الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع: في التيمم
(البَابُ السَابع: فِي التَّيَمُمْ)
هو لغة (1): القصد، وشرعاً: القصد إلى الصعيد، لمسح الوجه واليدين بنيَّة إستباحة الصلاة ونحوها، واختلف (2) في التيمم هل هو رخصة أو عزيمة، وقال بعضهم: هو لعدم الماء عزيمة، وللعذر رخصة.
الأول: حديث (عائشة رضي الله عنها):
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى التِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: أَلَا تَرَى إِلَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسِ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي، قَدْ نَامَ. فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟
قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: مَا شَاءَ الله أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعَنُنيِ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَمَا يَمْنَعُنِى مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَاّ مَكَانُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ الله تَعاَلىَ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَتَيَمَّمُوا".
قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ".
(1) انظر: "المصباح المنير"(ص 261). "الصحاح"(5/ 2064).
(2)
انظر: "فتح الباري"(1/ 432).
أخرجه الستة (1) إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]
"قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره" قال ابن عبد البر (2): أن ذلك كان في غزوة بني المصطلق، وسبقه إلى ذلك ابن سعد (3) وابن حبان (4). وغزوة بني المصطلق، هي غزوة المريسيع، وفيها وقعت قصة الإفك، وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضاً.
قال الحافظ بن حجر (5): إن كان ما جزموا به ثابتاً حمل على أنه سقط منها في تلك الغزوة مرتين لاختلاف القصتين، كما هو بين في سياقهما، واستبعد بعض شيوخنا ذلك، قال: لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل، وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها.
"حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش" وهما بين المدينة وخيبر، كما جزم به النووي (6)، ثم تعقبه بما يقتضي أن البيداء في طريق مكة، وأن ذات الجيش من المدينة على بريد منها، وبينها وبين العقيق سبعة أميال، والعقيق من طريق مكة، لا من طريق خيبر، ورجح ابن حجر (7) هذا القول.
"انقطع عقد" بكسر المهملة، كل ما يعقد ويعلّق في العنق ويسمى قلادة، وفي رواية للبخاري (8):"قلادة".
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (334)، وأطرافه في [336، 3672، 3773، 4583، 4607، 4608، 5164، 5250، 5882، 6844، 6845)، ومسلم رقم (367)، ومالك في "الموطأ"(1/ 53، 54).
وأبو داود رقم (317)، والنسائي (1/ 163، 164). وهو حديث صحيح.
(2)
في "التمهيد"(3/ 144 - 146).
(3)
في "الطبقات الكبرى"(2/ 63 - 64).
(4)
في "صحيحه"(4/ 117).
(5)
في "فتح الباري"(1/ 432).
(6)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(3/ 58 - 59).
(7)
في "الفتح"(1/ 432).
(8)
في "صحيحه" رقم (336).
"فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه" أي: لأجل طلبه، وفيه أنه يبحث (1) عمَّا ضاع من الأموال، فإنه نهي عن إضاعة المال وهذا منه.
"وأقام [319 ب] الناس معه، وليسوا على ماء" في محل الإقامة.
"وليس معهم ماء" كأنّ المراد للوضوء، وأمّا ما يحتاجون إليه للشرب ونحوه، فهو معهم.
"فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة؟ " فيه شكوى المرأة إلى أبيها، وإن كان معها زوج.
وقولها: "فعاتبني أبو بكر وقال: ما شاء الله أن يقول" قال الطبراني (2): من جملة ما عاتبها به قوله: "في كل مرة تكونين عناءً".
قيل: والنكتة (3) في قولها: "أبو بكر" ولم تقل "أبي"؛ لأن قضية الأبوة الحنو، وما وقع من العتاب بالقول، والتأديب بالفعل، مغاير لذلك في الظاهر، فلذلك نزلته منزلة الأجنبي، فلم تقل أبي.
"وجعل يطعُن" بضم العين المهملة، وكذا في كل ما هو حسِّي، وأما المعنوي فالفتح هذا هو المشهور.
"بيده في خاصرتي، فما يمنعني من التحرك إلَاّ مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من فخذي" وإلاّ فقد حصل مقتضى التحرك، لكنه عارضه المانع.
"فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء" استدل به (4) على أنه لا يجب طلب الماء إلا بعد دخول الوقت.
(1) انظر: "فتح الباري"(1/ 433).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 433).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 433).
(4)
انظره نصاً في "فتح الباري"(1/ 433 - 434).
لقوله في رواية: "وحضرت الصلاة والتمس الماء، فلم يوجد" وعلى أن الوضوء كان واجباً عليهم قبل نزول آية التيمم، ولذا استعظموا نزولهم على غير ماء.
قال ابن عبد البر (1): معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلِ منذ افترضت عليه الصلاة، إلا بالوضوء، ولا يدفع ذلك إلاّ جاهل أو معاند.
قال (2): وفي قوله في هذا الحديث، آية التيمم، إشارة إلى أن الذي طرأ عليهم من العلم حينئذ حكم التيمم، لا حكم الوضوء.
قال (3): والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به، ليكون فرضه متلواً بالتنزيل.
وقال غيره (4): يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديماً فعملوا به، ثم نزل بقيتها، وهو حكم التيمم في هذه القصة.
وإطلاق آية التيمم على هذا من تسمية الكل باسم البعض، والظاهر ما قاله ابن عبد البر، لرواية البخاري (5) في التفسير عن عمرو بن الحارث [320 ب] لفظها:"ثم إن النَّبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح"، كذا قال الحافظ ابن حجر (6)، في معنى تعقبه ولم يتضح لي ذلك.
"فأنزل الله آية التيمم" قال ابن العربي (7): هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء؛ لأنّا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة.
(1) في "التمهيد"(2/ 352).
(2)
ابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 352).
(3)
أي: ابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 352).
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 434).
(5)
في "صحيحه" رقم (4608).
(6)
في "فتح الباري"(1/ 434).
(7)
في "عارضة الأحوذي"(1/ 239).
وقال ابن بطال (1): هي آية النساء أو آية المائدة، وقال القرطبي (2): هي آية النساء، وجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء، فيتجه تخصيصها بآية التيمم.
قال الحافظ (3): وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري (4) من أنّ المراد آية المائدة بغير تردد، لرواية عمرو بن الحارث إذ صرّح فيها بقوله: "فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} إلى قوله: {تَشْكُرُونَ (52)} (5).
"فتيمموا" يحتمل (6) أنه خبر منها عن فعل الصحابة، أي: فتيمم الناس بعد نزول الآية، ويحتمل أن يكون حكاية لبعض الآية، وهو الأمر في قوله:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} بيان لقوله: "آية التيمم" أو بدلاً منها.
واستدل به على وجوب النية في التيمم؛ لأن معنى: "تيمموا" اقصدوا، اقصدوا التيمم كما تقدم، وهو قول فقهاء الأمصار، إلا الأوزاعي، وتعيين الصعيد الطيب.
"فقال أسيد" بالتصغير "ابن الحضير" بالمهملة، ثم معجمة مصغراً أيضاً، وهو من كبار الأنصار [وإنما](7) قال ذلك؛ لأنه كان رأس من بعث لطلب العقد (8).
"وهو أحد النقباء" الذين بايعوا في العقبة.
(1) في شرحه لـ "صحيح البخاري"(1/ 468 - 469).
(2)
في "المفهم".
(3)
في "فتح الباري"(1/ 434).
