الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المنذري: وأخرجه النسائي.
الباب الرابع: في الوضوء
(البَابُ الرَابِعُ: في الوُضُوء)
من التسعة الأبواب في الطهارة
وفيه: ثلاثة فصول.
(وفيه ثَلَاثَةُ فُصُول)[261 ب]
في فضله، في صفته، في سننه
الفصل الأول: في فضله
(الفصل الأول: في فضله)
أي: في الثواب الذي ينال بفعله.
الأول: حديث (أبي هريرة رضي الله عنه):
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلا أَدُلُكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو الله بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسولُ الله، قَالَ: إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ". أخرجه مسلم (1)، ومالك (2)، والترمذي (3)، والنسائي (4). [صحيح]
(1) في "صحيحه" رقم (251).
(2)
في "الموطأ"(1/ 161).
(3)
في "السنن" رقم (51).
(4)
في "السنن"(1/ 89).
وأخرجه ابن ماجه رقم (428)، وهو حديث صحيح.
قوله: "عَلَى المَكَارِهِ" معناه أن يتوضأ مع البرد الشديد، والعلل التي يتأذى معها بمس الماء، وما أشبه ذلك من الأسباب الشاقة.
وقوله: "فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ"(1) شبه الأعمال المذكورة بمرابطة المجاهدين، ونزَّلها منزلتها.
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا" بالتخفيف، حرف تنبيه، يؤتى به ليصغي السامع إلى ما يأتي بعده.
"أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا"، لفظة الخطيئة تطلق على الصغائر والكبائر، في النهاية: الخطأ الذنب والإثم، أي: يمحوا الله ما كتبه ملك الشمال من الخطايا.
"ويرفع به الدرجات" في الجنة إذ هي درجات بعضها فوق بعض.
"قالوا: بلى" أي: دُلَّنا.
"يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء" مضاف إلى مفعوله، أي: إسباغكم، والإسباغ: الإتمام، أي: إبلاغ كل عضو إلى حيث شرعه الله، وليس من مسماه التكرير.
"على المكاره" على ما تكرهه النفوس، لبرد الماء ونحوه (2).
"وكثرة الخطى إلى المساجد" لبعد المسجد أو للتردد عليه، فإنه ورد في غيره، أنه لا يرفع قدماً إلا حطّت عنه خطيئة ورفعت له بها درجة.
"وانتظار الصلاة" أي: الفريضة.
(1) قال القاضي عياض في "إكمال المعلم"(2/ 55 - 56) يعني المرغّبُ فيه، وأصله الحبس على الشيء، كأنه حبسَ نفسه على هذه الطاعة.
قيل: ويحتمل أنّه أفضل الرباط كما قيل: الجهاد جهاد النفس، ويحتمل أنّه الرباط المتيسر الممكن، أي: أنّه من أنواع الرباط.
(2)
ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (3/ 141).
"بعد الصلاة" أي: انتظاركم بعد الصلاة للصلاة الثانية، فقد ثبت أنه لا يزال العبد في صلاة ما انتظر الصلاة.
"فذلكم الرباط" الرباط (1) في الأصل، الإقامة على جهاد العدو بالحرب، وارتباط الخيل إعداؤها، فشبّه ما ذكر من الأفعال الصالحة، من إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وكرر ذلك بقوله:"فذلكم الرباط فذلكم الرباط" ثلاثاً تأكيداً لذلك، وإشارة إلى كل واحدة من الثلاث بمرابطة المجاهدين، ونزلها منزلتها فسمّاها رباطاً، وقد ألّم بتفسيره المصنف، كما فسّر المكاره أيضاً.
قوله: "أخرجه مسلم، ومالك، والترمذي، والنسائي".
الثاني: حديث (عقبة بن عامر):
2 -
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِي أَرْعَاهاَ فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ، وَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ:"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدَ هَذِاَ، فَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ بينَ يَدَيَّ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ ابنُ الخَطَّابِ، فقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا، قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبغُ الوَضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ". أخرجه الخمسة (2)، إلا البخاري، وهذا لفظ مسلم. [صحيح]
(1) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول"(9/ 420 - 411).
