المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هيئة الأكل والآكل - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٧

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الصَّيْدِ)

- ‌الفصل الأول: في صيد البرّ

- ‌الفصل الثاني: في صيد البحر

- ‌الفصل الثالث: في ذكر الكلاب

- ‌كتاب الصفات

- ‌حرف الضاد

- ‌كتاب الضيافة

- ‌كتاب الضمان

- ‌حرف الطاء

- ‌ كتاب الطهارة

- ‌الباب الأول: في أحكام المياه

- ‌الباب الثاني: في إزالة النجاسة

- ‌الفصل الأول: في البول والغائط وما يتعلق بهما

- ‌الفصل الثاني: في المني

- ‌الفصل الثالث: في دم الحيض

- ‌الفصل الرابع: في حكم الكلب وغيره من الحيوان

- ‌الفصل الخامس: في الجلود

- ‌الباب الثالث: في الاستنجاء

- ‌الفصل الأول: في آدابه

- ‌الفصل الثاني: فيما يستنجي به

- ‌الباب الرابع: في الوضوء

- ‌الفصل الأول: في فضله

- ‌الفصل الثاني: في صفة الوضوء

- ‌الفصل الثالث: في سنن الوضوء

- ‌الأولى: السواك

- ‌الثانية: غسل اليدين

- ‌الثالثة: الاستنثار والاستنشاق والمضمضة

- ‌الرابعة: تخليل اللحية والأصابع

- ‌الخامسة: مسح الأذنين

- ‌السادسة: إسباغ الوضوء

- ‌السابعة: في مقدار الماء

- ‌الثامنة: المنديل

- ‌التاسعة: الدعاء والتسمية

- ‌الباب الخامس: في الأحداث الناقضة للوضوء

- ‌الأول: في الخارج من السبيلين وغيرهما

- ‌الأول: الريح

- ‌الثاني: المذي

- ‌الثالث: القيء

- ‌الرابع: الدم

- ‌الفرع الثاني: في لمس المرأة والفرج

- ‌الأول: في لمس المرأة

- ‌الثاني: لمس الذكر

- ‌الفرع الثالث: في النوم والإغماء والغشي

- ‌الفرع الرابع: في أكل ما مسته النار

- ‌الأول: في الوضوء

- ‌الثاني: في ترك الوضوء

- ‌الفرع الخامس: في لحوم الإبل

- ‌الفرع السادس: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب السادس: في المسح على الخفين

- ‌الباب السابع: في التيمم

- ‌الباب الثامن: في الغسل

- ‌الفصل الأول: في غسل الجنابة

- ‌الفصل الثاني: في غسل الحائض والنفساء

- ‌الفصل الثالث: في غسل الجمعة والعيدين

- ‌الفصل الرابع: في غسل الميت والغسل منه

- ‌الفصل الخامس: في غسل الإسلام

- ‌الفصل السادس: في الحمّام

- ‌الباب التاسع: في الحيض

- ‌الفصل الأول: في الحائض وأحكامها

- ‌الفصل الثاني: في المستحاضة والنفساء

- ‌كتاب الطعام

- ‌الباب الأول: في آداب الأكل

- ‌التسمية

- ‌هيئة الأكل والآكل

- ‌غسل اليد والفم

- ‌ذم كثرة الأكل

- ‌آداب متفرقة

- ‌الباب الثاني: في المباح من الأطعمة والمكروه

- ‌الفصل الأول: في الحيوان

- ‌الضَّبُ

- ‌الأرنب

- ‌الضبع

- ‌القنفذ

- ‌الحبارى

- ‌الجراد

- ‌الخيل

- ‌الجلَاّلة

- ‌الحشرات

- ‌المضطر

- ‌اللحم

- ‌الفصل الثاني: فيما ليس بحيوان

- ‌طعام الأجنبي

- ‌الباب الثالث: في الحرام من الأطعمة

- ‌الباب الرابع: من الخمسة الأبواب في كتاب الأطعمة

- ‌الباب الخامس: في أطعمة مضافة إلى أسبابها

- ‌طعام الدعوة

- ‌الوليمة

- ‌العقيقة

- ‌الفرع والعتيرة

الفصل: ‌هيئة الأكل والآكل

لعدم المانع عنهما، وفي الحديث الحث على ذكر الله عند دخول المنزل.