(4)
في "صحيحه" رقم (4608).
(5)
سورة المائدة الآية (6).
(6)
انظره: نصاً في "فتح الباري"(1/ 434).
(7)
في "المخطوط" مكررة.
(8)
انظره نصاً في "الفتح"(1/ 434).
"ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر" أي: بل هي مسبوقة بغيرها من البركات، وأراد بآل أبي بكر نفسه وأتباعه من أهله، وهذا يشعر بأنّ هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، ويؤيد قول من قال بتعدد ضياع العقد، وجزم بذلك محمد بن حبيب (1) فقال: سقط عقد عائشة في ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق.
قالت: "فبعثنا" أي: أثرنا.
"البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته" ظاهره أن الذين توجهوا في طلبه لم يجدوه، وفي رواية عروة في صحيح البخاري (2):"فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فوجدها" أي: القلادة، وفيه (3) في رواية وهي في مسلم (4):"فبعث ناساً من أصحابه في طلبها" ولأبي داود (5): "فبعث أسيد بن حضير وناساً معه".
قال [321 ب] الحافظ ابن حجر (6): وطريق الجمع بين هذه الروايات: أن أسيداً كان رأس من بعث لذلك: فلذا سمي في بعض الروايات دون غيره، وكذا أسند الفعل إلى واحد مُبهم وهو المراد به، وكأنهم لم يجدوا العقد أولاً، فلما رجعوا ونزلت آية التيمم، وأرادوا الرحيل، وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير.
قوله: "أخرجه الستة" بألفاظ عدة "إلاّ الترمذي"، فلم يخرجه.
"وهذا لفظ الشيخين".
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 434).
(2)
في "صحيحه" رقم (336).
(3)
في "صحيحه" رقم (336، 3773، 4583، 5164، 5882).
(4)
في "صحيحه" رقم (109/ 367).
(5)
في "السنن" رقم (317).
(6)
في "فتح الباري"(1/ 435).
- وفي رواية أبي داود (1) قال: "بَعَثَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَأُنَاسًا مَعَهُ، فِي طَلَبِ قِلَادَةٍ أَضَلَّتْهَا عَائِشَةُ رضي الله عنها، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْر وُضُوءٍ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ". [صحيح]
زَادَ في رواية (2): فَقَالَ لَهَا أُسَيْدُ يَرْحَمُكِ الله، مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ، إِلَّا جَعَلَ الله لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِ فِيهِ فَرَجًا". [صحيح]
["النّقُباَء" جمع نقيب، وهو المقدم على جماعة يكون أمرهم مردوداً إليه، كالعريف، وهو أكبر منه، والمراد بالنقباء هنا: سُبَّاق الأنصار إلى الإسلام في العقبة، جعلهم النَّبي صلى الله عليه وسلم نقباء على قومهم، وكان أسيد منهم](3).
"وفي رواية لأبي داود قالت" أي: عائشة رضي الله عنها.
"بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير وأناساً معه في طلب زيادة أضلتها عائشة" من وضع الظاهر موضع المضمر؛ لأنها هي الرواية.
"فحضرت الصلاة" لم تعيّنها.
"فصلوا" أي: أسيد ومن معه.
"بغير وضوء" لعدم الماء، فاجتهدوا وصلوا كذلك.
"فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك، فأنزلت آية التيمم".
"زاد أبو داود في رواية" عن عائشة.
(1) في "السنن" رقم (317)، وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن" رقم (317)، وهو حديث صحيح.
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة من (أ) وحقه التقديم.
"فقال لها أسيد: يرحمك الله، ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله [فيه للمسلمين ولك فرجاً"] (1) وفيه دليل على أنّ من فقد الماء والتراب يصلي على حاله، وهي مسألة اختلف فيها العلماء السلف والخلف. والأصح عند الشافعية (2) أنه يجب عليه الصلاة والإعادة؛ لأنه عذر نادر، وقيل: لا تجب عليه الصلاة، لكن تستحب ويجب القضاء صلَّى أم لم يصلِ.
قوله (3): في الرواية: "فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم" ظاهره أن صلاتهم بغير ماء مما ذكروه، بل هو المقصود بالذكر، وأنه صلى الله عليه وسلم أقّرهم، ولو كان ما أتوه باطلاً لبيّن لهم ذلك؛ لأنه مقام البيان.
وترجم له البخاري (4): باب إذا لم يجد ماءً ولا تراباً، وذكر (5) صلاة أُسيد ومن معه، وأنه أقّرهم على ذلك.
هذا خلاصة ما ذكره ابن حجر في شرح هذا الباب في البخاري، ولا دليل مع من قال: يصلي ويقضي (6) بل هي صلاة صحيحة لا تُقضى.
الثاني: حديث (عَمارُ بن ياسِر رضي الله عنه):
(1) كذا في الشرح. والذي في نص الحديث: للمسلمين ولك فيه فرجاً.
(2)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(2/ 244 - 246).
(3)
انظر: "فتح الباري"(1/ 440).
(4)
في "صحيحه"(1/ 440 الباب رقم 2 - مع الفتح).
(5)
الحديث رقم (336).
(6)
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 440): "
…
وعلى هذا فلا بد من دليل على وجوب الإعادة. وقال مالك وأبو حنيفة في المشهور عنهما: لا يصلي، لكن قال أبو حنيفة وأصحابه: يجب عليه القضاء، وبه قال الثوري والأوزاعي. وقال مالك فيما حكاه عنه المدنيون: لا يجب عليه القضاء، وهذه الأقوال الأربعة هي المشهورة في المسألة، وحكى النووي في شرح المهذب عن القديم: تستحب الصلاة، وتجب الإعادة، وبهذا تصير الأقوال خمسة، والله أعلم ..
2 -
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَرَّسَ بِأُولَاتِ الجَيْشِ، وَمَعَهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها، فَانْقَطَعَ عِقْدٌ لهَا مِنْ جَزْعِ ظِفَارٍ، فَحُبِسَ النَّاسُ ابْتِغَاءَ عِقْدِهَا ذَلِكَ، حَتَّى أَضَاءَ الفَجْرُ وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ، فَتَغَيَّظَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَيْهَا وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَنْزَلَ الله عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رُخْصَةَ التَّطَهُّرِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، فَقَامَ المُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمُ إِلىَ الأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرَابِ شَيْئًا، فَمَسَحُوا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى المَنَاكِبِ، وَمِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ إِلَى الآبَاطِ". أخرجه أبو داود (1) النسائي (2). [صحيح]
زاد أبو داود (3) قال ابن شهاب في حديث: "ولا يعتبر بهذا الناس"، قال أبو داود (4): وكذلك رواه ابن إسحاق، قال فيه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر ضربتين.
وفي رواية للنسائي (5): "وَلَمْ يَنفُضُوا مِنْ التُّرَابِ شَيْئًا".
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرّس" التعريس (6): نزول المسافر آخر الليل للنوم.
"بأولات الجيش" اسم محل بقرب المدينة من طريق مكة.
"ومعه [322 ب] عائشة، فانقطع عقد لها من جزع ظفار" بيان للعقد، وهو بالإضافة، وهو جزع معروف.
قال في "القاموس"(7): والجزع ويكسر الخرَز اليماني الصيني فيه سواد وبياض.
(1) في "السنن" رقم (318، 319، 320).
(2)
في "السنن" رقم (314)، وهو حديث صحيح.
