الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة" يحتمل أنهم أرادوا يتوضأ وضوءه للصلاة فأجاب بحصره على القيام إليها، ويحتمل أنهم أرادوا غسل يده، فأجاب بخلاف ما يترقبونه من باب الأسلوب الحكيم (1).
قوله: "أخرجه الخمسة، إلاّ البخاري".
قلت: بوّب له الترمذي (2): باب ترك الوضوء قبل الطعام، ثم ذكر هذا الحديث، وقال (3): إنه حسن صحيح.
ذم كثرة الأكل
(ذَمُّ كِثْرَة الأَكْلْ)
جعله ابن الأثير (4) فصلا خامساً.
الأول: حديث (أبي هريرة رضي الله عنه):
(1) وهو تلقي المخاطب بغير ما يترتب، بحمل كلامه على خلاف مراده، تنبيهاً على أن الأولى بالقصر، أو السائل بغيى ما يتطلب، بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيهاً على أنه الأولى بحاله أو المهم به.
أمَّا الأول: فكقول القبعثري للحجاج لما قال له متوعداً بالقيد: لأحملنك على الأوهم، فقال القعبثري:"مثل الأمير يحمل على الأوهم والأشهب". فإنه أبرز وعيده في معرض الوعد، وأراه بالطف وجه أن من كان على صفته في السلطان وبسطة البد فجد ير أن يصفد لا أن يُصَفِّد.
وأمَّا الثاني: فكقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [البقرة: 215] سألوا عن بيان ما ينفقون، فأجيبوا ببيان المصْرِف.
"معجم البلاغة العربية"(ص 280 - 281).
(2)
في "السنن"(4/ 282 الباب رقم 40).
(3)
الترمذي في "السنن"(4/ 282).
(4)
في "جامع الأصول"(7/ 405) الفصل الخامس: في ذم الشَّبَع وكثرة الأكل.
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَضَافَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ضَيْفَاً كَافِرٌ، فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلَابَهاَ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهاَ، حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إِنَّه أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى، فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ المُؤْمِنُ لِيَشْرَبُ في مَعْيٍ وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَشْرَبُ في سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". أخرجه الثلاثة (1) والترمذي (2). [صحيح]
قوله: "في سَبْعَةِ أَمْعاَءِ": تمثيل لرضا المؤمن باليسير من الدنيا، وحرص الكافر على الكثير منها.
"قال: أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفاً كافراً" قال الحافظ ابن حجر (3): هذا الضيف، يشبه أن يكون جهجاه الغفاري، وفي رواية للطبراني أنه أبو غزوان، وقال ابن حجر (4): إنَّ سند رواية الطبراني جيد، ونقل أقوالاً أخرى في تعيينه.
"فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها" بكسر الحاء المهملة.
في "القاموس"(5): المحلب والحلاب بكسرهما إناء يحلب فيه، والحلب محركة والحليب: اللبن المحلوب. انتهى.
فأطلق الحلاب وهو الظرف على المظروف مجازاً بقرينة: "فشرب".
"ثم أخرى فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم، فأمر له بشاة فحلبت، فشرب حلابها، ثم أخرى فلم يستتمه، فقال صلَّى الله [413 ب] عليه وآله وسلم
(1) أخرجه البخاري رقم (5396، 5397)، ومسلم رقم (186/ 2063).
(2)
في "السنن" رقم (1809) وهو حديث صحيح.
(3)
في "فتح الباري"(9/ 538).
(4)
في "فتح الباري"(9/ 538).
(5)
"القاموس المحيط"(ص 98).
إن المؤمن ليشرب في معي" في "القاموس" (1): المعي بالفتح وكإلى من أعفاج البطن، وقد يؤنث، جمعه: أمعاء.
وقال (2) في الجيم مع الفاء: العفج وبالكسر وبالتحريك، وككتف ما ينتقل الطعام إليه بعد المعدة جَمْعَهُ: أعفاج. انتهى.
"واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء" قال الحافظ ابن حجر (3): اختلف في معنى الحديث فقيل: ليس المراد به ظاهره وإنما هو مثل ضرب للمؤمن، وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها، فكأن المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد، والكافر لشدة رغبته فيها والاستكثار منها يأكل في سبعة، وليس المراد حقيقة الإمعاء ولا خصوص الأكل، وإنما المراد: التقلل من الدنيا وعدم الاستكثار منها، فكأنه عبّر عن تناول الدنيا بالأكل، وعن الاستكثار من ذلك بالأمعاء.
ووجه العلاقة ظاهر وكلام المصنف قريب منه، ثم سرد عدة أقوال في معنى الحديث.
وأما الأمعاء السبعة فذكر عياض (4) عن أهل التشريح أنّ أمعاء الإنسان سبعة: المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها التواب، ثم الصايم، ثم الرقيق، [والثلاثة](5) الأعور والقولون والمستقيم وكلها غلاظ، فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشره لا يشبعه إلاّ ملء أمعاءه السبعة، والمؤمن يشبع ملء معاء واحداً. انتهى.
