُ عَلَيْناَ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رسُولَ الله
(1) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (3/ 187 - 188).
(2)
"المحلى"(1/ 210 - 211 رقم المسألة (150).
(3)
(1/ 94 - 101).
(4)
في صحيحه رقم (95/ 282).
(5)
في "السنن"(1/ 49) وقد تقدم.
(6)
أخرجها مسلم في صحيحه رقم (97/ 283).
- صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لهَا مَا أَخَذَت في بُطُونِهَا وَماَ بَقيَ فَهُوَ لَناَ طَهورٌ وَشَرَابٌ". أخرجه مالك (1) إلى قوله: وترد علينا، وأخرج باقية رزين. [موقوف ضعيف]
حديث "يحيى (2) بن عبد الرحمن" هو ابن حاطب بن أبي بلتعة المدني ثقة.
قوله: "إن عمر خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضاً فقال عمرو بن العاص:" كأنه أراد أن يأخذ من الحوض لشرب ونحوه.
"يا صاحب الحوض هل ترد حوضك [221 ب] السباع" كأنه يريد فلا نأخذ منه.
"فقال عمر بن الخطاب يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنّا نرد على السباع" الماء الذي تشرب منه.
"وترد" السباع الماء الذي نشرب نحن منه.
"علينا" ثم استدل عمر على طهارة سؤر السباع بقوله: "وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لها ما أخذت في بطونها وما بقي" ممَّا أخذت منه.
"فهو لنا طهور وشراب" فدل على حل أسْآرها، وكأن عمرو بن العاص كان جاهلاً لهذا الحكم.
قوله: "أخرجه مالك إلى قوله وترد علينا وأخرج رزين باقية".
قلت: عبارة ابن الأثير (3): وزاد رزين قال: زاد بعض الرواة في قول عمر (وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
) إلخ، فلم يحرر المصنف الكلام كما ينبغي.
(1) في "الموطأ"(1/ 23 - 24 رقم 14).
(2)
انظر: "التقريب"(2/ 352 رقم 117).
(3)
في "الجامع"(7/ 68 - 69).
السادس:
6 -
وعن حميد الحميري قال: لَقِيتُ رَجُلاً صَحِبَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ سِنِينَ كَمَا صَحِبِهُ أَبُو هُرَيْرَةَ. قَالَ: "نَهَىَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ الَمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ أَوْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ المَرْأَةِ"، زاد في رواية:"وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعاً". أخرجه أبو داود (1)، واللفظ له، والنسائي (2). [صحيح]
حديث (حميد الحميري (3)) بالحاء المهملة نسبة إلى حمير وهو ابن عبد الرحمن، ثقة، فقيه.
"قال: لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة"، تشبيه بقدر المدة فهو رجل صحابي ولا يضر جهالة عينه.
"قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل" أي: بما فضل من ماء غسله أو وضوءه لصدق أنه فضل الرجل.
"أو يغتسل الرجل بفضل المرأة" أي: نهى عنه.
"زاد في رواية" الزيادة لمسدد أحد الرواة، كما في "الجامع"(4).
"وليغترفا جميعاً" من الإناء الذي يغتسلان منه.
(1) في "السنن" رقم (81).
(2)
في "السنن" رقم (238).
وأخرجه أحمد (4/ 111) و (5/ 369) بسند صحيح.
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 300): "رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعلَّه على حجة قوية، ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة، لأن إبهام الصحابي لا يضر، وقد صرّح التابعي بأنه لقيه، ودعوى ابن حزم أن داود الذي رواه عن حميد بن عبد الرحمن الحميري - هو ابن يزيد الأودي - وهو ضعيف، مردودة، فإنه ابن عبد الله الأودي وهو ثقة، وقد صرّح باسم أبيه أبو داود وغيره
…
" وقال الحافظ في "بلوغ المرام" (6/ 6) بتحقيقي: إسناده صحيح.
(3)
انظر: "التقريب"(1/ 203 رقم 605).
(4)
(7/ 69).
قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" قال في "الجامع"(1): إلاّ أنه زاد في أوله: "نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله" وقد أخرجها أبو داود (2) وحدها.
