الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: في البول والغائط وما يتعلق بهما
(الفصل الأول: في البول والغائط) وهو كناية (1) عن خارج دبر الإنسان، (وما يتعلق بهما) من الأحكام الشرعية.
الأول:
1 -
عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها: أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ.
وفي رواية: "فَرَّشَهُ". أخرجه الستة (2)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]
"النَّضْحُ"(3): رش الماء على الشيء، ولا يبلغ الغسل.
حديث (أم قيس بنت محصن) بكسر الميم، وسكون الحاء المهملة فصاد مهملة مفتوحة فنون، واسم أم قيس يقال إنَّ اسمها: آمنة، وهي أخت عكاشة، صحابية لها أحاديث كذا في "التقريب"(4) وفي "فتح الباري"(5) أم قيس بنت محصن اسمها.
كما قال ابن عبد البر (6): جذامة بالجيم، والذال المعجمة.
(1) سيأتي توضيحه.
(2)
أخرجه البخاري رقم (223)، ومسلم رقم (287)، وأبو داود رقم (374)، والترمذي رقم (71)، والنسائي (1/ 157)، وابن ماجه رقم (524)، وأخرجه أحمد (6/ 355).
وهو حديث صحيح
(3)
"القاموس المحيط"(ص 313)، "النهاية في غريب الحديث"(2/ 754).
(4)
(2/ 623 رقم 70).
(5)
(1/ 326).
(6)
في "الاستيعاب" رقم (3244).
وقال السهيلي (1): اسمها آمنة، وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي، كذا في "فتح الباري"(2).
قوله: "لم يأكل الطعام" في "الفتح"(3): المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يُحنك به، والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها، وكأن المراد لم يحصل له الإغتذاء بغير اللبن على الاستقلال، هكذا مقتضى كلام النووي في "شرح مسلم"(4) و"شرح المهذب"(5).
"إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه" لفظ "الجامع"(6) بزيادة "رسول الله". "في حجره" بفتح الحاء المهملة وكسرها.
"فبال على ثوبه" ثوب النبي صلى الله عليه وسلم.
"فدعا بماء فنضحه" يأتي أنه رش الماء على الشيء، ولا يبلغ الغسل، ولذا قال:"ولم يغسله".
"وفي رواية أي (7): لأم قيس "فَرَشَّهْ".
قلت: وفي رواية (8): "فلم يزد على أن ينضح بالماء" وهي في "الجامع"(9).
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 326).
(2)
(1/ 326).
(3)
(1/ 326).
(4)
(3/ 195).
(5)
(2/ 607)
(6)
(7/ 80 رقم 5048).
(7)
أخرجها مسلم في صحيحه رقم (287).
(8)
أخرجها البخاري في صحيحه رقم (223، 5693)، ومسلم رقم (103/ 287).
(9)
(7/ 80).
والحديث دليل على تخصيص بول الصغير، بأنه يكفي في رفع نجاسته بالنضح، وأنه لا دليل على أنه غير نجس، كما قيل، وأمّا اشتراط كونه لم يطعم الطعام، فإنه من كلام الرواة، لا يوجب اشتراط ذلك ولا قالته بحضرته صلى الله عليه وسلم حتى يكون سكوته تقريراً [225 ب] فمن اشترطه فلا بُدَّ له من دليل (1).
قوله: "أخرجه الستة".
الثاني:
2 -
وعن لبابة بنت الحارث قالت: كَانَ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيًّ رضي الله عنهما فِي حِجْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَبَالَ عَلَىَ ثَوَبِهِ، فَقُلْتُ يَا رسُولَ الله: البَسْ ثَوْبًا، وَأَعْطِنِي إِزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ. قَالَ:"إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنْثَى وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ". أخرجه أبو داود (2). [حسن]
حديث: "لبابة بنت (3) الحارث" بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي، الهلالية أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب، وأخت ميمونة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: "إنما يغسل من بول الأنثى" لحكمة لا تعرف، وقيل: لأنه ألزج من بول الذكر وقيل: لأن الذكر يكثر حمله فيرفع الغسل عن بوله للحرج.
(1) انظر: "فتح الباري"(1/ 327)، "المجموع شرح المهذب"(2/ 109).
