المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: في غسل الجنابة - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٧

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الصَّيْدِ)

- ‌الفصل الأول: في صيد البرّ

- ‌الفصل الثاني: في صيد البحر

- ‌الفصل الثالث: في ذكر الكلاب

- ‌كتاب الصفات

- ‌حرف الضاد

- ‌كتاب الضيافة

- ‌كتاب الضمان

- ‌حرف الطاء

- ‌ كتاب الطهارة

- ‌الباب الأول: في أحكام المياه

- ‌الباب الثاني: في إزالة النجاسة

- ‌الفصل الأول: في البول والغائط وما يتعلق بهما

- ‌الفصل الثاني: في المني

- ‌الفصل الثالث: في دم الحيض

- ‌الفصل الرابع: في حكم الكلب وغيره من الحيوان

- ‌الفصل الخامس: في الجلود

- ‌الباب الثالث: في الاستنجاء

- ‌الفصل الأول: في آدابه

- ‌الفصل الثاني: فيما يستنجي به

- ‌الباب الرابع: في الوضوء

- ‌الفصل الأول: في فضله

- ‌الفصل الثاني: في صفة الوضوء

- ‌الفصل الثالث: في سنن الوضوء

- ‌الأولى: السواك

- ‌الثانية: غسل اليدين

- ‌الثالثة: الاستنثار والاستنشاق والمضمضة

- ‌الرابعة: تخليل اللحية والأصابع

- ‌الخامسة: مسح الأذنين

- ‌السادسة: إسباغ الوضوء

- ‌السابعة: في مقدار الماء

- ‌الثامنة: المنديل

- ‌التاسعة: الدعاء والتسمية

- ‌الباب الخامس: في الأحداث الناقضة للوضوء

- ‌الأول: في الخارج من السبيلين وغيرهما

- ‌الأول: الريح

- ‌الثاني: المذي

- ‌الثالث: القيء

- ‌الرابع: الدم

- ‌الفرع الثاني: في لمس المرأة والفرج

- ‌الأول: في لمس المرأة

- ‌الثاني: لمس الذكر

- ‌الفرع الثالث: في النوم والإغماء والغشي

- ‌الفرع الرابع: في أكل ما مسته النار

- ‌الأول: في الوضوء

- ‌الثاني: في ترك الوضوء

- ‌الفرع الخامس: في لحوم الإبل

- ‌الفرع السادس: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب السادس: في المسح على الخفين

- ‌الباب السابع: في التيمم

- ‌الباب الثامن: في الغسل

- ‌الفصل الأول: في غسل الجنابة

- ‌الفصل الثاني: في غسل الحائض والنفساء

- ‌الفصل الثالث: في غسل الجمعة والعيدين

- ‌الفصل الرابع: في غسل الميت والغسل منه

- ‌الفصل الخامس: في غسل الإسلام

- ‌الفصل السادس: في الحمّام

- ‌الباب التاسع: في الحيض

- ‌الفصل الأول: في الحائض وأحكامها

- ‌الفصل الثاني: في المستحاضة والنفساء

- ‌كتاب الطعام

- ‌الباب الأول: في آداب الأكل

- ‌التسمية

- ‌هيئة الأكل والآكل

- ‌غسل اليد والفم

- ‌ذم كثرة الأكل

- ‌آداب متفرقة

- ‌الباب الثاني: في المباح من الأطعمة والمكروه

- ‌الفصل الأول: في الحيوان

- ‌الضَّبُ

- ‌الأرنب

- ‌الضبع

- ‌القنفذ

- ‌الحبارى

- ‌الجراد

- ‌الخيل

- ‌الجلَاّلة

- ‌الحشرات

- ‌المضطر

- ‌اللحم

- ‌الفصل الثاني: فيما ليس بحيوان

- ‌طعام الأجنبي

- ‌الباب الثالث: في الحرام من الأطعمة

- ‌الباب الرابع: من الخمسة الأبواب في كتاب الأطعمة

- ‌الباب الخامس: في أطعمة مضافة إلى أسبابها

- ‌طعام الدعوة

- ‌الوليمة

- ‌العقيقة

- ‌الفرع والعتيرة

الفصل: ‌الفصل الأول: في غسل الجنابة

وفيه: ستة فصول

‌الفصل الأول: في غسل الجنابة

(وَفِيهِ سِتَّةُ فُصْولِ)

(الأَولُ: فِيْ غَسْلِ الجَنَابَةِ)

زاد في "الجامع"(1): وفيه ثلاثة أنواع.

الأول: إلتقاء الختانين، في "النهاية" (2): الجنابة هي في الأصل البعد، وسمي الإنسان جنباً؛ لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة حتى يتطهر، وقيل: لمجانبته الناس ما لم يغتسل. انتهى.

الأول: حديث (أبي هريرة رضي الله عنه):

1 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ"(3). أخرجه الخمسة إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]

زاد في رواية (4): "وإِنْ لَمْ يُنْزِلْ". [صحيح].

وعند أبي داود (5)، بَعْدَ قَوْلِهِ الأَرْبَعِ:"فالزَقَ الخِتَانُ بَالخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ". [صحيح]

(1)(7/ 268).

(2)

"النهاية في غريب الحديث"(1/ 295).

(3)

أخرجه البخاري رقم (291)، ومسلم رقم (87/ 348)، وأبو داود رقم (216)، والنسائي رقم (191)، وابن ماجه رقم (610)، وأحمد (2/ 393)، والدارقطني رقم (7)، والدارمي (1/ 194)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 275)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 4 - 5)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 74)، وابن عدي في "الكامل"(1/ 365)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 163)، وهو حديث صحيح.

(4)

أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (87/ 348)، وأحمد (2/ 347).

(5)

في "السنن" رقم (216)، وهو حديث صحيح.

ص: 352

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس" أي: الرجل حذف للعلم به أو أنه تقدم ذكره في سؤال السائل فأضمر.

"بين شعبها الأربع" ضميره وضيمر: "جهدها" للمرأة للعلم بها يأتي تفسير الشعب في كلام المصنف.

"ثم جهدها"(1) بفتحات، أي: بلغ المشقة بها، وكدها بحركته وهو كناية عن معالجة الإيلاج.

"وقال ابن الأعرابي (2): الجهد بالفتح من أسماء النكاح، ولعله كناية مأخوذة من الجهد بمعنى المبالغة.

"فقد وجب الغسل" أي: على الرجل والمرأة وفي صدر الحديث في "الجامع"(3): "أنهم - أي الصحابة - كانوا جلوساً فذكروا ما يوجب الغسل فاختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الدَّفق، وقال المهاجرون: إذا خالط فقد وجب الغسل، فقال أبو موسى: أنا أشفيكم من ذلك، قال: فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي، فقلت: يا أمتاه، أو يا أم المؤمنين إني أريد أن أسالك عن شيء وأنا استحييك، فقالت: لا تستحي أن تسألني عمّا كنت سائلاً عنه أمك ولدتك، فسلني. قلت: ما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطتَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا .... " الحديث.

والذي نقله المصنف هو حديث أبي هريرة.

وقوله: "وفي رواية" أي: عن أبي هريرة.

(1)"النهاية في غريب الحديث"(1/ 314). "المجموع المغيث"(1/ 380).

(2)

انظر: الصحاح (2/ 460 - 461).

(3)

(7/ 269 رقم 5300)، وهو من حديث أبي موسى الأشعري.

ص: 353

"وإن لم ينزل" قال ابن الأثير (1): أخرجه البخاري (2) ومسلم (3).

"فهذا لفظهما"[334 ب] كما قاله المصنف وهو كما في "الجامع"(4).

"فألزق الختان بالختان" أي: محل ختان الرجل بختان المرأة، "فقد وجب الغسل".

- وفي رواية مالك (5)، عن عائشة:"إِذَا جَاوَزَ الخِتَانُ الخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ، فَعَلْتُهُ أَنَا ورَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَاغْتَسَلْنَا". [موقوف صحيح]

قيل: "شُعَبِهَا الأَرْبَعِ" رجلاها وشَفْرَاها، وقيل ساقاها ويداها.

ومعنى: "جَهدَها" باشرها.

قوله: "وفي رواية مالك عن عائشة: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" ذكرها (6) من حديث أبي موسى عنها.

وأما زيادة: "فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا" فهذا ليس من رواية مالك، بل هو من رواية الترمذي (7).

قال في "الجامع"(8): وفي رواية الترمذي مختصراً: "إذا جاوز الختان الختان، وجب الغسل،

(1) في "الجامع"(7/ 271 رقم 5304).

(2)

في "صحيحه" رقم (291).

(3)

في "صحيحه" رقم (87/ 348).

(4)

(7/ 271).

(5)

في "الموطأ"(1/ 46 رقم 72)، وهو أثر موقوف صحيح.

(6)

مالك في "الموطأ"(1/ 46 رقم 73)، وأخرجه مسلم متصلاً رقم (349).

(7)

في "السنن" رقم (108، 109).

(8)

(7/ 269 - 270).

ص: 354

فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا" والمصنف خلط روايته برواية مالك ونسبها له، وكان الأولى أن يقول: وفي رواية للترمذي.

واعلم أنه ورد بلفظ: "جاوز" وبلفظ: "الزق" والمجاوزة تدل على الإيلاج والإلزاق على مجرد المس، ومثله الجلوس بين شعبها.

إلا أن في "النهاية"(1) أنه كنّى بذلك عن الإيلاج، وإذا كان كذلك فمجرد الإلزاق لا يوجب الغسل، وبهذا اللفظ بوّب البخاري (2)، إلا أنه قال في "فتح الباري" (3): أن المراد بالمس والالتقاء المحاذاة.

قال (4): ويدل عليه رواية الترمذي (5): "إذا جاوز". قال (6): وليس المراد بالمس حقيقته؛ لأنه لا يتصور عند غيبة الحشفة ولو حصل المس قبل الإيلاج، لم يجب الغسل بالإجماع. انتهى.

وقد فسر المصنف الشعب بما ترى، وقيل: هي شعب الفرج الأربع، واختاره عياض (7)، وتكون الشعب النواحي.

الثاني: حديث (أبي سعيد رضي الله عنه):

2 -

وعن أبي سعيد رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولُ الله، قَالَ: فَإِذَا أُعْجلْتَ أَوْ

(1)"النهاية في غريب الحديث"(2/ 612).

(2)

في "صحيحه"(1/ 395 الباب رقم 28 - مع الفتح).

(3)

(1/ 395).

(4)

الحافظ في "الفتح"(1/ 395).

(5)

في "السنن" رقم (108)، وهو حديث صحيح.

(6)

الحافظ في "الفتح"(1/ 395).

(7)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 198).

ص: 355

أَقُحِطْتَ فَلَا غُسْلَ عَلَيك وَعَلَيْكَ الوُضُوءُ". أخرجه الشيخان (1)، وأبو داود (2)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح، ولكنه منسوخ]

جعل ابن الأثير في "الجامع"(3) نوعاً ثانياً، فقال: الثاني: الإنزال، وذكر حديث أبي سعيد.

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى رجل من الأنصار" هو عتبان، كما دلّ له أول حديث أبي سعيد قال:"خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فصرخ به، فخرج يجر إزاره"، وفي رواية (4):"إلى رجل من الأنصار".

"فجاء ورأسه يقطر" ولا ينافي: "يجر إزاره" ولا إهماله في الرواية الأخرى، فإنه فسّره ما قبله، إلاّ أنه قد أخرج أحمد [335 ب] عن رافع بن خديج (5) قال: ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بطن امرأتي، فقمت ولم أنزل، فاغتسلت وخرجت فأخبرته، قال:"لا عليك إنما الماء من الماء".

وقوله: "لعلنا أعجلناك" كأنه فهم صلى الله عليه وسلم إعجال من خروجه، ورأسه يقطر، وإن كان يحتمل أن اغتسل بعد تمام العمل، لكن فهم صلى الله عليه وسلم الأول، ولم يجزم به، بل أتى بكلمة "لعل".

(1) أخرجه البخاري رقم (180)، ومسلم رقم (345).

(2)

في "السنن" رقم (217)، وهو حديث منسوخ.

(3)

(7/ 271).

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (180)، ومسلم رقم (345).

(5)

أخرجه أحمد (4/ 143)، والحازمي في الاعتبار (ص 125 - 126)، وابن شاهين، وفي "ناسخ الحديث ومنسوخه" رقم (27).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 264 - 265)، وقال:"رواه أحمد والطبراني في "الكبير" وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف". وهو حديث حسن لغيره.

ص: 356

"فقال: نعم يا رسول الله، قال: فإذا أعجلت" مغيّر صيغه، وكذا "أو أقحطت" في "النهاية" (1). ومنه "من جامع فأقحط فلا غسل عليه" أي: فتر فلم يُنزل وهو من أقحط الناس إذا لم يُمْطروا.

"فلا غسل عليك، وعليك الوضوء" كأنه من المذي الخارج عند ملاقاة الختانين.

قوله: "أخرجه الشيخان، وأبو داود، وهذا لفظ الشيخين".

- وفي أخرى لمسلم (2): "أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّمَا المَاءُ مِنْ المَاءِ".

"وفي" رواية "أخرى لمسلم" عن أبي سعيد.

"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الماء" أي: إفاضته للاغتسال.

"من الماء" من خروج المني، ومفهوم الحصر أنه لا يحب من التقاء الختانين الذي هو منطوق حديث أبي هريرة الماضي.

- وللنسائي (3)، عن أبي أيوب رضي الله عنه مرفوعاً:"المَاءُ مِنَ المَاءِ".

"الإِقحاطُ" عدم الإنزال.

"وللنسائي (4) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: الماء من الماء" إلاّ أنه قد ورد ما دلَّ على أن هذا كان رخصة، ثم نسخ (5) وأوجب الغسل من التقاء الختانين، وإن لم ينزل الماء.

(1)"النهاية في غريب الحديث"(2/ 418).

(2)

في "صحيحه" رقم (345).

(3)

في "السنن"(1/ 115)، وهو حديث صحيح منسوخ.

(4)

في "السنن"(1/ 115).

(5)

انظر: "الاعتبار"(ص 123 - 125)، "فتح الباري"(1/ 397)، ناسخ الحديث ومنسوخه رقم (18).

ص: 357

ففي حديث رافع بن خديج (1) الذي ذكرناه، قال رافع:"ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالغسل"، ودلَّ له أيضاً.