(2)
أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (234)، وأبو داود رقم (169)، وابن ماجه رقم (470)، والترمذي رقم (55)، وهو حديث صحيح، والنسائي رقم (148، 151).
وفي رواية أبي داود (1): "فَيُحْسِنُ الوُضُوءَ". [صحيح]
وعند الترمذي (2) بعد قوله ورسوله: "اللهمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ". [صحيح]
"كانت علينا رعاية الإبل"[262 ب] يريد أنهم كانوا يتناوبون على رعيهم، فيجتمع الجماعة، ويضمُّون إبلهم فيرعاها كل واحد منهم يوماً ليكون أرفق بهم، وينصرف الباقون في مصالحهم، والرعاية بالكسر الرعي.
"فجاءت نوبتي أرعاها فروّحتها بعشي" أي: رددتها إلى مراحها في آخر النهار، وفرغت من أمرها، ثم جئت مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، "فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يحدّث الناس، فأدركت من قوله: "ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه" جمع صلى الله عليه وسلم بهاتين اللفظتين أنواع الخضوع والخشوع؛ لأنّ الخضوع في الأعضاء والخشوع في القلب (3).
قال: "فقلت: مما أجود هذا! " وفي لفظه (4): "هذه" أي: الكلمة أو الفائدة، أو البشارة، أو العبادة، وجودتها من جهات (5) منها: أنها سهلة متيسرة، يقدر عليها كل أحد بلا مشقة، ومنها: أنّ أجرها كبير، ومنها: أنَّها عامة لكل مسلم.
"فإذا قائل يقول بين يدي: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب؟ فقال: إني قد رأيتك جئت آنفاً" أي: قريباً.
(1) في "السنن" رقم (169)، وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن" رقم (55)، وهو حديث صحيح.
(3)
ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم"(3/ 221).
(4)
أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (17/ 234).
(5)
انظرها نصاً في شرح "صحيح مسلم" للنووي (3/ 121).
"قال: ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء" أي: يتمه كما قدمنا.
"ثم يقول" بعد تمامه.
"أشهد أنّ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية" أي: ستفتح له، لكنه عبّر عمّا سيقع لتحققه بالواقع.
"يدخل من أيها شاء" وإنما قال عمر: إنها أجود مما سمعه بنفسه؛ لأن هذا أجر عظيم على مجرد الوضوء، والقول بعده وأجر الصلاة غيره.
قوله: "أخرجه الخمسة، إلا البخاري، وهذا لفظ مسلم".
"وفي رواية أبي داود (1): فيحسن الوضوء" وإحسانه: إسباغه.
"وعند الترمذي (2) - بعد قوله ورسوله -: اللهم اجعلني من التوابين" عن المعاصي.
"واجعلني من المتطهرين" مأخوذ من الآية: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} (3).
والجمع بين التوبة والتطهر في نهاية المناسبة؛ لأن التوبة تطهير القلب، والوضوء تطهير الجوارح، ومحبة الله ثابتة لمن جمع بينهما [263 ب].
الثالث: حديث (أبي هريرة رضي الله عنه).
3 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَوِ المُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ، خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ
(1) في "السنن" رقم (169).
(2)
في "السنن" رقم (55).
(3)
سورة البقرة الآية (222).
رِجْلَيْهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاهُ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ". أخرجه مسلم (1)، وهذا لفظه، ومالك (2) والترمذي (3). [صحيح]
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن"، شك من الراوي وكذا قوله:"مع الماء، أو مع آخر قطر الماء".
"فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء" المراد بخروجها المجاز والاستعارة في غفرانها؛ لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة، قاله القاضي عياض (4).
قالوا: والمراد بها الصغائر دون الكبائر (5).
"وإذا غسل يديه خرج من يده كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء"، أي: آخر قطر ماء يديه، ومثله ما قبله وبعده، والمراد: مع الماء أول قطرة منه.
"فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب".
"أخرجه مسلم، وهذا لفظه ومالك والترمذي" ويأتي من حديث ابن عبسة: ما هو أعم من هذا.