(2)
في "السنن" رقم (375).
وأخرجه أحمد (6/ 339 - 440)، وابن ماجه رقم (522)، وابن خزيمة رقم (282)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 166)، وصححه، ووافقه الذهبي.
وهو حديث حسن، والله أعلم.
(3)
انظر: "التقريب"(2/ 613 رقم 1).
"وينضح من بول الذكر" لم يأت نص بتحديد إلى متى ينضح (1) من بوله، ولا تقييد بأنه إذا لم يأكل الطعام، وما ذكره العلماء من ذلك، فاجتهاد ورأي.
قوله: "أخرجه أبو داود".
الثالث: حديث (أنس رضي الله عنه).
3 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ". فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ:"إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ والقَذَرِ: إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ الله تَعَالى، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ". وَأَمَرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ". أخرجه الشيخان (2)، وهذا لفظهما، والنسائي (3). [صحيح]
"لَا تُزْرِمُوهُ"(4) بتقديم الزاي على الراء: لا تقطعوا عليه بوله.
(1) قال الحافظ في "الفتح"(1/ 327) واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية، أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية، وهو قول علي، وعطاء، والحسن، والزهري، وأحمد، وإسحاق، وابن وهب وغيرهم، ورواه الوليد بن مسلم عن مالك، وقال أصحابه هي رواية شاذة.
الثاني: يكفي النضج فيهما، وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي وخصص ابن العربي النقل في هذا، بما إذا كانا لم يدخل أجوافهما شيء أصلاً.
الثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قالت الحنفية والمالكية.
انظر: هذه الأثار في مصنف عبد الرزاق (1/ 381 - 383)، وابن أبي شيبة (1/ 121)، "الاستذكار"(3/ 254)، "المجموع شرح المهذب"(2/ 609 - 610).
(2)
البخاري في صحيحه رقم (219، 221، 6025)، ومسلم رقم (100/ 285).
(3)
في "السنن" رقم (53، 54، 55). وهو حديث صحيح.
(4)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 104)، "النهاية في غريب الحديث"(1/ 722).
وقوله: "فَشَنَّهُ عَلَيْهِ" بالمهملة: أي صبه عليه، وبالمعجمة: فرّقه عليه من جميع جهاته، ورشه عليه.
قوله: "إذ جاء أعرابي" منسوب إلى الأعراب وهم سكان البوادي (1)، وقعت النسبة فيه إلى الجمع دون الواحد؛ لأنه جرى مجرى القبيلة، فقيل: أنه ذو الخويصرة (2) اليماني، وقيل: الأقرع بن حابس (3)، وقيل: عيينه بن حصن (4).
"فقام يبول في المسجد" كانت عادة أهل ذلك العصر أن يبول البائل وإن كان قريباً من الناس، إنما كانوا يبعدون في الغائط.
قوله: "مَهْ مَهْ" كلمة زجر (5) ويقال أيضاً: به بالموحدة، وتستعمل مفردة ومكررة، وزجروه مبادرة لإنكار المنكر عند اعتقادهم أنه منكر.
وقوله صلى الله عليه وسلم "لا تزرموه" بضم المثناة الفوقية وسكون الزاي، وكسر الراء بعدها ميم مضمومة، فسّره "المصنف" بـ: لا تقطعوا عليه بوله.
قال العلماء (6): لتركه يبول معانٍ:
أحدها: إرادة الرفق به.
الثاني: أنه لا يؤمن أن يلوث ثيابه.
الثالث: إذا قطع عليه بوله ربما أذاه وأحصره.
(1) قاله الحافظ في "الفتح"(1/ 323).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 323).
(3)
قاله التاريخي: ونقل عن أبي الحسين أنه عيينة بن الحصين، "فتح الباري"(1/ 324).
(4)
انظر: "التعليقة المتقدمة".
(5)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 692)، "الفائق" للزمخشري (3/ 359).
(6)
ذكره النووي في "شرحه لصحيح مسلم"(3/ 191).
الرابع: ربما قطر على مواضع أخرى لا تعرف، فيتنجس المسجد.
وفي الحديث: دليل على جميل آدابه ولطفه [226 ب] ورفقه بالجاهل.