الحديث الثالث: وهو حديث (أُبّيُ بن كعب رضي الله عنه):

3 -

وعن أُبّي بن كعب رضي الله عنه قال: "إِنَّمَا كان المَاءُ مِنْ المَاءِ رُخْصَةُ فِي الإِسْلَامِ، ثَمَّ نُهِيَ عَنْهاَ، وَقَالَ: إِنَّما المَاءُ مِنْ المَاءِ فِي الِاحْتِلَامِ". أخرجه أبو داود (2) والترمذي (3)، وهذا لفظه وصححه. [صحيح]

"إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام" وقد بينت رواية أبي داود (4) عن أبي أيوب، وجه الرخص فقال:"لقلة الثياب".

"ثم أمرنا بالغسل، ونهي عن ذلك" قال أبو داود (5): يعني الماء من الماء، وفي أخرى (6) له قال:"إن الفتيا التي كانوا يفتون بها إن الماء من الماء، إنما كانت رخصة، رخّصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بَعدُ".

(1) تقدم تخريجه وهو حديث حسن لغيره.

(2)

في "السنن" رقم (215).

(3)

في "السنن" رقم (110).

وأخرجه أحمد (5/ 115)، والدارمي (1/ 194)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 89)، وابن ماجه رقم (609)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (91)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 57)، والدارقطني (1/ 126 رقم 1)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 165)، والحازمي في الاعتبار (125)، وابن خزيمة رقم (225). وهو حديث صحيح.

(4)

في "السنن" رقم (110).

(5)

في "السنن" رقم (214)، وهو حديث صحيح دون قوله: لقلة الثياب.

(6)

في "السنن"(1/ 146).

ص: 358

قوله: "وقال: إنما الماء من الماء في الاحتلام"[336 ب] حديث أُبّيُ بن كعب آخره: "ونهي عن ذلك بَعدُ" وهذا اللفظ حديث آخر عن ابن عباس، موقوفاً عليه:"إنما الماء من الماء في الاحتلام" أخرجه الترمذي (1)، كما في "الجامع" والمصنف جعله من حديث أُبّيُ بن كعب، ونسبه إلى أبي داود والترمذي، وهو للترمذي فقط، عن ابن عباس.

وقال بعده (2): قال أبو عيسى: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك. انتهى.

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي، وهذا لفظه وصححه".

قلت: أخرجا حديث أُبّيُ بن كعب إلى قوله: "ثم نهي عن ذلك"، وقال الترمذي (3): حسن صحيح.

وأما لفظ: "إنما الماء من الماء في الاحتلام" فأخرجه الترمذي (4) وحده عن ابن عباس، بعد أن راجعنا سنن الترمذي، وكذلك هو في "الجامع"(5) حديث أُبي بن كعب وحده، وحديث ابن عباس وحده، وكلاهما غير مرفوعين، والمرفوع هو اللفظ الذي نقلناه عن أبي داود (6)، في إحدى ألفاظ حديث أُبي بن كعب.

(1) في "السنن" رقم (215).

(2)

في "السنن" رقم (112) عن ابن عباس. وهو حديث صحيح دون قوله: في الاحتلام.

(3)

في "السنن"(1/ 185).

(4)

في "السنن" رقم (112).

(5)

(7/ 173).

(6)

في "السنن" رقم (215)، وهو حديث صحيح.

ص: 359

[الرابع](1):

وهذا هو النوع الثالث في "الجامع"(2)، قال: الثالث الاحتلام.

حديث (عائشة رضي الله عنها):

4 -

وعن عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا، قَالَ: يَغْتَسِلُ؛ وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ، وَلَا يَجِدُ البَلَلَ، قَالَ: لَا غُسْلَ عَلَيه فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: وَالمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ، أَعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّما النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ". أخرجه أبو داود (3) والترمذي (4). [صحيح]

"الشّقِيقُ" المثل والنظير.

"أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يجد بللاً" في فراشه أو ثيابه.

"ولم يذكر احتلاماً" يكون سبباً لخروج الماء منه.

الاحتلام: افتعال من الحلم، بضم الحاء، وسكون اللام، وهو ما يراه النائم في نومه، يقال منه حلم، بفتح اللام، واحتلم واحتلمت به، واحتلمته وأما في الاستعمال والعرف العام، فإنه قد خصّ هذا الوضع اللغوي ببعض ما يراه النائم، وهو ما يصحبه إنزال الماء، فلو رأى غير ذلك يصح أن يقال: احتلم وضعاً ولم يصح عرفاً، قاله ابن دقيق العيد، في "شرح العمدة"(5).

(1) في "المخطوط": الثالث وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.

(2)

(7/ 274).

(3)

في "السنن" رقم (236).

(4)

في "السنن" رقم (113).

وأخرجه أحمد (6/ 256)، وابن ماجه رقم (612).

(5)

(1/ 319 - 321).

ص: 360

"قال: اغتسل" لوجود الماء؛ إما لأن وجود الماء وحده يوجب الغسل، أو لأنه لا يخرج إلاّ عن شهوة، وعدم ذكره لها لا يمنع وجوب الغسل.

"وسئل عن الرجل يرى أنه احتلم" أي: جامع.

"ولم يجد بللاً قال: لا غسل عليه" ويوافقه حديث: "إنما الماء من الماء".

"قالت أم سلمة" زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم.

"والمرأة ترى ذلك" أي: الماء.

"عليها غسل، قال: نعم، النساء شقائق الرجال" في "النهاية"(1) أي: نظرائهم وأمثالهم في الأخلاق والطباع، [337 ب] كأنهن شققن منهم؛ ولأن حواء خلقت من شق آدم، وشقيق الرجل أخوه لأبيه وأمه. انتهى.

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي".

قلت: ثم قال أبو عيسى (2): إنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر (3)، عن عُبيد الله بن عمر، وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى من قبل حفظه، ثم قال: وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين: إذا استيقظ الرجل فرأى بلة أنه يغتسل، وهو قول سفيان وأحمد.

(1)"النهاية في غريب الحديث"(1/ 883 - 884).

(2)

(1/ 192).

(3)

انظر: "التاريخ الكبير"(5/ 145)، و"المجروحين"(2/ 6)، "المغني"(1/ 348)، "الميزان"(2/ 465)

• قال أبو الأشبال في شرحه للترمذي (1/ 190): "أما عبد الله، وعبيد الله فهما ابنا عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب. وكلاهما من علماء المدينة، عبيد الله اسمه: مصغر، وهو الأكبر في العلم والسنّ، وهو أحد الفقهاء السبعة، مات سنهَ (147 هـ).

وعبد الله اسمه: مكبر، وهو أصغر من أخيه سناً، وشاركه في كثير من شيوخه، وروى عنه أيضاً.

قال أحمد: "يروي عبد الله عن أخيه عبيد الله ولم يرو عبيد الله عن أخيه عبد الله شيئاً. =

ص: 361

وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنما يجب عليه الغسل، إذا كانت البلة بلة نطفة، وهو قول الشافعي وإسحاق، وإذا رأى احتلاماً ولم يرَ بلة فلا غسل عليه، عند عامة أهل العلم (1).

[الخامس](2):

5 -

وعنها رضي الله عنه: "أَنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها، سَأَلَتْ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ المَرْأَةِ تَرىَ فِيِ مَنَامِهاَ مَا يَرَى الرَّجُلُ، هَلْ عَلَيْهاَ مَنْ غُسْلِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتْ المَاءَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَقُلتُ لهَا: تَرِبَتْ يَدَاكِ. فَقَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: دَعِيهَا، يَا عَائِشَةُ، وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلَاّ مِنْ قِبَلِ ذلِكَ، إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الوَلَدُ أَخْوَالَهُ، وإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ الوَلَدُ أَعْمَامَهُ". أخرجه مسلم (3)، وهذا لفظه، ومالك (4)، وأبو داود (5)، والنسائي (6). [صحيح]

= كان عبد الله يسأل عن الحديث في حياة أخيه فيقول: أما وأبوه عثمان حيّ فلا".

ومات عبد الله سنة (171 هـ) أو سنة (172 هـ) والحق أنه ثقة، وإن كان في حفظه شيء.

روى عثمان الدارمي عن ابن معين أنه قال فيه: "صالح ثقة" فهذا إسناد صحيح، اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

الترمذي في "السنن"(1/ 192).

(1)

انظر: "التمهيد"(8/ 337)، "مراتب الإجماع" لابن حزم (1/ 21).

"المغني"(1/ 266)، "المجموع شرح المهذب"(2/ 149، 158).

(2)

كذا، وصوابه الخامس.

(3)

في "صحيحه" رقم (314).

(4)

في "الموطأ" رقم (1/ 51).

(5)

في "السنن" رقم (237).

(6)

في "السنن" رقم (196)، وهو حديث صحيح.

ص: 362

قوله: "وعنها" أي: عن عائشة؛ لأنها الذي تقدم ذكرها، ولكن الذي في "الجامع"(1) وفي البخاري (2) والترمذي (3)، وفي "عمدة الأحكام" (4): وعن أم سلمة، لا عن عائشة، إلا أنّ الروايتين جاءت عنهما هذه إحداهما.

"أن أم سليم" هي امرأة أبي طلحة، والدة أنس بن مالك.

"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، هل عليها من غسل؟ قال: نعم، إذا رأت الماء" هو كما تقدم.

"قالت عائشة رضي الله عنها: فقلت لها" لأم سليم.

"تربت يداك" في "النهاية"(5): ترب الرجل إذا افتقر أي: لصق بالتراب، وأترب إذا استغنى، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر به كما يقولون قاتله الله.

وقال بعضهم: هو دعاء على الحقيقة؛ لأنه قال لعائشة: تربت يمينك؛ لأنَّه رأى الحاجة خيراً لها والأولى أوجه.

"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعيها يا عائشة" وفي رواية لمسلم (6) أنه قال صلى الله عليه وسلم: "بل أنت تربت يمينك" وإنما قالت لها عائشة ذلك لكراهة ذكر ما يتعلق بالفرج، ولذا قالت أم سليم في ابتداء

(1)(7/ 276).

(2)

في "صحيحه" رقم (282، 3328، 6091، 6121).

(3)

في "السنن" رقم (122).

(4)

(1/ 319).

(5)

"النهاية في غريب الحديث"(1/ 185).

(6)

في "صحيحه" رقم (33/ 314).

ص: 363

سؤالها: "إن الله لا يستحي من الحق"، وفي رواية (1): قالت أم سلمة لأم سليم: "فضحتِ النساء"، وفي أخرى:"فغطت أم سلمة وجهها" كلها في روايات "الجامع"(2).

ثم استدل صلى الله عليه وسلم على أن للمرأة (ماء) مني.

بقوله: "وهل يكون الشبه"(3) يقال: شبه بكسر الشين وإسكان [338 ب] الباء، ويقال بفتحهما لغتان مشهورتان، أي: شبه الأولاد بالأعمام والأخوال.

"إلا من قبل ذلك" ثم بين وجه شبهه لأحد الطرفين بقوله:

"إذا علا ماؤها" أي: في الرحم.

"ماء الرجل أشبه" الرجل (أخواله، وإذا على ماء الرجل ماؤها أشبه) الرجل (أعمامه) وهذا من أعلام النبوة؛ لأنه إخبار بما لا يطلع عليه إلاّ الله.

قوله: "أخرجه مسلم وهذا لفظه".

قلت: هو أحد ألفاظ رواياته.

"ومالك وأبو داود والنسائي".

- ولمسلم (4) في أخرى: "إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءَ المَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ، يَكُونُ الشَّبَهُ". [صحيح]

ومعنى قولها: "تَرِبَتِ يَدَاك" التعجب والإنكار عليها دون الدعاء.

"ولمسلم في" رواية "أخرى".

(1) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (29/ 310).

(2)

(7/ 276 - 278).

(3)

انظر: "القاموس المحيط"(ص 1610).

(4)

صحيحه رقم (30/ 311).

ص: 364

"إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر" قال النووي (1): هذا أصل عظيم في بيان صفة المني، وهذه صفته في حال السلامة، وفي الغالب.

قال العلماء (2): مني الرجل في حالة الصحة أبيض ثخين، يدفق في خروجه دفقه بعد دفعه ويخرج بشهوة، ويتلذذ بخروجه، وإذا خرج أعقب خروجه فتوراً ورائحته كرائحة طلع النخل، وريح الطلع قريب من رائحة العجين، وطوّل في هذا.

وأخرج الطبراني (3) عن ابن مسعود مرفوعاً: "إنّ نطفة الرجل بيضاء غليظة، فمنها يكون العظام والعصب، وإنّ نطفة المرأة صفراء رقيقة فمنها يكون اللحم والدم".

[السادس](4): حديث (أبي هريرة رضي الله عنه):

6 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَحْتَ كُلِّ شَعَرَةٍ جَنَابَةٌ، فَاغسِلُوا الشَّعَرَ وَأَنْقُوا البَشَرَ". أخرجه أبو داود (5) والترمذي (6). [ضعيف]

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن تحت كل شعرة" من الرجل والمرأة. "جنابة" أي: موجب للغسل.

"فاغسلوا الشعر" لزوال جنابته.

(1) في شرحه لـ "صحيح مسلم"(3/ 223).

(2)

ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم"(3/ 223).

(3)

في المعجم "الكبير" رقم (10359). وأخرجه أحمد رقم (3690)، وابن ماجه رقم (2248)، وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف.

(4)

في "المخطوط": الخامس، وهو خطأ.

(5)

في "السنن" رقم (248).

(6)

في "السنن" رقم (106).

وأخرجه ابن ماجه رقم (597)، وهو حديث ضعيف.

ص: 365

"وأنقوا البشر" وفي التعبير بالإنقاء إشارة إلى زيادة على غسل الشعر.

قوله: "أخرجه أبو داود".

قلت: قال الحافظ ابن حجر (1): مداره على الحارث بن وجيه، ضبط في حواشي السنن: وجيه الجيم ومثناة تحتية، بزنة عظيم، وبالباء الموحدة وسكون الجيم، وهو ضعيف جداً.

قال أبو داود (2): الحارث هذا حديثه منكر، وهو ضعيف.

قوله: "والترمذي".

قلت: وقال (3): غريب لا نعرفه إلاّ من حديث الحارث وهو شيخ ليس بذاك.

وقال الشافعي (4): هذا الحديث ليس بثابت.

وقال البيهقي (5): أنكره أهل العلم بالحديث: البخاري وأبو داود وغيرهما.

[السابع](6): حديث (علي رضي الله عنه)[339 ب].