(1) في "صحيحه" رقم (244).
(2)
في "الموطأ"(1/ 32).
(3)
في "السنن" رقم (2).
وهو حديث صحيح.
(4)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 41).
(5)
ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم"(3/ 133).
الرابع:
4 -
وعن عثمان رضي الله عنه: أنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ"(1). [صحيح]
5 -
وفي رواية: أنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه تَوَضَّأ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ:"مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَكَانِتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى المَسْجِدِ نَافِلَةً". أخرجه الشيخان (2). [صحيح]
حديث: "عثمان" هو ابن عفان رضي الله عنه".
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأحسن الوضوء" أي: أسبغه.
"خرجت خطاياه من جسده" هذا أعم من الأول.
"حتى تخرج من تحت أظفاره".
"وفي رواية" عن عثمان.
"توضأ ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي" أي: مثله أو شبهه لا هو بعينه، كذا قيل.
قال في "فتح الباري"(3): إنّ للبخاري (4) رواية بلفظ: "نحو وضوئي هذا" ولمسلم (5): "مثل وضوئي هذا" ثم قال: إنّ التعبير بـ (نحو) من تصرف الرواة؛ لأنها تطلق على المثلية مجازاً؛ ولأنّ
(1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (245)، والنسائي (1/ 91)، وابن ماجه رقم (285)، وأحمد (1/ 66)، وهو حديث صحيح.
(2)
البخاري رقم (159، 160، 164، 1934، 6433)، ومسلم رقم (3/ 226).
(3)
(1/ 260).
(4)
في "صحيحه" رقم (159).
(5)
في "صحيحه" رقم (121).
(مثل) وإن كانت تقتضي المساواة من كل وجه ظاهراً، لكنها تطلق على الغالب، فهذا تلتئم الروايتان، ويكون المتروك، بحيث لا يخل بالمقصود.
"هذا ثم قال: من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه" ظاهره العموم لكل ذنب.
"وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد" الذي تقدم فضله.
"نافلة" أي: زيادة في أجره لا يكفرّ ذنباً، وذكر الحافظ ابن حجر (1) أنه وقع في رواية المصنف - أي: البخاري - في الرقاق (2)، في آخر هذا الحديث:"ولا تفتروا"[264 ب] أي: فتستكثروا من الأعمال السيئة، بناءً على أنّ الصلاة تكفرها، فإنّ الصلاة التي تكفر بها الخطايا، هي التي يقبلها الله، وأنّ للعبد الإطلاع على ذلك (3). انتهى.
قوله: "أخرجه الشيخان".
الخامس:
5 -
وعن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ يَقْرَبُ وَضُوءَهُ، فَيَتَمَضْمِضُ، وَيَسْتَنْشِقُ، فَيَسْتَنْثِرُ، إِلَاّ خَرَّتْ خَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ وَفيِه وَخَيَاشِمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسِلُ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ الله، إِلَاّ خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لْحِيَتِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، إِلَاّ خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسِهِ إِلَاّ خَرَّت خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيهْ إِلَى الكَعْبَيْنِ، إِلَاّ خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ المَاءِ،
(1) في "فتح الباري"(1/ 260).
(2)
في "صحيحه" رقم (6433).
(3)
ثم قال الحافظ في "الفتح"(11/ 251): هو أن المكفر بالصلاة هي الصغائر فلا تغتروا فتعملوا الكبيرة بناء على تكفير الذنوب بالصلاة، فإنه خاص بالصغائر، أو لا تستكثروا من الصغائر فإنَّها بالإصرار تعطى حكم الكبيرة فلا يكفرها ما يكفر الصغيرة، أو أن ذلك خاص بأهل الطاعة فلا يناله من هو مرتبك في المعصية، والله أعلم.
فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لله إِلَاّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". أخرجه مسلم (1). [صحيح]
حديث: "عمرو بن عبسة (2) رضي الله عنه" بفتح العين المهملة، وفتح الموحدة، فسين مهملة.
"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من رجل يقرب وضوءه"، بفتح الواو.