قوله: "أخرجه مسلم، وأبو داود".

‌هيئة الأكل والآكل

قوله: (هَيْئَةُ الأَكلِ وَالآَكِلْ)(1).

الأكل: بفتح الهمزة، المأكول وبضمها القوت، وهذا جعله ابن الأثير (2) فصلاً ثالثاً.

الأول: حديث (ابن عمر رضي الله عنه):

1 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِهَا". أخرجه مسلم (3)، ومالك (4)، وأبو داود (5)، والترمذي (6). [صحيح]

"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشربنَّ بها" عام في كل مأكول ومشروب.

وعلة النهي قوله: "فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بها" فيحرم التشبه به، والتخلق بخلقه؛ لأن الأصل في النهي (7) التحريم.

(1) انظر: "النهاية في غريب الحدث"(1/ 69).

(2)

في "الجامع"(7/ 386).

(3)

في صحيحه رقم (105/ 2020).

(4)

في "الموطأ"(2/ 922/ 923).

(5)

في "السنن" رقم (3776).

(6)

في "السنن" رقم (1799) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد في "المسند"(2/ 8، 33، 106، 109). وهو حديث صحيح.

(7)

انظر: "شرح الكوكب المنير"(3/ 81)، "إرشاد الفحول"(ص 384 بتحقيقي).

ص: 532

قال ابن العربي (1): أنه حرام لا يقال فيه مكروه، بل يأثم فاعله، فإن كل فعل ينسب إلى الشيطان فهو حرام، وشر لا خير فيه ولا جائز. انتهى.

قوله: "أخرجه مسلم، ومالك وأبو داود، والترمذي".

قلت: وقال (2): هذا حديث حسن صحيح.

الثاني: حديث (سلمة بن الأكوع رضي الله عنه):

2 -

وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: أَكَلَ رَجُلاً عِنْد النّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِشِمَالِهِ، فَقَالَ لَهُ:"كُلْ بِيَمِينِكَ"، فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، مَا مَنَعَهُ إِلَاّ الكِبْرُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"لَا اسْتَطَعْتَ"، فَمَا رَفَعَهاَ إِلَى فِيهِ بَعْدُ ذَلِكَ. أخرجه مسلم (3). [صحيح]

"قال: أكل رجل" قال النووي (4): هو بسر بضم الباء، وبالسين المهملة، ابن راعي العير، بفتح العين، وبالمثناة التحتية، الأشجعي، كذا ذكره ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني، وابن ماكولا وآخرون، وهو صحابي مشهور، عده هؤلاء في الصحابة.

عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال له: كل بيمينك، فقال: لا أستطيع، ما منعه إلا الكبر" كأنه فهم ذلك من حاله.

(1) في "عارضة الأحوذي"(7/ 306).

(2)

في "السنن"(4/ 257).

(3)

في صحيحه رقم (2021).

(4)

في "شرحه لصحيح مسلم"(13/ 192).

ص: 533

"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا استطعت" دعاء عليه (1) وعقاب له لعدم امتثاله لأمره صلى الله عليه وسلم، ولأكله بالشمال، وهو دليل على تحريم الأكل بها.

قال ابن [406 ب] العربي (2): فإن قيل: إنما عوقب بالكبر؟ قلنا: عوقب بالفعل الذي حمله على الكبر. انتهى.

قلت: وكونه منعه الكبر، إنما فهمه الراوي لا أنه أخبره.

"فما رفعها إلى فيه بعد ذلك" للدعوة النبوية.

قوله: "أخرجه مسلم".

الثالث: حديث (عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه):

3 -

وعن عمر بن أبي سلمة قال: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"يَا غُلَامُ! سَمِّ الله، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. أخرجه الخمسة (3)، إلا النسائي. [صحيح]

"قال: كنت غلاماً في حجر النَّبي صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة" أي: تحرك وتميل ولا تقتصر على موضع واحد، والصحفة دون القصعة، وهي ما تشبع خمسة، والقصعة تشبع عشرة، كذا قاله الكسائي.