7 -

وعن علي رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَسَدِهِ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهِ كذَا وَكذَا مِنَ النَّارِ. قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِي، فَمِنْ ثَمَّ عَاديْتُ رَأْسِي، فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِي ثَلَاثاً، وَكانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ". أخرجه أبو داود (7). [ضعيف]

(1) في "التلخيص"(1/ 248).

(2)

في "السنن"(1/ 173).

(3)

الترمذي في "السنن"(1/ 178).

(4)

انظر: "معرفة السنن والآثار"(1/ 432).

(5)

في معرفة "السنن والآثار"(1/ 432).

(6)

هكذا، وصوابه: السابع.

(7)

في "السنن" رقم (249).

وأخرجه أحمد (1/ 94، 101)، وابن ماجه رقم (599)، وهو حديث ضعيف. =

ص: 366

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار" لم يأت تفصيل هذا الإبهام.

"قال علي رضي الله عنه فمن ثمة عاديت رأسي فمن ثمة عاديت رأسي" لفظ أبي داود: "فمن ثم عاديت رأسي ثلاثاً" من غير تكرير. انتهى.

"وهذه زيادة منه رضي الله عنه في التحري، وإلا فقد كان رسول صلى الله عليه وسلم له شعر.

ثمَّ بيّن العداوة بقوله: "وكان يجز شعره" وهو مدرج في الحديث.

قوله: "أخرجه أبو داود" قال الحافظ ابن حجر (1): إسناده صحيح؛ لأنه من رواية عطاء السائب قبل الاختلاط، لكن قد قيل أنّ الصواب وقفه.

= قال الألباني في "الإرواء"(1/ 266 - 167 رقم 133): قلت: وهذا إسناد ضعيف عطاء بن السائب كان اختلط، وقد روى حمّاد عنه بعد الاختلاط، كما شهد بذلك جماعة من الحفاظ، فسماعه منه قبل ذلك كما قال آخرون لا يجعل حديثه عنه صحيحاً، بل ضعيفاً لعدم تميز ما رواه قبل الاختلاط، عمّا رواه بعد الاختلاط

هذه خلاصة التحقيق في هذه الرواية. اهـ.

وسئل الدارقطني في "العلل"(3/ 207 - 208، 365) عنه فذكر الاختلاف فيه قال: والمحفوظ عن عفان عن حماد بن سلمة - قال سمعته يذكر عن عطاء بن السائب فصحفه الراوي فقال: شعبة. اهـ.

وأخرجه أحمد (1/ 101) عن عفان بن سليم - وهو شيخه فيه - فلم يذكر شعبة فيه.

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 175) من طريق أخرى عن عفان.

والدارمي (1/ 192)، وأحمد (1/ 94)، وابنه عبد الله في زوائد "المسند"(1/ 133) عن غير عفان وهم جماعة عن حمّاد وحده.

فدلَّ ذلك على أن ذكر شعبة في سند المقدسي - حني المختارة رقم 453 - تصحيف كما قال الدارقطني في علله.

وخلاصة القول: أن الذي فرح بهذه المتابعة قدوهم، والله أعلم.

(1)

في "التلخيص"(1/ 249).

ص: 367

[الثامن](1): حديث (ثوبان رضي الله عنه):

8 -

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: "اسْتَفْتَيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الغُسْلِ مِنْ الجَنَابَةِ، قَالَ: أَمَّا الرَّجُلُ فَلْيَنْشُرْ رَأْسَهُ فَلْيَغْسِلْهُ حَتَّى يَبْلُغَ أُصُولَ الشَّعْرِ، وَأَمَّا المَرْأَةُ فَلَا عَلَيْهَا أَنْ لَا تَنْقُضَهُ لِتَغْرِفْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِكَفَّيْهَا". أخرجه أبو داود (2). [صحيح]

"قال: استفتي" مغيّر صيّغه ولفظ أبي داود: "أنهم استفتوا".

"النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الغسل من الجنابة" كأنه عن غسل الرأس، بخصوصه كما يشعر به فتواه صلى الله عليه وسلم.

"فقال: أما الرجل فلينشر رأسه" أي: ينقضه.

"فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر" أي: يغسل شعره إلى أصوله أي: منابته.

"وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه" بل تبقيه على عصبه.

"لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها"(3) ضبط بمثناة تحتية من الكفاية، وبموحدة تثنية الكف ويؤيده قول عائشة:"كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات" تعني بكفيها جميعاً.

والمراد بالأول: عن نقضه وغسل أصوله، وأخرج أبو داود (4) عن أم سلمة: "أن امرأة من المسلمين قالت: يا رسول الله إني امرأة أشد ظفر رأسي

" الحديث يأتي قريباً.

قوله: "أخرجه أبو داود".

(1) في "المخطوط": السابع، وهو خطأ.

(2)

في "السنن" رقم (255) وهو حديث صحيح.

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 553).

(4)

في "السنن" رقم (251)، وسيأتي تخريجه.

ص: 368

[التاسع](1):

9 -

وعن عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ المَاءَ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ الشَّعْرِ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أنَهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ". أخرجه الستة (2). [صحيح]

حديث: "عائشة رضي الله عنها ".

وابن الأثير (3): جعل هذا فرعاً ثانياً في فرائض الغسل.

"أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه"، قال النووي (4) رواية عن أصحابه: أنهما يغسلان ثلاثاً، وهذا ثابت في رواية لمسلم (5)، وفي رواية (6) [340 ب] له:"قبل أن يدخل يديه في الإناء"، ويأتي في الحديث الثاني:"أن ذلك بعد غسله الأذى".

"ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة" ظاهره أنه يستكمل وضوءه، إلا أنه يأتي أنه:"أَخرَ غسل رجليه".

(1) في "المخطوط": الثامن، وهو خطأ.

(2)

أخرجه البخاري رقم (248) و (272)، ومسلم رقم (235، 36/ 316)، وأبو داود رقم (242)، والترمذي رقم (104)، وأحمد (6/ 52)، ومالك (1/ 44 رقم 67)، وابن ماجه رقم (574)، والدارمي (1/ 191)، والنسائي (10/ 205).

وهو حديث صحيح.

(3)

في "الجامع"(7/ 279).

(4)

في شرحه لـ "صحيح مسلم"(3/ 228 - 229).

(5)

في "صحيحه" رقم (36/ 316).

(6)

في "صحيحه" رقم (37/ 317).

ص: 369

"ثم يدخل أصابعه" ظاهره أصابع اليدين معاً.

"في الماء فيخلل بها أصول الشعر" منابت شعر رأسه.

"حتى إذا ظن" باعتبار فهم الراوي وإلاّ فإنه يحتمل أنه علم وتيقين.

"أنه قد أروى البشرة" بشرة رأسه، والمراد أنه قد كمل بللها بالماء، ولفظ أبي داود (1):"قد أصاب البشرة، أو أنقى البشرة" ولفظ: "ليشرب شعره الماء".

إلا أن لفظ مسلم (2): "حتى إذا رأى بأنه قد استبرأ".

"أفاض الماء عليه" أي: على رأسه، لرواية:"صبّ الماء على رأسه".

"ثلاث مرات" وفي لفظ: "ثلاث غرفات بيديه".

"ثم غسل سائر جسده" باقية بعد الإفاضة على الرأس.

"ثم غسل رجليه" قال النووي (3): هذا تصريح بتأخير غسل القدمين وللشافعي رحمه الله قولان: أصحهما وأشهرهما والمختار منهما: أنه يكمل وضوءه بغسل القدمين، والثاني: أنه يؤخر غسل القدمين.

قال (4): إنه عمل بظاهر الروايات المشهورة المتستفيضة عن عائشة وميمونة جميعاً في تقديم وضوء الصلاة، فإن الظاهر كمال الوضوء، فهذا كان الغالب في العادة المعروفة له صلى الله عليه وسلم، وكان يعيد غسل القدمين بعد الفراغ لإزالة الطين لا لأجل الجنابة، وتكون الرجل مغسولة مرتين،

(1) في "السنن" رقم (242). وهو حديث صحيح.

(2)

في "صحيحه" رقم (35/ 316)، وهو حديث صحيح.

(3)

في شرحه لـ "صحيح مسلم"(3/ 229).

(4)

النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم"(3/ 229 - 230).

ص: 370

وهذا هو الأكمل الأفضل، وكان صلى الله عليه وسلم يواظب عليه وأما رواية البخاري (1) عن ميمونة فجرى ذلك مرة أو نحوها لبيان الجواز. انتهى كلامه ببعض نقص.

قلت: ولو قيل أنه مخير عملاً بالروايتين لما بعد.

قوله: "أخرجه الستة".

قلت: بألفاظ مختلفة.

- وفي أخرى: "بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الإِنَاءِ".

"وفي" رواية "أخرى".

"بدأ فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء" وهذه الرواية لمسلم (2).

والثانية وهي قوله [341 ب]:

- وفي أخرى: "بَدَأَ بِيَمِينِهِ فَصَبَّ عَلَيْهَا مِنَ المَاءِ، فَغَسَلَهَا ثُمَّ صَبَّ المَاءَ عَلَى الأذَى الَّذِي بِهِ بِيَمِينِهِ، وَغَسَلَ عَنْهُ بِشِمالِهِ". هذا لفظ الشيخين (3).

"بدأ بيمينه فصب عليها من الماء" هي لمسلم.

"ثم صب الماء على الأذى الذي به" كأن المراد المني.

"بيمينه وغسل عنه بشماله".

"هذا لفظ الشيخين" أي: مجموعاً لهما.

(1) في "صحيحه" رقم (265).

وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (317)، وأبو داود رقم (245)، والترمذي رقم (103)، والنسائي (1/ 200)، وابن ماجه رقم (573)، وهو حديث صحيح.

(2)

في "صحيحه" رقم (316).

(3)

البخاري في "صحيحه" رقم (249، 257، 259، 260، 265، 266، 274، 276، 281)، ومسلم رقم (37/ 317).

ص: 371

- وفي رواية أبي داود (1)، قالت عائشة رضي الله عنها:"كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُفيضُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، وَنَحْنُ نُفِيضُ خَمْسًا مِنْ أَجْلِ الضُّفُرِ".

"وفي رواية أبي داود: قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات ونحن" معشر النساء "نفيض خمساً من أجل الضفر" بفتح الضاد وسكون الفاء.

في "النهاية"(2): أي: تعمل شعرها ضفائر وهي الذوائب المذكورة، وضفر الشعر فتله وإدخال بعضه في بعض، فإنه لا يشرب الماء في ثلاث، إلاّ أنّ الذي تقدم في حديث ثوبان (3) أنه قال صلى الله عليه وسلم:"وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات تكفيها" وكأن عائشة زادت الكفين احتياطاً.

- وفي رواية للشيخين (4) قالت: "كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الجَنَابَةِ، دَعَا بشَيْءٍ مِنْ نَحْوِ الحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفَّهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ، فَقَالَ: بِهِما عَلَى رَأْسه". [صحيح]

"وفي رواية للشيخين: قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة" أي: أراده ذلك.

"دعا بشيء نحو الحلاب" بالحاء المهملة مكسورة وتخفيف اللام.

قال الخطابي (5): هو إناء يسع قدر حلب ناقة، وقيل: إناء قريب من الإناء الذي يسمى الحلاب، وقد وصفه أبو عاصم أنه أقل من شبر في شبر، أخرجه أبو عوانة (6).

(1) في "صحيحه" رقم (43/ 321).

(2)

في "السنن" رقم (240)، وأخرجه ابن ماجه رقم (574) بإسناد ضعيف.

(3)

"النهاية في غريب الحديث"(2/ 86).

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (258)، ومسلم رقم (39/ 318).

(5)

في معالم "السنن"(1/ 196 - مع السنن).

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 371).

ص: 372

وفي رواية للبيهقي: "كوزيع ثمانية أرطال".

فأخذ بكفه، فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال: بهما على رأسه" هذا إجمال سلف تفصيله.

- وفي أخرى للبخاري، قالت (1):"كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ، أَخَذَتْ بِيَدَيْهَا اليُمْنَى عَلَى شِقِّهَا الأَيْمَنِ، وَبِيَدِهَا الأُخْرَى عَلَى شِقِّهَا الأَيْسَرِ". [صحيح]

"الحِلابُ" المحلب، وهو الإناء الذي يحلب فيه.

"وفي" رواية "أخرى للبخاري".

"قالت: كانت إحدانا إذا أصابت إحدانا جنابة أخذت بيدها ثلاثاً". أي: غرفات.

"فوق رأسها، ثم تأخذ بيدها اليمنى على شقها الأيمن، وبيدها الأخرى على شقها الأيسر" قد فصله ما قبله أيضاً.

هذا الحديث أخرجه الحميدي (2)، عن عائشة في أفراد البخاري، ولم يجعله في جملة الحديث الذي قبله، وذلك بخلاف عادته، إلاّ أن يكون لأجل أنه موقوف [342 ب] على عائشة أفرده.

[العاشر](3):

10 -

وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: "سَتَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِيَدَيْهِ عَلَى الحَائِطِ أَوِ الأَرْضِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غيرَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ، ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُماَ، هَذَا غُسْلُه مِنَ الجَنَابَةِ".

(1) في "صحيحه" رقم (277).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 371).

(3)

في "المخطوط": التاسع، وهو خطأ.

ص: 373

أخرجه الخمسة (1). [صحيح]

حديث: "ميمونة رضي الله عنها " زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم.

"قالت: سترت النَّبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل من الجنابة فغسل يديه" لم يقيده بثلاث، ولا بقبل إدخالهما الإناء كما سلف فيحتمل أنه أحد الجائزين.

"ثم صب بيمنه على شماله، فغسل فرجه وما أصابه ثم مسح بيده".

ورواية: "يديه على الحائط أو الأرض" شك من الراوي.

"ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه" صريح في تأخيرهما.

"ثم أفاض على جسده الماء، ثم تنحى" عن محل الوضوء.

"فغسل قدميه" وفي بعض ألفاظه لمسلم (2): "ثم أُتي النَّبي صلى الله عليه وسلم بمنديل فلم يمسه، وجعل يقول بيده هكذا، يعني ينفضه" وله ألفاظ عديدة ساقها ابن الأثير في "الجامع"(3).

"هذا غسله من الجنابة".

قوله: أخرجه الخمسة" بألفاظ متقاربة.