(3)
في "السنن"(1/ 226 رقم 320).
(4)
في "السنن"(1/ 227).
(5)
في "السنن" رقم (314).
(6)
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 181).
(7)
"القاموس المحيط"(ص 915).
ثم قال (1): وظفار كقطام بلد باليمن قرب صنعاء، إليه ينسب الجزع. انتهى.
"فحبس الناس" منعهم عن السَّفر.
"ابتغاء عقدها" فيه الاعتناء بحفظ حقوق الناس (2) وأموالهم، وإن قلت: ولذا أقام صلى الله عليه وسلم على التماس العقد، وجواز الإقامة بموضع لا ماء فيه.
"حتى إذا أضاء الفجر وليس مع الناس ماء، قال" أي: عَمّار.
"فتغيظ عليها أبو بكر وقال: حبست الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم رخصة التطهر بالصعيد الطيّب" الطاهر.
"فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم الأرض، ثم رفعوا أيديهم، ولم يقبضوا من التراب شيئاً"؛ لأنه الذي فهم من الآية: (فامسحوا).
"فمسحوا وجوههم" كما أفادته الآية.
"وأيديهم إلى المناكب" أي: من ظهورها.
"ومن بطون أيديهم" أي: ومسحوا من بطون أيديهم "إلى الآباط" لمّا ذكر الله الأمر بمسح الأيدي، ولم يبين القدر المسموح، حملوه على حقيقة اليد، وهي ما ذكر، وكان هذا بمحضره صلى الله عليه وسلم.
قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي".
"وزاد أبو داود (3): قال ابن شهاب" أي: محمد بن شهاب الزهري، وهو الذي رواه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
"في حديث: ولا يعتبر بهذا الناس".
(1) الفيروزآبادي في "القاموس المحيط"(556).
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 433): وفيه اعتناء الإمام بحفظ حقوق المسلمين، وإن قلَّت، فقد نقل ابن بطال في شرحه لـ "صحيح البخاري" (1/ 468): أن ثمن العقد المذكور كان اثني عشر درهماً.
(3)
في "السنن"(1/ 226).
قلت: لما نُبَيّنهُ قريباً.
"قال أبو داود (1): وكذلك رواه بن إسحاق، عن ابن عباس، وذكر ضربتين" ولم يبيّن فيها كيفية مسح الأيدي، قال المنذري (2): وأخرجه - يريد حديث ابن عباس - ولم يذكر ضربتين.
"وفي رواية للنسائي (3): ولم ينفضوا" من النفض بالنون والفاء، وليس في النسائي إلا هذا اللفظ، وعبارة المصنف تقتضي أن له رواية بالقاف، كرواية (4) أبي داود.
- وفي أخرى لأبي داود (5): "أَنَّهُمْ تَمَسَّحُوا وَهُمْ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِالصَّعِيدِ لِصَلَاةِ الفَجْرِ، فَضَرَبُوا أَكُفّهمْ الصَّعِيدَ ثُمَّ مَسَحُوا بِوُجُوهَهُمْ مَسْحَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا أَكُفِّهِمْ بِالصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى، فَمَسَحُوا بِأَيْدِيهِمْ كلِّهَا إِلَى الَمنَاكِبِ وَالآبَاطِ مِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ". [صحيح]
- وله (6) في أخرى. قال ابن الليث: "إِلَىَ مَا فَوْقَ المِرْفَقَيْنِ". [صحيح]
"جَزْعُ ظفاَر، وجزعُ أَظفاَرِ" فأما ظفار (7) بوزن قطام، فهو مدينة باليمن، ينسب الجزع إليها، وأما أظفار فهو اسم لنوع من الجزع يعرفونه.
و"الصَّعيدُ" التراب، وقيل وجه الأرض.
والمراد: "بِالطِّيبِ" الطاهر منه.
(1) في "السنن"(1/ 227).
(2)
في مختصر "السنن"(1/ 201).
(3)
في "السنن" رقم (314).
(4)
في "المخطوط": كراوية. وهو خطأ.
(5)
في "السنن" رقم (218)، وهو حديث صحيح.
(6)
لأبي داود في "السنن" رقم (319)، وهو حديث صحيح.
وأخرجه ابن ماجه رقم (571).
(7)
انظر: ما تقدم.
"وفي أخرى لأبي داود" أي: من رواية عمّار.
"أنهم تمسّحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر [323 ب] وضربوا أكفهم بالصعيد، ثم مسحوا [بوجوههم] (1) مسحة واحدة ثم عادوا فضربوا أكفهم بالصعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم" أي: ومسحوا الآباط من بطون أيديهم كما سلف.
"وله" أي: أبي داود.
"قال ابن الليث: إلى ما فوق المرفقين".
قلت: قال الحافظ المنذري (2) بعد سرد هذا الكلام: حديث عمار لا يخلو إما أن يكون عن أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم أَوْلا.
فإن لم يكن عن أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا، ولا حجة لأحد مع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم والحقُّ أحقُّ أن يتبع.
وإن كان عن أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم فهو منسوخ، وناسخه حديث عمّار أيضاً، وقال الإمام الشافعي (3) رحمه الله: ولا يجوز على عمار إذ ذكر تيممهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية إلى المناكب، إن كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه منسوخ عنده، إذ روى:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتيمم على الوجه والكفين" أو يكون لم يرو عنه إلا تيمماً واحداً، أو اختلفت روايته عنه، فتكون رواية ابن الصمة التي لم تختلف أثبت، وإذ لم تختلف فأولى أن يؤخذ بها؛ لأنها أوفق بكتاب الله من الروايتين اللتين رويتا مختلفتين.
(1) كذا في الشرح وفي نص الحديث وجوههم.
(2)
في مختصر "السنن"(1/ 201 - 202).
(3)
ذكره الحازمي في "الاعتبار"(ص 184).
وانظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (4/ 56).
أو يكونوا لما سمعوا آية التيمم عند حضور صلاة، فتيمموا فاحتاطوا، وقعوا على غاية ما يقع عليه اسم اليد؛ لأنه لا يضرهم، كما لا يضرهم لو فعلوه في الوضوء، فلمّا صاروا إلى مسألة النَّبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنه يجزئهم من التيمم أقل مما فعلوا، وهذا أولى المعاني عندي. انتهى (1).
وقال المنذري (2) في هذه الرواية: أنه أخرجها ابن ماجه (3) ثم قال: وهو منقطع، فعبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر. انتهى.
قلت: والروايات كلها التي أتى بها صاحب التيسير، وصاحب "الجامع"(4)، هي من رواية عبيد الله المذكور، فهي كلها منقطعة.
وقال الخطابي (5): لم يختلف أحد من العلماء أنه لا يلزم المتيمم أن يمسح ما وراء المرفقين بالتراب.
قال المنذري (6): وفيما قاله نظر، فقد ذكر [324 ب] ابن المنذر والطحاوي وغيرهما عن الزهري (7) أنه كان يرى التيمم إلى الآباط. انتهى.
وكأنه ما بلغه ما صح من تعليمه صلى الله عليه وسلم لكيفية التيمم، فهو معذور (8).
(1) من "مختصر السنن"(1/ 201 - 202).
(2)
في "مختصر السنن"(1/ 200).
(3)
في "السنن" رقم (571).
(4)
(7/ 255 - 258).
(5)
في "معالم السنن"(1/ 224 - مع السنن).
(6)
في "مختصر السنن"(1/ 202).