(1) قال النووي في "شرحه لصحيح مسلم"(13/ 192): وفي هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في كل حال حتى في حال الأكل، واستحباب تعليم الآكل آداب الأكل إذا خالفه.

(2)

في "عارضة الأحوذي"(7/ 306).

(3)

أخرجه البخاري رقم (5376، 5377، 5378)، ومسلم رقم (108/ 2022)، وأبو داود رقم (3777)، والترمذي رقم (1857)، وابن ماجه رقم (3267)، ومالك في "الموطأ"(2/ 934).

وأخرجه أحمد (4/ 26)، والدارمي (2/ 100)، والبيهقي (7/ 277)، وهو حديث صحيح.

ص: 534

"فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام! سم الله، وكل بيمينك" فيه التسمية في أثناء الطعام، وكأنه أراد بأمره بالأكل باليمين الاستمرار، وإلا فالظاهر أنه كان يأكل تلك الساعة بيمينه.

"وكل مما يليك" هذا هو الذي كان الغلام على خلافه، لكنه صلى الله عليه وسلم علمه آداب الأكل كلها.

"فما زالت تلك طعمتي" بكسر الطاء، أي: صفة أكلي، أي: لزمت (1) ذلك، وصار عادة لي.

قال الكرماني (2): وفي بعض الروايات بالضم، يقال: طعم إذا أكل، والطعمة الأكلة، والمراد جميع ما تقدم من التسمية والأكل باليمين، والأكل مما يليه.

"بعد" بالضم على قطعه عن الإضافة.

قوله: "أخرجه الخمسة، إلا النسائي".

الرابع:

4 -

وعن عبد الله بن عكراش بن ذؤيب عن أبيه قال: بَعَثَنِي بَنُو مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالهِمْ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا بَيْنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ إِلَى بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، فَقَالَ:"هَلْ مِنْ طَعَامٍ"؟ فَأُتِينَا بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالوَذْرِ، فَأَقْبَلْنَا نَأْكُلُ مِنْهَا فَخَبَطْتُ بِيَدِي في نَوَاحِيهَا، وَأَكَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَقَبَضَ بِيَدِهِ اليُسْرَى عَلَى يَدِي اليُمْنَى ثُمَّ قَالَ:"يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ"، ثُمّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ الوَانُ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في الطَّبَقِ، فَقَالَ:"يَا عِكْرَاشُ! كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ، فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ"، ثُمَّ أُتِينَا بِمَاءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِبَلَلِ كَفَّيْهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ، وَقَالَ:"يَا عِكْرَاشُ! هَذَا الوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ". أخرجه الترمذي (3). [ضعيف]

(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 523).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 523).

(3)

في "السنن" رقم (1848) وهو حديث ضعيف

ص: 535

"الوَذْرُ" جمع وذرة، بسكون الذال: وهي القطعة من اللحم.

حديث: "عبد الله بن عكراش" بكسر العين المهملة، فكاف ساكنة، فراء، فألف، فشين معجمة.

"ابن ذؤيب عن أبيه قال: بعثني قومي بنو مرة بن عبيد، بصدقات أموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيه أنه يخيّر أرباب الزكاة بين صرفها في فقراءهم في بلدانهم، وبين أن يبعثوا بها إلى الإِمام، ويحتمل أن الذي بعثوا به السهم الذي لسبيل الله.

"فقدمت المدينة، فوجدته جالساً بين المهاجرين والأنصار، فأخذ بيدي" أخذه بيده نوع من التأنيس والإكرام، كالمصافحة.

"فانطلق بي إلى بيت أم سلمة" أم المؤمنين [407 ب]رضي الله عنها.

"فقال: هل من طعام، فأتينا بجفنة" فيه سؤال الرجل أهل بيته عما حضر فيمكن أن يكون استدعى ما لم يعلم جنسه ولا قدره، وإنما سأل عن مطلق الطعام، أو عن طعام قد علم جنسه، وأنه قد أعدّه أهل منزله له.

"فأتتنا بجفنة كثيرة الثريد" الثريد بفتح الثاء المثلثة وكسر الراء، معروف، هو أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه اللحم (والوذر)(1) يأتي أنه بفتح الذال المعجمة، جمع وذرة، بسكونها، وهي القطعة من اللحم.