[الحادي عشر](4): حديث (ابن عمر رضي الله عنه):

11 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ الغُسْلِ مِنْ الجَنَابَةِ، فَقَالَ: يَبْدَأُ فَيُفْرِغُ عَلَى يدهِ اليُمْنَى مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ اليُمْنَى فِي الإِنَاءِ، ثُمّ فَيَصُبُّ بِهَا عَلى

(1) أخرجه البخاري رقم (265)، ومسلم رقم (317)، وأبو داود رقم (245)، والترمذي رقم (103)، والنسائي (1/ 200)، وابن ماجه رقم (573).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(2)

في "صحيحه" رقم (38/ 317).

(3)

(7/ 285 - 289).

(4)

في "المخطوط": العاشر، وهو خطأ.

ص: 374

فَرْجِهِ، وَيَدُهُ اليُسْرَى عَلَى فَرْجِهِ فَيَغْسِلُ مَا هُنَالِكَ حَتَّى يُنْقِيَهُ، ثُمَّ يَضَعُ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى التُّرَابِ إِنْ شَاءَ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى يَدهِ اليُسْرَى حَتَى يُنْقِيَهَا، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَيَسْتَنْشِقُ، وَيُتمَضْمِضُ، وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ رَأْسَهُ لَمْ يَمْسَحْ وَأَفْرَغَ عَلَيْهِاَ المَاءَ". أخرجه النسائي (1). [إسناده صحيح]

"أن عمر رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن الغسل من الجنابة فقال صلى الله عليه وسلم يبدأ فيفرغ" أي: الماء.

"على يده اليمنى مرتين أو ثلاثاً" دل على أنه مخير.

قال ابن العربي (2): إما لأجل نجاسة حلت فيها فأراد تطهيرها فيكون واجباً.

الثاني: ظنّ نجاستها للقيام من النوم، أو بعد العهد بالغسل، فيعلق بها الأوصاف المستخبثة فيكون مستحباً.

"ثم يدخل اليمنى في الإناء، ثم يصب بها على فرجه" قال أيضاً العارضة (3): فيه دليل على جواز ذكر الفرج، عند دعاء الحاجة إلى ذلك كما يجوز النظر إليه عند الحاجة إلى ذلك، ويكون مستثنى من الرفث.

"ويده اليسرى على فرجه، فيغسل ما هنالك حتى ينقيه" البدأة بغسل الفرج، لبيان أن تطهير البدن من النجاسة، مقدم ليرد الغسل على محل طاهر فلا ينجس الماء بملاقاة النجاسة، فلا يطهر حينئذ من الجنابة.

"ثم يضع يده اليسرى" التي باشرت ذلك النجاسة.

"على التراب" ليذهب به ما لعله علق بها من اللزوجة.

(1) في "السنن" رقم (422) بإسناد صحيح.

(2)

في "عارضة الأحوذي"(1/ 155).

(3)

(1/ 155).

ص: 375

وقوله: "إن شاء" دال على عدم إيجاب ذلك، وفيه دليل على أنّ الجدار الذي مسح صلى الله عليه وسلم يده عليه [343 ب] بعد الغسل لفرجه أنه من تراب.

وفي حديث ميمونة: "ثم ضرب بشماله الأرض ودلكها دلكاً شديداً".

"ثم يصب على يده اليسرى حتى ينقيها، ثم يغسل يديه ثلاثاً" هذا أول الوضوء.

"ويستنشق ويتمضمض، ويغسل وجهه وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً"، هو للندب.

أعني: التثليث لما علم من أحاديث الوضوء، أنها تكفي مرة ومرتين.

"حتى إذا بلغ رأسه لم يمسح، وأفرغ عليه الماء" فيه دليل على أنّ مسح الرأس قد كفى عنه إفراغ الماء عليه.

قوله: "أخرجه النسائي".

[الثاني عشر](1): حديث (أم سلمة رضي الله عنها):

12 -

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله؟ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، أَفَأَنْقُضُهُ لْلِحَيْضَةُ وَالجَنَابَةِ؟ قَالَ:"لَا، إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ المَاءَ فَتَطْهُرِينَ". أخرجه الخمسة (2) إلا البخاري، وهذا لفظ مسلم. [صحيح]

"الحَثُى"(3) أخذ الماء بالكفين، ورميه على الجسد.

"قالت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي" تقدم ضبطه وتفسيره.

"أفأنقضه للحيضة والجنابة" أي: لغسلها.

(1) في "المخطوط": الحادي عشر، وهو خطأ.

(2)

أخرجه مسلم رقم (330)، وأبو داود رقم (251)، والترمذي رقم (105)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (1/ 131)، وابن ماجه رقم (603)، وهو حديث صحيح.

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(1/ 333).

"المجموع المغيث"(1/ 399).

ص: 376

"قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات" ظاهر فتياه صلى الله عليه وسلم لها أنه يكفيها ذلك من دون نقض مطلقاً، واختلف العلماء (1) في ذلك، فقال جمهور (2): لا تنقضه إلاّ أن يكون ملبداً ملتفاً، لا يصل الماء إلى أصوله، فيجب نقضه حينئذ.

وقال النخعي (3): تنقضه بكل حال، وقال أحمد (4): تنقضه في الحيض دون الجنابة.

ووجه قول أحمد (5): أنّ الأصل نقضه؛ لأن عموم الغسل يجب في جميع الأعضاء من شعر وضفر، في أي موضع، كان وعلى أي صفة كان، فوجب غسلها وسقط اعتبار ذلك في الجنابة، لتردده وكثرة الحاجة إليه، وبقي في غسل الحيض، على أصل الوجوب عملاً بالعموم.

ووجه قول النخعي حينئذ أخذه بأدلة عموم الغسل، وكأن ما بلغه الحديث، ولو رآه ما تعداه.

ووجه قول الجمهور وهو الصحيح: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما أسقطه في الجنابة دل على عدم اعتباره التعميم في كل طهارة، ولا سيما ولم يكن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يفرقن بين الغسلين، أفاده ابن العربي (6) في "شرح الترمذي".

قلت: إلاّ أن قوله عن الجمهور بعدم نقضه، إلاّ إذا كان ملبداً ملتفاً تقييد لإطلاق الحديث ولو أراده صلى الله عليه وسلم لكان وقت البيان، فلا يجوز إهماله؛ لأنه جواب فتوى، إلا أن يثبت حديث آخر [344 ب] يقيّده.

(1) ذكره ابن العربي في "عارضة الأحوذي"(1/ 160).

(2)

انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 298).

(3)

في موسوعة فقه إبراهيم النخعي (1/ 763).

(4)

في "المغني"(1/ 298).

(5)

انظر: "قوانين الأحكام الشرعية" لابن جزيء (ص 40 - 41).

(6)

في "عارضة الأحوذي"(1/ 160).

ص: 377

وقد ذكرنا في شرحنا "سبل السلام (1) شرح بلوغ المرام" المراد الدليل على التخصيص، وقد وهم من استدل على نقض المرأة شعرها للغسل، بحديث عائشة حين أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخرج من عمرتها إلى الحج لما حاضت، وأمرها أن تنقض شعرها وتغتسل، فإنَّ ذلك غُسل لا لحيض ولا جنابة بل للخروج من العمرة والدخول في الحج (2).

"ثم تفيضين عليك الماء" للاغتسال.

"فتطهرين".

قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ البخاري واللفظ" الذي ساقه "لمسلم".

[الثالث عشر](3):

13 -

وعن عبيد بن عمير الليثي قال: "بَلَغَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رَءُوسَهُنَّ، فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو وَهُوَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ؟ اَفَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ، لَقَدْ كُنْتُ اغتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَمَا أَزِيدُ أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إِفْرَاغَاتٍ". أخرجه مسلم (4). [صحيح]

"أفرغتُ ثَلاثُ إِفْرَاغاَتِ" إذا قلبت ما فيه من الماء.

حديث "عبيد بن عمير الليثي" في "التقريب"(5): أنه أبو عاصم المكي، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله مسلم وغيره من كبار التابعين.

وكان قاصّ أهل مكة مجمع على ثقته.

(1)(1/ 346 - 346).

(2)

تقدم نصه وتخريجه.

(3)

في "المخطوط": الثاني عشر، وهو خطأ.

(4)

في "صحيحه" رقم (59/ 331)، وأخرجه أحمد (6/ 43)، وهو حديث صحيح.

(5)

(1/ 544 رقم 1561).

ص: 378

"قال: بلغ عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن من جناب أو حيض، أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: يا عجباً لابن عمرو وهو يأمر النساء أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن؟! " فإنه أروح لهن من تكرار النفض ثم الربط، ثم أخبرت بدليل تعجبها فقالت:"لقد كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ولا أزيد أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات" وهذا إقرار منه صلى الله عليه وسلم، دال على كفاية ذلك، وتقدم الكلام، ولعل ابن عمرو لم يبلغه السنة.

قوله: "أخرجه مسلم".

[الرابع عشر](1):

14 -

وعن قتادة رضي الله عنه: أَنَّ أَنسٍ بِنَ مَالِكٍ رضي الله عنه حَدّثَهُمْ: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم طَافَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ". أخرجه الخمسة (2) إلا مسلماً. [صحيح]

حديث: "قتادة"(3) هو ابن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري ثقة ثبت، يقال: ولد أكمه وهو الذي ولد أعمى.

"أنّ أنس بن مالك حدّثهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نساءه" طواف مباضعه، قالوا: وطوافه عليهن يحتمل أنه استطاب قلوبهن وأنه لم يكن يجب عليه القسم، كما قاله جماعة، أو أنه عند قدومه من سفر قبل أن يقسم لهن.

(1) في "المخطوط": الثالث عشر، وهو خطأ.

(2)

أخرجه البخاري رقم (268)، وأبو داود رقم (218).

والترمذي رقم (140)، والنسائي (1/ 143 - 144 رقم 264)، وابن ماجه رقم (588)، وأخرجه أحمد (3/ 189)، وهو حديث صحيح.

- وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (28/ 309) عن هشام بن زيد، عن أنس.

(3)

"التقريب"(2/ 123 رقم 81).

ص: 379

"بغسل واحد" وهن إحدى عشرة امرأة، وفي رواية (1):"تسع نسوة" وجمع بانضمام سريتيه ريحانة ومارية إلى [345 ب] التسع، وهذا حسن.

وروي: "أنه صلى الله عليه وسلم أعطي قوة ثلاثين رجلاً"(2) وقيل: أربعين

وعن مجاهد: "أعطي قوة أربعين رجلاً من رجال أهل الجنة".

وفي سنن الترمذي وصححه: "إن قوة الرجل من أهل الجنة بمئة رجل".

وقيل: كل من كان أتقى لله فشهوته أشد؛ لأن من لا يتقي يتفرق بالنظر ونحوه، ويأتي اغتساله صلى الله عليه وسلم عند كل واحدة.

قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ مسلماً".

[الخامس عشر](3): حديث (أبي رافع):

15 -

وعن أبي رافع رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ، يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَه: يَا رَسُولَ الله! أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلاً وَاحِدًا آخِراً؟ قَالَ: هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ". أخرجه أبو داود (4)[حسن]

"الزَّكاء" الطهارة والنَّماءُ.

(1) أخرجها البخاري رقم (268).

(2)

انظر: "فتح الباري"(1/ 378).

(3)

في "المخطوط": الرابع عشر، وهو خطأ.

(4)

في "السنن" رقم (219).

وأخرجه أحمد (6/ 8)، والنسائي في "عشرة النساء" رقم (149)، وفي "السنن الكبرى" رقم (9035)، وابن ماجه رقم (590).

وهو حديث حسن.

ص: 380

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: طاف ذات يوم على نساءه، فغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلت: يا رسول الله! ألا تجعله" أي: الاغتسال.

"غسلاً واحداً آخراً" كأنه يريد أنه أخف عليه صلى الله عليه وسلم.

"فقال: هذا أزكى" فسّره المصنف بالطهارة والنماء.

"وأطيب وأطهر" وقد أفادت أن الغسل الواحد بعد الطواف على الكل، فيه الثلاثة المعاني، لكن هذا أكمل فيها.

قوله: "أخرجه أبو داود".

قلت: قال المنذري (1): وأخرجه الترمذي (2) والنسائي (3) وابن ماجه (4)، وقال الترمذي (5): حديث حسن صحيح. انتهى.

[السادس عشر](6): حديث (أبي سعيد الخدري رضي الله عنه):

16 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُعَاوِدَ، فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا". أخرجه الخمسة (7). إلا البخاري. [صحيح]

(1) في مختصر "السنن"(1/ 151).

(2)

في "السنن" رقم (140).

(3)

في "السنن"(264).

(4)

في "السنن" رقم (588)، وهو حديث صحيح وقد تقدم.

(5)

في "السنن"(2/ 51).

(6)

في "المخطوط": الخامس عشر، وهو خطأ.

(7)

أخرجه مسلم رقم (308)، وأبو داود رقم (220)، والترمذي رقم (141)، والنسائي رقم (262)، وفي "عشرة النساء" رقم (152)، وابن ماجه رقم (587). =

ص: 381

"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم أهله" كناية عن الجماع.

"ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً" قد علل في رواية (1) بأنه أنشط، وهذا الأمر للندب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم طاف بغسل واحد، ولم يرد أنه توضأ بين كل معاودة.

قوله: "أخرجه الخمسة إلا البخاري".

[السابع عشر](2): حديث (عائشة رضي الله عنها):

جعله ابن الأثير (3) النوع الثالث من الفرع الثاني، في فرائض الغسل.

17 -

وعن عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بِصَلَاةَ الغَدَاةِ، وَلَا أَرَاهُ يُحْدِثُ وُضُوءًا بَعْدَ الغُسْلِ". أخرجه أصحاب السنن (4). [صحيح]

"وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يغتسل" أي: من الجنابة.

"ويصلي الركعتين" أي: ركعتي سنة الفجر.

"ويصلي صلاة الغداة" فريضة الفجر.

= وأخرجه أحمد (3/ 21)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (221)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (1211)، والحاكم (1/ 152)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ

" والبيهقي (1/ 204).

وهو حديث صحيح.

(1)

أخرجها ابن خزيمة رقم (221)، وابن حبان رقم (1211)، والحاكم (1/ 152)، وزادوا:"فإنّه أنشط للقوْد".

(2)

في "المخطوط": السادس عشر، وهو خطأ.

(3)

في "الجامع"(7/ 297).

(4)

أخرجه أبو داود رقم (250)، والترمذي رقم (107)، وابن ماجه رقم (579)، والنسائي رقم (430)، وهو حديث صحيح.