(7)
انظر: "البحر الزخار"(1/ 127)، "فتح الباري"(1/ 456 - 457).
(8)
انظر: "التمهيد"(3/ 545)، "المحلى"(2/ 212).
مسائل أحمد لأبي داود (ص 15)، "فتح الباري"(1/ 456).
الثالث:
3 -
وعن شقيق قال: "كُنْتُ بَيْنَ عَبْدِ الله بِنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى رضي الله عنهما، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ، فَلَمْ يَجِدْ المَاءَ شَهْرًا، كَيفَ يَصْنَعُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: لَا يَتيَمَّمُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ المَاءَ شَهْرًا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ، {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (1). قَالَ عَبْدُ الله: لَوْ رُخِّصَ لهُمْ فِي هَذِهِ الآَيَةَ لَأَوْشَكَ، إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمْ المَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَعَبْدِ الله: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ رضي الله عنهما: بَعَثَني رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدَ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ. ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا، وَضَرَبَ بِكَفّيْهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ". أخرجه الخمسة (2) إلا الترمذي. [صحيح]
- وعند مسلم (3): "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى اليَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفِّه وَوَجْهَهُ". [صحيح]
قَالَ عَبْدُ الله: أَوَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ رضي الله عنهما.
- وفي أخرى: "أَنَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ، فَنَفَضَ يَديه، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكفَّيْهِ". وهذا لفظ الشيخين (4). [صحيح]
(1) سورة المائدة الآية (6).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (338، 341، 346، 347، 397)، ومسلم رقم (368)، وأبو داود رقم (321)، والنسائي (1/ 170).
(3)
في "صحيحه" رقم (111/ 368).
(4)
أخرجه البخاري رقم (347)، ومسلم رقم (368)، وأخرجه أحمد (4/ 265).
حديث: "شقيق"(1) هو ابن سلمة الأسدي، أبو عبد الله الكوفي ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز.
"قال: كنت عند عبد الله" يريد ابن مسعود.
"وأبي موسى، فقال أبو موسى: أرأيت" أي: أخبرني.
"يا أبا عبد الرحمن! لو أن رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً، كيف يصنع بالصلاة، قال: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهراً" بناءً من ابن مسعود أنه لا يرفع الجنابة إلا الماء، ويأتي تعلله لما قال بعلة من نظره.
"فقال أبو موسى: كيف بهذه الآية في سورة المائدة، {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (2) فإنه تعالى أمر غير الواحد، بالتيمم بعد ذكره أسباب موجباته من المرض، أو السفر، والمجيء من الغائط، ولمساس النساء، وهو جماعهن على ما هو الحق، وقرّرناه في "سبل السلام" (3) وغيره، وإذا كان تعالى قد أمر غير الواحد بالتيمم فكيف يقال أنه لا يتيمم من أجنب، إذا عدم الماء، ولو بقي شهراً؟.
"فقال عبد الله" جواباً على دليل أبي موسى.
"لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك" أي: قرب.
(1)"التقريب"(1/ 354 رقم 96).
(2)
سورة المائدة الآية (6).
(3)
(1/ 359 - 360 - بتحقيقي): حيث قال الشارح: والحقُّ أنَّ التيمم يقوم مقام الماء، ويرفع الجنابة رفعاً مؤقتاً إلى حال وجدان الماء. أمّا أنه قائمٌ مقام الماء، فلأنه تعالى جعله عوضاً عنه عند عدمه، والأصل أنَّه قائم مقامه في جميع أحكامه، فلا يخرج عن ذلك إلا بدليل.
"إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد" وهذا استدلال من نظر عبد الله ويقال له: قد رخص الله لهم في الآية، فما معنى:"لو رخص لهم" ولا يخفى أنّ هذه العلة التي ذكرها تجري في التيمم من الحدث غير الجنابة، وأنه يرفع شرعية التيمم.
ثم قال أبو موسى: "قلت له: إنما كرهتم" أي: قلتم بالحضر، "لذا" الدليل.
"قال نعم" ظاهر الكلام أن القائل "قلت" أبو موسى والقائل "نعم" عبد الله، لكن قال في "الفتح" (1): أن القائل: "قلت" هو الأعمش، والمقول له شقيق، فروى له أبو موسى حديث عمَّار، لما لم يأت عبد الله بدليل ناهض على ذلك، وأخبره أنه لا دليل له إلا ما أخبره به.
"فقال أبو موسى لعبد الله: ألم تسمع قول عمار لعمر رضي الله عنهما، بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة" كأنه أقاس جملة البدن على [325 ب] أعضاء التيمم، والتراب على الماء في عموم البدن به، وأخذ رفع الجنابة بالتراب من الآية، كما قررناه.
"ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له" فأقره صلى الله عليه وسلم على ما فهمه من رفع الجنابة بالتراب، لكنه عليه كيفية التيمم منها.
"فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، وضرب بكفيه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه" شك من أحد الرواة، قال في "الفتح" (2): كذا بالشك، بجميع الروايات، وفي رواية أبي داود (3) تحرير ذلك من طريق أبي معاوية، ولفظه:"ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه"، وفيه الاكتفاء بضربة واحدة.
(1)(1/ 456).
(2)
(1/ 456).
(3)
في "السنن" رقم (321)، وهو حديث صحيح.
قلت: وعليه ترجم البخاري (1) الحديث فقال: "باب التيمم ضربة". ونقل (2) ذلك ابن المنذر، عن جمهور العلماء واختاره، وفيه أن الترتيب غير مشترط في التيمم.
"ثم مسح بهما وجهه" وهذه هي الكيفية الذي تقدم أنها أقوى الروايات.
قوله: "أخرجه الخمسة، إلاّ الترمذي" وفي ألفاظهم اختلاف.
"وعند مسلم، إنما كان يكفيك أن تقول بيدك" من إطلاق القول على الفعل.
"هكذا ثم ضرب بيده الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه" فلما فرغ أبو موسى من رواية حديث عمار لعبد الله.
"قال" له "عبد الله أو لم تر عمر لم يقنع بقول عمار" قال في "فتح الباري"(3): إنما لم يقنع عمر بقول عمار، لكونه أخبره أنه كان معه في تلك الحال، وحضر معه تلك القصة، ولم يتذكر ذلك عمر أصلاً، ولذ قال: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث به، ثم قال عمر:"نوليك ما توليت" رواه مسلم (4).
قال [المنذري](5): معنى قول عمر: "اتق الله يا عمار" أي: فيما ترويه، وتثبت فيه، فلعلّك نسيت أو اشتبه عليك، وإني كنت معك، ولا أتذكر شيئاً من هذا، ومعنى قول عمار:"إن رأيت" المصلحة في الإمساك (6) عن التحديث به على التحديث، راجحه: وافقتك، وأمسكت فإني قد
(1) في "صحيحه"(1/ 455 الباب رقم 8 - مع الفتح).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 456 - 457).
(3)
(1/ 457).
(4)
في "صحيحه" رقم (368).
(5)
كذا في "المخطوط"، وهو خطأ. بل القائل النووي في "شرح مسلم"(4/ 62).
وانظر: "فتح الباري"(1/ 457).
(6)
انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 62 - 63). =
بلغته، فلم يبق عليَّ فيه [326 ب] حرج، فقال له عمر:"نوليك ما توليت" أي: لا يلزم من كوني لا أتذكره أن لا يكون حقاً في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحديث به. انتهى.