"فيتمضمض ويستنشق فينثر" هو إخراج الماء (3) بعد الاستنشاق مع ما في الأنف من مخاط ونحوه.
"إلا خرجت خطاياه من وجهه، وفيه وخياشيمه" وهي الأنف، وخطيئتها استنشاق ما يحرم استنشاقه.
"ثم إذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه من أطراف لحيته مع الماء" أي: مع خروجه من يديه.
"ثم إذا غسل يديه مع المرفقين، خرجت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم إذا مسح رأسه خرجت خطايا رأسه من أطراف شعره" وخطايا الرأس هي أن تعرض به عن الخير، وأن تأخذ شعره للمشائخ كما تفعله الصوفية، ودهنه وتسريحه لغير ما يشرعان له، بل للتزين للأجانب ونحوه.
"ثم إذا غسل رجليه مع الكعبين، خرجت خطايا رجليه من أنامله مع الماء"، هذا أعمّ من حديث أبي هريرة، وفيه تفصيلُ ما أجمَلَهُ حديث عثمان، من قوله:"من جسده" وخروج الخطايا
(1) في "صحيحه" رقم (294/ 832)، وهو حديث صحيح.
وأخرجه النسائي (1/ 91، 92).
(2)
انظر: "التقريب"(2/ 74 رقم 729).
(3)
وهو قول جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون.
وانظر: "القاموس المحيط"(ص 616) تهذيب اللغة (15/ 73 - 75).
تكون مع الغسلة الأولى الواجبة، فإذا أثنى أو ثلث غسل أعضاءه كان زيادة في ثوابه، ولم يكن لإخراج شيء من الخطايا (1).
وقد استدل بالحديث من قال: بنجاسة الماء (2) المستعمل بأنه قد صار غسالة الخطايا، فهو نجس؛ لأن الخطايا نجسة، وأجيب عليه أن نجاسة الخطايا ليست هي النجاسة الشرعية التي لها الأحكام المعروفة.
"فإن هو قام يصلي فحمد الله، وأثنى عليه، ومجّده بالذي هو أهله وفرّغ قلبه لله، إلاّ انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه" لا ذنب عليه كبير ولا صغير، إلاّ حقوق العباد، لأدلّةٍ خصّتها، وفيه دليل أنّ الوضوء يكفر الذنوب وإن لم يصل به المتوضيء.
قوله: "أخرجه مسلم".
السادس:
6 -
وعن عبد الله الصُّنابحي رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُؤْمِنُ، فَتَمَضْمَضَ، خَرَجَتْ الخَطَايَا مِنْ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَنْثَرَ، خَرَجَتْ الخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجْتِ الخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ، خَرَجَتْ الخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأسِهِ، خَرَجَتْ الخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ، حَتَّى
(1) انظر: الإنصاف (1/ 152 - 153)، "المجموع شرح المهذب"(1/ 393).
(2)
بعض الحنفية وأبو العباس.
"شرح فتح القدير"(1/ 92 - 93).
وقال ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(1/ 79) بتحقيقي: "وأما من زعم أنّه - أي الماء المستعمل - نجس فلا دليل معه".
تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ، خَرَجَتْ الخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى المَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً لَهُ". أخرجه مالك (1)، والنسائي (2). [صحيح]
حديث: "عبد الله الصُّنابحيِّ" تقدم ضبطه.
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ العبد المؤمن، فتمضمض خرجت الخطايا من فيه [265 ب]، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه، خرجت الخطايا من وجهه، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه".
الأشفار (3): حروف الأجفان التي ينبت عليها الشعر، الواحد شفر بالضم والشعر النابت عليها هو الهدب.
"فإذا غسل يديه، خرجت الخطايا من يديه، حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح رأسه، خرجت الخطايا من رأسه، حتى تخرج من أذنيه" فيه دليل على أنّ الأذنين (4) من الرأس.