"فأقبلنا نأكل منها فخبطت بيدي في نواحيها" أي: أكل من جهات الجفنة، ولم يقتصر على ما بين يديه منها.

(1) الوذر: أي: كثيرة قطع اللحم، والوَذْرة: بالسكون القطعة من اللحم، والوَذْرٌ: بالسكون أيضاً: جمعها.

"النهاية في غريب الحديث"(2/ 837).

ص: 536

"وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يديه فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى" قيل: كان على يسار النَّبي صلى الله عليه وسلم، فكانت يده اليسرى أقرب إليه، فتناوله بها، أو تكون اليمنى قد أخذها الدسم، فقبضها عنه.

"ثم قال: يا عكراش! كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد" إشارة إلى أنه إذا كان صنفاً واحداً لم يكن لجولان اليد معنى إلاّ الشره والمجاعة، وإذا كان ذا ألوان، كان جولان اليد لمعنى وهو اختيار ما يستطاب منه.

"ثم أتتنا بطبق فيه ألوان التمر الرطب، فجعلت آكل من بين يدي" امتثالاً لأمره صلى الله عليه وسلم وما تنبه للعلة، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: فإنه طعام واحد.

"وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق، فقال: يا عكراش! كل من حيث شئت، فإنه غير لون واحد" تصريح بعلة جولان اليد في الطبق.

"ثم أتينا بماء فغسل يده" في الترمذي (1): "يديه" بالتثنية.

"ومسح ببلل كفه وجهه وذراعيه ورأسه، وقال: يا عكراش! هذا الوضوء مما مسّت النار" قال ابن العربي (2): هو محمول على التنظيف، وإلاّ فقد تقدّم غسل اليد من الطعام.

قوله: "أخرجه الترمذي".

قلت: وقال (3): هذا حديث غريب، [تفرد به العلاء بن الفضل](4)، وقد تفرد العلاء بهذا الحديث، ولا نعرف لعكراش عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث.

الخامس: حديث (ابن عباس رضي الله عنه):

(1) في "السنن" رقم (1848) وهو حديث ضعيف.

(2)

في "عارضة الأحوذي"(8/ 38).

(3)

في "السنن"(4/ 284).

(4)

كذا في "المخطوط" والذي في "سنن الترمذي": "لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل

".

ص: 537

5 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَنْزِلُ الَبرَكَةُ وَسَطَ الطَّعَامِ، فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ". أخرجه أبو داود (1) والترمذي (2). [صحيح]

"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل البركة وسط الطعام، فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه" قال ابن العربي (3): معنى تكثير البركة للطعام [408 ب] يكون بمعاني كثيرة، منها استمراء الطعام، ومنها صيانته عن مرور الأيدي عليه، فتقزز النفوس منه.

ومنها أن زبدة المرق هنالك، فهي إذا أخذ الطعام من الحواشي تسير عليه شيئاً فشيئاً، فإذا أخذ الطعام من أعلاه كان ما بقي بعده دونه في الطيب.

ومنها ما يخلق الله في الأجزاء الزائدة فيه، وذلك يكون آية لنَّبيِّ، كمحمد صلى الله عليه وسلم، أو كرامة لولي، كأبي بكر في طعام الضيف، وعائشة في شعير الرق. انتهى.

قوله: "أخرجه أبو داود، والترمذي".

قلت: وقال (4): هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلاّ من حديث عطاء بن السائب.

- ولفظ أبي داود (5): إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ، وَلِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا، فَإِنَّ البَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا.

قوله: "ولفظ أبي داود" من حديث ابن عباس.

(1) في "السنن" رقم (3772).

(2)

في "السنن" رقم (1805) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه أحمد (1/ 270، 345)، وابن ماجه رقم (3277)، وهو حديث صحيح.

(3)

في "عارضة الأحوذي"(7/ 311).

(4)

في "السنن"(4/ 260).

(5)

في "السنن" رقم (3772) وهو حديث صحيح.