ص: 382

"ولا أرَاه" بفتح الهمزة. "يحدث وضوءاً بعد الغسل" قال ابن العربي في "العارضة"(1): لم يختلف [346 ب] العلماء في أن الوضوء داخل في الغسل، وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث، وتقتضي عليها، ويطهر البدن بالغسل من الجنابة طهارة عامة، وذلك لأن موانع الجنابة أكثر من موانع البول، فدخل الأقل في نية الأكثر وأجزأت نية الأكثر عنه.

ولذا (2) قال سحنون: إنّ نية الجنابة لا تغني عن نية الحيض في طهارة الحائض الجنب؛ لأن موانع الحيض أكثر، ولو نوت الحيض طهرت من الجنابة؛ لأنها الأقل.

والصحيح أن ذلك يجزئها كما قال عامة العلماء؛ لأن المعنى في الحدث والجنابة أن محل الحدث دون محل الجنابة، ومحل الجنابة أكثر، فلذلك تضمنه.

قلت: يؤيده أن محل الجنابة جميع البدن، فلذلك وجب غسله، بخلاف الحدث، فمحله أعضاء الوضوء.

قال (3): ليس لأن موانعه أكثر، بخلاف محل الجنابة والحيض، فإنه واحد، فطهارة أحدهما تجزي عن الآخر. انتهى.

قلت: يريد أن البدن كله محل حدث الجنابة والحيض، إلا أنه لا يخفى أنه علل في ما سلف قريباً أن موانع الجنابة أكثر من موانع البول فدخل الأقل في نية الأكثر.

وسحنون بين كلامه على هذه العلة، فإن موانع الحيض أكثر، يمنع الجماع وقراءة القرآن زيادة على موانع الجنابة، ولكنه عدل ابن العربي عما علل به أولاً إلى علة أخرى، وهي اتحاد محلية الغسل، وهو البدن بخلاف محلية البول والجنابة، فلو علل بهذه في دخول الطهارة عن الحدث

(1)(1/ 162).

(2)

ذكره ابن العربي في "عارضة الأحوذي"(1/ 163).

(3)

ابن العربي في "العارضة"(1/ 163).

ص: 383

الأصغر، تحت الحدث الأكبر، لم يتم؛ لاختلاف المحلين إلَاّ أنَّهُ يقال له: قد انتقضت علة دخول الأقل تحت الأكثر وكأنه لا يشترط إطراد العلة.

قوله: "أخرجه الخمسة إلا البخاري".

[الثامن عشر](1): حديث (عائشة رضي الله عنها). أيضاً.

وابن الأثير (2) جعل هذا نوعاً رابعاً فقال: الرابع: في مقدار الماء والإناء.

18 -

وعنها رضي الله عنها قالت: "كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ، يُقَالُ لَهُ الفَرَقُ"(3). [صحيح]

قال سفيان رحمه الله: "الفَرقُ" ثلاثةُ آصع (4).

وقوله: "وعنها كنت اغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد" بينته بقولها:

"يقال له الفرق" بفتح الفاء (5)[347 ب] والراء وسكونها، قدح يسع ستة عشر رطلاً، قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(6).

ولكنه خلاف قوله: "قال سفيان والفرق ثلاثة آصع"(7).

(1) في "المخطوط": السابع عشر، وهو خطأ.

(2)

في "جامع الأصول"(7/ 298).

(3)

أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (250)، ومسلم رقم (319)، وأحمد (6/ 199).

(4)

الفرق = 3 آصع. والفرق = 6525 غراماً.

والفرق = 6.525 كيلو غراماً. والفرق = 8.25 لتراً.

انظر: "الأموال" رقم (1612، 1613، 1575).

"الإيضاحات العصرية"(ص 95).

(5)

انظر: "تهذيب اللغة"(9/ 108)، "الأموال" لأبي عبيد رقم (1611).

(6)

(7/ 299).

(7)

انظر: "فتح الباري"(1/ 364).

ص: 384

قلت: في "النهاية"(1): الفرق بالتحريك مكيال يسع ستة عشر رطلاً، وهي اثني عشر مداً أو ثلاثة آصع عند أهل الحجاز.

وفيه: الفرق خمسة أقساط (2)، والقسط نصف صاع، وأما الفرق بالسكون فمائة وعشرون رطلاً. انتهى.

فاختلف كلامه في "غريب الجامع"(3) و"النهاية"(4) فتأمل.

- وفي أخرى عن أبي سلمة قال: "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها. أَنَا وَأَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَسَالنَاهَا عَنْ غُسْلِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ الجَنَابَةِ، فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ فَاغْتَسَلَتْ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ، وَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثًا، قَالَتْ: وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذْنَ مِنْ رُءُوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالوَفْرَةِ". أخرجه الخمسة (5) إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]

"الوَفْرَةُ"(6) أن يبلغ شعر الرأس إلى شحمة الأذن، والجمة أطول من ذلك.

"وفي رواية أخرى عن أبي سلمة" هو ابن عبد الرحمن بن عوف، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل.

(1)"النهاية في غريب الحديث"(2/ 363).

(2)

وانظر: "الإيضاحات العصرية"(ص 99).

(3)

(7/ 299).

(4)

(2/ 363).

(5)

أخرجه البخاري رقم (251، 263، 273، 299، 5956، 7339)، ومسلم رقم (319)، ومالك في "الموطأ"(1/ 44، 45)، وأبو داود رقم (238)، والنسائي (1/ 127)، وهو حديث صحيح.

(6)

"النهاية في غريب الحديث"(2/ 868).

وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 228).

ص: 385

"قال: دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة" قيل هو عبد الله بن يزيد، قال ابن حجر في "الفتح" (1): ولم يتعين عندي أنه المراد هنا؛ لأن لها أخاً آخر من الرضاعة، وهو كثير بن عبد، فيحتمل أن يكون أحدهما أو غيرهما.

"فسألناها عن غسل رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة، فدعت بإناء قدر الصاع، فاغتسلت وبيننا وبينها ستر".

قال القاضي (2): ظاهره أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها، مما يحل نظره للمحرم؛ لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع، أرضعته أختها أم كلثوم بنت أبي بكر، وإنما سترت أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم نظره إليه، وإلا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما معنىً.

وفي فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل؛ لأنه أوقع في النفس. انتهى.

"فأفرغت على رأسها ثلاثاً، قالت: وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من شعر رؤوسهن حتى يكون الباقي منه كالوفرة" يأتي تفسير المصنف لها.

قوله: "أخرجه الخمسة، إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين".

قوله: "الوفرة أن يبلغ شعر الرأس إلى شحمة الأذن، والجمة (3) أطول من ذلك". وفي شرح مسلم (4): الوفرة أسبغ وأكثر من اللمة، واللمة ما يلم بالمنكبين من الشعر، قاله الأصمعي. وقال غيره: الوفرة أقل من اللمة [348 ب] وهي ما لا يجاوز الأذنين.

وقال أبو حاتم (5): الوفرة ما غطى الأذنين من الشعر.

(1)(1/ 365).

(2)

"في إكمال المعلم بفوائد مسلم"(2/ 163).

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(1/ 293).

(4)

(4/ 4 - 5).

(5)

ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم"(4/ 5).

ص: 386

قال القاضي عياض (1) رحمه لله: المعروف أن نساء العرب كن يتخذن القرون والذوائب، ولعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعلن هذا بعد وفاته، لتركهن التزين واستغناءً عن تطويل الشعر، وتخفيفاً لمؤنة رؤوسهن.

قال النووي (2): وهذا الذي ذكره القاضي عياض، وكونهن فعلن ذلك بعد وفاته، كذا قاله غيره أيضاً، وهو متعين، ولا يظن بهن أنهن يفعلنه في حياته صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على جواز تخفيف الشعور للنساء. انتهى.

[التاسع عشر](3): حديث (محمد الباقر رضي الله عنه):

19 -

وعن محمد الباقر قال: "كُنَّا عِنْدَ جَابِرٍ رضي الله عنه، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَأَلُوهُ عَنِ الغُسْلِ؟ فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِينِي، فَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ يَكْفِى مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا، وَخَيْرًا مِنْكَ يَعْنِي النّبيَّ صلى الله عليه وسلم ". أخرجه الشيخان (4) والنسائي (5). [صحيح]

"قال: كنا عند جابر بن عبد الله وعنده قوم، فسألوه عن الغسل" أي: عن مقدار الذي يكفي منه من الماء. "فقال: يكفيك صاع، فقال رجل" قيل: هو محمد بن الحنفية.

"ما يكفيني، فقال جابر: قد كان يكفي من هو أوفى منك شعراً وخير منك، النبي صلى الله عليه وسلم " وكأنه يريد جابر بزجره عن عدم كفاية ما كان يكفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه ابتداع ورغبة عن السنة.

(1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(2/ 163 - 164).

(2)

في شرحه لـ "صحيح مسلم"(4/ 5).

(3)

في "المخطوط": الثامن عشر، وهو خطأ.

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (252)، وطرفاه رقم (255، 256) ، ولم يخرجه مسلم.

قال الحافظ في "الفتح"(1/ 366)، وليست هذه الرواية في مسلم أصلاً.

(5)

في "السنن"(1/ 128)، وهو حديث صحيح.

ص: 387

قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي".

[العشرون](1): حديث (عائشة رضي الله عنها):

20 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنْتَ أَغْتَسِلُ أَناَ وَالنَبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَوْرٍ مِنْ شَبَهٍ". أخرجه أبو داود (2). [صحيح]

"كنتُ أغتسل أنا والنَّبي صلى الله عليه وسلم من تور" بالمثناة الفوقية مفتوحة وسكون الواو، فراء.

في "النهاية"(3): هو إناء من صفر أو حجارة كالإجَّانة، وقد يُتَوضأ منه.

"من شبه" بيان للتور والشبه بالمعجمة، وموحدة مفتوحتين.

قوله: "أخرجه أبو داود".

[الحادي والعشرون](4):

21 -

وعن يعلى بن أُمية رضي الله عنه قال: "كانَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالبَرَازِ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ فَحَمِدَ الله وَأثنَى عَلَيه ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الله حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ". أخرجه أبو داود (5) والنسائي (6). [صحيح]

(1) في "المخطوط": التاسع عشر، وهو خطأ.

(2)

في "السنن" رقم (98، 99)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم.

(3)

(1/ 198).

(4)

في "المخطوط": العشرون، وهو خطأ.

(5)

في "السنن" رقم (4012).

(6)

في "السنن" رقم (406).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 198).

كلهم من طريق زهير عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء بن يعلى، به. =

ص: 388

حديث: "يعلى" كأن المراد به ابن أمية صحابي، وفي الصحابة غيره، يسمى يعلى.

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بالبراز" بفتح الموحدة، في "النهاية" (1): يريد الموضع المنكشف بغير سترة.

"فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه" فيه شرعيه ذلك، عند إنكار منكر.

"ثم قال: إن الله [349 ب] حيّ ستِّير" كلاهما صفة مبالغة من الحياء والستر، [وهو تعالى من العباد الاتصاف بما اتصف به ما لم ينه](2)، ومثله:"إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا".

= وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، وفي العرزمي هذا كلام لا يضر، وزهيى هو ابن معاوية بن خديج أبو خيثمة، ثقة ثبت.

وللحديث شاهد من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل في صحن الدار، فقال: إن الله حيي حليم ستير، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ولو بجذم حائط".

أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان". وأورده السيوطي في "الجامع الكبير"(1/ 144/ 2).

ثم ذكر له شاهداً آخر (1/ 145/ 1) من رواية عبد الرزاق عن عطاء مرسلاً.

كما في "الإرواء" للألباني (7/ 367 - 368) رقم (2335).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(1)

"النهاية في غريب الحديث"(1/ 125).

(2)

كذا العبارة في "المخطوط" مضطربة المعنى مختلة التركيب.

ص: 389

"يحب الحياء (1) والستر (2) " أي: يحب اتصاف عباده بهما.

(1) الحياء: صفة ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة، و (الحيي) من أسمائه تعالى.

- الدليل من الكتاب:

1 -

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26].

2 -

وقوله: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53].

- الدليل من السنة:

1 -

حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه مرفوعاً: "

وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه". رواه البخاري رقم (66)، ومسلم رقم (2176).

2 -

حديث سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين". رواه الترمذي، واللفظ له، وأبو داود، وأحمد، والحاكم. انظر:"جامع الأصول"(2118)، و"صحيح الجامع"(1757).

وممَّن أثبت صفة الاستحياء من السلف الإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي، فيما نقله عنه شيخ الإسلام في "الفتاوى"(4/ 181) موافقاً له.

وقال ابن القيم في "النونية"(2/ 80):

"وَهُوَ الحَيِيُّ فَلَيْسَ يفْضَحُ عَبْدَهُ

عِنْدَ التَّجَاهُر مِنْهُ بِالعِصْيَانِ

لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيْهِ سِتْرَهُ

فَهُوَ السِّتِّيرُ وصَاحِبُ الغُفْرَانِ"

قال الهراس: "وحياؤه تعالى وصف يليق به، ليس كحياء المخلوقين الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه، فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر شيء إليه وأضعفه لديه ويستعين بنعمه على معصيته، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه يستحي من هتك ستره وفضيحته، فيستره بما يهيئه له من أسباب الستر، ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر" اهـ.

(2)

السَّتر: صفة فعلية لله عز وجل ثابتة بالسنة الصحيحة.

والسَّتِيْر: من أسمائه تعالى. =

ص: 390

"فإذا اغتسل أحدكم فليستتر" والاستتار جمع بين الصفتين؛ لأن من لا يستحي لا يستتر، أي: عن الناس بأي ساتر كما يأتي، وقد كان صلى الله عليه وسلم يبعد إذا أراد قضاء حاجته كما سلف.

قوله: "أخرجه أبو داود، والنسائي" ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ستير فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوارى بشيء".

[الثاني والعشرون](1):

22 -

وعن أبي السمح رضي الله عنه قال: "كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ: وَلِّنِي قَفَاكَ". فَأُوَلِّيهِ قَفَايَ فَاَسْتُرُهُ بِهِ. أخرجه النسائي (2). [صحيح]

حديث: "أبي السمح" تقدم ضبطه، وأنه من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

"قال: كنت أخدم النَّبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يغتسل، قال: ولِّني قَفَاك، فأُوليَّه قفاي فأستره"، عن الناس وعن نفسه.

قوله: "أخرجه النسائي".