قلت: ولا يخفى أن قول عبد الله لأبي موسى أنه: "لم يقنع عمر بحديث عمار" قدح في رواية عمار، إلا أنه لا قدح فيها بنسيان عمر، ولذا أمر عمر عمار بأن يحدث بذلك، ولو كان قدحاً فيها لما أذن له، فالحق مع أبي موسى في مناظرة عبد الله بن مسعود، وقد قيل: أن ابن مسعود رجع عن ذلك.
واستفيد من الحديث أن مسح ما زاد على الكفين ليس بفرض، وإليه ذهب أحمد (1) وإسحاق (2)، وابن جرير (3)، وابن المنذر (4)، وابن خزيمة (5)، ونقله الخطابي (6) عن أصحاب الحديث.
قلت: وقوله صلى الله عليه وسلم: "يكفيك" صريح في ذلك، كما في الرواية الأخرى:"إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيده الأرض، فنفض يديه فمسح وجهه وكفيه" هذا لفظ الشيخين.
الرابع: حديث (عبد الرحمن بن أبزى):
4 -
وعن عبد الرحمن بن أبزى: "أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً؟ فَقَالَ لَهُ: لَا تُصَلِّ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَاَصَابَتْنَا جَنَابَة، فَلَمْ
= "فتح الباري"(1/ 457).
(1)
انظر: "المغني"(1/ 331).
(2)
مسائل أحمد وإسحاق (1/ 19).
(3)
في "جامع البيان"(8/ 214 - 215).
(4)
انظر: "المغني"(1/ 332).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 457).
(6)
في معالم "السنن"(1/ 232 - 333).
نَجِدْ المَاءً، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أنَّا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكفَّيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: اتَقِ الله يَا عَمَّارُ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ". أخرجه الخمسة (1) إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]
- وعند أبي داود (2): "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ". [صحيح دون قوله: "إلى نصف الذراع" فشاذٌ]
وفي أخرى له (3): "وَلَمْ يَبْلُغْ المِرْفَقَيْنِ ضَربَةً وَاحِدَةً". [صحيح]
وفي أخرى له (4): "إِلىَ المِرْفَقَيْنِ". [منكر]
- وأخرج الترمذي (5) من هذا الحديث: "أَنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِالتَيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ. قَالَ: وَقَدْ رُوِىَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: تَيَمَّمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَنَاكِبِ وَالآبَاطِ".
"السَّرّيَهُ"(6) قطعة من الجيش، تبلغ أربعمائة.
(1) أخرجه البخاري رقم (338، 339، 340، 341)، ومسلم رقم (368)، وأبو داود رقم (326)، والنسائي (1/ 165 - 170).
وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن" رقم (322)، وهو حديث صحيح دون قوله:"إلى نصف الذراع فشاذٌّ".
(3)
أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (323) وهو حديث صحيح.
(4)
أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (328) وهو حديث منكر.
(5)
في "السنن" بإثر الحديث رقم (144).
(6)
"النهاية في غريب الحديث"(1/ 773).
"غريب الحديث" للخطابي (1/ 206).
وقوله: "نولِّيكَ ما توليتَ" أي: نكلك إلى ما قلت، ونرد إليك ما وليته نفسك، ورضيت لها به.
"أن رجلاً أتى عمر فقال: إني أجنبت، فلم أجد ماء، فقال له عمر: لا تُصلِّ" هذا كان رأي عمر، وكأنه كان يرى الملامسة، في الآية مراد بها غير الجماع، وهو أحد الأقوال فيها، وتقدم أنا اخترنا أنه الجماع، ثم ذكر المصنف قصة عمّار، وقد تقدم الكلام فيها.
قوله: "وكفيك" هي توافق رواية الشيخين.
وفي الراوية الأخرى: "إلى نصف الذراع" قال الحافظ ابن حجر (1): فيها مقال.
وفي الأخرى: "ولم يبلغ المرفقين" يحمل على اقتصاره على الكفين.
وفي أخرى له: "إلى المرفقين".
قلت: ترجم البخاري (2) بقوله: باب التيمم للوجه والكفين. قال ابن حجر (3): أي هو الواجب المجزيء، وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه، لقوة دليله، فإن الأحاديث
(1) في "الفتح"(1/ 445).
قال الحازمي في "الاعتبار"(ص 184) قال الشافعي: "ولا يجوز على عمَّار إذا كان ذكر تيممهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية إلى المناكب إن كان عن أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا أنه منسوخ عنده إذ روي أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بالتيمم على الوجه والكفين.
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 445)، ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين، كون عمّار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره، ولا سيما الصحابي المجتهد.
(2)
في "صحيحه"(1/ 444 الباب رقم 5 - الفتح).
(3)
في "فتح الباري"(1/ 444).
الواردة في صفة التيمم، لم يصح منها سوى حديث [أبي](1) جهيم (2) وعمار (3) ، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه. انتهى.
الخامس: حديث (عمران بن حصين رضي الله عنه):
5 -
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: "رَأَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ القَوْمِ، فَقَالَ يَا فُلَانُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَصَابَتْني جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ". أخرجه الشيخان (4) والنسائي (5)، وهذا لفظهم. [صحيح]
"قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً معتزلاً" قيل: هو خلاد بن رافع (6)، أخو رفاعة بن رافع.
"لم يصل [327 ب] مع القوم" هو بيان اعتزاله.
"فقال يا فلان: ما منعك أن تصلي مع القوم" أي: الذين صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم ففي البخاري (7): "فصلَّى أي: النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بالناس، إذ هو برجل
…
" وذكر الحديث، وهذه القضية في
(1) لم تظهر في التصوير، وأثبتناها من "فتح الباري"(1/ 444).
(2)
أخرجه البخاري رقم (337) ومسلم رقم (114/ 369) عن الأعرج، قال: سمعت عُميراً مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار حتى دخلنا على أبي الجُهيم بن الحارث بن الصّمَّة الأنصاري فقال: أقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم منْ نحو بئر حَمَلٍ فلقيه رجلٌ فسلَّم عليه فلم يردَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسحَ بوجهه ويديه ثم ردّ عليه السلام".
(3)
وهو حديث وقد تقدم.
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (344، 348، 3571)، ومسلم رقم (312/ 682).
(5)
في "السنن"(1/ 171)، وهو حديث صحيح.
(6)
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 451) لم أقف على تسميته، ووقع في شرح العمدة للشيخ سراج الدين ابن الملقن ما نصه: هذا الرجل هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة، شهد بدراً.
(7)
في "صحيحه" رقم (344).
نومهم عن الصلاة، وهي صلاة الفجر، وترجم البخاري (1) للحديث بقوله: باب الصعيد الطيب، وضوء المسلم (2).
"فقال: [يا رسول] (3) الله أصابتني جنابة ولا ماء" بفتح الهمزة وحذف خبر: "لا" أي: موجود (4).
"قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك" أي: لرفع الجنابة، حيث لا ماء، وهو دليل على تيمم الجنب وأنه يرفع الجنابة، وكأن الذي اعتزل الصلاة كان جاهلاً لذلك، وأنه حمل الآية:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (5) على بعض الملامسة، وهي المس الحدث الأصغر، والحق ما قدمناه من أنه أريد بها الجماع، أو لعلّه لم يستحضر الآية، أو ما كان يقرأ القرآن، فما كل الصحابة قرأوا القرآن. وتقدم الكلام قريباً في رفع التراب للجنابة.