ص: 538

"إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلى الصفحة، وليأكل من أسفلها، فإن البركة تنزل من أعلاها" وبقاء البركة مراد لله تعالى وللأكلة.

السادس: حديث (ابن عمر رضي الله عنه):

6 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ إِلَاّ أَنْ يَسْتَأذِنَ أَصْحَابَهُ". أخرجه الخمسة (1) إلا النسائي. [صحيح]

"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل" ومثله المرأة.

"بين التمرتين" إن أكل في جماعة.

والقران أن يجمع بين تمرتين في أكلهما يدخلهما معاً في فيه، وإنما نهى عنه؛ لأن فيه شرهاً وذلك يزري بفاعله، أو لأن فيه غبناً لرفقته (2).

وقيل (3): إنما نهى عنه لما كانوا عليه من شدة العيش، وقلة الطعام، وكانوا مع هذا يتواسون من القليل، وقد يكون فيهم من اشتد جوعه، فربما قرن بين التمرتين، أو عظم اللقمة فأرشدهم إلى الإذن فيه، لتطيب أنفس الباقين.

"إلا أن يستأذن أصحابه" رفقته في الأكل، وأما إذا أكل وحده جاز له القرن.

قال في "الفتح"(4): وفي معنى التمر الرطب، وكذا الزبيب والعنب، ونحوهما [لظهور](5) العلة الجامعة.

(1) أخرجه البخاري رقم (2455، 2489، 4290، 5446)، ومسلم رقم (151/ 2054)، وابن ماجه رقم (3331)، والترمذي رقم (1814) وهو حديث صحيح.

(2)

قاله ابن الأثير في "النهاية"(2/ 447)، انظر:"الفائق"(3/ 179).

(3)

قاله ابن الأثير في "النهاية"(2/ 447)، وانظر:"المجموع المغيث"(2/ 694).

(4)

(9/ 572).

(5)

كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح": لوضوح.

ص: 539

قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ النسائي".

السابع: حديث (عائشة رضي الله عنها):

7 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ، فَإِنَّهُ مِنْ صُنعِ الأَعَاجِمِ، وَانْهشُوهُ نَهْشَاً، فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ". أخرجه أبو داود (1). [ضعيف]

"قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقطعوا اللحم" عند أكله.

"بالسكين، فإنه من صنع الأعاجم" وليس النهي للتحريم، فقد بّوب البخاري (2) باب:[409 ب] قطع اللحم بالسكين، وذكر حديث (3) احترازه صلى الله عليه وسلم من الكتف.

قوله: "وانهشوه نهشاً" النهش: بفتح النون، وسكون الهاء، بعدها شين معجمة أو مهملة، وهما بمعنى واحد عند الأصمعي (4)، وبه جزم الجوهري (5).

وهو القبض على اللحم بالفم، وإزالته من العظم أو غيره.

"فإنه أهنأ وأمرأ" قال الحافظ ابن حجر (6): قال شيخنا في "شرح الترمذي": الأمر فيه محمول على الإرشاد، فإنه علق بكونه أهنأ وأمرأ أي: أشد هناءً ومرآءة.

يقال: هنئ صار هنيئاً ومرئ صار مريئاً، وهو أن لا يثقل على المعدة وينهضم عنها. انتهى.

(1) في "السنن" رقم (3778) وهو حديث ضعيف.

(2)

في صحيحه (9/ 547 الباب رقم 20 - مع الفتح).

(3)

رقم (5408)"عن عمرو بن أمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحَز من كتف شاة في يده، فدعي إلى الصلاة، فألقاها والسكين التي يحز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ" وأخرجه أحمد (4/ 139)، و (5/ 288)، ومسلم رقم (92/ 355).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 545).

(5)

في "الصحاح"(3/ 1023).

(6)

في "فتح الباري"(9/ 545).

ص: 540

قوله: "أخرجه أبو داود".

قلت: قال أبو داود (1): وهو حديث ليس بالقوي.

قال الحافظ ابن حجر (2): قلت: له شاهد من حديثَ صفوان بن أمية، أخرجه الترمذي (3) بلفظ:"انهشوا اللحم نهشاً، فإنه أهنأ وأمرأ" وقال (4): لا نعرفه إلاّ من حديث عبد الكريم. انتهى.