= الدليل: حديث يعلى بن أمية الصحيح التقدم، وحديث أبي هريرة عند مسلم رقم (2590) مرفوعاً بلفظ:"لا يستُرُ الله على عبدٍ في الدنيا، إلَاّ سترَهُ الله يوم القيامة".

قال ابن القيم في "النونية"(2/ 80):

وَهُوَ الحَيِيُّ فَلَيْسَ يفْضَحُ عَبْدَهُ

عِنْدَ التَّجَاهُر مِنْهُ بِالعِصْيَانِ

لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيْهِ سِتْرَهُ

فَهُوَ السَّتَّيرُ وصَاحِبُ الغُفْرَانِ

تنبيه: اعلم أن (السَّتَّار) ليس من أسمائه تعالى، ولم يرد ما يدل على ذلك، خلاف ما هو شائع عند عوام الناس.

(1)

في "المخطوط": الحادي والعشرون، وهو خطأ.

(2)

في "السنن" رقم (224).

وأخرجه ابن ماجه رقم (613)، وهو حديث صحيح.

ص: 391

[الثالث والعشرون](1):

23 -

وعن أم هانيء بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: "ذهبْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابِنْتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ". أخرجه مسلم (2). [صحيح]

حديث: "أم هانيء بنت أبي طالب رضي الله عنها" كنِّيت باسم ابنها، واسمها فاختة، وقيل: عاتكة وقيل: فاطمة، وقيل: هند، وهي أخت علي رضي الله عنها، خطبها النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالت: والله إني لأحبك في الجاهلية، فكيف في الإسلام، لكني امرأة مصيبية، أي: ذات صبيان، فسكت عنها.

"قالت: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح" فتح مكة، وهو العام الثامن من الهجرة، وذهابها إليه كان في يوم الفتح نفسه، كما في كتب السيرة.

"فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره" عن نفسها، وعن غيرها.

"بثوب" والحديث فيه قصة.

قوله: "أخرجه مسلم"

[الرابع والعشرون](3): حديث (ابن عباس رضي الله عنهما):

24 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اغْتَسَلَ فَأُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَمَسَّهُ، وَجَعَلَ يَقُولُ بِالمَاءِ هَكَذَا". أخرجه النسائي (4). [صحيح]

"أن النّبي صلى الله عليه وسلم اغتسل فأتي بمنديل" يمسح به الماء.

"فلم يمسه وجعل يقول" أي: يفعل.

(1) في "المخطوط": "الثاني والعشرون"، وهو خطأ.

(2)

في "صحيحه" رقم (336).

وأخرجه البخاري رقم (280، 357، 3171، 6158).

(3)

في "المخطوط": الثالث والعشرون، وهو خطأ.

(4)

في "السنن" رقم (254)، وهو حديث صحيح.

ص: 392

"بالماء هكذا" أي: يذهبه وينفض [350 ب] يديه وقد تقدم في حديث ميمونة.

قوله: "أخرج النسائي".

[الخامس والعشرون](1): حديث (ابن عمر رضي الله عنهما -:

25 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كَانَتِ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، وَالغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ سَبْعَ مِرَارٍ، وَغَسْلُ الثَّوْبِ مِنَ البَوْلِ سَبع مِرَارٍ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ، حَتَّى جُعِلَتْ الصَّلاةُ خَمْسًا، وَغُسْلُ الجَنَابَةِ مرَّةً، وَغَسْلُ البَوْلِ مِنَ الثَّوْبِ مَرَّةً". أخرجه أبو داود (2). [ضعيف]

"قال: كانت الصلاة" الخمس المفروضة.

"خمسين" في أول أمر الله بها.

"والغسل من الجنابة سبع مرارٍ" يفيض على بدنه مرة بعد أخرى.

"وكان غسل الثوب" من إصابة.

"البول سبع مرارٍ" أما الصلاة، فقد ثبت ذلك في حديث الإسراء (3)، وأما الجنابة والثوب، فمن هذا الحديث عرف أنها كانت كما قال.

"فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل" من الله التخفيف.

"حتى جعلت الصلاة خمساً، وغسل الجنابة مرة" فالإفاضة ثلاث مرارٍ، ندب لا واجب لرواية:"لا يتم تعميم البدن إلا بها" فهي مرة.

"وغسل البول من الثوب مرة" فالتكرار ثلاثاً، خلاف السنة.

(1) في "المخطوط": الرابع والعشرون، وهو خطأ.

(2)

في "السنن" رقم (247)، وهو حديث ضعيف.

(3)

تقدم ذكره في الصلاة.

ص: 393

قوله: "أخرجه أبو داود" وهذا الحديث جعله ابن الأثير (1): الفرع السادس في أحاديث متفرقة.

[السادس والعشرون](2): حديث (عائشة رضي الله عنها):

26 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "رُبَّماَ اغْتسَلَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الجَنَابَةِ، ثُمَّ جاءَ فَاسْتدْفَأَ بيِ، فَضَمَمْتُهُ إِليَّ وَأَناَ لَمْ أَغْتَسِلْ". أخرجه الترمذي (3). [ضعيف]

"قالت: ربما اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة" والمراد: فبرد بدنه من الماء. "فاستدفأ" طلب الدفاء. "بي" أي: بالتصاق بدنه ببدني.

"فضممته إليّ وأنا لم أغتسل" قال ابن العربي (4): هذا حديث لا يصح، ولم يستقم، فلا نثبت به شيئاً، ولا يعلم، ويحتمل أن ذلك من دون حائل، والملامسة عندنا لغير شهوة لا تنقض الوضوء. انتهى.

قلت: هذا منه مبني على أن الملامسة المس، والحق أنها الجماع، كما بيناه في "سبل السلام"(5) وغيره، وهذا الحديث من أدلتنا على ذلك، وأما أنه يرد لأجل خلاف مالك فلا يفوه به عالم.

قوله: "أخرجه الترمذي".

قلت: وقال (6) هذا حديث ليس بإسناده بأس.

(1) في "الجامع"(7/ 302).

(2)

في "المخطوط": الخامس والعشرون، وهو خطأ.

(3)

في "السنن" رقم (123)، وهو حديث ضعيف.

(4)

في "عارضة الأحوذي"(1/ 191).

(5)

(1/ 324).

(6)

الترمذي في "السنن"(1/ 211).

ص: 394

[السابع والعشرون](1): حديث [351 ب](عائشة) أيضاً:

27 -

وعنها رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالخِطْمِيِّ وَهُوَ جُنُبٌ، يَجْتَزِئ بِذَلِكَ، وَلَا يَصُبُّ عَلَيْهِ المَاءَ". أخرجه أبو داود (2). [ضعيف]

ومعناه أنه كان يكتفي بالماء الذي يغسل به الخطمي فقط.

"قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه بالخطمي" بكسر الخاء المعجمة وتفتح، نبات محلِّلٌ للأورام، مُنضِّج مُلَيِّن نافع لعسر البول، والحصا والنَّسا وقرحة الأمعاء وينضج الجراحات، قاله في "القاموس"(3).

"وهو جنب فيجتزئ بذلك" أي: بالماء الذي خلط به الخطميِّ (ولا يصب عليه الماء) وقد بينه المصنف.

قوله: "أخرجه أبو داود".

قلت: عن رجل من بني سوادة قال (4): إنه مجهول.

[الثامن والعشرون](5):

28 -

وعنها رضي الله عنها قالت: "كُنَّا نَغْتَسِلُ وَعَلَيْنَا الضِّمَادُ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مُحِلَاّتٍ وَمُحْرِمَاتٍ". أخرجه أبو داود (6). [صحيح]

قوله: "وعنها" أي: عائشة رضي الله عنها.

(1) في "المخطوط": السادس والعشرون، وهو خطأ.

(2)

في "السنن" رقم (256)، وهو حديث ضعيف.

(3)

"القاموس المحيط"(ص 1426).

(4)

المنذري في "مختصر السنن"(1/ 169).

(5)

في "المخطوط": السابع والعشرون وهو خطأ.

(6)

في "السنن" رقم (254)، وهو حديث صحيح.

ص: 395

"قالت: كنا نغتسل وعلينا الضماد" بكسر الضاد المعجمة وقال مهملة، في "النهاية" (1): الضّماد خرقة يشد بها العضو المَؤوف ثم قيل: لوضع الدواء على الجرح وغيره، وإنْ لم يشدَّ.

وقال المنذري (2) وغيره: المراد به هنا ما يلطخ به الشعر مما يلبده ويسكنه من طيب وغيره.

"ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات" في الاغتسال التي ليست لجنابة.

قوله: "أخرجه أبو داود".

[التاسع والعشرون](3): (وعن علي رضي الله عنه):

29 -

وعن علي رضي الله عنه قال: "كَان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقْرِئُناَ القُرآنَ علىَ كلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُباً". أخرجه أصحاب السنن (4)، واللفظ للترمذي وصححه. [حسن]

"قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً" فإنه لا يقرئهم القرآن.

وعدم إقرائهم إياه حال جنابته يدل على أنه لا يقرأه الجنب، دلالة خفية؛ لأنه لا يعلم أنه ترك ذلك لأجل الجنابة بل يحتمل غير ذلك، وهي مسألة خلاف.

قوله: "أخرجه أصحاب السنن، واللفظ للترمذي وصححه".

(1)"النهاية في غريب الحديث"(2/ 91).

(2)

انظر: "مختصر السنن"(1/ 169).

(3)

في "المخطوط": الثامن والعشرون، وهو خطأ.

(4)

أخرجه أبو داود رقم (229)، والنسائي رقم (265، 266)، وابن ماجه رقم (594)، والترمذي رقم (146)، وقال: حديث حسن صحيح.

وأخرجه أحمد (1/ 83، 84، 107، 224، 134)، وابن خزيمة (208)، وابن حبان رقم (799)، والحاكم (4/ 107)، وصححه ووافقه الذهبي، والبزار في "مسنده"(1/ 162 رقم 321 - كشف)، والدارقطني في "السنن"(1/ 119 رقم 10)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 88 - 89). وهو حديث حسن.

ص: 396

قلت: وقال (1): حديث علي حديث حسن صحيح، وبه قال غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، قالوا: يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء ولا يقرأ في المصحف إلاّ وهو طاهر.

وقال الترمذي (2) أيضاً: إنّ القول بأنه لا يقرأ الجنب والحائض شيئاً من القرآن، قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم [352 ب] مثل سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي (3)، وأحمد (4) وإسحاق إلى آخر كلامه.

- وفي أخرى للنسائي (5): "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: يَخْرُجُ مِنَ الخَلَاءِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، وَيَأْكُلُ اللَّحْمَ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ مِنَ القُرآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الجَنَابَةَ". [حسن]

"وفي" رواية "أخرى للنسائي" أي: عن علي.

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء، ويقرأ القرآن، ويأكل اللحم" لفظ "الجامع"(6): "يأكل معنا".

"ولم يكن يحجبه من القرآن شيء سوى الجنابة" هو كما سلف، ولا أدري ما وجه ذكر أكل اللحم بخصوصه.

(1) الترمذي في "السنن"(1/ 273).

(2)

الترمذي في "السنن"(1/ 275).

(3)

انظر: "المجموع شرح المهذب"(2/ 387).

(4)

انظر: "المغني"(1/ 199 - 202).

(5)

في "السنن" رقم (265)، وهو حديث حسن.

(6)

(7/ 304).

ص: 397

[الثلاثون](1): (وعن ابن عباس رضي الله عنه):

30 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِالقِرَاءَةِ للْجُنُبِ بَأْساً". أخرجه رزين، قلت: وعلقه البخاري (2)، والله أعلم.

"أنه لم ير بالقراءة للجنب بأساً" وهو رأي ولغيره لضعف أدلة المنع، والأصل الجواز.

قوله: "أخرجه رزين" أي: ذكره غير مخرج وبيض له ابن الأثير.

"قلت: وعلّقه البخاري" أحسن بهذه العبارة، فإنها صحيحة بخلاف تعبيره.

في مواضع بقوله: أخرجه البخاري تعليقاً؛ لأنها متناقضة إذ المعلق ليس بمخرج، إلا أنه لم يذكر ابن الأثير (3) أنه علقه البخاري، ولا رأيت في أبواب الجنب من البخاري (4) فينظر.

[الحادي والثلاثون](5): حديث (عائشة رضي الله عنها):

31 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم إِذاَ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ للِصَّلَاةِ". أخرجه الستة (6)، وهذا لفظ البخاري. [صحيح]

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة).

(1) في "المخطوط": التاسع والعشرون، وهو خطأ.

(2)

في "صحيحه"(1/ 407 رقم الباب 7) معلقاً.

وانظر: "فتح الباري"(1/ 408).

(3)

في "الجامع"(7/ 305).

(4)

في "صحيحه"(1/ 407 رقم الباب 7) معلقاً.

(5)

في "المخطوط": الثلاثون، وهو خطأ.

(6)

أخرجه البخاري رقم (288)، ومسلم رقم (305)، وأبو داود رقم (222)، والترمذي رقم (119)، والنسائي (1/ 139)، وابن ماجه رقم (584)، وأخرجه أحمد (6/ 102، 119، 200). وهو حديث صحيح.

ص: 398

أي: كوضوءه للصلاة، وهذا فعل منه صلى الله عليه وسلم لا يدل على الإيجاب ولا ورد أنه أمر أحداً من نسائه إذا جامعها بذلك، إلا أنه أخرج البخاري حديث أمره صلى الله عليه وسلم لعمر بأنه يتوضأ إذا أراد النوم وهو مجنب، وسيأتي (أخرجه الستة وهذا لفظ البخاري).

- وفي أخرى لمسلم (1): كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة) [صحيح].

"وفي" رواية "أخرى لمسلم" أي: عن عائشة.

"كان إذا أراد أن يأكل" أي: وهو جنب.

"أو ينام" كذلك.

"توضأ" قال ابن حجر الهيتمي في "التحفة": ويحصل أصل السنة بغسل الفرج إن أراد نحو جماع، أو أكل أو شرب أو نوم، وإلاّ كره.

قلت: هذا حمل للوضوء على معناه اللغوي، ولكن تخصيصه بالفرج لا دليل عليه، وكأنه يريد أنه أولى ما يغسل.

ثم قال: وينبغي أن يلحق بهذه الأربعة إرادة الذكر أخذاً من تيممه صلى الله [353 ب] عليه وآله وسلم من الجدار لرد السلام (2). انتهى.

قلت: في البخاري (3) من حديث عمر: "أنه صلى الله عليه وسلم قال له: حين استفتاه عن النوم وهو جنب: "توضأ واغسل ذكرك".