قال في "الفتح"(6): كأنه يريد أنه ترك الصلاة بناءً على عدم رفع التراب للجنابة، وهو عن اجتهاد لحمله الملامسة على نقضها الحدث الأصغر، وفيه أن العالم إذا رأى فعلاً محتملاً أن يسأل فاعله عن الحال، ليوضح له وجه الصواب.
قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي وهذا لفظهم" أي: من ألفاظهم، وإلاّ ففي لفظ البخاري (7) زيادة.
(1) في "صحيحه"(1/ 446 الباب رقم 6 - مع الفتح).
(2)
كذا في "المخطوط"، والذي في "الفتح": الصَّعيدُ الطَّيبُ وَضوءُ المسلم يكفيه من الماء.
(3)
في (أ. ب): مكررة.
(4)
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 451): بفتح الهمزة أي: معي أو موجود وهو أبلغ في إقامة عذره.
(5)
سورة المائدة الآية (6).
(6)
(1/ 451)
(7)
وهو كما قال الشارح.
السادس: حديث (أبي ذر رضي الله عنه):
6 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه: أنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الصَّعِيدُ الطَّيَّبُ وَضُوءُ المُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ المَاءَ فَلْيُمسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ". أخرجه أصحاب السنن (1)، وهذا لفظ الترمذي. [حسن]
"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصعيد الطيب" الطاهر.
"وضوء المسلم" فيه تسمية التيمم وضوءاً، وفي "التخليص" (2) لابن حجر: أنّ لفظ الترمذي (3): "طهور المسلم".
"وإن لم يجد الماء عشر سنين" أي: وما فوقها، وهو إخبار بكفاية التراب مطلقاً، ولو العمر، لو فرض فقد الماء.
"فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" في رواية أبي هريرة عند البزار (4) وغيره (5).
(1) أخرجه أبو داود رقم (332، 333)، والترمذي رقم (124)، والنسائي رقم (322)، ولم يخرجه ابن ماجه، وأخرجه أحمد (5/ 146 - 147، 155)، وهو حديث حسن، والله أعلم.
(2)
(1/ 271).
(3)
في "السنن" رقم (124)، وهو كما قال ابن حجر.
(4)
مختصر زوائد البزار (1/ 175 رقم 193)، وفي "مسنده" رقم (300 - كشف).
(5)
كالطبراني في "الأوسط" رقم (1333).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 261)، وقال: "رواه البزار وقال: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه.
قلت: ورجاله رجال الصحيح.
وقال ابن القطان في "الوهم والإيهام"(5/ 266): إسناده صحيح، وتعقبه الزيلعي في "نصب الراية" (1/ 150) بقوله:"وهو غريب من حديث أبي هريرة وله علة، والمشهور حديث أبي ذر الذي صححه الترمذي وغيره" اهـ.
"فليتقِ الله وليمسَّه بشرته" والأمر للإيجاب وأنه يمسه بشرته [328 ب] لما مضى من الجنابة، وأما ما يستقبله فهو معلوم، وجوب استعماله الماء.
وفيه دليل أن التراب يرفع الحدث رفعاً مؤقتاً بوجدان الماء؛ فإن وجده عاد عليه حكم الجنابة.
"فإن ذلك" أي: إمساس الماء بشرته.
"خير" وهو أيضاً يدل على الإيجاب؛ لأن نقيضه شر، وهو منهي عنه.
قوله: "أخرجه أصحاب السنن، وهذا لفظ الترمذي وصححه".
قلت: لم أجده في الترمذي (1)، في باب ما جاء في التيمم فينظر، وهو في "الجامع"(2).
السابع: حديث (ابن عباس رضي الله عنه):
7 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: وقد سئل عن التيمم: "إِنَّ الله قَالَ فِي كِتَابِهِ حِينَ ذكَرَ الوُضُوءَ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (3) وَقَالَ فِي التَّيَمُّمِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (4) وَقَالَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (5) وَكَانَتْ السُّنَّةُ فِي القَطع الكَفَّيْنِ، إنَّمَا هُوَ الوَجْهُ وَالكَفَيْنِ، يَعْنِي التَّيَمُّمَ". أخرجه الترمذي. [إسناده ضعيف]
"أنه قال: وقد سئل عن التيمم" كأن المراد عن مبلغه في اليدين، كما يشعر به جوابه.
(1) بل هو عند الترمذي في "السنن"(1/ 211 - 212 باب رقم 92).
باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء.
(2)
(7/ 259 - 261).
(3)
سورة المائدة الآية (6).
(4)
سورة المائدة الآية (6).
(5)
سورة المائدة الآية (37).
"إن الله تعالى قال في كتابه حين ذكر الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (1) " فبيّن منتهي الغسل.
"وقال في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (2) " ولم يبين الغاية.
"وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (3) " فأجمله كما أجمله في التيمم.
"وكانت السُّنة في القطع" للسارق.
"الكفين" كما سلف في الحدود.
"إنما هو" أي: التيمم.
"للوجه والكفن" كأن الظاهر الكفان، وكأنه بتقدير مضاف، أي: يمسح الوجه والكفين.
وقوله: "يعني التيمم" مدرج ويحتمل أنه من قول ابن عباس.
إن قلت: قد ورد مبيناً في آية الوضوء، ومجملاً في آية التيمم والقطع، ووقع البيان النبوي، فكيف حملها ابن عباس على المجمل الذي بينته السنة النبوية ولم يحملها على الآية المُبيِّنة، والوضوء أقرب إلى التيمم من القطع؟.
قلت: كأنه أراد أنه أيضاً ثبت بالسنة بيان الكتاب، لكنه تأيد بإلحاق بالآية، وإلا فلو لم يثبت بالسنة لكان إلحاقه بالوضوء أولى أو متعين.
قوله: "أخرجه الترمذي".
قلت: وقال (4): هذا حديث حسن صحيح غريب.
(1) سورة المائدة الآية (6).
(2)
سورة المائدة الآية (6).
(3)
سورة المائدة الآية (38).
(4)
في "السنن"(1/ 273).
الثامن: حديث (طارق):
8 -
وعن طارق: "أَنْ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يُصَلِّ، فَأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ له ذَلِكَ فَقَالَ: أَصبْتَ. فَأَجْنَبَ آخَرُ، فَتَيَمَّمَ وَصلَّى، فَأتَاهُ فَقَالَ: نَحْوَ مَا قَالَ لِلآخَرِ، يَعْني أَصَبْتَ". أخرجه النسائي (1). [صحيح]
"أن رجلاً أجنب فلم يُصلِّي" كأنه لعدم علمه بأن التراب يرفع الجنابة.
"فأتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال: أصبت" كأنه صوّبه لجهله بأن التراب يرفع الجنابة.
"فأجنب آخر فتيمم وصلَّى فأتاه" أي: أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له ما فعل.
"فقال له: نحو ما قال للآخر، يعني أصبت"؛ لأنه فعل ما أمر الله به.
قوله: "أخرج النسائي".
التاسع [329 ب]: حديث (ابن عباس رضي الله عنه):
9 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أَصابَ رَجُلاً جُرْحٌ عَلىَ عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ احْتِلمَ، فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ الله، أَلَا سَألوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّما شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالَ؟ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتيَمَّمَ، وَأَنْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ". أخرجه أبو داود (2). [حسن]
"قال: أصاب رجلاً جرح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم احتلم، فأمر بالاغتسال" في رواية في "الجامع"(3) منسوبة إلى رزين: "فسأل من لا علم له بالسنة: هل له رخصة في التيمم؟ فقالوا له: لا".