وعبد الكريم (5) هو أبو أمية ابن أبي المخارق، ضعيف.

الثامن: حديث (أبي جحيفة رضي الله عنه):

8 -

وعن أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا آكُلُ مُتَكِئاً"(6). أخرجه أصحاب السنن. [صحيح]

"المُتكَّئُ" المراد به ها هنا: المعتمد على الوطاء الذي تحته.

"قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا آكل متكئاً" اختلف (7) في صفة الاتكاء، فقيل: أن يتمكن للجلوس في الأكل على أي صفة كان.

(1) في "السنن"(4/ 145).

(2)

في "فتح الباري"(9/ 547).

(3)

في "السنن" رقم (1836) وهو حديث ضعيف.

(4)

أي: الترمذي في "السنن"(4/ 277).

(5)

انظر: "التقريب"(1/ 516 رقم 1285).

(6)

أخرجه البخاري رقم (5398، وطرفه 5399)، وأبو داود رقم (3769)، والترمذي رقم (1830)، وابن ماجه رقم (3262)، وأحمد (4/ 308، 309)، وهو حديث صحيح.

(7)

انظر: "معالم السنن"(4/ 141 - مع السنن)، "أعلام الحديث"(3/ 2048).

ص: 541

وقيل (1): أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض، والأول: المعتمد وهو شامل للقولين.

والحكمة في تركه أنه من فعل ملوك العجم والمتعظمين. وأنه ادعى إلى كثرة الأكل، وعظم البطن.

وأحسن (2) الجلسات للأكل: الإقعاء على الوركين، ونصب الركبتين، ثم الجثي على الركبتين وظهور القدمين، ثم نصب الرجل اليمنى والجلوس على اليسرى.

قوله: "أخرجه أصحاب السنن" وبّوب البخاري (3) له فقال: باب: الأكل متكئاً، ولم يجزم بأنه محرم؛ لأنه لم يأت فيه نهي (4) صريح.

التاسع: حديث (أنس رضي الله عنه):

9 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: رَأَيْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جالِساً مُقْعِياً يَأْكُلُ تَمْراً. أخرجه مسلم (5)، وأبو داود (6). [صحيح]

"قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقعياً يأكل تمراً" تقدم تفسيره قريباً، ويأتي تفسير المصنف.

قوله: [410 ب]"أخرجه مسلم".

- ولأبي داود (7) في أخرى: أُتْيَ بِتَمْرٍ عَتَيِقٍ، فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ مَنْهُ السُّوسَ.

(1) انظر: "فتح الباري"(9/ 541)، "المجموع المغيث"(1/ 235).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 542).

(3)

في صحيحه (9/ 540 الباب رقم 13 - مع الفتح).

(4)

قاله الحافظ في "الفتح"(9/ 541).

(5)

في صحيحه رقم (2044).

(6)

في "السنن" رقم (3770) وهو حديث صحيح.

(7)

في "السنن" رقم (3832).

وأخرجه ابن ماجه رقم (3333) وهو حديث صحيح.

ص: 542

"الإقْعاءِ": في الأكل أن يجلس الآكل على وركيه مستوفزاً غير متمكن.

"ولأبي داود" عن أنس "في" رواية "أخرى".

"أتي" أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم.

"بتمر عتيق فجعل بفتشه، يخرج منه السوس" الذي يتولد فيه مع عفانته.

العاشر: حديث (ابن عباس رضي الله عنهما):

10 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا". أخرجه الشيخان (1)، وأبو داود (2). [صحيح]

"اللَّعْقُ"(3): اللحس.

"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده" قال الحافظ ابن حجر (4): في حديث كعب بن مالك عند مسلم (5): "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها" فيحتمل أن تكون اليد محمولة على الأصابع، ويحتمل (6) وهو الأولى أن يكون أراد باليد الكف كلها، فشمل الحكم من أكل بيده كلها، أو أصابعه فقط، أو ببعضها.

"حتى يلعقها" بفتح أوله من الثلاثي، أي: يلعقها هو.

"أو يلعقها" بضم أوله، من الرباعي أي: يلعقها غيره.