(1) في صحيحه رقم (22، 305)، وأخرجه أحمد (6/ 91). وهو حديث صحيح.

(2)

تقدم وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (290)، وأخرجه مسلم رقم (25/ 306).

ص: 399

وفي رواية (1): "اغسل ذكرك ثم توضأ"، فدل على أنه أريد الوضوء الشرعي، فلا تتم السنة بغسل الفرج فقط. كما قال بن حجر.

واختلف في الوضوء، وغسل الذكر هل يجب أو يستحب؟.

قال ابن عبد البر (2): ذهب الجمهور أن للاستحباب، وقالت الظاهرية (3) إنه للإيجاب، وبّوب عليه أبو عوانة في صحيحه (4) فقال: باب إيجاب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم، وقيل: لا يستحب؟ نقله الطحاوي (5) عن أبي يوسف، واستدل بحديث عائشة:"كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء" أخرجه أبو داود (6) وغيره (7)؛ لكنه قال (8) الترمذي: يرون أنّ هذا غلط من أبي إسحاق.

وقال البيهقي (9): طعن الحفاظ في هذه اللفظة.

(1) قال الحافظ في "الفتح"(1/ 394) وفي رواية أبي نوح: "اغسل ذكرك ثم توضأ ثم نم

وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال: يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر؛ لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث، وإنما هو للتعبد، إذ الجنابة أشد من مس الذكر، فتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدم على الوضوء".

(2)

انظر: "فتح الباري"(1/ 394).

(3)

بل قال ابن حزم في "المحلى"(1/ 85 المسألة 118): "ويستحب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل أو النوم، ولردَّ السلام، ولذكر الله تعالى، وليس ذلك بواجب

".

(4)

(1/ 35).

(5)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 128).

(6)

في "السنن" رقم (228).

(7)

كأحمد (6/ 109) والترمذي رقم (118) وقال: هذا الحديث وهم، وهو حديث صحيح.

(8)

في "السنن"(1/ 203).

(9)

في "السنن الكبرى"(7/ 191 - 192).

ص: 400

وقال أبو داود (1) عن يزيد بن هارون وهم أبو إسحاق (2) في هذا المعنى في قوله: "ولم يمس ماء".

ثم على تقدير ثبوتها فالمراد لم يمس ماءً للاغتسال جمعاً بينه وبين أدلة الأمر بالوضوء، ثم المراد بالوضوء، وضوء الصلاة لما رواه مالك عن نافع، عن ابن عمر.

قيل: ويجزئه ذلك الوضوء إذا استيقظ من منامه، وأراد الاغتسال عن وضوء الاغتسال على القول بجواز تفريق غسل الجنابة في الأعضاء، فينويه ويرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح.

قال الحافظ (3): ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة (4)، بسند رجاله ثقات، عن شداد بن أوس الصحابي قال:"إذ أجنب أحدكم من الليل، ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة".

وفي الحديث دليل على أنه غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق عند القيام إلى الصلاة.

(1) في "السنن"(1/ 154 - 155).

(2)

أبو إسحاق: عمرو بن عبد الله السبيعي ثقة عابد اختلط بأخرة، "التقريب" رقم (5065).

وتعقب المحرران: "اختلط بأخرة" ليس بجيد، فإنه لم يختلط، لكنه شاخ ونسي.

كما قال الإمام الذهبي - وسمع منه سفيان بن عيينة في حال شيخوخته، فروايته عنه غير جيدة، ولذلك لم يخرج الشيخان من طريقه شيئاً عنه.

ولم يصفه المؤلف هنا بالتدليس مع أنه أورده في كتابه: "المدلسين في الطبقة الثالثة" وهم الذين لا تقبل رواياتهم إلا إذا صرحوا بالتحديث من طبقات المدلسين، (ص 101) وقال: مشهور بالتدليس، وصفه النسائي وغيره بذلك.

(3)

في "فتح الباري"(1/ 394).

(4)

في "مصنفه"(1/ 60) بسند رجاله ثقات.

ص: 401

- وله (1) في أخرى عن عبد الله بن أبي قيس قال: "سَالتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنْ وِتْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ الحَدِيِثَ، وَفَيهَ قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِي الجَنَابَةِ، أَكانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، أَوْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالَتْ: كُلَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ وَنَاَمَ، وَرَبَّماَ تَوَضَّأَ فَنَامَ. قُلْتُ: الحَمْدُ للهَّ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً". [صحيح]

قوله: "وفي أخرى عن عبد الله بن أبي قيس" في "التقريب"(2): يقال ابن أبي قيس، ويقال: ابن أبي موسى النصري بالنون، الحمصي، ثقة مخضرم.

"سألت عائشة رضي الله عنها عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث [354 ب] وفيه قلت: كيف كان يصنع في الجنابة" أي: في غسلها أو فيه كما يدل عليه قوله:

"أكان يغتسل قبل أن ينام؟ أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، فربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام، قلت: الحمد الله الذي جعل في الأمر سعةٍ".

- وفي رواية أبي داود (3) عن غضيف بن الحارث قال: "قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: أَرَأَيْتِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، أَمْ فِي آخِرَهُ؟ قَالَتْ: رُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي آخِرهِ. قُلْتُ: الله أَكْبَرُ، الحَمْدُ للهَّ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعةً. قُلْتُ: أَرَأَيْتِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَمْ آخِرِهِ، قَالَتْ: رُبَّمَا أوْتَرَ أَوّلِ اللَّيْلِ، ورُبَّمَا أَوْترَ آخِرِهِ، قُلْتُ: الله أَكْبَرُ، الحَمْدُ للهَّ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً. قُلْتُ: أَرَأَيْتِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَجْهَرُ بِالقُرْآنِ أَمْ يَخْفُتُ بِهِ، قَالَتْ: رُبَّمَا جَهَرَ بِهِ، وَرُبَّمَا خَفَتَ بِهِ، قُلْتُ: الله أَكْبَرُ، الحَمْدُ للهِّ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً". [صحيح]

(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (26/ 307)، وأبو داود رقم (226)، والترمذي رقم (2924)، والنسائي رقم (222، 223، 404، 405) وهو حديث صحيح.

(2)

(1/ 442 رقم 557).

(3)

في "السنن" رقم (226) وهو حديث صحيح.

ص: 402

قوله: "وفي رواية أبي داود، عن غضيف" بالغين المعجمة، فضاد معجمة أيضاً مصغر، ويقال بالظاء ابن الحارث السَّكوني ويقال: الثُّمالي، يكنى أبا أسماء، حمصي، مختلف (1) في صحبته.

"قال قلت لعائشة رضي الله عنها: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة أول الليل" إن أجنب فيه.

"أم في آخره". أي: يؤخره إن أجنب في أوله.

"قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره، قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة" ولم يضيق على الجنب في الاغتسال أول الليل.

"أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر" يصلي الوتر.

"أول الليل أو آخره، قالت: ربما أوتر أول الليل (2)، وربما أوتر آخره" والمراد من سؤاله ليقتدي بما كان صلى الله عليه وسلم يفعله.

"قلت: الله أكبر، والحمد لله الذي جعل في الأمر سعة" ليوتر العبد متى شاء من الليل.

"قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن أم يخفت به" أي: يُسِر، والمراد في صلاة الليل، أو المراد في جميع أحواله من صلاة وتلاوة.

"قالت: ربما جهر به، وربما خفت، قلت: الله أكبر، والحمد لله الذي جعل في الأمر سعة".

- وفي رواية الترمذي (3) وأبي داود (4) أيضاً: "كَانَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ، وَلَا يَمَسُّ مَاءً".

(1)"التقريب"(2/ 105 رقم 18).

(2)

تقدم مفصلاً.

(3)

في "السنن"(118).

(4)

في "السنن" رقم (228). وقد تقدم.

ص: 403

قال (1) الترمذي: "وَقَدْ رُوِىَ عَنْها (2) أَنّهُ كانَ يَتَوَضَّأُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ أصَحُّ".

قوله: "وفي رواية الترمذي، وأبي داود أيضاً" أي عن عائشة رضي الله عنها.

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء" تقدم كلام العلماء في ضعف هذه الرواية وتأويلها لو صحت.

ولذا "قال الترمذي (3): وقد رُوِيَ عنها أنه كان يتوضأ قبل أن [355 ب] ينام إذا كان جنباً وهو أصح".

- وفي رواية للنسائي (4): "كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ، غَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ".

"وفي رواية للنسائي: كان إذا أراد" أي: وهو جنب.

"أن يأكل أو يشرب غسل يديه" والأحاديث دالة على أنه كان يفعل هذا تارة وهذا تارة، فإن الأوقات كثيرة متعددة، فيجوز (5) كل ما صح من ذلك.

(1) في "السنن"(1/ 203).

(2)

تقدم نصه وتخريجه وهو حديث صحيح.

(3)

في "السنن"(1/ 203).

(4)

في "السنن" رقم (255) وهو حديث صحيح.

(5)

وفي "تأويل مختلف الحديث"(ص 241): قال أبو محمد: ونحن نقول: إن هذا كله جائز، فمن شاء أن يتوضأ وضوءه للصلاة، بعد الجماع ثم ينام. ومن شاء غسل يده وذكره ونام.

ومن شاء نام من غير أن يمس ماء، غير أن الوضوء أفضل.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا مرة، ليدل على الفضيلة، وهذا مرة ليدل على الرخصة، ويستعمل الناس ذلك.

فمن أحب أن يأخذ بالأفضل أخذ، ومن أحب أن يأخذ بالرخصة أخذ.

وانظر: "المجموع"(2/ 180).

ص: 404

- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ رضي الله عنه لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تُصِيبُهُ الجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ". أخرجه الستة (1)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]

[الثاني والثلاثون]:

32 -

وعن نافع قال: كَانَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ، غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ رَأْسِهِ ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ. أخرجه مالك (2). [موقوف صحيح]

وأما حديث نافع، عن ابن عمر فإنه موقوف عليه، وهو الحديث [الثاني والثلاثون](3).

[الثالث والثلاثون (4)] حديث (أبي هريرة):

33 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم لقِيَهُ في بَعْضِ طُرُقِ المَدِيِنَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسَ مِنْهُ فَذَهَبُ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ لَهُ:"أَيْنَ كنْتَ يَا أباَ هُرَيْرَةَ؟ " فَقَالَ: كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَ عَلَىَ غَير طَهَارَةٍ. قَالَ: "سُبْحَانَ الله! إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ". أخرجه الخمسة (5)، وهذا لفظ البخاري. [صحيح]

(1) أخرجه البخاري رقم (290)، ومسلم رقم (206)، وأبو داود رقم (221)، وابن ماجه رقم (585)، والنسائي رقم (259، 260)، ومالك في "الموطأ"(1/ 47) وهو حديث صحيح.

(2)

في "الموطأ"(1/ 48 رقم 78) وهو أثر موقوف صحيح.

(3)

في "المخطوط" الحادي والثلاثون وهو خطأ.

(4)

في "المخطوط" الثاني والثلاثون وهو خطأ.

(5)

أخرجه البخاري رقم (283، 285)، ومسلم رقم (371)، وأبو داود رقم (231)، والترمذي رقم (121)، والنسائي (1/ 145)، وابن ماجه رقم (534)، وأخرجه أحمد (2/ 235، 382، 471)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (96)، وأبو عوانة (1/ 275)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 173)، والبيهقي في "السنن =

ص: 405

"انْخَنَسَ"(1) أي: استتر واختفى.

وجعل ابن الأثير هذا (2) فرعاً ثالثاً من فروع الجنب، وأحكامه وعدّها أربعة.

الأول: في قراءة القرآن.

الثاني: في مؤاكلته ونومه.

الثالث: في مجالسه ومحادثته وذكر حديث (3) أبي هريرة.

"أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو" أي: أبو هريرة.

"جنب فانخنس منه" لفظه في "الجامع"(4)"فانخنست منه" فسره المصنف باستتر واختفى، وفي رواية الترمذي:"فانتجشت" بالنون والمثناة الفوقية، والجيم، والشين المعجمة، أي: تنحيت، وفي رواية أبي داود (5):"فاختنست"، وفي رواية النسائي (6):"فانسلّ عنه".

"فذهب فاغتسل ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي رواية للبخاري (7): "لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب، فأخذ بيدي فمشيت معه حتى قعد، فانسللت فأتيت الرحل فاغتسلت، ثم جئت وهو قاعد".

= الكبرى" (1/ 189)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 13)، وابن حبان في صحيحه رقم (1259)، وهو حديث صحيح.

(1)

انظر: "لسان العرب"(2/ 374)، "النهاية في غريب الحديث"(1/ 536).

(2)

في "الجامع"(7/ 304).

(3)

في "الجامع"(7/ 310 رقم 5352) تقدم نصه وتخريجه وهو حديث صحيح.

(4)

(7/ 310 رقم 5353).

(5)

في "السنن" رقم (230) وهو حديث صحيح.

(6)

في "السنن" رقم (269) وهو حديث صحيح.

(7)

في صحيحه رقم (285).

ص: 406

"فقال له: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جنباً فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، قال: سبحان الله" تعجباً من ظنّ أبي هريرة، أنه نجس لكونه على غير طهارة.

ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن لا ينجس" بضم الجيم وفتحها، أي: ذاته وإنما ينجس منه محل النجاسة لا غيره.

قوله: "أخرجه الخمسة" واللفظ للبخاري" أي: هو أحد ألفاظه.

[الرابع والثلاثون (1):] حديث (حذيفة رضي الله عنه):

34 -

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: أَنَّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَهُ وَهُوَ جُنُبٌ، فَحَادَ عَنْهُ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: كُنْتُ جُنُبًا. قَالَ: "إِنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ". أخرجه مسلم (2)، واللفظ له، وأبو داود (3) والنسائي (4). [صحيح]

"أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب" في رواية أبي داود، النسائي.

"أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوي إليه، فقال: إني جنب" وفي رواية النسائي (5): "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لقي الرجل من أصحابه [356 ب] مسحه ودعا له، قال: فرأيته يوماً بكرة فحدت عنه".

"فحاد عنه" أي: مال عنه وتنحى.

(1) في "المخطوط": الثالث والثلاثون وهو خطأ.

(2)

في صحيحه رقم (372).

(3)

في "السنن" رقم (230).

(4)

في "السنن" رقم (267، 268).