قال الخطابي (3): أهل الحديث لم يرفعوا حديث النهي عن الاغتسال بفضل المرأة ولا بفضل الرجل، ولو ثبت فهو منسوخ، والجمهور (4) على جواز تطهر الرجل بفضل المرأة وعكسه.
السابع: حديث (ابن عباس رضي الله عنهما).
7 -
وعن ابن عباس- رضي الله عنهما قال: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في جَفْنَةٍ فَجَاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليَغْتَسِلَ مِنْهاَ أَو يَتَوَضَأ. فقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ جُنُباً. فقَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ المَاءَ لَا يَجْنبُ". أخرجه الترمذي (5) وصححه. [صحيح]
"قال: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها أو يتوضأ فقالت إني كنت جنباً" أي: وقد اغتسلت منه.
"فقال: إنّ [222 ب] الماء لا يجنب" ضبط بكسر النون وضمها، أي: لا يضره الجنابة إن اغتسل منه عليها.
قوله: "أخرجه الترمذي وصحّحه".
(1)(7/ 69 - 70).
(2)
بل أخرجها النسائي في "السنن" رقم 238) وهو حديث صحيح.
(3)
انظر: "معالم السنن"(1/ 62 - 63).
(4)
انظر: "فتح الباري"(1/ 299 - 300)، "الاستذكار"(3/ 132 - 133).
(5)
في "السنن" رقم (65) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد (1/ 23)، وأبو داود رقم (68)، والنسائي رقم (325)، وابن ماجه رقم (370، 371)، وابن خزيمة رقم (109)، والحاكم (1/ 159).
وهو حديث صحيح.
قلت: قال (1): هذا حديث حسن صحيح.
ولعلّه الناسخ الذي أشار إليه الخطابي (2).
الثامن:
8 -
وعن أبي جحيفة قال. خَرَجَ عَلَيْنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الهَاجِرَةِ فَأُتَيِ بِوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخَذُونَ مِنْ فَضْلِ وُضُوئِه، مَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئاً تمسَّح بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصَبْ مِنْهُ أخْذ مِنْ بَلَلِ يدِ صاَحِبهِ. أخرجهُ الخمسة (3) إلا الترمذي، واللفظ للشيخين. [صحيح]
حديث (أبي جُحيفة) اسمه وهب (4) بن عبد الله.
"قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهاجرة" قريب الزوال.
"فأُتي بوضوء" بفتح الواو، أي: بما يتوضأ منه أي: فتوضأ.
"فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه" هو الماء الذي يبقى في الأطراف بعد الفراغ.
"من أصاب منه شيئاً تمسَّح به" تبركاً بآثاره صلى الله عليه وسلم.
"ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه" وهو دليل على التبرك بما اتصل بجسده صلى الله عليه وسلم
(1) في "السنن"(1/ 94).
(2)
انظر "معالم السنن"(1/ 62 - 63).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (187)، وطرفه رقم (376، 495، 499، 501، 633، 634، 3552، 3566، 6786، 5859)، ومسلم رقم (503)، وأبو داود رقم (688)، والنسائي رقم (137).
وهو حديث صحيح.
(4)
وهب بن عبد الله السُّوائي، بضم المهملة والمد، ويقال اسم أبيه وهب أيضاً، أبو جحيفة، مشهور بكنيته، ويقال له وهب الخير، صحابي معروف وصحب علياَّ، ومات سنة أربع وسبعين.
"التقريب"(2/ 338 رقم 119).
وأن الفضل عن طهور طاهر (1).
قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ الترمذي واللفظ للشيخين" وفيه زيادة على ما ساقه المصنف مسرودة في "الجامع"(2) منها قول أبي جُحيفة "فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك"(3).
التاسع: حديث (نافع عن ابن عمر).
9 -
وعن نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لَا بَأْسَ أَنْ يُغْتَسَلَ بِفَضْلِ المَرْأَةِ ماَ لَمْ تَكُنْ حَائِضاً أَوْ جُنُباً. أخرجه مالك (4). [موقوف صحيح]
"أنه قال: لا بأس أن يُغْتَسَل" مبني للمجهول.
"بفضل المرأة" أي: أو يتوضأ بالأولى.
"ما لم تكن حائضاً" سواء كان غسلها للحيض عند طهورها أو لغيره.
"أو جنباً" هذا رأي منه (5).