"فإذا غسل رجليه، خرجت الخطايا من رجليه، حتى تخرج من تحت أظفار رجليه"، في هذه الأحاديث كلها دلالة على أن الخطايا أي ذنوبها تحل بكل عضو لابسها وكأن التصرف له في حصولها، وأن لكل عضو عقوبة، وإن كان البدن كله يعاقب، وقد جعل الله هذا في الأحكام الشرعية والقدرية، فجعل عقوبة السارق (5) قطع يده التي باشر بها السرقة، وجعل عقوبة المتطلع
(1) في "الموطأ"(1/ 31 رقم 30).
(2)
في "السنن" رقم (103). وأخرجه ابن ماجه رقم (282)، وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(1/ 877).
(4)
سيأتي توضيحه.
(5)
تقدم ذكره.
إلى رؤية ما يحرم عليه من نظره (1) إلى بيت غيره فقؤ عينه، وجعل تقليب الأفئدة والأبصار عن إدراك الحق والقبول له أول مرة، كما نص عليه:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} (2) الآية، وجعل جلد (3) البدن كله عقوبة الزنا؛ لأنه يباشر اللذة البدن كله، ومن تتبع هذا وجد كثيراً طيباً.
"ثم كان مشيه وصلاته نافلة له" لا يكفر ذنباً بل يكون أجرها موفوراً له زيادة في أجره.
قوله: "أخرجه مالك والنسائي" زاد المنذري (4): وأخرجه ابن ماجه (5) والحاكم (6)، وقال: صحيح على شرطهما ولا علة فيه، والصُّنابحيِّ صحابي مشهور.
السابع: حديث (أبي أمامة الباهلي).
7 -
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قُلْتُ لِرَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَيْفَ الوُضُوءُ؟ قَالَ: "أَمَّا الوُضُوءُ فَإِنَّكَ إِذَا تَوَضَّأْتَ فَغَسَلْتَ كَفَّيْكَ فَأَنْقَيْتَهُمَا، وَغَسَلْتَ وَجْهَكَ وَيَدَيْكَ إِلَى المِرْفَقيْنِ، وَمَسَحْتَ رَأْسَكَ، وَغَسَلْتَ رِجْلَيْكَ إِلَى الكَعْبَيْنِ، اغْتَسَلْتَ مِنْ عَامَّةِ خَطَايَاكَ فَإِنْ أَنْتَ وَضَعْتَ وَجْهَكَ لله عز وجل، خَرَجْتَ مِنْ خَطَايَاكَ كَيَوْمَ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ"، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَقُلْتُ يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ: انْظُرْ مَا تَقُولُ: أَكُلُّ هَذَا يُعْطَى فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: أَمَا وَالله
(1) تقدم نص الحديث وتخريجه.
(2)
سورة الأنعام الآية (110).
(3)
تقدم مفصلاً.
(4)
في "الترغيب والترهيب"(1/ 213 رقم 297).
(5)
في "السنن" رقم (282).
(6)
في "المستدرك"(1/ 129).
لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَدَنَا أَجَلِي، وَمَا بِي مِنْ فَقْرٍ فَأَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ولَقَدْ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم (1)، والنسائي (2). [صحيح]
وهذا لفظ النسائي، وهو طرف حديث طويل، يتضمن إسلام عمرو بن عبسة، وسيجيء إن شاء الله تعالى في "كتاب الفضائل" من حرف الفاء.
"قال: سمعت عمرو بن عبسة يقول: قلت: لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الوضوء؟ " سؤال عن كيفية أجره، لا عن كيفية فعله، وفيه أيضاً بيان كيفية فعله، ويحتمل أنه سألة عنها وأنه زاد صلى الله عليه وسلم بيان أجره.
"أما الوضوء: فإنك إذا غسلت كفيك فأنقيتهما"، هذا هو غسلهما (3) أول شيء عند إرادة الوضوء، وقد تكرر ذكر ذلك في صفة وضوء صلى الله عليه وسلم، وأنه يغسلهما ثلاثاً، ولا يبعد بوجوبه، والأكثر [266 ب] أنّه سنّه (4).
"وغسلت وجهك، لم يذكر المضمضة (5) والاستنشاق هنا، وقد ذكرا في غيره من الأحاديث الماضية.
(1) في "صحيحه" رقم (294/ 832).