(1) أخرجه البخاري رقم (5456)، ومسلم رقم (134/ 2033).

(2)

في "السنن" رقم (3847).

وأخرجه أحمد (1/ 221) وهو حديث صحيح.

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 603).

(4)

في "فتح الباري"(9/ 578).

(5)

في صحيحه رقم (132/ 2032).

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 578).

ص: 543

قال النووي (1): المراد إلعاق غيره ممن لا يتقذر ذلك من زوجة أو جارية أو خادم، أو ولد، وكذا من كان في معناهم كتلميذه يعتقد البركة بلعقها وكذا لو لعقها شاة ونحوها.

قال ابن دقيق العيد (2): جاءت علة هذا مبيَّنة في بعض الروايات أنه لا يدري في أي طعامه البركة، وقد تعلَّل بأنَّ مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق، لكن إذا صحّ فالتعليل لم يعدل عنه.

قال الحافظ (3) بعد نقله: صحَّ.

قلت: الحديث صحيح، أخرجه مسلم (4) في آخر حديث جابر ولفظ:"إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط ما أصابها من أذى وليأكلها، ولا يمسح يده حتى يلعقها، أو يُلعقها، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة".

زاد النسائي (5) من هذا الوجه: "ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها".

قال النووي (6): معنى: "في أي طعامه البركة" أي: الطعام الذي تحضر الإنسان فيه بركة، لا يدري أن تلك البركة في ما أكل؟ أو في ما بقي على أصابعه؟ أو في ما بقي في أسفل القصعة؟ أو في اللقمة الساقطة؟ فينبغي أن يحافظ [411 ب] على هذا كله لتحصل البركة. انتهى.

قوله: "أخرجه الشيخان، وأبو داود".

(1) في "شرحه لصحيح مسلم"(13/ 206).

(2)

في "إحكام الأحكام"(ص 934).

(3)

في "فتح الباري"(9/ 578).

(4)

في صحيحه رقم (133/ 2033) وسيأتي نصه وتخريجه.

(5)

في "السنن".

(6)

في "شرحه لصحيح مسلم"(13/ 207).

ص: 544

- وعن جابر رضي الله عنه قال: أَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِلَعْقِ الأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ، وَقَالَ:"إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ، فَإِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةٌ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهاَ، وَلْيُمِطْ مَا كَانَ بَهَا مِنَ أْذَى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالمنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِى فِي أَيِّ طَعَامِهِ البَرَكَةُ". أخرجه مسلم (1)، والترمذي (2). [صحيح]

الحادي عشر:

11 -

وزاد رزين في رواية عن أنس (3): فَإِنَّ آنِيَةَ الطَّعَامِ تَسْتَغْفِرُ (4) لِلَّذِي يَلْعَقُهَا وَيُغْسِلُهاَ، وَتَقُولُ: أَعْتَقَكَ الله مِنَ النَّارِ، كَماَ أَعْتَقْتَنِي مِنَ الشَّيْطَانِ.

حديث: "زاد رزين في رواية عن أنس: فإن آنية الطعام تستغفر للذي يلعقها ويغسلها، وتقول: أعتقك الله من النار، كما أعتقتني من الشيطان".

وهذا لا بعد فيه إذا صحّ الخبر.

(1) في صحيحه رقم (133/ 2033).

(2)

في "السنن" رقم (1802).

وأخرجه أحمد (3/ 177، 301، 315، 331) وهو حديث صحيح.

(3)

أخرج رواية أنس مسلم في صحيحه رقم (2034)، والترمذي رقم (1803)، وأبو داود رقم (3845) عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث، وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان، وأمرنا أن نسلت القصعة، وقال:"فإنكم لا تدرون في أي: طعامكم البركة".

قال ابن الأثير في "الجامع"(7/ 401): وزاد رزين: "إن آنية الطعام لتستغفر للذي يلعقها ويغسلها .. ".

(4)

أخرجه أحمد (5/ 76)، وابن ماجه رقم (3271)، والترمذي رقم (1804) عن نبيشة الخير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أكل في قصعة، ثم لحسها استغفرت له القصعة" وهو حديث ضعيف

ص: 545