وأخرجه أحمد (5/ 384، 402)، وابن ماجه رقم (535)، وأبو عوانة (1/ 275)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 73)، وابن أبي شيبة (1/ 173)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 189)، وابن خزيمة رقم (1359)، وابن حبان رقم (1369) وهو حديث صحيح.

(5)

في "السنن" رقم (267). وهو حديث صحيح.

ص: 407

"فاغتسل ثم جاء فقال: كنت جنباً" وفي رواية النسائي (1): "ثم أتيته حين ارتفع النهار، فقال: إني رأيتك فحدت عني قال: إني كنت جنباً، فخشيت أن تمسني".

"قال: إن المسلم لا ينجس" قد طهره الإسلام، فلا ينجس حياً ولا ميتاً.

ومفهومه أن الكافر (2) نجس، فهو من أدلة من يقول بنجاسة ذوات الكفار إلا أنه لا يقاوم ما يعارضه من أدلة طهارة ذواتهم.

(1) في "السنن" رقم (267) وهو حديث صحيح.

(2)

تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر، وحكاه في "البحر الزخار"(1/ 12 - 13) عن الهادي والقاسم، والناصر ومالك فقالوا: "إن الكافر نجس عين، وافقوا ذلك بقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وأجاب عن ذلك الجمهور بأن المراد منه أن المسلم طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة، وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار، وحجتهم على صحة هذا التأويل أن الله أباح نساء الكتاب في قوله تعالى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [سورة المائدة الآية: 5] ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن، ومع ذلك فلا يجب من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب من غسل عليهم من غسل المسلمة.

ومن جُملة ما استدل به القائلون بنجاسة الكافر حديث إنزاله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف المسجد، وتقريره لقول الصحابة:"قوم أنجاس" لما رأوه أنزلهم. وقوله لأبي ثعلبة لما قال له: "يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم قال: "إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وسيأتي في باب آنية الكفار.

وأجاب الجمهور عن حديث إنزال وفد ثقيف بأنه حجة عليهم لا لهم؛ لأن قوله: "ليس على الأرض من أنجاس القوم شيء إنما أنجاس القوم على أنفسهم" بعد قول الصحابة: قوم أنجاس. صريح في نفي النجاسة الحسية التي هي محل النزاع، ودليل على أن المراد نجاسة الاعتقاد والاستقذار. وعن حديث أبي ثعلبة بأن الأمر بغسل الآنية ليس لتلوثها برطوباتهم، بل لطبخهم الخنزير وشربهم الخمر فيها، يدل على ذلك ما عند أحمد وأبي داود من حديث أبي ثعلبة أيضاً بلفظ: إن أرضنا أرض أهل كتاب، وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فكيف =

ص: 408

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= نصنع بآنيتهم وقدورهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إن لم تجدوا غيرها فأرخصوها بالماء واطبخوا فيها واشربوا". [أخرجه أحمد (4/ 194)، وأبو داود رقم (3839) وهو حديث صحيح.

ومن أجوبة الجمهور عن الآية ومفهوم حديث الباب بأن ذلك تنفير عن الكفار وإهانة لهم، وهذا وإن كان مجازاً فقرينته ما ثبت في الصحيحين (أ) من أنه صلى الله عليه وسلم "توضأ من مزادة مشركة"، وربط ثمامة بن أثال وهو مشرك بسارية من سواري المسجد (ب) ، وأكل من الشاة التي أهدتها له يهودية (جـ) من خيبر، وأكل من الجبن المجلوب من بلاد النصارى كما أخرجه أحمد (د) وأبو داود (هـ) من حديث ابن عمر، وأكل من خبز الشعير والإهالة لما دعاه إلى ذلك يهودي.

وما سلف من مباشرة الكتابيات، والإجماع على جواز مباشرة المسبية قبل إسلامها، وتحليل طعام أهل الكتاب ونسائهم بآية المائدة (و) وهي آخر ما نزل.

وإطعامه صلى الله عليه وسلم وأصحابه للوفد من الكفار من دون غسل للآنية، ولا أمر به، ولم ينقل توقي رطوبات الكفار عن السلف الصالح ولو توقوها لشاع. قال ابن عبد السلام: ليس من التقشف أن يقول: أشتري من سمن المسلم لا من سمن الكافر؛ لأن الصحابة لم يلتفتوا إلى ذلك. وقد زعم المقبلي في "المنار""أن الاستدلال بالآية المذكورة على نجاسة الكافر وهم لأنه حمل لكلام الله ورسوله على اصطلاح حادث. وبين النجس في اللغة، والنجس في عرف المتشرعة: عموم، وخصوص من وجه، فالأعمال السيئة نجسة لغة، لا عُرفاً، والخمر نجس عرفاً، وهو أحد الأطيبين عند أهل اللغة، والعذرة نجس في العرفين فلا دليل في الآية" انتهى.

ولا يخفاك أن مجرد تخالف اللغة والاصطلاح في هذه الأفراد لا يستلزم عدم صحة الاستدلال بالآية على المطلوب، والذي في كتب اللغة أن النجس ضد الطاهر، قال في "القاموس" (ص 743): النجس بالفتح وبالكسر وبالتحريك وككتف وعضد ضد الطاهر، انتهى.

فالذي ينبغي التعويل عليه في عدم صحة الاحتجاج بها هو ما عرفناك. =

_________

(أ) أخرجه البخاري رقم (344)، ومسلم رقم (682) من حديث عمران بن حصين.

(ب) اخرجه البخاري رقم (4373)، ومسلم رقم (12/ 87 - نوويَ).

(جـ) أخرجه البخاري رقم (5777)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(4/ 256 - 264).

(د) في "المسند"(1/ 234، 302).

(هـ) في "السنن" رقم (3819) بسند حسن.

(و) سورة المائدة الآية: 6.

ص: 409

قوله: "أخرجه مسلم، واللفظ له وأبو داود والنسائي". أي: أخرجاه، وقدمنا لفظهما.

- وفي رواية للنسائي (1): كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا لَقَيِ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَسَحَهُ وَدَعَا لَهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ يَوْماً بُكْرَةُ، فَحُدْتُ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَيْتَهُ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارَ، فقَالَ: إِنِّيِ رَأَيْتُكَ فَحُدْتَ عَنِّي، فَقُلْتُ: لأِنِّي كُنْتُ جُنُباً، فَخَشِيتُ أَنْ تَمَسَّنيِ، فقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ". [صحيح]

"حَادَ" أي: تنحى.

[الخامس والثلاثون (2):] حديث (أبي هريرة رضي الله عنه):

35 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَلمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لَنَا:"مَكَانَكُمْ"، ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ

===

= انظر: "شرح معاني الآثار"(1/ 13)، "الطبقات لابن سعد"(1/ 312)، "زاد المعاد"(3/ 499)، "فتح الباري"(1/ 390).

قال الحافظ في "الفتح"(1/ 391).

وفي الحديث من الفوائد مشروعية الطهارة عند ملابسة الأمور العظيمة، واحترام أهل الفضل وتوقيرهم ومصاحبتهم على أكمل الهيئات، وإنما حاد حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وانخنس أبو هريرة لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعتاد مماسحة أصحابه إذا لقيهم والدعاء لهم، هكذا رواه النسائي (أ) وابن حبان (ب) من حديث حذيفة، فلما ظنا أن الجنب يتنجس بالحدث خشياً أن يماسحهما كعادته فبادراً إلى الاغتسال، وإنما ذكر المصيف رحمه هذا الحديث في باب طهارة الماء المتوضأ به لقصد تكميل الاستدلال على عدم نجاسة الماء المتوضأ به؛ لأنه إذا ثبت أن المسلم لا ينجس فلا وجه لجعل الماء نجساً بمجرد مماسته له.

(أ) في "السن" رقم (267، 268).

(ب) في صحيحه رقم (1369) وهو حديث صحيح.

_________

(1)

في "السنن" رقم (267)، وهو حديث صحيح وقد تقدم.

(2)

في "المخطوط" الرابع والثلاثون وهو خطأ.

ص: 410

خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فكَبَّرَ وَصَلّى فَصَلَّيْنَا مَعَهُ. أخرجه الستة (1)، إلا الترمذي، وهذا لفظ البخاري. [صحيح]

جعل ابن الأثير (2) هذا فرعاً رابعاً ولفظه: الرابع في صلاته، ناسياً عن أبي هريرة.

"قال: أقيمت الصلاة وعُدلت الصفوف" سوّيت.

"قياماً" حال من الصفوف، أي: حال كون الصفوف قائماً أهلها.

"فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي: من بيته ليصلى بهم.

"فلما قام في مصلاه" محل صلاته.

"ذكر أنه جنب، فقال لنا مكانكم" أي: الزموا مكانكم.

"ثم رجع" إلى بيته.

"فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر" من ماء غسله.

"فكبر وصلَّى، فصلينا معه".

قوله: "أخرجه الستة، إلا الترمذي، وهذا لفظ البخاري".

قلت: إلا أنه ليس في لفظه: "فصلّى" بل لفظه: "فكبر فصلّينا معه" هكذا لفظه في "الجامع"(3)، ولم يبين في هذه الرواية آية الصلاة.

(1) أخرجه البخاري رقم (275)، ومسلم رقم (157/ 605)، وأبو داود رقم (235)، والنسائي رقم (809)، وأخرجه أحمد (2/ 237).

وهو حديث صحيح.

(2)

في "الجامع"(7/ 314).

(3)

(7/ 314 رقم 5355).

ص: 411

[السادس والثلاثون (1)] حديث (أبي بكرة رضي الله عنه):

36 -

وعن أبي بكرة رضي الله عنه: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ فِي صَلاةِ الفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدهِ أَنْ مَكَانكُمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِم"(2). [صحيح]

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر" عيّن ما أجمل في الأولى، ويحتمل أن هذه قصة أخرى.

وقوله: "دخل" يحتمل أنه أحرم بتكبيرة الإحرام، ويدل له ما في رواية في حديث أبي هريرة (3) السابق:"فكبر ثم أومى إلى القوم أن اجلسوا"، وكذلك في رواية مالك (4):"كبر في صلاته"، وفيه روايات بلفظ (5):"أنه كبر" ساقها ابن الأثير (6).

وترجم أبو داود (7) لحديث أبي هريرة: باب الجنب يصلي بالقوم وهو ناس.

وترجم البخاري (8): باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم.

فكُلٌ من الإئمة استنبط من الحديث ما جعله ترجمة.

وقول أبي داود: وصلَّى، أي: دخل [357 ب] في صلاته.

(1) في "المخطوط" الخامس والثلاثون، وهو خطأ.

(2)

أخرجه أبو داود رقم (233)، وابن حبان رقم (2235)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 397)، (3/ 94)، وابن خزيمة رقم (1629).

وهو حديث صحيح.

(3)

تقدم نصه وتخريجه.

(4)

في "الموطأ"(1/ 48 رقم 79) وهو حديث صحيح لغيره.

(5)

أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (234) وهو حديث صحيح.

(6)

في "الجامع"(7/ 314 - 316).

(7)

في "السنن"(1/ 159 الباب رقم 94).

(8)

في صحيحه (1/ 383 الباب رقم 17 - مع الفتح).

ص: 412

- وفي رواية: فَلمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا". أخرجه أبو داود (1). [صحيح]

"وفي رواية" أي: لأبي بكرة.

قال في أولها: "فكبر" ثم قال في آخرها: "فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر، وإني كنت جنباً" فعلى هذه الرواية قوله: "فصلى" ظاهر أنه أتى بالصلاة كلها ومثله عبارة ابن الأثير (2).

"فأومى بيده أن مكانكم، ثم جاء من بيته ورأسه" أي: شعر رأسه.

"يقطر" بضم الطاء، يسيل من ماء غسله.

قوله: "أخرجه أبو داود".

قلت: وبين رجال كل رواية في سننه.

[السابع والثلاثون](3): حديث (سليمان بن يسار):

37 -

وعن سليمان بن يسار: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالجُرْفِ، فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتَلَاماً. فَقَالَ: إِنَّا لمَّا أَصَبْنَا الوَدَكَ لانَتِ العُرُوقُ. فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ الاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَعَادَ لِصَلَاتِهِ (4). [موقوف ضعيف]

"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى بالناس الصبح، ثم غدا" بعد صلاته.

"إلى أرضه بالجُرف" تقدم ضبطها، وبيان مكانها من المدينة.

"فوجد في ثوبه احتلاماً" أي: منيّاً.

(1) في "السنن"(234) وهو حديث صحيح.

(2)

في "الجامع"(7/ 316).

(3)

في "المخطوط" السادس والثلاثون، وهو خطأ.

(4)

أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 49 رقم 82) وهو أثر موقوف ضعيف.

ص: 413

"فقال: إنا لما أصابنا الودك" في "القاموس"(1): الودك محركة الاسم. انتهى.

كأنه يريد عمر أنه وسع الله عليهم، فأكثروا من الدسم.

"لانت العروق" وبسبب لينها يخرج المني من غير معرفة الخارج منه به.

"فاغتسل" للجنابة.

"وغسل الاحتلام من ثوبه" إمّا لأنه يرى نجاسته أو لأنه للتنظيف.

"وعاد لصلاته" قال ابن الأثير (2): وفي رواية (3) بعد قوله: "احتلاماً" فقال: لقد ابتليت بالاحتلام مذ وليت أمر الناس" كأنه شغل بأعمال الخلافة عن جماع أهله، فتوفر المني، فخرج في النوم: "فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام، ثم صلى بعد أن طلعت الشمس". انتهى.

وهذه كلها رواية سليمان بن يسار.

- وفي رواية بعد قوله احتلاماً فقال: لَقَدْ ابْتُلِيتُ بِالاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيتُ أَمْرَ النَّاسِ، فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنْ الاحْتِلَامِ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّناً. أخرجه مالك (4). [موقوف صحيح]

وقوله: "وفي رواية بعد قوله احتلاماً فقال: لقد ابتليت بالاحتلام منذ وليت أمر الناس، فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام، ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكناً" يفهم منه أنها من رواية سليمان بن يسار، وليس كذلك، فرواية سليمان (5) انتهت حيث ذكرنا.

(1)"القاموس المحيط"(ص 1235).

(2)

في "الجامع"(7/ 317).

(3)

أخرجها مالك في "الموطأ"(1/ 49 رقم 81) وهو أثر موقوف ضعيف.

(4)

في "الموطأ" (1/ 49 رقم 80 من رواية زبيد بن الصلت. وهو أثر موقوف صحيح.

(5)

انظر: ما تقدم.

ص: 414