قوله: "إنّ هذه المساجد" أتى بالجمع لإفادة أنّ ذلك ليس خاصاً بمسجده صلى الله عليه وسلم بل هذا حكم كل مسجد.
"لا تصلح" في حكم الشريعة. "لشيء من هذا البول والقذر" إبانة أن سائر الأقذار كالبول، ولهذا نهى صلى الله عليه وسلم عن البصاق (1) في المسجد، ثم أبان صلى الله عليه وسلم الذي يصلح له فقال:"إنما هي لذكر الله" عام لكل ذكر، وعَطَفَ "والصلاة وقراءة القرآن" عليه من عطف الخاص على العام إبانة لشرفهما، ودخل في ذكر كل طاعة من قراءة العلم.
"وأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوٍ من ماء" أي: فيها ماء، وفي لفظ: قال: "صبّوا عليه ذنوباً"، وفي رواية:"سجلاً من ماء".
"فشنَّه" يأتي "للمصنف" أنه بالمهملة أي: صبّه وهو الموافق لرواية (2): "صبّوا عليه ذنوباً من ماء" وفي لفظ: مسلم (3)"فأهريق عليه"، وهو بمعناه.
قوله: "أخرجه الشيخان وهذا لفظهما والنسائي".
الرابع: حديث (أبي هريرة رضي الله عنه).
4 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ المَسْجِدَ. وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ تَحَجَّرْتَ
(1) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها".
أخرجه البخاري رقم (415)، ومسلم رقم (552)، وأبو داود رقم (475)، والترمذي رقم (572)، والنسائي رقم (723)، وغيرهم. وهو حديث صحيح.
(2)
أخرجها البخاري في صحيحه رقم (221).
(3)
بل أخرجها البخاري رقم (219، 221).
وَاسِعًا". ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ، صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ". أَوْ قَالَ:"ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ". أخرجه الخمسة (1) إلا مسلماً، وهذا لفظ أبي داود والترمذي رحمهما الله. [صحيح]
"أنّ أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يصلى ركعتين" لعلها تحية المسجد.
"ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً" كأنه لجهله بسعة رحمة الله.
"فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تحجّرت واسعاً" وهي رحمة الله التي وسعت كل شيء كما قال تعالى (2).
(ثم لم يلبث) أي: الأعرابي.
"أن بال في المسجد" على عادة العرب في عدم الإبعاد عند البول.
"فأسرع إليه الناس" أي: بالزجر، والنهي بقولهم: مَهْ مَه كما سلف.
"فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم" تقدم بقوله: "لا تزرموه".
"وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" نسب صلى الله عليه وسلم البعث إليهم مجازاً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو المبعوث إليهم، وإنما ذكرهم؛ لأنهم المبلغون عنه في حضوره وغيبته، أو لأنهم مبعوثون من قِبَلِهِ إلينا.
"صبّوا عليه سجلاً"(3) بفتح السين المهملة [227 ب] وسكون الجيم وهو الذَنوب.
أيضاً.
قوله: (أخرجه الخمسة إلاّ مسلماً وهذا لفظ أبي داود والترمذي".
(1) أخرجه البخاري رقم (220، 6128)، وأبو داود رقم (380)، والترمذي رقم (147)، والنسائي رقم (51). وهو حديث صحيح.
(2)
قال تعالى: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156].
(3)
السَّجْل: الدَّلو الملأى ماءً ويجمع على سجال.
"النهاية في غريب الحديث"(1/ 756)، "غريب الحديث" للخطابي (2/ 189).
- ولأبي داود (1) في أخرى: "خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ، فَالقُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ المَاءَ".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُذِهِ الرِّوِايَة مُرْسَلَةٌ لأِنَّ ابْنُ مَعْقِلٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
"تَحَجَّرتَ وَاسِعاً" أي: ضيقت السعة.
و"الَّذنُوبُ" الدلو العظيمة.
وكذلك "السَّجْلُ" ولا يسمى سجلاً إلا إذا كان فيه ماء.
"ولأبي داود في أخرى: خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه الماء".
قال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير"(2) بعد ذكر هذا الحديث: له طريقان موصولان.
أحدهما: عن ابن مسعود (3).
والثانية: عن واثلة بن الأسقع (4) وفيهما مقال. انتهى.
