الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه: فصلان
(فِيْ: المُبَاحِ مِنْ الأَطْعِمَةِ وَالمَكْرُوْهُ)
(وَفِيْهِ: فَصْلَانِ)
الفصل الأول: في الحيوان
(الفَصْلُ الأّوَّلْ: فِيْ الحَيَوَانْ)
أي: في المباح منه.
الضَّبُ
(الضَّبُ)(1) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة، دويبة لطيفة، ويقال للأنثى: ضبة وبه سميت القبيلة وبالخيف من منى جبل يقال له: ضب.
وذكر ابن خالويه (2) أن الضب يعيش سبعمائة سنة، وأنه لا يشرب الماء، بل يكتفي بالنسيم، وبرد الهواء ويبول (3) في كل أربعين يوماً قطرة، ولا يسقط له سن، ويقال: أن أسنانه قطعة واحدة وأما خلقة الضب فكما قال شاعرهم:
لَهُ كُفُ إِنْسَانٍ وَخَلقُ غَطَاءة
…
وَكَالقِرْد وَالخِنْزِيْرَ في المَسْخِ وَالغَصبِ (4)
(1) انظر: "فتح الباري"(9/ 663)، "النهاية"(1/ 442).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 663)، وانظر:"لسان العرب"(1/ 538 - 539).
(3)
انظر: "زهر الأكم في الأمثال والحكم"(2/ 50 - 51)(2/ 148).
(4)
في المخطوط:
له كفُّ إنسانٍ وخلق عُضاة
…
وكالكلب والخنزير في المسخ والغصب
وما أثبتناه من "الاستذكار"(27/ 188)، و"التمهيد"(17/ 66).
وقد ورد أنه قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عوداً فعدَّ به أصابعه، ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار"(1).
وأجمع (2) المسلمون أنه حلال ليس بمكروه.
الأول: حديث (ابن عباس رضي الله عنه):
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أَنَّ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ رضي الله عنه، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ خَالَتُهُ، وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا، قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتُهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدَّمُ بينَ يَدَيْهِ طَعَامٌ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ، وَيُسَمَّى لَه، فَأَهْوَى بِيَدَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسْوَةِ الحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِمَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ، فَقُلْنَ: هُوَ الضَّبُّ فَرَفَعَ يَدَه فَقَالَ خَالِدُ رضي الله عنه: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ"، قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ الله يَنْظُرُ، فَلَمْ يَنْهَنِي. أخرجه الستة (3)، إلاّ الترمذي. [صحيح]
"أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أخبره أنه دخل مع النَّبي صلى الله عليه وسلم على ميمونة" أي: بيتها.
"زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته" أي: خالة خالد.
"وخالة ابن عباس، فوجد عندها ضباً محنوذاً" أي: مشوياً بالحجارة المحماة، ليأكل منه.
"فقدَّمتُهُ إليه" إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم.
(1)(27/ 187 - 188).
(2)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(9/ 13)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (13/ 97 - 98)، "الإشراف" لابن المنذر (2/ 338 - 339).
(3)
أخرجه البخاري رقم (5400)، ومسلم رقم (44/ 1946)، وأبو داود رقم (3794)، والنسائي رقم (4317)، وابن ماجه رقم (3241)، وأخرجه أحمد (4/ 88، 89).
وهو حديث صحيح.
"وكان قلَّ ما يقدم بين يديه طعام حتى يحدث" أي: يخبر من أين هو.
"ويسمى له، فأهوي بيده إليه" زيد في رواية: "قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد".
هذا واسم أم خالد لبابة الصغرى، واسم أم ابن عباس لبابة "الكبرى"، وهما أختا ميمونة.
"فقالت [419 ب] امرأة من النسوة" هي ميمونة كما في رواية الطبراني في "الأوسط"(1).
"الحضور" أي: الحاضرات عنده.
"أخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمتن له فقلن" مخبرات له صلى الله عليه وسلم.
"هو الضب فرفع يده" عن الأكل منه.
"فقال خالد: أحرام هو يا رسول الله! قال: لا ولكنه لم يكن بأرض قومي".
المراد: قريشاً فقط فيختص ذلك بمكة وما حولها، ولا يمنع ذلك أن يكون موجوده بسائر بلاد الحجاز (2).
"فأجدني أعافه" فترك أكله عيافة لا لتحريم ولا كراهة.
"قال خالد: فاجتررته" بجيم وراءين وضبطه بعض الفقهاء بزاءي وراء، وغلطه النووي (3).
"فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر" وهذا تقرير منه صلى الله عليه وسلم بحلِّه.
"فلم ينهني".
(1) رقم (8754).
(2)
انظر: "فتح الباري"(9/ 665).
(3)
في "المجموع شرح المهذب"(9/ 13).
قوله: "أخرجه الستة، إلاّ الترمذي" إلاّ أنه (1) أخرج حديث ابن عمر رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الضب، فقال: لست بآكله ولا أحرِّمه" وقال (2): حسن صحيح.
قال (3): وقد اختلف أهل العلم في أكل الضب، فرخص (4) فيه بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وكرهه (5) بعضهم. انتهى.