(1) في "السنن"(1/ 172). وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن" رقم (337).
وأخرجه الحاكم (1/ 178)، وابن خزيمة رقم (273)، وابن حبان رقم (1314). وهو حديث حسن.
(3)
(7/ 263 رقم 5295).
قوله: "فاغتسل فمات فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوه قتلهم الله ألم يكن شفعاء العي" بكسر العين المهملة.
"السؤال" زاد أبو داود (1) في روايته عن جابر: "ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العين السؤال؟ جعل العي داء شفاؤه السؤال" إلى هنا انتهت رواية ابن عباس عند أبي داود. وزاد أبو داود من رواية جابر: "إنما كان يكفيك أن يتيمم وأن يعصب" في أبي داود: "يعصب أو يعصر" قال: شك موسى.
"على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده" اعلم أن المصنف رحمه الله خلط رواية ابن عباس برواية جابر، كما بيناه، وجعل الكل من رواية ابن عباس، وهما روايتان في "الجامع"(2) ظاهرتان، فما كان له ذلك، بل كان الواجب أن يذكر بعد لفظ رواية ابن عباس، التي انتهت إلى قوله:"السؤال" ثم يقول: زاد أبو داود عن جابر: "إنما يكفيه
…
" إلى آخره، وقد استوفينا الكلام على فوائد الحديث، في "سبل السلام" (3).
قوله: "أخرجه أبو داود" قال الحافظ ابن حجر (4): وصححه ابن السكن، وقال ابن أبي داود: تفرّد به الزبير بن خريق، وكذا قال الدارقطني (5)، وليس بالقوي. انتهى.
(1) في "السنن" رقم (336).
وأخرجه الدارقطني في "السنن"(1/ 189 رقم 3). وهو حديث حسن بدون بلاغ عطاء.
(2)
(7/ 262 - 264).
(3)
(1/ 233 - 238).
(4)
في "التلخيص"(1/ 147).
(5)
في "السنن"(1/ 189).
في "السنن" رقم (337)، وهو حديث حسن.
ولفظ أبي داود: بلغني عن عطاء، عن ابن عباس، وبلفظ: أخبرني الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح، وساق حديث ابن عباس بالبلاغ.
ورواية جابر التي ذكرناها فيها الزبير بن خريق، بضم الخاء المعجمة فراء، فمثناة تحتية فقاف، وفيه ما ذكرنا، وذكره ابن حبان في "الثقات"(1).
العاشر: حديث (عمرو بن العاص):
10 -
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ، فَتيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، فَذَكرُوا ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي عَنْ الِاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ الله يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} (2) فَضَحِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا". أخرجه أبو داود (3). [صحيح]
"قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل" بمهملتين، وفتح الأولى وقد تضم، اسم ماء بأرض بني عذرة من جذام، وهي وراء وادي القرى، وقيل: سميت بذلك لأنَّ المشركين
(1)(4/ 262).
(2)
سورة النساء الآية (29).
(3)
في "السنن" رقم (334، 335).
وأخرجه أحمد (4/ 203)، والدارقطني (1/ 178 رقم 12)، والبخاري في "صحيحه"(1/ 454 - مع الفتح) تعليقاً.
وقال الحافظ: "هذا المعلق وصله أبو داود والحاكم
…
" وإسناده قوي.
وأخرجه ابن حبان رقم (202 - موارد)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 177)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
ارتبط بعضهم ببعض، خشية أن يفروا، وكان بعثه في السابعة، وقيل:[330 ب] في الثامنة، وكان عمرو هو أمير السرية (1).
"فأشفقت إن اغتسلت" خفت أن أهلك لشدة البرد.
"فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح"؛ لأنه كان أميرهم، فهو أحق بالإمامة.
"فذكروا ذلك للنَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنت" فيه دليل على أنه لا يرفع التراب الجنابة، ولكنه قد عارض حديث أبي ذر (2) رضي الله عنه وغيره، فكأنه صلى الله عليه وسلم حكي له ما قال له أصحابه، وإن كان تقريره صلى الله عليه وسلم لهم في تسمية جنباً، يشعر بأنها لم ترتفع الجنابة عنه.
"فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال" وهو خوفه الهلاك.
"وقلت: إني سمعت الله عز وجل يقول: ولا تقتلوا أنفسكم" عبّر بالمضارع، والقول قد سبق، والسماع؛ لأن الخطاب بالقرآن شامل للأوقات كلها.
"إن الله كان بكم رحيماً" فأخذ العموم من الآية، وإلاّ فسياق الآية في النهي عن ارتكابا المنهيات، فإنه يؤدي إلى هلاكها، ففي الجلالين: ولا تقتلوا أنفسكم بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها، إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة (3)
"فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل له شيئاً" فقرّره على اجتهاده ودل أن مخافة ضر الماء، تبيح العدول إلى التراب مع وجود الماء.
(1) انظر: "طبقات ابن سعد"(2/ 131).
(2)
تقدم تخريجه وهو حديث حسن.
(3)
قال ابن كثير في "تفسيره"(3/ 445) أي بارتكاب محارم الله، وتعاطي معاصيه، وأكل أموالكم بينكم بالباطل:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} أي: فيما أمركم به ونهاكم عنه.
وأنّ التقييد في الآية بقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} (1) خرج على الأغلب، لا أنه لا يباح التراب (2) إلاّ مع عدم الماء.
قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري في "مختصر السنن"(3): أنه حسن، وفيه كلام في "التلخيص"(4).
وفي رواية لأبي داود (5): "أنه غسل مغابنه وتوضأ" ولم يقل: "تيمم"، قال البيهقي (6): الجمع بينهما أنه توضأ ثم تيمم عن الباقي، قال النووي (7): وهو متعين.
الحادي عشر: حديث (أبي سعيد رضي الله عنه):
11 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ ولَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ، فَتيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا المَاءَ فِي الوَقْتِ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلَاةَ وَالوُضُوءَ وَلَمْ يُعِدِ الآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: أَصَبْتَ السُّنّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ، وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ وَأَعَادَ: "لَكَ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ". أخرجه أبو داود (8) والنسائي (9). [حسن]
(1) سورة المائدة (6).
(2)
انظر: "المغني"(1/ 339)، "الأوسط" لابن المنذر (2/ 26)، "المبسوط"(1/ 122).
(3)
(1/ 207 - 208)، ولم أقف على كلام المنذري كما قال الشارح.
(4)
(1/ 265)
(5)
في "السنن" رقم (335)، وهو حديث صحيح.
(6)
في "السنن الكبرى"(1/ 226).
(7)
في "المجموع شرح المهذب"(2/ 366).
(8)
في "السنن" رقم (338).
(9)
في "السنن" رقم (433).
قال أبو داود في "السنن"(1/ 242)، والمنذري في مختصر "السنن" (1/ 210): أخرجه النسائي مسنداً ومرسلاً. =
"قال: خرج رجلان" لم يذكر أحدٌ اسمهما.
"في سفر فحضرت الصلاة" أي: حضر وقتها.
"وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً" وفيه أنهما لم يلتمسا الماء، ولا سألا عنه ولا طلباه، ولا انتظرا إلى آخر الوقت، وهو خلاف ما تقوله الهادوية (1).
"ثم وجد الماء في الوقت" أي: وقت تلك الصلاة.
"فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء" سمّاه إعادة؛ لأن التيمم [331 ب] يسمى وضوءاً.
"ولم يعد الآخر" صلاته.
"ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال للذي لم يُعدْ: أصبت السنة" بعدم الإعادة؛ لأنه قد أتى بالصلاة في وقتها، وتيمم لعدم الماء.
"وأجزأتك صلاتك" لحصول شرطها.
"وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين" بصلاته الأولى، وهي الفرض، وبالثانية وهي نفل، ولو كانت الأولى باطلة لم يكن له أجر، ولا أجزأت فاعلها، وفيه دليل على الاجتهاد في عصره صلى الله عليه وسلم، كما في حديث عمرو ابن العاص، وأن المراد من قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} أي: حاضراً عندكم.
"قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" أخرجه والنسائي مسنداً ومرسلاً، وقال أبو داود (2) بعد إخراجه: وَذِكْر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ (3) وهو مرسل، ثنا عبد الله بن
= وأخرجه الدارمي في "السنن"(1/ 190)، والحاكم (1/ 178)، وقال:"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي. والدارقطني (1/ 188 - 189 رقم 1)، وهو حديث حسن.
(1)
انظر: "البحر الزخار"(1/ 129).
(2)
في "السنن"(1/ 242).
(3)
قال ابن القطان في "الوهم والإيهام"(2/ 433) مبيناً كلام أبي داود: "نفي هذا من كلام أبي داود بيان أمرين: =
مسلمة، ثنا ابن لهيعة، عن بكر بن سَوَادَة، عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد، عن عطاء بن يسار: "أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
…
" بمعناه. انتهى.
إلاّ أنه قرر ابن حجر في "التخليص"(1) صحة رفعه بعد تطويله الكلام، وذكر عن أبي داود ألفاظاً، أحدهما ما ذكرناه، وكأنها تعددت نسخ أبي داود من رواية من ذكر.
الثاني عشر: حديث (ابن عمر رضي الله عنه):
12 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ أَرْضِهِ بِالجُرْفِ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ بِمَرْبدِ النَّعَمِ [فَتَيَمَّمَ] (2) وَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ المَدِينَةِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدِ"(3). [صحيح]
"أنه أقبل إلى المدينة من أرضه بالجرف" بضم الجيم والراء بعدهما فاء، موضع ظاهر المدينة، كانوا يعسكرون به إذا أرادوا الغزو، قال ابن إسحاق (4): هو على فرسخ من المدينة.
"فحضرت الصلاة" أي: وقتها، ولفظ "الجامع" (5):"فحضرت العصر".
= أحدهما: أن ذكر أبي سعيد وهم، فهو إذاً مرسل من مراسيل عطاء.
والآخر: أن بين الليث وبين بكر بن سوادة وعميرة بن أبي ناجية، فلم يذكر أبو محمد - أي الأشبيلي في الأحكام الوسطى - هذا الانقطاع الذي بين الليث وبين بكير
…
" اهـ.
(1)
(1/ 273).
(2)
لم يذكرها البخاري في "صحيحه".
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 441 الباب رقم 3 - مع الفتح) معلقاً.
قال الحافظ في "الفتح"(441) قال الشافعي: "أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر: أنَّه أقبل من الجرف، حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلّى العصر". وذكر بقية الخبر كما علقه المصنف.
قال الحافظ: ولم يظهر لي سبب حذفه منه ذكر التيمم مع أنَّه مقصود الباب.
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 441).
(5)
(7/ 266 - 267).
"بمريد" بكسر الميم وفتح الراء بعدها، فموحدة مفتوحة، وروي بفتح الميم على ميل من المدينة (1).
"النَّعم" بفتح النون والعين المهملة.
"فتيمم وصلَّى، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة" دلَّ أنها صلاة العصر.
"فلم يعد" ففيه دليل على أن عدم حضور الماء (2) بعد حضور وقت الصلاة يبيح التيمم، ولا ينتظر حتى يدرك الماء، وإن كان يدركه قبل خروج الوقت، وهو تفسير لقوله:{فَلَمْ تَجِدُوا} بحضوره، وإن كان فعل صحابي، لكنه قد دلَّ لصحته ما سلف من صلاة الرجلين، في حديث أبي سعيد.
وقال في "فتح الباري"(3) - بعد سياقه -: وهذا يدل على أن ابن عمر يرى جواز التيمم للحاضر؛ لأن مثل [332 ب] هذا لا يسمى سفراً.
وهذه الراوية ذكر في "الجامع"(4) أنه أخرجها رزين ولم يجدها ابن الأثير.
- وفي رواية عن نافع: "أنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَعَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما مِنْ الجُرُفِ، حَتَّى إِذَا كَانَا بِالمِرْبَدِ نَزَلَ عَبْدُ الله، فَتيَمَّمَ صَعِيدًا طَيَّبًا، فَمَسَحَ بِوَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى". أخرجه مالك (5). [موقوف صحيح] قلمت: وأخرجه البخاري (6) في ترجمة، والله أعلم.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 441).
(2)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(2/ 350 - 353).
"الاختيار لتعليل المختار"(1/ 30).
(3)
(1/ 442).
(4)
(7/ 267).
(5)
في "الموطأ"(1/ 56 رقم 90)، وهو أثر موقوف صحيح.
(6)
انظر ما تقدم.
وقوله: "وفي رواية نافع أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف حتى إذا كانا بالمربد نزل عبد الله فتيمم صعيداً طيباً، فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى".
قلت: هذا لفظ رواية مالك (1)، تمامه في "الجامع" (2):"وفي أخرى: وكان عبد الله بن عمر يتيمم إلى المرفقين".
قلت: وهو في "الموطأ"(3) بلفظ: "عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى المرفقين".
قوله: "أخرجه مالك".
قلت: الأولى أخرجها رزين، ولم يجدها ابن الأثير كما قدمنا كلامه.
قال: والباقي - يريد رواية نافع عنه - أخرجها مالك (4).
قلت: ورأيناه في "الموطأ" كما قاله ابن الأثير:
ولم يذكر مالك رواية (5): "أقبل من أرضه بالجرف" بل لم يجدها ابن الأثير لأحد كما تقدم، وإذا عرفت هذا عرفت تخليط المصنف، ونسبة ما هو لرزين إلى "الموطأ" وهو غير صحيح.
قوله: "قلت: وأخرجه البخاري (6) في ترجمة" انتهى.
(1) في "الموطأ"(1/ 56 رقم 90، 91)، وهو أثر موقوف صحيح.
(2)
(7/ 267).
(3)
في "الموطأ"(1/ 56 رقم 91)، وهو أثر موقوف صحيح.
(4)
في "الموطأ"(1/ 56 رقم 91)، وهو أثر صحيح.
(5)
بل أخرجها في "الموطأ"(1/ 56 رقم 90)، عن نافع: أنّه أقبل هو وعبد الله بن عمر، من الجرف حتى إذا كان بالمربد نزل عبد الله فتيمم صعيداً طيباً، فمسح وجهه ويديَّه إلى المرفقين، ثم صلَّى. وهو أثر موقوف صحيح.
(6)
في "صحيحه"(1/ 441 الباب رقم 3 - مع الفتح)، وقد تقدم لفظه:"وأقبل ابن عمر من أرضه بالجرف فحضرت العصر بمربد النَّعَم فصلَّى، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد". وسيأتي لفظه للشارح.