(1) في "السنن" رقم (381) مرسلاً رجاله ثقات.
(2)
(1/ 60).
(3)
أخرجه الدارمي كما في "التخليص"(1/ 60)، والدارقطني في "السنن"(1/ 131، 132)، ولفظه:"فأمر بمكانه فاحتفر، وصبَّ عليه دلو من ماء" وفيه سمعان بن مالك، وليس بالقوي، قاله أبو زرعة وقال أبو حاتم في "العلل" (1/ 24) عن أبي زرعة: هو حديث منكر.
وكذا قال أحمد، وقال أبو حاتم: لا أصل له.
انظر: "الجرح والتعديل"(4/ 316).
(4)
أخرجه أحمد كما في "التخليص"(1/ 60)، والطبراني في "الكبير"(ج 22 رقم 192)، وفيه عبيد الله بن أبي حميد الهذلي، وهو منكر الحديث، قاله البخاري في "الضعفاء الصغير"(ص 73)، وأبو حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ 312).
ونقل المصنف عن أبي داود (1) ما ترى من أنه مرسلاً، وفي الحديث دلالة على نجاسة بول الآدمي، وهو إجماع، وعلى أن الأرض إذا تنجست طهرت بالماء، كغيرها من المتنجسات، وعلى أنه لا يجزي في تطهيرها الشمس والريح كما قيل.
وحديث: "ذكاة الأرض يبسها" أخرجه ابن أبي شيبة (2) موقوفاً، ودليل على أنه لا يجوز القذر في المساجد.
قوله: "ولا يسمى سجلاً إلا إذا كان فيه الماء" وقيل: هي الدلو مطلقاً، سواء كان فيها ماء أولاً، وفي "القاموس" (3): الدلو العظيمة مملوءة.
الخامس:
5 -
وعن أبي عبد الله الجشمي قال: حدثنا جندب رضي الله عنه قال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ عَقَلَهَا، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَصَلَّى خَلْفَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَلمَّا سَلَّمَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتَى الأَعْرَابِيُّ رَاحِلَتَهُ فَأَطْلَقَهَا، ثُمَّ رَكِبَ، ثُمَّ نَادَى: اللهمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تُشْرِكْ مَعَناَ فِي رَحْمَتِنَا أَحَدًا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ تَرَوُنَ أَضَلُّ هَذا أَوْ بَعِيرُهُ؟ أَلمْ تَسْمَعُوا إِلَى مَا قَالَ: قَالُوا: بَلَى". أخرجه أبو داود (4). [إسناده ضعيف]
حديث: "أبي عبد الله الجشمي" بضم الجيم فشين معجمة مفتوحة، نسبة إلى جشم قبيلة.
(قال: حدثنا جندب) هو ابن عبد الله.
(1) في "السنن" رقم (381).
(2)
في "مصنفه"(1/ 59 رقم 624).
(3)
"القاموس المحيط"(ص 1309).
(4)
في "السنن" رقم (4885) بإسناد ضعيف.
"قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها، ثم دخل المسجد فصلَّى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم" هذا يخالف رواية (1): "أنه صلى ركعتين" فيحمل أنه دخل فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى ركعتين ودعا بما دعا إلا أنَّ قوله:"فلما سلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الأعرابي راحلته" فإنه ظاهر في أنه لم يفعل شيئاً بعد صلاته معه صلى الله عليه وسلم فيحتمل أنه دخل المسجد، وهو صلى الله عليه وسلم في صلاة رباعية، قد فعل ركعتين فدخل معه الأعرابي ثم أتمْ صلاته.
"فأطلقها ثم ركب فنادى: اللهم (2) ارحمني ومحمداً، ولا تشرك معنا في رحمتنا أحداً فقال رسول صلى الله عليه وسلم[228 ب] من ترون" تظنون، بضم المثناة الفوقية.
"أضل؟ هذا أو بعيره" يعني: أن من بلغ هذا الحد في الجهل لسعة رحمة الله قد بلغ غاية الضلالة في هذا الحكم، حتى أنه يفاضل بينه وبين بعيره.
"ألم تسمعوا إلى ما قال" ممَّا دلّ على ضلاله.
"قالوا بلى".