الثاني: حديث (أبي سعيد رضي الله عنه):
2 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه: أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي في غَائِطٍ مُضَبَّةٍ، وإِنَّهُ عَامَّةُ طَعَامِ أَهلي، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقُلْنَا: عَاوِدهُ فَعَاوَدَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ نَادَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في الثَّالِثَةِ، فَقَالَ يَا أَعْرَابِيُّ:"إِنَّ الله لَعَنَ، أَوْ غَضِبَ عَلَى سِبْطٍ مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ، فَمَسَخَهُمْ دَوَابَّ يَدِبُّونَ فِي الأَرْضِ فَلَا أَدْرِي، لَعَلَّ هَذَا مِنْهَا، فَلَسْتُ آكُلُهَا وَلَا أَنْهَى عَنْهَا". أخرجه مسلم (6). [صحيح]
"الغاَئِطُ (7) " المكان المطمئن من الأرض.
و"المُضَّبِةُ" بضم الميم، وكسر الضاد المعجمة وتشديد الموحدة: الكثيرة الضباب.
"قال: سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني في غائط" هو المطمئن من الأرض.
(1) الترمذي في "السنن" رقم (1790).
وأخرجه البخاري رقم (5536)، ومسلم رقم (40/ 1943)، وأحمد (2/ 46) وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن"(4/ 252).
(3)
الترمذي في "السنن"(4/ 252).
(4)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(9/ 13).
(5)
"مختصر اختلاف العلماء"(3/ 211 - 212).
(6)
في صحيحه رقم (50/ 1951).
وأخرجه أحمد (3/ 5) وهو حديث صحيح.
(7)
"النهاية"(2/ 329)، "المجموع المغيث"(2/ 586).
"مضبة" بفتح الميم، وفتح المعجمة أفصح من ضم الميم وكسر المعجمة أي: ذات ضباب (1).
"وأنه" أي: الضب الدال عليه السياق.
"عامة طعام أهلي، فلم يجبه فقلنا: عاوده" في السؤال.
"فعاوده فلم يجبه ثانياً" الله أعلم لماذا أخَّر الجواب عنه.
"ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثالثة" كأنه سأله ثالثاً.
"فقال: يا أعرابي! إن الله غضب على سبط" أي: قبيلة.
"من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض، فلا أدري لعل هذا" أي: [420 ب] الضب. "منها فلا آكلها ولا أنهى عنها" قال الطحاوي (2): ليس في هذا الحديث الجزم بأن الضب مما مسخ، وإنما خشي أن يكون منهم فتوقف عنه، وذلك قبل أن يُعلم الله نبيه أن الممسوخ لا يبقى.
وبهذا أجاب الطحاوي (3)، ثم أخرج من حديث ابن مسعود أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير، أهي من ما مسخ؟ فقال: إنّ الله لا يهلك قوماً - أو يمسخ قوماً - فيجعل لهم نسلاً ولا عاقبة". وأصله في مسلم (4).
(1) قاله النووي في "شرحه لصحيح مسلم"(13/ 102)، وانظر:"النهاية في غريب الحديث"(2/ 67)، "المجموع المغيث"(2/ 309).
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 201).
(3)
في "شرح معاني الآثار"(4/ 201 - 202).
(4)
في صحيحه رقم (32/ 2663) وفيه: "
…
إن الله لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقباً وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك
…
".
قال الحافظ ابن حجر (1): ويتعجب من ابن العربي (2) حيث قال: قولهم: "إن الممسوخ لا نسل له" دعوى، فإنه أمر لا يعرف بالعقل، وإنما طريقه النقل، وليس فيه أمر معول عليه، كذا قال: وكأنه لم يستحضره من "صحيح مسلم"(3).
ثم قال ابن العربي (4): وعلى تقدير ثبوت كون الضب ممسوخاً فذلك لا يقتضي تحريم أكله؛ لأن كونه آدمياً قد زال حكمه، ولم يبق له أثر، وإنما كره صلى الله عليه وسلم الأكل منه، لما وقع عليه من سخط، كما أنه كره الشراب من مياه ثمود. انتهى.
فإن قيل: قد ثبت الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يعيب طعاماً، وقد عاب الضب؟.
قلت: ما عابه، إنما أخبر أنه يعافه وليس في هذا عيب له، وقال: إنه لا يأكله لذلك، وقال: إنه يخشى أن يكون من أمة ممسوخة، وزال هذا بإعلام الله له أنه لا يجعل نسلاً لما مسخه وكل هذا ليس بعيب.
ومن أجاب (5) بأن المراد أنه لا يعيب طعاماً، إنما هو مما صنعه الآدمي، لئلا تنكسر نفسه وينسب إلى التقصير فيه، وأما الذي خلق كذلك، فليس نفور الطبع عنه ممتنعاً.
قلت: لا يخفى أن هذا جواب غير صحيح؛ لأنه غير محل النزاع، فالجواب هو الأول، وقد أشار إليه المجيب بهذا في آخر كلامه، فقال: وفيه أن وقوع مثل ذلك ليس بعيب ممن يقع منه.
قوله: "أخرجه مسلم".
(1) في "فتح الباري"(9/ 666).
(2)
في "عارضة الأحوذي"(7/ 290).
(3)
(32/ 663) وقد تقدم نصه.
(4)
في "عارضة الأحوذي"(7/ 290).
(5)
انظر: "فتح الباري"(9/ 666 - 667).