قوله: "أخرجه مالك".
[العاشر](6): حديث (عائشة رضي الله عنها).
(1) انظر: "فتح الباري"(1/ 485)، "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(1/ 79).
(2)
(7/ 71).
(3)
أخرجها البخاري في صحيحه رقم (3553).
(4)
في "الموطأ"(1/ 52 رقم 86)، وهو أثر موقوف صحيح.
(5)
انظر: "المغني"(1/ 31)، "التمهيد"(4/ 43)، "المجموع شرح المهذب"(1/ 205)"بشرح فتح القدير"(1/ 90 - 92).
(6)
في "المخطوط"(أ. ب) التاسع. وهو خطأ.
10 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كُنْتُ أَغُتَسِلُ أَناَ وَالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ تَختَلِفُ أَيْدِيِنَا فِيهِ مِنَ الجَناَبَةِ (1). [صحيح]
وفي رواية (2): "مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الفَرَقُ. قَالَ سُفَيانُ: وَالفَرَقُ ثَلَانَةُ آصُعٍ". [صحيح]
أخرجه الخمسة إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين.
"الفَرَقُ": بفتح الراء وسكونها: قدح يسع عشر رطلاً.
"وَالصَّاعُ": مكيال يسع أربعة أمداد. "وَالمُدُّ": رطل وثلث بالعراقي.
"قالت: كنت أغتسل أنا والنَّبي صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ تختلف أيدينا فيه من الجنابة" متعلق بـ أغتسل.
"وفي رواية يقال له" أي: الإناء.
"الفرق" بفتح الفاء (3) والراء وسكونها.
"قال سفيان: والفرق ثلاثة (4) آصع، جمع صاع، أي: يتسع لها وإلا فهو اسم للإناء نفسه".
(1) أخرجه البخاري رقم (250) وأطرافه في (261، 263، 273، 299، 5956، 7339)، ومسلم رقم (319)، (321)، وأبو داود رقم (77)، (238، 257)، والنسائي (1/ 127).
(2)
أخرجها البخاري رقم (250)، ومسلم رقم (40، 41/ 319).
(3)
وانظر: "فتح الباري"(1/ 364)، و"مشارق الأنوار"(2/ 155).
قاله أبو عبيد في "الأموال" بإثر الرقم (1611).
الفرق = 3 آصع.
الفرق = 3 × 2175 = 6525 غراماً.
الفرق = 3/ 2.175 = 6.525 كيلو غراماً.
الفرق = 8.25 لتراً.
انظر: كتابنا "الإيضاحات العصرية"(ص 93 - 95).
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 364).
فائدة: استدل الداودي بهذا الحديث على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه.
قال الحافظ ابن حجر (1): ويؤيده ما رواه ابن حبان (2)، عن سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته؟ قال: سألت عطاء قال: سألت عائشة فذكرت هذا الحديث، وهو نص في المسألة. انتهى.
قلت: في كونه نصاً فيها فيه تأمل، لاحتمال أنّ الإناء الذي بينهما يغترفان منه، يحول بين رؤية العورتين، ويؤيد هذا حديث عائشة (3) إخبارٌ عن [223 ب] نفسها وعنه صلى الله عليه وسلم قالت:"ما رأى مني ولا رأيت منه" أي: العورتين.
قوله: "أخرجه الخمسة، وهذا لفظ الشيخين".
[الحادي عشر](4): حديث (ابن عمر رضي الله عنهما).
11 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كانَ الرَّجَالُ وَالنسِّاءُ يَتَوَضؤُنَ فِي زَمَانِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم جَمِيْعاً مِنْ إِنَاءِ وَاحِدٍ. أخرجه البخاري (5) ومالك (6)، وأبو داود (7) والنسائي (8). [صحيح]
قوله: "كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً من إناء واحد"،
(1) في "الفتح"(1/ 364).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 364).
(3)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 63) بسند ضعيف.
(4)
في (أ. ب) العاشر وهو خطأ.
(5)
في صحيحه رقم (193) دون ذكر الإناء الواحد.
(6)
في "الموطأ"(1/ 24 رقم 15) دون ذكر الإناء الوحد.
(7)
في "السنن" رقم (79، 80).