قوله: "أخرجه أبو داود" وذكره هنا دال على أنها قصة واحدة ويدل له ما أورده رزين بعد قوله: "فدخل المسجد" قال: "فجعل يبول فيه فانتهره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوه واهريقوا عليه ذنوباً من ماء، قال: ثم توضأ وصلى خلف النَّبي صلى الله عليه وسلم
…
" الحديث.
قال ابن الأثير (3): الفرع الثالث: في النجاسة تكون في الطريق، ثم قال:
(1) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري رقم (220، 6128)، وأبو داود رقم (380)، والترمذي رقم (147)، والنسائي رقم (56)، وابن ماجه رقم (529)، وأحمد (12/ 244) وقد تقدم.
(2)
انظر: "فتح الباري"(1/ 323).
(3)
في "الجامع"(7/ 88).
(وعن أم سلمة رضي الله عنها) وهو الحديث السادس.
6 -
وعن أم سلمة رضي الله عنها: أَنَّهَا قالَتْ لها امْرَأَةٌ إِنِّي أُطِيلُ ذَيْلِي، وَأَمْشِي فِي المَكَان القَذِرِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ".
أخرجه الأربعة (1) إلا النسائي. [صحيح]
"أنها قالت لها امرأة: إني أطيل ذيلي" في "القاموس"(2): الذيل آخر كل شيء، ومن الإزار والثوب ما جُرَّ. انتهى.
ويأتي أنه أذن للنساء في إطالة أذيالهن ذراعاً إذا مشين.
"وأمشي في المكان القذر فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده". قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(3): هذا وقوله في الحديث الآخر: "فهذه بهذه" معناه عند الشافعي (4) فيما كان يابساً لا يعلق بالثوب منه شيء، فأما إذا كان رطباً فلا يطهَّر إلاّ بالغسل.
وقال مالك (5): هو أن يطأ الأرض القذرة، ثم يطأ الأرض النظيفة اليابسة، فإنّ بعضها يطِّهر بعضاً، فأماّ النجاسة مثل البول ونحوه، يصيب الثوب أو بعض الجسد، فإنَّ ذلك لا يطهره إلاّ الماء إجماعاً.
قال (6): وفي إسناد الحديثين مقال. انتهى.
(1) أخرجه أبو داود رقم (383)، والترمذي رقم (143)، وابن ماجه رقم (531)، ومالك في "الموطأ"(1/ 24) وهو حديث صحيح.
(2)
"القاموس المحيط"(ص 1295).
(3)
(7/ 88).
(4)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(2/ 199 - 209).
(5)
"مدونة الفقه المالكي وأدلته"(1/ 120 - 122).
(6)
ابن الأثير في "غريب الجامع"(7/ 89).
قوله: "أخرجه الأربعة إلاّ النسائي".
- ولأبي داود (1) في أخرى: "أَنَّ امْرَأَةٍ منْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله: إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى المَسْجدِ مُنْتِنَةً، فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا؟ فَقَالَ: أَليْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ مِنْهَا؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَهَذِهِ بِهَذِهِ". [صحيح]
قوله: "ولأبي داود في أخرى: أن امرأة من بني عبد الأشهل" بفتح الهمزة وشين معجمة ساكنة وهاء مفتوحة، بطن من الأنصار. "قالت: يا رسول الله إنّ لنا طريقاً إلى المسجد منتنة" أي: ذات نتن وهو القذر ونحوه.
"فكيف نفعل إذا مطرنا، قالت: فقال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها [229 ب] قالت: بلى، قال: فهذه بهذه" تقدم الكلام فيه.
- وله (2) في أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إذا وَطىِء أَحَدُكُمْ بِنَعْلهِ الأذَى، فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ". [صحيح لغيره]
قوله: "وله" أي: أبي داود.
"في أخرى (3) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وطىء أحدكم بنعله الأذى فإنّ التراب له طهور" وهو نص في تطهير النعل بالتراب، زاد في "الجامع" (4): وفي رواية: "إذا وطئ الأذى بخفَّيه فطهورهما التراب".
(1) في "السنن" رقم (384).
وأخرجه ابن ماجه رقم (533) وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن" رقم (385) وهو صحيح لغيره.
(3)
في "السنن" رقم (386) وهو صحيح لغيره.
(4)
(7/ 89).