(2)
في "السنن"(1/ 91، 92)، في "الكبرى"(1/ 103 - 104 رقم 177/ 3).
وهو حديث صحيح.
(3)
انظر: "روضة الطالبين"(1/ 58).
"حلية العلماء"(1/ 136)، "الإنصاف"(1/ 130).
(4)
قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم"(3/ 105) ثم قال: وهو كذلك باتفاق العلماء.
(5)
المضمضة هي أن يجعل الماء في فيه ثم يديره ثم يمجُّهُ، قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 105): وأقلُّها أن يجعل الماء في فيه، ولا يشترط إدارته على المشهور عند الجمهور، وعند جماعة من أصحاب الشافعي وغيرهم: أنّ الإدارة شرط، والمعوّل عليه في مثل هذا الرجوع إلى مفهوم المضمضة لغةً، وعلى ذلك تنبني معرفة الحقُ، والذي في "القاموس" (ص 844) وغيره أن المضمضة: تحريك الماء في الفمِّ.
"ويديك إلى المرفقين" كما في الآية.
"ومسحت رأسك وغسلت رجليك، اغتسلت من عامة خطاياك" من كلّها، أي: خرجت منها عبّر عنه بالغسل، مشاكلةً فيكون من الخلوص منها.
"كيوم ولدتك أمك" لا خطيئة عليك صغيرة ولا كبيرة.
"قال أبو أمامة" استعظاماً لهذا الأجر.
"قلت: يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول: أكُلُّ هذا يعطى في مجلس واحد؟ فقال عمرو" جواباً على أبي أمامة.
"أما" بالتخفيف حرف تنبيه.
"والله لقد كبرت سني، ودنا أجلي، وما بي فقر أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعته أذناي، ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قوله: "أخرجه مسلم، والنسائي وهذا لفظ النسائي (1)، وهو من حديث طويل يتضمن إسلام عمرو بن عبسة، وسيجيء في "كتاب الفضائل" من حرف الفاء".
الثامن: حديث (ابن عمر رضي الله عنه).
8 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كتَبَ الله لَهُ بِهِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ". أخرجه الترمذي (2). [ضعيف]
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات" وأما إذا كان الوضوء على غير طهر، فتقدمت فضائله وهذا مقيد لتلك الفضائل، وأنها تختص الوضوء على غير طهر.
(1) في "السنن"(1/ 91، 92)، وفي "الكبرى"(1/ 103 - 104 رقم 177/ 3).
(2)
في "السنن" رقم (59).
وأخرجه أبو داود في "السنن" رقم (62). وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
قوله: "أخرجه الترمذي".
قلت: وقال (1): روى هذا الحديث الإفريقي، عن أبي غطيف، عن ابن عمر، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
قلت: في "تقريب التهذيب"(2) في الغين المعجمة: أبو غطيف بالتصغير، الهذلي مجهول من الثالثة، وفيه (3) الإفريقي هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، بفتح الهمزة وسكون النون، وضم العين المهملة الإفريقي، قاضيها، ضعيف في حفظه.
قال المنذري (4): وأما الحديث الذي يُروى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الوُضوءُ على الوضوءِ نورٌ على نور" فلا يحضرني له أصل من كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولعله من كلام بعض السلف. انتهى.
التاسع: حديث (أبي سعيد رضي الله عنه):
9 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأ فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، كُتِبَ في رَقًّ، ثُمّ طُبعَ بِطَابعٍ، ثمَّ رُفِعَ تَحْتَ العَرْشِ، فَلَمْ يُكْسِرْ إِلىَ يَوْمِ القِيَامَةِ"(5). [صحيح] أخرجه رزين.
(1) في "السنن"(1/ 87).
(2)
(2/ 46 رقم 19).
(3)
في "التقريب"(2/ 480 رقم 938).
(4)
في "الترغيب والترهيب"(1/ 223).
(5)
أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد"(1/ 244).
وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (81)، ثم قال: هذا خطأ، والصواب موقوف، خالفه محمد بن جعفر فوقفه. وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (82) موقوفاً. وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (30) مرفوعاً.
والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد"(1/ 244)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال الصحيح. =