قوله: "أخرجه الثلاثة والترمذي".
(1)"القاموس المحيط"(ص 1721).
(2)
الفيروز آبادي في "القاموس المحيط"(ص 254).
(3)
في "فتح الباري"(9/ 538).
(4)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 557).
(5)
كذا في "المخطوط" والذي في "إكمال المعلم": وهي كلها رقائق، ثم ثلاثة غلاظ.
قلت: وقال (1) حسن صحيح غريب.
قال العلماء (2): يؤخذ من الحديث الحض على التقلل من الدنيا، والحث على الزهد فيها والقناعة بما تيسر منها وقد كان العقلاء في الجاهلية والإِسلام يمدحون بقلة الأكل ويذمون كثرة الأكل.
وقال حاتم (3) الطائي:
فِإنَّك [مَهماَ](4) أَعَطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤُلَهُ وَفَرْجَكَ نَالَا مُنْتَهَى الذَّمِ أَجْمَعَا.
الثاني: حديث (أبي هريرة رضي الله عنه):
2 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ وَطَعَامُ الثَّلاثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ".
أخرجه الثلاثة (5)، والترمذي (6). [صحيح]
"قال: [414 ب] رسول الله صلى الله عليه وسلم: طعام الاثنين" أي: الذي قدّر لهما من غير زيادة كاف الثلاثة؛ لأنه تعالى ينزل فيه البركة مع الاجتماع.
"وطعام الثلاثة كافي الأربعة" فزيادة الواحد مع الاثنين، ومع الثلاثة يكفي الجميع.
قوله: "أخرجه الثلاثة والترمذي".
(1) في "السنن"(4/ 267).
(2)
قاله الحافظ في "الفتح"(9/ 540).
(3)
قاله الحافظ في "الفتح"(9/ 540).
(4)
كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح" إن.
(5)
أخرجه البخاري رقم (5392)، ومسلم رقم (178/ 2058)، ومالك في "الموطأ"(2/ 928 رقم 20).
(6)
في "السنن" رقم (1820) وهو حديث صحيح.
قلت: وقال (1): حسن صحيح.
- وفي أخرى لمسلم (2) والترمذي (3): عن جابر: "طَعَامُ الاثْنَيْنِ كافِي الأَرْبَعَةِ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ كَافِي الثَّماَنِيَة". [صحيح]
"وفي" رواية: "أخرى لمسلم" أي: عن أبي هريرة (4).
"والترمذي عن جابر: طعام الاثنين، يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية" المراد: أن طعام الأقل يشبع معهم أكثر منهم ببركة يضعها الله في ذلك.
وقال المهلب (5): المراد الحض على المكارم والتقنع بالكفاية.
قال الغزالي في "الإحياء"(6): ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال: ما سمعت كلاماً في قلة الأكل أحكم من هذا.
هذا ورواية الترمذي عن جابر بلفظ: "طعام الواحد يكفي الاثنين" وبه ترجم (7) الباب قال: باب طعام الواحد يكفي الاثنين، ثم ذكر لفظ الحديث كما هنا.
الثالث: حديث (ابن عمر رضي الله عنه):
3 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلهُمْ جُوعًا يَوْمَ القِيَامَةِ".
(1) في "السنن"(4/ 268).
(2)
في صحيحه رقم (179/ 2059).
(3)
في "السنن" بإثر الحديث رقم (1820).
(4)
بل هو من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 535).
(6)
(2/ 375).
(7)
في "السنن"(4/ 267 الباب رقم 21).
أخرجه الترمذي (1). [حسن]
"قال: تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم " التجشؤ (2): تنفس المعدة.
"فقال: كف عنا جشاءك" لعله أراد بكفه الجشاء: إرشاده إلى تقليل الأكل، ويدل له قوله:"فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولهم" أكثرهم. "جوعاً يوم القيامة".
قوله: "أخرجه الترمذي" ومثله في "الجامع (3) " ولم أجده في كتاب الأطعمة (4) من سنن الترمذي فينظر.
الرابع: حديث (المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه):
4 -
وعن المقدام بن معد كرب رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مَلَأَ اَدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُيَقْماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَاعِلاً، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ". أخرجه الترمذي (5). [صحيح]
"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن" ثم بين الذي ينبغي من القدر الذي يأكله بقوله:
"بحسب ابن آدم" أي: يكفيه. "لقيمات" جمع لقمة مصغر.
(1) في "السنن" رقم (2478) وهو حديث حسن.
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(1/ 266)، "القاموس المحيط"(ص 45).
(3)
(7/ 409 رقم 5477).
(4)
في "السنن"(4/ 649 كتاب صفة القيامة الباب رقم 37).
(5)
في "السنن" رقم (2380).
وأخرجه ابن ماجه رقم (3349)، وابن حبان في صحيحه رقم (5236)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 121) وهو حديث صحيح.