(8)
في "السنن" رقم (71)، وأخرجه ابن ماجه رقم (380)، وهو حديث صحيح.
قيل: (1) هو محمول على التعاقب وأنّ الرجال كانوا يتوضؤون، ثم تجيء النساء فيتوضأن بعدهم، وردَّ هذا بأنَّ قوله:"جميعاً" يأبى ذلك، فإن معناها الاجتماع في الفعل وقيل: لعلّ هذا كان قبل نزول الحجاب.
وقال الرافعي (2): يريد كل رجل مع امرأته، وأنهما كانا يأخذان من إناء واحد.
قوله: "أخرجه البخاري ومالك وأبو داود والنسائي".
الثاني عشر: حديث (ابن مسعود).
12 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ ليِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الجِنِّ مَا فِي "إِدَّاوَتكَ؟ " قُلْتُ: نَبِيذٌ. قال: "تَمَرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ" أخرجه أبو داود (3)، واللفظ له والترمذي (4). [ضعيف]
"الإِدَاوَةُ": المطهرة، وهي إناء من جلد كالسَّطيحَة ونحوها (5).
"قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ما في أداوتك" فسّرها المصنف.
"قلت: نبيذ قال: تمرة طيبة وماء طهور" فهو حقيقة النبيذ.
"فتوضأ منه" قال في "فتح الباري"(6): قد أطبق علماء (7) السلف على تضعيفه، وعلى تقدير
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 300) عن سحنون.
(2)
انظر: "العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير"(1/ 10 - 12).
(3)
في "السنن" رقم (84).
(4)
في "السنن" رقم (88). وهو حديث ضعيف.
(5)
قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(7/ 79).
(6)
(1/ 354).
(7)
قال النووي في "المجموع شرح المهذب"(1/ 139 - 141): أما النبيذ فلا يجوز الطهارة به عندنا، - أي عند الشافعية - على أي صفة كان من عسل أو تمر أو زبيب أو غيرها مطبوخاً كان أو غير، فإن نش وأسكر فهو نجس =
صحته قيل: هو منسوخ؛ لأن ذلك كان بمكة، ونزول:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} ، كان بالمدينة بلا خلاف، أو هو محمول على ما ألقيت فيه تمرات يابسة لم تغير له وصفاً. وإنما كانوا يفعلون ذلك؛ لأن غالب مياههم لم تكن حلوة.
قوله: "أخرجه أبو داود واللفظ له".
قلت: ليس في لفظ أبي داود "فتوضأ منه" بل هو في رواية الترمذي، فالعجب من المصنف، والحال أن لفظ "الجامع" (1): أخرجه الترمذي (2)، وأخرجه أبو داود (3)، ولم يذكر "فتوضأ منه"،
= يحرم شربه، وعلى شاربه الحد، وإن لم ينش فطاهر لا يحرم شربه، ولكن لا تجوز الطهارة به، هذا تفصيل مذهبنا وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف والجمهور.
وعن أبي حيفة أربع روايات إحداهن: يجوز الوضوء بنبيذ التمر المطبوخ إذا كان في سفر وعدم الماء.
والثانية: يجوز الجمع بينه وبين التيمم، وبه قال صاحبه محمد بن الحسن.
والثالثة: يستحب الجمع بينهما.
والرابعة: أنه رجع عن جواز الوضوء به، وقال: يتيمم وهو الذي استقر عليه مذهبه كذا قاله العبدري، قال: وروي عنه أنه قال: الوضوء بنبيذ التمر منسوخ، ثم حكى النووي إجماع المحدثين على تضعيف حديث ابن مسعود.
ثم ذكر النووي أيضاً أن الإمام الطحاوي إمام الحنفية في الحديث والمنتصر لهم. أنصف حيث قال في أول كتابه معاني الآثار: إنما ذهب أبو حنيفة ومحمد إلى الوضوء نبيذ اعتماداً على حديث ابن مسعود ولا أصل له.
ثم ذكر النووي أيضاً أن حجة الجمهور الآية: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} الآية [النساء: 43 و6 من سورة المائدة] اهـ باختصار.
انظر: "عارضة الأحوذي"(1/ 138)، "فتح الباري"(1/ 323 - 324).
(1)
(7/ 79).
(2)
في "السنن" رقم (84).
(3)
في "السنن" رقم (88).